** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالرئيسية  الأحداثالأحداث  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 مولـد الملاك والشّـيطان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
هذا الكتاب
فريق العمـــــل *****
هذا الكتاب


عدد الرسائل : 1296

الموقع : لب الكلمة
تاريخ التسجيل : 16/06/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3

مولـد الملاك والشّـيطان Empty
05112011
مُساهمةمولـد الملاك والشّـيطان



مولـد الملاك والشّـيطان Arton6864-0080b
"للوسطيين وحدهم أمل في التواصل
والتناسل. إنهم أناس المستقبل، النّاجون الوحيدون؛ كونوا مثلهم، كونوا
وسطيّين، وسيصعب عليكم حينئذ ستر المهزلة!". نيتشه.


إلى شوبان في ذكراه، صديقا يؤنس جلسة الكتابة ويحيي الروح في الأنفاس..


انقضت عشرون سنة من الرّضاعة في أثداء النّبالة والخير، ولعلّها كانت
مرحلة أحلامي البريئة وانطباعاتي الساذجة جدا، ثم تلتها شهور مستمرة من
التّمرد والنزقية، اكتشفت خلالها روائع الأدب وملذّات الموسيقى والجنس.
وجعلتني رحلة البحث عن الذّات هذه أصطدم بعدة تعريفات تأصيلية، وحداثية
أيضا، في علم الأخلاق، خاصة في باب العلاقات بين الناس. فقد تهاوت أمامي
صروح من قداسة وجدانية كرّستْ للمغامرة من أجل الصّديق والتضحية مع الحبيب
كمدْخلين للصّفاء والطهارة الإنسانية. لكني نسيت، باستخفافِ البلداء
وإهمالِهم، مدخلاً آخر إلى العيش القويم: إنها القسوة! ذات القسوة التي
دفعت الإله الميتافيزيقيّ للرّمي بنا إلى قعر التاريخ، لنشيّدَ مكبوتاته
وعُقده النفسية الأكثر قذارة؛ نحارب الشياطين ونهادن الملائكة ليبلغ –هو-
نشوة الاستمناء. ولذلك قرّرت الحفر عن زنديق رومانسي ولطيف بداخلي، ربما هو
عزازيل صاحب الخروف: الشّيطان اليهودي الذي عذّبني في غابر الزمن وصنع من
آلامي قرابين إلى الله.


لطالما اكتننت بالفضيلة من الأرذال ونقائصهم وتذرّيت بمثاليتي
المهترئة من مغالاة النّاس واستقباح أحوالهم، لكني، وبعد إقدامي على خوض
تجارب غير أخلاقية، لادينية، استخلصت أن طلب الخير، كما المعرفة المطلقة
والقيم والأحاسيس والأشياء في ذاتها، يتضمّن زيفا وصفيّا لا أكثر.
فالصّداقة، في بذرتها الأولى، على عكس ما قال به أفلاطون من تفنّن تصنيفيّ،
ليست سوى مطيّة يركبها الضعفاء حسّا ومادّة: العبيد الرّاغبون في تسلّق
السلّم الاجتماعيّ، البدويّون المتعطّشون لدخول الحواضر لبناء العمارات
وركوب السيّارات، المتعلّمون من أبناء الطبقة الوسطى الذين تغريهم الشهادات
العليا وحفلات التخرّج الراقية، والأرستقراطيون المغرمون بأجساد فاتنة
يبتغون معاشرتها. ثمّ، كلّ أنثى، أو رجل به روح أنثوية، تتودّد إلى عشيق.
قد يستمدّ هؤلاء مشروعية أفعالهم من ترسّبات عائلية، وفطرية كذلك، وقد
يقضون مآرب كثيرة دون أن يبلغوا شيئا من سعادة أهل الحزن العميق. إنّ
الصّداقة، في تقديري، صنيعة مشاعرنا الأبدية لا الإعجاب والاستلطاف الظرفيّ
والمنفعة الآنية؛ إنّها حبّ متبادل بين إنسانين، وقد تكون، في حالات أكثر
طوباوية، تشظّيا ناعما لحبٍّ وحيدٍ كسّرته الحياة فينا. أي شعور كبير،
ورغبة أيضا، في تحويل حبّ أنانيّ لإنسان، إلى شيء، إلى معتقد.. إلى حبّ
الناس، وحينها توجد الصّداقة. أمّا الصّداقات الاعتيادية التي تنتهي إلى
حبّ اجتماعيّ، زواج مشرّف جدّا! فإنّها لا تختلف قطعا، في علّتها، بتجرّد
عن أيّ قصد أخلاقيّ، عن رفقة العاهرات.


