مقدمة المترجم: تعني كلمة "كول " Coolعدة معان يندر أن تستخدم للإشارة إلى أحدها فقط. من
هذه المعاني التي تطرحها القواميس : بارد باعتدال، هادئ الأعصاب، مسيطر على
أعصابه، فاتر، غير ودِّي، مميَّز بضبط النفس، ممتاز، منعش، مكبوح
الاهتياج، مقبول أو موافق عليه. أما من حيث الدلالة فتتجاوز الكلمة الحالة
المزاجية المركَّبة لتصبح مفهوماً ثقافياً يتقصَّى نشأته الأمريكية، وجذوره
في الفلسفة اليونانية، الكاتب الألماني تورستن بوتز- بورنشتاين في مقاله
المنشور في عدد أغسطس سبتمبر 2010 من مجلة Philosophy Now البريطانية.
يعمل بورنشتاين حالياً أستاذاً مساعداً للفلسفة بجامعة الخليج للعلوم
والتكنولوجيا بالكويت، حيث يقيم هناك في حالة "كول" كما وصف نفسه، وله
إسهامات مميزة في مجال دراسة الظواهر الثقافية المعاصرة، منها أبحاث حول :
الصراع الثقافي بين الصين والولايات المتحدة، تلفزيون الواقع، مقارنة
الظواهر الثقافية بين اليابان وروسيا.
يمكن زيارة موقع بورنشتاين على الرابط التالي:
http://botzbornstein.webs.com/
نص المقال: مبدئياً، أن تكون "كول" يعني أن تظل هادئاً حتى تحت الضغط والتوتر. لكن
هذا لا يفسر أسباب وجود ثقافة "كول" عالمية حالياً. ما هو الـ"كول" ولماذا
يعتبر مقبولاً جداً؟ لقد تطورت جماليات "الكول" في المقام الأول كاتجاه
سلوكي مارسه الرجال السود في الولايات المتحدة أثناء زمن العبودية.
حتَّمت العبودية استنبات آليات دفاعية استثنائية وظّفت كلاً من الانفصال
الشعوري والسخرية. ساعد أسلوب الـ "كول" لدى العبيد ومن كانوا عبيداً
سابقاً على التعامل مع الاستغلال، أو ببساطة جعل مشيهم على الطرقات ليلاً
أمراً ممكناً. خلال فترة العبودية وبعد زوالها بمدة طويلة، كان العنف
الصريح أو العلني من السود يعاقب بالموت. توجب أن يبقى الغضب مسالماً أو
غير مسبب للأذى نسبياً، وأي درجة جادة من نوايا الغضب مموهة أو مكبوتة.
إذاً، يجسّد "الكول" حالة اندماج متناقض ما بين الخضوع والتدمير. إنها حالة
نموذجية لمقاومة السلطة عبر الإبداع والابتكار.
"الكول" الحديث: تمثل جماليات الـ"كول" أهم ظاهرة في ثقافة الشباب اليوم. وقد انتشر هذا
الذوق بواسطة ثقافة الهيب هوب على سبيل المثال، والتي أصبحت "مركز صناعة
ضخمة للموسيقى والموضة حول العالم". أصبحت جماليات السود، والتي تستند بشكل
كبير من الناحية الأسلوبية والإدراكية وكذلك من ناحية المجاز السلوكي إلى
عقلية "الكول"، موضع نقاش بصفتها "الإبداع الأمريكي المبتكر المميَّز
الوحيد" (كما وصفها كتاب Black Man Emerging: : Facing the Past and
Seizing the Future, 1999, White & Cones لكل من وايت وكونز- صفحة 60).
يرى الفيلسوف الأفرو- أمريكي كورنل ويست Cornel West أن "ثقافة الهيب هوب
ذات الأصول السوداء باعتبارها ثقافة الشباب حول العالم" هي مثال رائع على
"تحطيم الذكورة، وتجانس ثقافة البيض الأنجلوسكسون" (صفحة 15 من كتاب:
Keeping Faith: Philosophy and Race in America, 1993). في حين أظهرت عدة
دراسات حديثة أن الأسماء التجارية الأمريكية الشهيرة قد انخفضت محصلة
انتشارها عالمياً بشكل كبير، بقيت رموز ثقافة "الكول" السوداء مثل الهيب
هوب قابلة للتصدير.
