** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 لنكبة الفلسطينية بين إعادة تاريخها وإعادة إنتاجها

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
هذا الكتاب
فريق العمـــــل *****
هذا الكتاب


عدد الرسائل : 1296

الموقع : لب الكلمة
تاريخ التسجيل : 16/06/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3

لنكبة الفلسطينية  بين إعادة تاريخها وإعادة إنتاجها  Empty
05112011
مُساهمةلنكبة الفلسطينية بين إعادة تاريخها وإعادة إنتاجها



لنكبة الفلسطينية  بين إعادة تاريخها وإعادة إنتاجها  Arton6257-74b27
قد يبدو من باب مجانبة الحقيقة،
اعتبار الحجم والرمزية اللتين تشغلهما القضية الفلسطينية في الثقافة
والوعي الشعبيّ والنخبويّ العربيّ دليلاً على صحّة وبراءة النظرة البسيطة
المتخِذة الموقف القائم على حقين لا لبس فيهما :
( لا شرعية الاحتلال – والحق في إقامة الدولة الفلسطينية)، علماً أنّ في
تلك التبسيطية المختزلة في مصطلحات هيولية لا شكلَ ولا واقع أو قالب واضح
لها، ما يشكل مقتلاً، إن لم نقل إضعافاً، لحقوقٍ وقضيةٍ صارت دينَ ودَيدنَ
الحكومات العربية وإن زوراً، تتبنّاها بما تبدو بها ملكيةً أكثر من الملك،
جاعلةً من فلسطين وقضيتها وشعبها شمّاعة يعلَّق عليها كل فشلٍ لمشروع تنمية
أو دمقرطة لم تكن جديّة يوماً بطبيعة الحال، وانكفاءَ كل تحديثٍ لا يبدو
منه سوى مظاهر شكلانية قائمة على اعتماد منتجات الغرب بمعظمها من تقنية
ومعلوماتية فقط لا غير، فيما يبقى التحديث السياسي والمجتمَعي حلماً بعيد
المنال، خاصة مع وجود حجّة غير واهية، لا تني الأنظمة تستعيد خيار مركزيتها
أمام شعوبٍ عربيةٍ سجينة خلف قضبان الإيديولوجيا والعقائد، شعوب مغيَّبة
عن كل شيء إلا هذه القضية المتغلغلة في صلب لاوعيهم ووعيهم الجمعي، فكيف
بما يستدعيه تطوير النظرة والموقف والتحليل وطرح أفق لفلسطين والصراع فيها
وعليها! عنَينا الأفق الديمقراطي والطرح الفكري والسياسي المستلهم حداثةً
بات عالم اليوم يضع ما قبلها على محكّ الوجود والحضور على خارطة الإنسانية.


ليس غريباً أنّ في ما تحمله كلمات (التحديث والحداثة وتطوير النظرة
والموقف والبحث عن أفق وتسوية ثقافية لقضية فلسطين..) ما هو كفيل بأن يثير
في الفكر الدوغمائي العربي بكافّة مشتقاته الإسلامية والقومية واليسارية،
والمعتاد ثابتاً لا يقبل النقد ولا الاجتهاد، سيلاً من مصطلحات ومفردات
التخوين والقذف بتُهم العمالة والخيانة للقضية والتنكر والانهزامية و… إلى
آخر الديباجة العربية المعروفة، على أنّ ذلك يَفترض ولو بجهدٍ واجتهادٍ
جديدَين نظرة واقعية لما يجري من مسلسل الدم اليومي الذي يغطي فلسطين، تقوم
على محاولة النظر بعقلانية مفرِطة إلى الطرفين المعنيين بالنزاع، أي الطرف
الإسرائيلي والطرف الفلسطيني (لئلا نقول العربيّ)، في ظل موازين قوى بالغة
الرجحان لصالح الطرف الأول يستعملها ضد الطرف الثاني دون رادع أخلاقي أو
سياسيّ، وبغطاء أميركي ودوليّ كما نرى في معظم حلقات المواجهة وآخرها الحرب
الإسرائيلية الإرهابية على غزة.. لعلّ محاولة النظر العقلانية تلك تساعد
وتساهم في شرعنة خطاب عربي وفلسطينيّ وإن كان شرعياً دوماً في المطالبة
بالحقوق، إلا أنّ الدرك الذي انحدرت إليه القضية وحاملوها وما وصل الحال
إليه من ثقافة أصولية وقطيعة مع كلّ فكر ديمقراطيّ وحوار مع عالم غربيّ
متمدّن يلعب الرأي العام وتشكيله عبر خطاب السلام دوراً فيه وفي صياغة
مواقفه على الأقل تجاه الفلسطينيين، كل ذلك يتطلب، لا بل يفرض البحث عن
شرعَنة وخطاب يقول العقل كلمته فيهما.