لقد أبانت لي صحبة الرّجال، من خلال علاقات كثيرة دخلتها بطموح أفلاطوني
تافه، عن مدى سطحية الأحاسيس: الأوّل يترقّب الثغرة ليضرب، والآخر يتوقّع
الخيانة مسبقا! ذاتها الدوافع التي تزجّ بي في خندق المنعزلين إلى بياض
الورق وزُرقة اللّحن. بيد أنّ لي في رفقة آخرين لذّة المعرفة ولوعة الذكرى:
ريوش "يمتطي صهوة الصواعق"(1) لندخل معا النّار ونحطّم الجليد، مكناسي
يسكن شبحي العائم على نهر لاغَرون(2)، وكزخي يرقص السّرتاكي(3) في وليمتنا
المنسيّة على شرف دو مونتيـن..؛ مع هؤلاء لا أتردّد في خيانة الآلهة، لا
أرفض أن أكون تونتالاً(4) جديدا يشي لأهل الأرض بما تكتنفه السّماء.


ظلت الصّداقة، وما تزال، إشكالا مركزيا في فلسفة الحياة لعدّة
أسباب: أوّلا، نظرا للمأزق التعريفيّ الذي تضعنا داخله. من هو الصّديق؟ وما
هي الصّداقة أصلا؟ على أيّ أساس نبني صداقاتنا ونوطدّها؟ هل نحتاج
للصّداقة أساسا؟ إنْ نعم، أصداقات ضئيلة أم متعددة؟ عابرة أم دائمة؟.. .
ثانيا، لأنّ هذه العلاقة/الشعور تطرح التباسا بين الإرث الخرافيّ لمفهومها
–وغالبا ما يكون مثاليا لقدمه وبعده الزّمني عنّا- وبين الممارسة بكلّ
أعباء اليوميّ. فالصّداقة لدى البوذيين والمسلمين على سبيل المثال، بمنظار
تاريخيّ وجغرافيّ، متماثلة من حيث المبنى النظريّ (القيميّ والدّينيّ)
لكنها متوازية، لا تلتقي، على مستوى الواقع. أي أنّ هنالك مسافة ضبابية بين
الصّورة الاعتقادية والفضاء الوجوديّ. ثم، مسألة ثالثة، تفسّر بشكل ما
النقطة السابقة، وهي تقاطع الصّداقة، والأمر ينطبق على الحبّ بتحفّظ، مع
العدالة والحقّ والمساواة، ومع الحرية والديمقراطية.


حاجة الإجابة عن هذه الاستفسارات، على الأقلّ في تداعٍ ذاتيّ موجّه
للنّشر الصحفيّ، لا تتطلّب اقتفاء أثر أبي حيان التوحيدي في السّرد
والتمثيل (كتاب "الصّداقة والصّديق") ولا التفكيكيين في الهدم والتأويل
(جاك دريدا- "سياسات الصّداقة")، وإنما الاكتفاء باستهلاك ميراث نيتشويّ لا
ينضب: السخرية، بعمق وبمتعة، من شيشرون(5) الباحث، بلغة صوفية، عن صديق
يكون طبق أصله! قد نرى في صديق ما الأخ والرّفيق النموذجيّ لكن بُعدًا أن
ننسخه، أو ينسخنا، إلا إذا تحوّلت العلاقة إلى استرقاق فكريّ وماديّ، كثيرا
ما يجنحُ إليه الطرف الضعيف، فالعبيد والأوباش هم من صنع أخلاق البشرية،
وكرّسوا لها بالتملّق. أمّا أن يصبح الصديق بمثابة الأخ والأخ صديقا، فذاك
وارد. أمَا أن تصير ماهية الصّداقة، المبنية على المصلحة وحتى تلك المبنية
على "الصفاء"، أخوّة فتلك أكذوبة اختلقها ذوو السّلطة من الحكام ورجال
الدين لاستغلال تجمّع الرّعايا/المعتقدين، كما ابتدعوا، حسب الضرورة،
أكذوبات أخرى فرّقتهم وجعلت من أبناء العمومة أعداءً (القول بسموّ الأخوة
في الإسلام ونقاء العرق اليهودي).