مع ذلك، لا يدلّ مفهوم "الكول" على تصور ذي صلة بالتعبير الذكوري فقط ،
فهو أيضاً أحد أعراض "الاضطراب الاجتماعي"، والتشوش، والقلق، وإشباع رغبات
الذات، والاستغراق في الخيال هرباً من الواقع، لأن مفهوم الـ "كول" يمكن أن
يدفع الأفراد نحو السلبية أكثر مما يدفعهم صوب الاشباع الفعال لإرادة
الحياة. في الغالب، (أن تكون "كول وعادي" مع مجموعة الزملاء والرفاق أهم من
أن تُظهِر نجاحاً أكاديمياً) بحسب تعبير وايت وكونز (صفحة 87). من ناحية،
يستهوي المضمون الذي تولَّد من أسلوب "الكول" العالم بسبب جوهره الملتبس.
يمكن أن يحوّل أسلوب الـ "كول"، الذي أصبح تقليداً للمقاومة المستندة إلى
المظاهر أكثر منها إلى الجوهر، شخصياته إلى أمثلة عليا بعيدة المنال. من
ناحية أخرى، يمكن أن يُنظر إلى الـ "كول" كأسلوب متدهور يقود إلى سلبية
الفرد والانحلال الاجتماعي. تعير الحالة الملتبسة التي تسكن هذه المنظومة
لتركيبة الـ"كول" ديناميكيتها، لكنها أيضاً تصعّب عملية ارتقائها.
ما هو الـ "كول"؟ على الرغم من الالتباس، يبدو أننا ما زلنا قادرين على تمييز سلوكيات
"الكول" من غيرها. إذاً، ما هو الـ"كول"؟ فلأقُلْ إن المفهوم يقاوم بنية
البعد الواحد. لذلك، يعتبر البحث عن القوة بطريقة واحدة مستقيمة ليس "كول".
كما أن الخسارة المستمرة للسلطة ليست "كول" أيضاً. يعتبر الفوز "كول"؛ لكن
الاستعداد للقيام بأي شيء من أجل الفوز ليس كذلك. كلاً من الأشخاص
الأخلاقيين وغير الأخلاقيين تماماً ليسوا "كول"، بينما من يحافظون على
معايير أخلاقية وسط بيئة غير أخلاقية صريحة هم "كول". الرئيس التنفيذي (سي
إي أو) ليس "كول"، إلا إذا كان مغامراً عقلانياً ويتجنب السعي إلى النجاح
بأسلوب يمكن التنبؤ به. حالة "الكول" هي توازن غير متماشٍ مع العادات
والأنماط تنجح في تربيع الدوائر وأنسنة التناقضات. وقد بات هذا الأمر
معروفاً منذ فترة شيوع تيار موسيقى "الكول جاز"(1). ترتبط هذه الطبيعة
المتناقضة بأصول "الكول" كاندماج بين الإذعان والهدم.
الرئيس ليس "كول" إذا تشبث بالسلطة المطلقة، لكن وضعيته تصبح أكثر "كول"
عندما يسلم السلطة طوعاً صيانةً للقيم الديموقراطية. لا يعني ذلك أن الشخص
"الكول" يجب أن يكون مثالياً. على العكس من ذلك، نسبة قليلة من نجوم الراب
الأكثر "كول" مثاليون. المثالية يمكن أن تكون نقيضاً متطرفاً للـ"كول"، كما
تبين عبر أمثلة الأخلاقيين من الداروينيين الجدد والمؤمنين بسفر التكوين
على حدّ سواء. "الكول" هو توازن مبتكر من أسلوب الشخص "الكول" وليس عن طريق
قوانين صريحة أو معايير مفروضة. تنطوي حالة "الكول" على قوة التجريد من
دون أن تصبح مجرّدة بإفراط. بطريقة مماثلة، يظل الشخص "الكول" قريباً من
الحياة الحقيقية من دون أن يتركها تستحوذ عليه. إن اتباع الجموع ليس "كول"
مثلما هو الإفراط في الخروج على المعتاد. لا يُعد أخذ كل شيء أو التخلّي عن
كل شيء من سمات "الكول" : يبدو أن ربان "الكول" قد رتب مسألتي الأخذ
والعطاء في الحياة كما لو كانت لعبة. مفهوم "اللعب" هام لحالة "الكول"، لأن
القوة في الألعاب تنكسر وتصبح أقل خطورة، ما يسمح للاعب بتطوير أسلوب
منفصل معين أثناء اللعب. بالنسبة لـ"الكول" الأسلوب المنفصل أهم من السعي
إلى المال أو السلطة أو المُثُل.
"الكول" الكلاسيكي لدى الإغريق: في اليونان القديمة، ساند الفلاسفة الرواقيون رؤية لـ"الكول" في عالم
مضطرب. يمكن تفسير لامبالاة الرواقية تجاه القدر كمبدأ أعلى لحالة "الكول"،
حتى أنه تمّ النظر إليه كذلك ضمن سياق ثقافة الأفرو- أميركيين. على سبيل
المثال، اكتسبت طريقة فنان الجاز ليستر يونج مصداقيتها غالباً كونه لم يكن
فخوراً ولا خجولاً.(2) وهذا اتجاه رواقي. كما يشبّه ريتشارد شسترمان في
دراسة "الراب كفن وفلسفة" المنشورة ضمن سلسلة دراسات A Companion to
African American Philosophy ثقافة الهيب هوب بالفلسفة الروحية والتي كانت
متضمنة في الرواقية.
افترض الرواقي ابكتيوس وجود فرق محدد بين الأشياء التي تعتمد علينا وتلك
التي لا تعتمد علينا، واعتبر أنه من غير الهام تطوير سلوك يتعلق بتلك
الأشياء التي لا تقع تحت سيطرتنا. ما يعتمد علينا هو اندفاعاتنا، وعواطفنا،
وسلوكياتنا، وآراؤنا، ورغباتنا، ومعتقداتننا، وأحكامنا. هذه الأشياء هي ما
يجب أن نطوره. كل ما نعجز عن التحكم فيه، مثل الموت، وتصرفات الآخرين، أو
الماضي، يجب ألا نكترث له. وقد ترعرع ونشأ أسلوب الـ "كول" من خلال هذه
الرؤية التي تفضّل إهمال كل ما ليس لدينا نفوذ عليه.
تعرّض الرواقيون للنقد كونهم حتميين وقدريين. وفي واقع الأمر، نجد في هذه
الفلسفة المادية والعقلانية نفس طيف المشكلات التي ترتبط بأسلوب "الكول"،
لأن الرواقي، مثل "الكول"، عليه أن يقرر باستمرار ما الذي يعنيه ولا يعنيه.
وبقدر الدرجة التي تتسع فيها لا مبالاته لمناطق في حياته تقع تحت نطاق
سيطرته لكنه يعتقد مخطئاً أنها ليست كذلك، ستأتي النتائج جبرية، وانحطاطية،
ومليئة بالعزلة. مع ذلك عليه أن يقرر الاهتمام بأمور يرى أنها ضمن سيطرته
رغم أنها ليست كذلك، فيفقد حالته كـ"كول". مرة أخرى، أسلوب الـ"كول" مسألة
توازن؛ أو بشكل أدقّ مسألة صياغة طريقة للبقاء في أوضاع متناقضة. إنها
تتعلق بالإبقاء على وضعية التحكّم وألا تبدو كما لو كنت قد فقدتها. هذا ما
يجعل الخسارة ومواصلة الاحتفاظ بتعابير وجه محايدة أكثر السلوكيات "كول".
العيش مع تناقضات الكول: أسلوب "الكول" هو التحكّم؛ لكن الديكتاتور الذي يسيطر على كل شيء ليس
"كول" لأنه لا يُحدِث توازناً لحالة تناقض. من ناحية أخرى، يتمّ ربط ضبط
النفس، كسلوك تبناه الأمريكيون السود، خلال ستينات القرن العشرين وما
قبلها، مباشرة بعدم قدرتهم على كبح الاضطهاد السياسي والثقافي. لقد غذّى
التناقض المتعلق بالحاجة إلى ضبط النفس في مواجهة غياب التحكم والسيطرة
اتجاه "الكول". بالتالي، بدلاً من التمتع بسيطرة كاملة أو عزلة كاملة،
تتشظى وتغترب جماليات وأخلاقيات "الكول" لتنتج منظومات جريئة وغير معتادة
من الأفكار والأفعال. في عبارة واحدة: يعيش الشخص الـ "كول" حالة مستمرة من
العزلة والاغتراب.