المؤرّخون الجدد كآخر عند العرب .. والعرب كآخر عند هؤلاء المؤرّخين


إنّ أهمّ ما تقوم عليه المعركة مع الآخر / الخصم / العدوّ/ أياً كان هذا
العدوّ، يكمن في أنسَنته، أي في اعتباره كائناً يمكن التعامل معه بالسلب
والإيجاب عبر إضفاء ماهيّة بشرية عليه تعطي للاتفاق أو الخلاف أو الصراع
معه طابعاً ندّياً انطلاقاً من التساوي في الكينونة البشرية، وإذا كان من
المفترض أن ينطبق هذا القول والمبدأ على الفلسطينيّ المستباحة حقوقه
وإنسانيته على يد سالب تلك الحقوق والإنسانية ( أي إسرائيل)، فإنه يستوجب
ذلك أيضاً تجاه الإسرائيليّ كآخر أو كخصم وعدوّ تاريخيّ للفلسطينيّ، ولذا،
فمن نافل القول افتراض ذلك على من هم دون مستوى العداء المستفحل ضد
الفلسطينيين عند الطرف الإسرائيلي، أو من أوجدوا منهجاً تاريخياً في البحث
واستعادة لحظة الولادة التي رأت فيها الدولة العبريّة النور، وإعادة كتابة
تاريخ النكبة وما سبقها ورافقها وبعض ما تلاها، بشكل يختلف عن الرواية
الرسمية التي حفل بها الإعلام الرسمي الإسرائيلي والكتب المدرسية ودراسات
الماجستير والدكتوراه في الجامعة العبريّة، ما عدا بعض الأطروحات الجامعية
التي ينضمّ أصحابها إلى خانة الخطاب الجديد بمنهجهم المختلف عن التاريخ
الرسمي الإسرائيلي، ولو لم يكن كلّ هؤلاء المؤرّخين على قدم المساواة وعلى
نفس الدرجة من الجرأة والموضوعية في عملهم الأكاديميّ هذا .
من هؤلاء الكتّاب والباحثين اثنان، تتلمذ أحدهما على يد الثاني المنتمي إلى
تيّار المؤرخين الجدد، هذا إذا لم يكن أشهرهم وأهمّهم على الإطلاق .


أما الطالب فهو "تيدي كاتس" صاحب أطروحة الماجستير المقدّمة لجامعة حيفا
بعنوان ( خروج العرب من قرى سفح الكرمل الجنوبي عام 1948 )، والذي تخلّى
لاحقاً عن أفكاره وأطروحته تحت ضغط المحاكمة والدعوى المرفوعة عليه من قبل
عناصر وضباط من وحدة (السكندروني)، التي ارتكبت مذبحة رهيبة بحق
الفلسطينيين في قرية الطنطورية في 22 أيار 1948، أمّا الأستاذ الجامعيّ فهو
الباحث والمؤرخ " إيلان بابه" صاحب السبق بين المؤرخين الجدد في فكرة
ونظرية تغيير اسم النكبة بما يتماهى مع اسم كتابه الشهير (التطهير العرقيّ
في فلسطين)، وقد غادر سلك التدريس في إسرائيل بعد حملة هجوم عليه نتيجة
آرائه المناصرة للفلسطينيين، وهو الأستاذ حالياً في جامعة (إيكسيتر)
البريطانية.