وممّا سبق، فالصّداقة موضوع من مواضيع الحبّ وأجناسه. يعتبرها البعض، عن
قصد، شعورا "طاهرا" في "نيّاته" يتوقّف على المجاملات والزيارات وعلى ردّ
الاعتبار المتبادل، والحقّ أنّها تتّصل، بوعي أو بغيره، بالجنس أيضا. كأنْ
نتكلّم عن علاقة ألبير كامو بالممثّلة ماريا كزريس التي أدّت أدوارا في
مسرحياته، صاحَبته في بعض سفرياته وتقاسمت معه الفراش، أو عن علاقة الكاتب
عبد الله الطايع بوزير الثقافة الفرنسي ميتيران بكلّ تداخلاتها مع الشغف
الأدبيّ والمنفعة الفكرية.


وقد تُطبع الصّداقة بسمات الأبوّة حيث يتلاقى تَمثّل الذات في الغير
برغبة التشجيع والمواكبة. كأنْ يتقاسم معي رجل في الخمسينات من عمره ثمارا
ويبعث بها إليّ، مع كتابين وقرص مرن(6)، قائلا: "وصلتني للتوّ ثمار من
أقربائي بمدينة فكيك وفكّرت في إعطائك بعض العناقيد. كان والدي يتناولها
كلّ عشاء ويشرب معها حليب الماعز، إن وجد. يقولون لي إنّه الشيء الوحيد
المشترك بيننا..". أليست هذه قمّة المحبة الوجدانية؟


بعيدا عن الكلام الشاعريّ، الذي صدر عنّي في فقرة سابقة، وحتى لا
يُغرّ أصحاب القلوب الرهيفة، الساذجون والرومانسيون مثلي، بصداقاتهم. يجب
الاعتراف، بمرارة، بالخدعة التي توهمنا بها الصّداقة، ثم بالمفارقة
الصّادمة والمحيّرة: تجعلنا الأحاسيس البدائية نطمع، كطمعنا بالجنان
الخالدة تحت تأثير ملاك مخادع، في إيجاد أمل الاستمرار مع شخص مفترض نمنحه
الحبّ ونوليه الثقة. لكن سرعان ما تتبدّدُ هذه الرغبة بـ"خيانات شرعية"
ويتبدّل الصديق بالعدوّ المُضمر بداخله؛ تحرّكه الغيرة من نجاحاتنا والغبن
من خساراته. إنها الأنانية الأصلية. وريثما يعلن الإنسان تمرّده، وهروبه
إلى خلوته، حيث يجد العظماء نشوة التأمّل والكتابة، يداهمه الحنين، من وحي
الذكريات، وتطارده هزيمة مؤلمة: موت الوالدين؛ رحيل آخر شريان يربطه
بالطفولة.


كيف نكون إذن وسطيين؟ في صداقتنا مع أنفسنا ومع الآخرين: مع الآلهة، مع
الحيوانات، مع الألوان والنغمات، ومع كلّ ما يحيط بنا. أعتقد أنه، بقدر
الحاجة إلى القسوة والوضوح، فإننا نحتاج للوقت لينضج الشعور ونفهم أكثر؛
الاحتمالات الواردة، الحقائق الممكنة، وغير الممكنة، وجسارة التحدّيات التي
تنتظرنا في علاقاتنا الإنسانية. وبين ضفّتي العدم، القدوم من أحشاء
مُكفهرّة والرحيل إليها، داخل هذه الاستحالة الأنطولوجية المأساوية، يتوالى
اتساع الفهم والاكتشاف وتترسّخ فيه تساؤلات لامتناهية حول الوشائج البشرية
وتراتبية المصالح والأخلاق، ولا تتبقّى لنا إلاّ حيلة يتيمة: التحالف مع
الشيطان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

مولـد الملاك والشّـيطان :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

مولـد الملاك والشّـيطان

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: