من فضائل الكتابة، ربما، أنها
تخلق أفقاً إضافياً للتفكير لدى الكاتب، وتمنحه آليات جديدة للبحث في كل
مرة يكتب بها، كما تنمي حدسه النقدي تجاه الموضوعات الشائكة في العالم
الخارجي، وللكتابة النسوية أثر واضح في هذه النقطة بالذات، وقد منحت
الكتابة للنساء علاقات إنسانية على أساس فهمهن للخارج عبر الكتابة. أول ما
يفرضه هذا الوعي على المرأة هو عدم قبول وضعيتها المتدنية، ويكسب تفكيرها
القدرة على تمييز ما يجعلها تابعة ومقلدة، ويكشف لها ذلك التضليل الناعم
الذي يساق إليها فيجعلها تجنح عن الفهم والتعقل ويسوقها في طريق حفرته
الثقافة الذكورية السائدة منذ آلاف القرون بأن تكون خلف الرجل.. لعل هذا
الكلام صار بائداً، رغم أن الفكرة ما تزال سائدة حتى في الألفية الثالثة،
تردده الكاتبات في المؤتمرات التي تعقد للأدب النسائي مع أنهن يخرجن بتصريح
واحد على الأغلب: أن لا وجود لتقسيم للأدب على أساس الجنس، وليس بالضرورة
أن يكون الإبداع إما بشاربين أو كعب عالي! لكنهن سيشاركن حتماً في مؤتمر
الأدب النسائي العام القادم…!!
وعندما تكتب المرأة فذلك يعنى أنها تكتب نفسها بعد أن تسقط كل الحائل من
الأفكار والتصورات الموروثة التي تجعل المرأة عدوة لجسدها ولنفسها ولتستر
وحدة كيانها، ولم يعد هناك ما يفصل بين الكاتبة والموضوع فتهدم المرأة عن
خيالها وذاكرتها كل موروث العبودية. وها هي تنتشل القلم بخفة، وهو الذي كان
يعتبر أداة ذكورية، بعدما ضجرت من الحكي تحت الأغطية الدافئة لأطفال لا
يفهمون رغبتها، بينما كان الفرسان الأشاوس يتنقلون بين الحقول والصحاري
القاحلة…………………..، ولشدة ما استهلك هذا في المحافل الثقافية التي رحبت
بالأنثى المبدعة، صار(الكلايشيه) الرسمي لإغواء روائيات في صدمة الكتاب
الأول! أو ما زلن قيدَ الاحتلام به..
نحتاج إلى التوقف الآن عند ما منحته الكتابة لنون النسوة، في الوقت الحاضر
على الأقل، كما ربما علينا فحص التغيرات التي طرأت عليها.. هناك اتجاهان
واضحان في الكتابة؛ إما جريئة إلى أقصى الحدود تتطرق إلى الأمور التي لم
نعهد التقرب منها في المرأة، وهذا إيجابي بغض النظر عن الجنس إذ يعد الأمر
لصالح التخلص من عوائق اجتماعية في الكشف المطلق. لقد كتبت إحداهن على سبيل
المثال في روايتها أنها تستفيق صباحاً حين تمتلئ مثانتها بالبول، ويكاد
يكون مزعجاً الخروج من السرير الدافئ نحو الحمام، لكن هذه الطريقة التي
استعاضت بها ومنذ سنوات عن المنبه..!!
من فترة زمنية ليست بالبعيدة لم نكن سنقرأ مثل هذه الكلمات من مبدعات
تقمصن أغلبهن إما شخصية (فرانسواز ساغان)، لكن النسخة الرديئة منها لعلها
تلك التي تثمل وتهذي بغير المباح في كل مناسبة أدبية! أو شخصية أخرى وجدت
لنفسها مهمات إضافية في توجيه (حيونة) الذكور نحو الطريق الصحيح، أو حماية
المجتمع الشرقي من آفات الغرب القذرة وإعادة مجد زمن (الطهطاوي)، وهي ضد
العولمة بالتأكيد..
هنا علينا التساؤل عن الكاتبة المتصالحة مع نفسها، والتي تملك نظرة مرنة
لاستيعاب الكتابة قدراً من المستجدات سواء في العلاقة بينها وبين الرجل، أو
في علاقتها مع مجتمع رعوي ـ حداثي بآن واحد.. ليس تحاملاً على الكاتبات
ولكن من أجل كما قلت سابقاً فحص ما طرأ عليهن من باب الحرص على حرية حصلن
عليها بشق الأنفس، مع أن بعض ما قرأت مؤخراً من إبداعات بنات جنسي يجعلني
أفكر في زمن أوروبا الوسطى المظلمة، وقد كانت المرأة بذلك الوقت تعتبر
مريضة إن كانت فصيحة كثيرة الكلام ويتوجب علاجها، وكانوا يضعون المرأة
سليطة اللسان (أي التي تستخدم لسانها) في كرسي يقيدونها إليه ويقومون
بغطسها في مياه النهر مرات متكررة، وذلك من أجل إطفاء النار الملتهبة في
عضلات لسانها..!!، إذ ليس مطلوباً منها استعمال هذه الآلة المذكرة وقد ناب
عنها الذكور في ذلك!
في المقابل يظهر على الساحة الأدبية جنس ثالث من الكاتبات الشابات تبدو
عليهن مظاهر الغلمان أكثر، لا يتورعن عن مشاكسة المحظور والكتابة عن
هزائمهن على كل المستويات، رغم أنهن لا يكتبن عن هزيمة الرجل الذي دعا
إحداهن إلى وليمة كحولية بينما يفكر سراً برغبته بقراءة كتاب تراثي لخير
الدين نعمان ابن أبي الثناء (الإصابة في منع النساء من الكتابة)…..