تفاصيل قضية بابه وأطروحة كاتس وغيرهم ممن خطّ هذا الخط في الكتابة
والتأريخ كثيرة، وقد يكون من المفيد اختصار كل ذلك هنا للوصول إلى ما تشكله
تلك الظاهرة من قاسم مشترك قد يجمع الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني على
حاضر مشترك، انطلاقاً من كتابةٍ صادقة وصريحة وجريئة للتاريخ الإسرائيلي
الذي بدأ مع النكبة ( التطهير العرقي بحسب بابه)، وهذا ما لا يبدو قريباً
في الظروف التي تمر بها المنطقة العربية وفلسطين خصوصاً، وفي ظل استمرار
نهج إسرائيل الرافض كل ما يمت لحقوق الفلسطينيين بصلة، بدءاً من فك الحصار
عنهم وانتهاء بإقامة الدولة . هذا هو العائق الأكبر أمام كل مشروع للتسوية
الثقافية والتاريخية بين الطرفين قبل التسوية السياسية، لكن.. أيكفي توصيف
الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وتوصيف الإجرام والسياسة المتعنتة
والعنصرية لدى الطرف الإسرائيلي الذي لا مجال لإنكار مسؤوليته الكبرى عمّا
يحدث في الساحة الفلسطينية .. أيكفي ذلك لكي نستريح من عناء البحث عن
مسؤولية ثقافية عربية، وفلسطينية بنطاق أضيق، عن انحدارٍ وحضيض قد تكون
مسؤولية العرب عنه أقل من إسرائيل فيما يتعلق بالساحة الفلسطينية، بيدَ
أنهم ضالعون وبدرجة عالية من المسؤولية على نطاق أوسع، أي فيما يتعلق
بالموقف من مشاريع الديمقراطية السياسية والتحديث والنهوض والتنمية في
العالم العربي، إلى جانب مسؤولية كل ما لا ينفك يفاقم العجز عن إنتاج خطاب
وصفناه بدايةً بالعقلاني والواقعي، خطاب يخاطب الرأي العام الإسرائيلي
والعالمي بما يكفل مستوى من التضامن مع حقوق الفلسطينيين والعرب في استعادة
أراضيهم، وإقامة الدولة الفلسطينية، أي بتعبير آخر: وسيلة ضغط ومقاومة
ثقافية وإعلامية لا تقل عن العسكرية أهمية، بل ربما فاقتها بالجدوى والقدرة
على إقناع الرأي العام العالمي أحياناً كثيرة .


لن يذهب المرء بعيداً في التفاؤل البسيط والأبله بكون المقاومة
السِّلمية والثقافية الطامح كثيرون إلى بلورتها في صيغة مشروع مدني، ستلقى
مباركة وتهليلاً في ذهنية وثقافة عربية يشكل العنف بكافة أشكاله وتجلياته
حيزاً لا يستهان به منها، بل إن هذا العنف تحوَّل إلى ثقافة بنيوية تستجدي
الماضي التليد منذ الفتوحات الإسلامية انتهاء بالصراع السياسي والعسكري،
والذي يشكل الصراع العربي – الإسرائيلي أحد وجوهه، فثقافة تنفي الآخر
المختلف بالرأي والانتماء سواء كان عربياً أو غربياً، أو منتمياً إلى أقلية
إثنية أو دينية، ولا تنظر إليه إلا كمرمى لنيران التخوين قبل نيران ورصاص
التصفية الجسدية، ثقافة كهذه لا يمكن التعويل عليها بنتائج سريعة وقريبة
المدى في لمس هذا الانفتاح، ورسم خارطة طريق ثقافية لما يجري من نزاع وصراع
دموي في فلسطين .


كما انه لا يمكن التعويل بالمقابل، على تأثير تلك التي اقترحنا تسميتها
بالمقاومة الثقافية ومشروع التسوية التاريخية، على طرف إسرائيلي موغل في
جبروت القوة واستخدامها تجاه شعب أعزل، وهذا ما يستمر منذ ما قبل قيام
الدولة العبريّة، وهو شهد محطات للتطهير العرقي والتهجير تمثلت في خطط
منظمة وممنهجة، وضعها بن غوريون ومن هم معه واتخذت تسميات تسلسلية تراتبية
(الخطة أ / 1930 – الخطة ب / 1946 – الخطة ج / 1947 – الخطة د / 1948 )
وتلك الأخيرة تعرف أيضاً بالخطة (دالت)، الخطة القائمة على استراتيجية
تدمير مراكز التجمعات البشرية الفلسطينية خاصة في القرى، وتطهير المناطق
الفلسطينية من سكانها وطردهم خارج حدود الدولة .


ما يبدو من هذه المقارنة الظالمة والمجحفة، لكن الضرورية، بين الطرفين،
يحيلنا إلى استعادة بعض ما كتبه المؤرخون الجدد، في التفاصيل المتعلقة
بكيفية قيام بن غوريون وإيغال يادين وموشيه ديان ويتسحاق ساديه وإيغال ألون
وآخرين بعملية التطهير والتهجير والنفي والتشريد ضد الفلسطينيين، وخاصة في
الخطة دالت آنفة الذكر، وفي مناهج البحث التي قامت عليها الكتابات
الإسرائيلية، وهي متفاوتة كما ذكرنا، غير أنها تبقى عنواناً ودرساً قد
يستوقف الطرفين: الإسرائيلي المهيمِن والفلسطيني المهيمَن عليه، وهذا ما
نجده مثلاً عند "إيلان بابه"، المؤرخ الذي دفع ثمن أفكاره لأنه لم يستطع أن
يكتب بشكل بارد حول تطهير عرقي لا يزال مستمراً حتى اليوم، وهو يقول في ما
يخص التأريخ الجديد في إسرائيل كظاهرة :


" إن المؤرخ الجديد للصهيونية في إسرائيل يكون مهموماً بأسئلة المعقولية
الذهنية والفكرية أكثر من أسئلة الموضوعية التاريخية، وهو يسعى لإعادة فحص
حركته ومجتمعه وقوميته بأدوات مساوية لتلك التي يدرس بها الجانب الآخر،
يُخضع للنقد ممارسات النخبة الصهيونية وكذلك روايتها التاريخية التي سُلّم
بها حتى الآن تسليماً تاماً، ومن الجائز أن ينصرف بوصفه مؤرخاً لا عالم
اجتماع او إنتروبولوجيا إلى دراسة التاريخ الاجتماعي للنزاع لكي يفحص إلى
أي مدى أصبح المجتمعان في طرفي المتراس ضحايا لسياسات النخب الحاكمة
وأساطيرها ورواياتها التاريخية " .


وعندما تكون الغالبية الإسرائيلية وحكوماتها وسياساتها، سياساتٍ ضد
العرب والفلسطينيين، ويكون العنف الفكري والميداني هو المسيطر على الذهنية
العربية ونظرتها الكلاسيكية لهذا الصراع، فماذا يفترض بالنخبة الملتزمة
إنهاء، أو على الأقل تخفيف، جرعة العنف المفضي إلى كوارث بين الطرفين وعلى
كليهما، أو التنظير لإنهاء الصراع ووضع نهاية وحد له في ظل كل هذه
التعقيدات والظروف، عنينا موقف أي مؤرخ جديد إسرائيلي ينطبق عليه توصيف
"بابه" سابق الذكر، أو مثقف ومؤرخ أو حتى كاتب عربي يعي إلى أي درجة انحطت
أحوال العرب ودور الأنظمة العربية والفكر الأصولي في مضاعفة كارثة فلسطين
لتصبح كارثة لاحقة بكل عربي بَعيد جغرافياً عن فلسطين بُعده روحياً
وأخلاقياً عن تلك الأنظمة والأصوليات، ومسؤولية المثقفين العرب والمناضلين
في سبيل الحرية عن تقديم رؤية جديدة لهذا الصراع التاريخي والنزاع المستمر
والذي يبدو انه سيستمر طويلاً، رؤية بعيدة عن عبثية الدعوة إلى إلقاء
اليهود في البحر ومردود هذا الخطاب على العرب والفلسطينيين قبل غيره لخطورة
الحلول الجذرية الأصولية والممسكين بزمامها، وهي الدعوة والخطاب الذي لا
يذكرنا إلا بالإعلام القومي الناطق باسم الأنظمة، والذي مثله ذات يوم أحمد
سعيد حين كانت الطائرات الإسرائيلية والمدرعات وجيش الدفاع الإسرائيلي يجهز
على ما تبقى من مواقع عربية في حرب 1967، في الوقت الذي كانت فيه نشرة
الأخبار الناطقة باسم النظام المصري الناصري تتحفنا بخبر هنيئاً مريئاً يا
أسماك البحر .


قد تكون رؤية العرب الجديدة لهذا الصراع وأفق إيجاد حل له متفقة مع رؤية
"بابه " من باب الفكرة العامة وليس بشخصنةٍ لتلك الفكرة في "بابه" أو
غيره، وهي الشخصنة التي لا يعوّل عليها في أي جدوى أو نتيجة، خاصة إذا برز
لنا من ضمن مجموعة المؤرخين الجدد في إسرائيل من يحاول إعادة إنتاج الخطاب
الإسرائيلي العنصري بشكل منمّق وبما يحاول أن يبدو به أكثر تهذيباً وهدوءاً
من ضجيج الخطاب اليومي، ومن هؤلاء مثلاً "بيني موريس" الذي أنكر وجود أي
مخطط إسرائيلي لطرد الفلسطينيين وتهجيرهم، وذهب إلى الفاشية الصرفة بقوله: "
لو لم يطرد بن غوريون الفلسطينيين لما قامت الدولة… ثمة ظروف تاريخية
تبرّر التطهير العرقي.. إن الحاجة لإنشاء هذه الدولة في هذا المكان أهم من
الظلم الواقع بالفلسطينيين نتيجة اقتلاعهم " .



إسرائيل المتجانسة .. وما بعد الصهيونية



يَعتبر إدوارد سعيد أنّ "التاريخ الإسرائيلي الجديد ممثلاً بالمؤرخين
الجدد يدفع التناقض الصهيوني بين الفكرة الصهيونية والفكرة الديمقراطية إلى
حدود لم تكن بادية لغالبية الإسرائيليين وحتى للكثيرين من العرب". وبذلك
يستحضر صاحب (الاستشراق) الفكرة الديمقراطية المفترض كونها متجاوزة لكل ما
عداها من عنصرية أو فاشية امتازت بها إسرائيل، حيث تصبح كتابات المؤرخين
الجدد حاضرة بملامح لحركة وتيار مدني ديمقراطي منفتح عرف باسم (ما بعد
الصهيونية)، وهي طبعاً لم تتبلور بعد بشكل واضح أو تنخرط في المعارك
السياسية والحقوقية من اجل تحرير المجتمع الإسرائيلي من نظرته العنصرية
تجاه الفلسطينيين والعرب، ويبدو تيار ما بعد الصهيونية نتاج عمل وجهد
مؤرخين وناشطين حقوقيين وأكاديميين في إسرائيل وخارجها، ينطلق من رؤية
للطرف الآخر المظلوم، أي الفلسطينيين، إلى جانب انطلاقه من اعتبار أن
الصهيونية الكلاسيكية قد تقادمت وتجاوزها الزمن والمفاهيم الجديدة في عالم
اليوم، ولا بدّ، كما يقول د .حسام السعد في إطار توصيفه لها ولأفكارها "من
جعل إسرائيل دولة عادية تطبّع مع الفلسطينيين والعرب خارج إسرائيل،
وتحويلها إلى دولة لسائر مواطنيها.. وهذا النقاش أصلاً صار معولماً ولا
حدود له ومفتوحاً أمام الجميع أينما وجدوا " *.


ترافق تيار أنصار ما بعد الصهيونية والمطالبين بإزالة العسف والتعصب
القومي والديني في إسرائيل بسلسلة نشاطات ثقافية، وسياسية بدرجة اقل، قد
يمكن اعتبار بعضها في إطار النظرة للتنوير وانفتاح الدين اليهودي، استعادة
لبعض أفكار حركة التنوير اليهودية في أوربا (الهاسكلاه) قبل قرنين من
الزمن، الحركة التي قامت نظرياً بإزاحة الدين كمعبّر عن الانتماء والرابط
الوحيد بين اليهود، وطرحت شعار (كن يهودياً في بيتك، وإنساناً خارج بيتك ) .
مشروع ورؤية حركة (الهاسكلاه) ذهب أدراج الصهيونية ويبدو أن ما بعد
الصهيونية تستعيده بصيغة خطاب تنوير فكري وسياسي في دولة كإسرائيل، يمتزج
فيها الدين والقومية، ويتلاقح الأول مع الثانية بما يرسم ملامح وخطوط
القرار السياسي والعسكري في تلك الدولة .


كما ترافقت نشاطات ما بعد الصهيونية بندوات ومؤتمرات داخل إسرائيل، يمكن
بالعودة إلى "إيلان بابه" الذي اعتبره "بيني موريس" التلميذ الروحي
لإدوارد سعيد بسبب مشاركاته العديدة في نشاطات معادية للصهيونية، أن نضرب
مثلاً عليها في (ورقة نعي الصهيونية)، المُشارك فيها "بابه" إلى جانب
مجموعة من المثقفين الإسرائيليين الديمقراطيين الداعين إلى الانفتاح على
الفلسطينيين ووضع حد نهائي للصراع معهم، وقد أسفرت ورقة نعي الصهيونية تلك
عن فكرة تفترض وجود ثلاث صهيونيات متعارضة هي :

لنكبة الفلسطينية  بين إعادة تاريخها وإعادة إنتاجها  Puce_rtl الصهيونية التقليدية : ممثَّلة بحزبي العمل والليكود، وهي التيار السائد.

لنكبة الفلسطينية  بين إعادة تاريخها وإعادة إنتاجها  Puce_rtl الصهيونية الجديدة: وهي تفسير متطرف جداً للصهيونية، ممثلة بتحالف الأرثوذوكس والمستوطنين القوميين المتطرفين .

لنكبة الفلسطينية  بين إعادة تاريخها وإعادة إنتاجها  Puce_rtl
ما بعد الصهيونية: وهي ظاهرة يهودية تمثل مرحلة انتقال للخروج من
الصهيونية، لكن من غير الواضح إلى أين، ومن الضروري كما يقول أصحاب الورقة،
أن ترسم المستقبل في نقاش مشترك مع الفلسطينيين .
تطول الأمثلة على ظاهرةٍ مثل (ما بعد الصهيونية) لا تزال في بداية تكونها
فيما لا يُعرف إلى أين ستنتهي وينتهي المآل بهذا الصراع الدموي، وكيف ستُحل
تراجيديا الشعب الفلسطيني، خاصة أن المستقبل القادم انطلاقاً من الماضي
والحاضر لا يبشّر بالخير، في ظل سياسات إسرائيلية متعنتة ودموية، يقابلها
عنف عبثي عند الفلسطينيين والعرب يحوّل القضية العادلة إلى استباحة لكل
شيء، وردات فعل وخطاب يصدَّر إلى الخارج بشكل كارثي، إلى ما هنالك من عوامل
ستكبح عجلة التطور والحل النهائي قريباً، وإلى فترة طويلة قادمة كما يبدو،
ناهيك أن كل ما سيبرز من حركات ثقافية أو سياسية تسووية هي إما لا تزال
حديثة الولادة والعهد، أو لا تزال جنينية، ولا يُعرف مدى تأثيرها على حركة
الأحداث والتاريخ ومساره، ولا مدى قدرة الخطاب الديمقراطي والتنويري لدى
الطرفين على توجيه الدفة بالاتجاه الصحيح، كلٌ وفق أهدافه وطرحه وساحة
نضاله الديمقراطي، إسرائيل أو العالم العربي، هذا العالم العربي المفترض ان
يلجَ الحداثة والتنمية والديمقراطية والتحرر من نير الاستبداد، وهذا
الأخير هو الطامة الكبرى، وربما يكون في حراك المؤرخين الجدد ونقدهم للسائد
والرسمي في دولتهم، درسٌ لغيرهم من العرب في التخلص من عفن التعصب
والشوفينية القومية، وكتابة تاريخ وحاضر بلادهم بعيداً عن انتصارات وهمية
لا تنفك تستعيد بطولات ذي قار والهلاليين قديماً وأم المعارك حديثاً. إنّ
للفلسطينيين حجم مأساتهم، وربما تصل فلسطين ذات يوم إلى حل بعيد عن أوهام
وأحلام وردية لا واقعية، قد يكون عبّر عنه كتّاب واقعيون كثر في صيغة
توفيقية توليفية واحتمالات لسلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي هو
خيار للمستقبل ونهاية للصراع تبدو صعبة وبعيدة المنال، إنما يفترض التمسك
بها، مستقبل يقبل فيه الفلسطيني بالعيش مع إسرائيلي سيفضي به أي خيار له
غير إسرائيل إلى النهاية والموت المحقق الذي لن يقبل به، ويقبل فيه
الإسرائيلي بوجود وحق الفلسطيني بالحياة على ارض يقر ذاك الإسرائيلي بما
جرى بها في نكبة 1948 .


" إن التعايش المنشود على ارض فلسطين قد لا يمكنه أن يقوم بين شعبين
يعيش كل منهما تاريخية إلى جانب الثاني أو بمعزل عنه ،بل بين شعبين على كل
منهما أن يتمثل تاريخ الطرف المقابل ويستوعبه.. فحتى لو نجم الإسرائيلي عن
سفاح، يتساوى ابن السفاح مع العربي ابن الزواج الشرعي في حقهما في الحياة
"** .


وإذا كان عمل المؤرخين الجدد وجهودهم المبذولة جديرة بالوقوف كثيراً
عندها كما يرى كاتب هذه السطور، عبر محاولتهم ونجاحهم نسبياً في إعادة
كتابة تاريخ النكبة، فإنهم بذلك لا يلتقون طبعاً مع جهود الطرفين الرسميين
العربي والإسرائيلي، والحركات الأصولية اليهودية والإسلامية التي نجحت
دونما جهد كبير في إعادة إنتاج هذه النكبة دوماً على مدى عقود وحتى الآن
وإلى ما لا نعلم، دون أن نسقط طبعاً في فخ المساواة بين الجلاد الإسرائيلي
والضحية الفلسطينية، في ظل تراجيديا فلسطينية مستمرّة منذ ستة عقود.
ختاماً


من يريد أن يأخذ مثالاً دامغاً على التسوية الثقافية في نخب الطرفين
الفلسطيني والإسرائيلي، فلهُ خير مثال عليها في الصداقة الشهيرة التي جمعت
البروفيسور والمفكر الفلسطيني والمدافع الشرس عن حقوق الشعب الفلسطيني
ادوارد سعيد مع الموسيقار الإسرائيلي الأرجنتيني الأصل "دانيال بارنباوم"،
الحاصل على الجنسية الفلسطينية والذي أسس مع ادوارد سعيد (اوركسترا الديوان
الشرقي – الغربي) وهي فرقة تضم موسيقيين فلسطينيين وإسرائيليين ومن جنسيات
أخرى مختلفة ..


واستطراداً.. في إحدى مقابلاته التلفزيونية الأخيرة، تحدّث شاعرنا
الراحل محمود درويش عن العدو وأنسَنته والنظرة له وللحدث التاريخي الكبير
الذي أنتج أمراً واقعاً في هذه المنطقة يتمثل في قيام دولة إسرائيل، وقال
محمود درويش إنه يطالب دوماً بالسلام، ويرى السلام مع الإسرائيليين لو
استمرّت الظروف الحالية على ما هي عليه في المراحل والسنوات القادمة
مستحيلاً .. لكنه ختم قائلاً:
" لماذا لا أطالب بالمستحيل؟ "


* في كتاب د . حسام السعد ( ضيوف ما بعد الحداثة ) الصادر عن دار الفكر
بدمشق .. وقد سبق أن ناقشتُ الكتاب وأجريت مراجعة له في مقال لي منشور في
صحيفة السفير بتاريخ 24/ 10 /2008
** نسوق هذه الفقرة كمثال وكما وردت حرفياً في كتاب (تصدُّع المشرق العربي –
السلام الدامي في العراق وفلسطين) لحازم صاغيّة وصالح بشير، والصادر عن
دار رياض الريس.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

لنكبة الفلسطينية بين إعادة تاريخها وإعادة إنتاجها :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

لنكبة الفلسطينية بين إعادة تاريخها وإعادة إنتاجها

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: