النظام الإسلامي لتوزيع الثروة- نظام التوزيع الإسلامي
تعرّضت الإنسانية على مرّ التاريخ لألوان من الظلم الإقتصادي؛ لقيام
التوزيع تارة على أساس فرديّ، وأخرى على أساس جماعيّ، فكان الأوّل تعدّياً
على حقوق الجماعة، والثاني مصادرة لحقوق الفرد.
وقد وضع الإسلام نظام التوزيع للمجتمع الإسلامي بشكل تلتقي فيه حقوق الفرد
بحقوق الجماعة، فلم يمنع الفرد من إشباع ميوله الطبيعية، ولم يسلب الجماعة
حقّها ويضرّ بحياتها، وبهذا امتاز الإسلام عن برامج التوزيع المختلفة التي
جرَّبها الإنسان على مرّ التاريخ.
ونظام التوزيع في الإسلام يتكوّن من أداتين رئيستين، وهما: العمل والحاجة، وأداة ثانوية، وهي: الملكيّة.
- موقع العمل في التوزيع
لكي نعرف موقع العمل في التوزيع، يجب أن نعرف الصلة الإجتماعية بين العمل والثروة المنتجة، من وجهة نظر المذاهب الإقتصادية المختلفة.
فالإقتصاد الشيوعي يرى: انقطاع الصلة بين العمل (العامل) وبين الثروة
المنتجة، فليس للعامل حق إلا إشباع حاجته مهما كان عمله، لأنّ العمل وظيفة
اجتماعية يؤدِّيها الفرد للمجتمع، فيكافئه عليها المجتمع بضمان حاجاته،
وفقاً للقاعدة الشيوعية في التوزيع: (من كلّ حسب طاقته ولكلّ حسب حاجته).
وعلى هذا الأساس يكون العمل في المفهوم الشيوعي أداة إنتاج للسلع، وليس
أداة توزيع لها، والحاجة وحدها هي التي تقرِّر طريقة توزيع الثروة على
أفراد المجتمع، ولهذا يختلف نصيب أفراد المجتمع من الثروة المنتجة تبعاً
لإختلاف حاجاتهم، لا اختلاف أعمالهم.
وأمّا الإقتصاد الإشتراكي الماركسي، فهو يُحدِّد صلة العامل بنتيجة عمله في
ضوء مفهومه الخاص عن القيمة؛ لأنّه يرى: أنّ العامل هو الذي يخلق القيمة
التبادلية للمادة التي ينفق عمله فيها، فيملك كل عامل نتيجة عمله والمادة
التي أنفق عمله فيها؛ لأنّها أصبحت ذات قيمة بسبب العمل، وتكون القاعدة في
التوزيع: (من كلّ حسب قدرته ولكلّ حسب عمله)، فبينما كانت أداة التوزيع في
المجتمع الشيوعي هي الحاجة، يصبح العمل أداة التوزيع الأساسية في المجتمع
الإشتراكي.
والإسلام يختلف عن الإقتصاد الشيوعي والإشتراكي معاً، فهو يخالف الشيوعية
في قطعها الصلة بين الفرد ونتائج عمله، واعتبارها المجتمع هو المالك الوحيد
لنتائج عمل الأفراد جميعاً.
فالإسلام يُقرِّر: أنّ المجتمع ليس إلا الكثرة الكاثرة من الأفراد، فالنظرة
الواقعيّة يجب أن تنصب على الأفراد بوصفهم بشراً يتحرّكون ويعملون، ولا
يمكن أن تنقطع الصلة بين العامل ونتيجة عمله.
كما يختلف الإسلام أيضاً عن الإقتصاد الإشتراكي القائل: إنّ الفرد هو الذي
يمنح المادة قيمتها التبادلية بعمله، على الرغم من حكمه بامتلاك العامل
لنتيجة عمله، فالمواد الطبيعية لا تستمد قيمتها – في رأي الإسلام – من
العمل، بل قيمة كل مادة ناتجة عن الرغبة الإجتماعية العامة في الحصول
عليها، وبذلك يكون أساس نظام التوزيع في الإسلام العمل.
ونستطيع أن نلخص المواقف المذهبيّة المختلفة من الصلة الإجتماعية بين الفرد ونتيجة عمله بالنقاط التالية:
- القاعدة الشيوعية (العمل سبب لتملّك المجتمع لا الفرد).
- القاعدة الإشتراكية (العمل سبب لقيمة المادة، وبالتالي سبب لتملّك العامل لها).
- القاعدة الإسلامية (العمل سبب لتملّك العامل للمادة، وليس سبباً
لقيمتها)؛ لأنّ القيمة تأتي من سبب آخر هو: الرغبة الإجتماعية في المادة،
فالغوّاض باستخراجه اللؤلؤ يملكه، ولكن لا يمنحه قيمته بعمله.
- موقع الحاجة في التوزيع:
لكي يتضح موقع الحاجة في نظام التوزيع الإسلامي، يمكننا أن نُقسِّم أفراد
المجتمع إلى ثلاث فئات: فئة قادرة على توفير معيشتها في مستوى مرفّهٍ
غنيٍّ؛ لما تتمتّع به من طاقات فكرية وعملية. وفئة ثانية تستطيع أن تعمل،
ولكنها لا تنتج في عملها إلا ما يشبع ضروراتها ويوفر حاجاتها الأساسية فقط.
وفئة ثالثة لا يمكنها أن تعمل لضعف بدني أو عاهة عقلية، وما إلى ذلك من
الأسباب التي تشلّ نشاط الإنسان وتمنعه من العمل.
وفي الإقتصاد الإسلامي، تعتمد الفئة الأُولى في كسب نصيبها من الثروة على
العمل بوصفه أداة رئيسية للتوزيع، فيحصل كلّ فرد على حظّه من التوزيع تبعاً
لإمكاناته، وإن زاد ذلك على حاجته.
أمّا الفئة الثالثة، فيرتكز دخلها وحصّتها من الثروة على أساس الحاجة
وحدها؛ لأنّ هذه الفئة عاجزة عن العمل، فهي تحصل على نصيبها من الثروة الذي
يضمن حياتها كاملة على أساس حاجتها، وفقاً لمبادئ الكفالة العامة والتضامن
في المجتمع الإسلامي.
وأمّا الفئة الثانية، التي تعمل ولا تحصل من عملها إلى على الحدّ الأدنى من
المعيشة، فهي تعتمد في دخلها على العمل والحاجة معاً، فالعمل يوفر لها
معيشتها الضرورية، والحاجة تدعو – وفقاً لمبادئ الكفالة والتضامن – إلى
زيادة دخل هذه الفئة بأساليب محددة في الإقتصاد الإسلامي، ليتمكّن أفراد
هذه الفئة من العيش بالدرجة العامة من الرفاه.
- الحاجة في نظر الإسلام والشيوعية والإشتراكية
الحاجة في نظر الشيوعية هي القاعدة الوحيدة لتوزيع الثروة المنتجة على
الأفراد العاملين في المجتمع، وهي لا تسمح للعمل بإيجاد ملكية للثروة أكثر
ممّا يحتاجه العامل، بينما يعترف الإسلام بالعمل بوصفه أداة للتوزيع إلى
جانب الحاجة، وبذلك يدفع الأفراد ذوي الطاقات والمواهب إلى بذل كل
إمكاناتهم في مجال العمل.
وعلى العكس من ذلك الشيوعية، فإنّها تؤدِّي إلى تجميد الدوافع الطبيعية في
الإنسان الباعثة على الجدّ والنشاط؛ فإنّ مصلحة الفرد الخاصة هي التي تدفعه
إلى بذل كل طاقاته في العمل، فإذا علم الفرد بأنّه لن يحصل بزيادة العمل
على أكثر من حاجته، أدّى ذلك إلى تهاونه وعدم إخلاصه في العمل.
أمّا الإشتراكية الماركسية، فالقاعدة الوحيدة فيها لتوزيع الإنتاج هي
العمل؛ لأنّ العامل بنظرها يملك نتيجة عمله مهما كانت ضئيلة أو كبيرة، هذا
من حيث النظرية، ولكنّ واقع الإشتراكية في مجال التطبيق يخالف هذه القاعدة،
حيث نرى أنّهم لا يلتزمون بتمليك عُمّال النفط أو الصناعات نتيجة عملهم،
كما أنّهم من ناحية أخرى يقومون بسدّ الحدّ الأدنى من حاجة المحتاجين غير
العاملين.
ولا تفسير لذلك إلا اضطرارهم إلى الإنسجام مع الواقع الموضوعي الذي تبنّاه
الإسلام، والذي يقضي بأنّ العمل وحده ليس سبباً كافياً للملكيّة من ناحية،
وبأنّ الحاجة مضافة إلى العمل، هي الأساس العادل في نظام توزيع الإنتاج من
ناحية ثانية.
وهكذا فإنّ اعتماد الشيوعية على قاعدة الحاجة فقط، يلغي قيمة العمل، كما
أنّ اعتماد الإشتراكية على قاعدة العمل فقط، يلغي صلاحية الحاجة لدى
العاجزين لأن تكون سبباً لإعطائهم نصيبهم من التوزيع، ولعلّ بعض الذين
يدعون إلى عدم إعطاء غير المنتجين، وإلى التخلّص منهم لأنّهم طفيليّات على
الإنتاج وعالة على المجتمع، لعل هؤلاء يقودهم التطرُّف في اعتماد العمل،
قاعدةً وحيدة للتوزيع.
- موقع الملكيّة في التوزيع
حينما قرَّر الإسلام: أنّ العمل سبب للملكيّة الخاصة، انتهى من ذلك إلى
أمرين، أوّلهما: السماح بالملكيّة الخاصة، والثاني: تحديد مجال الملكيّة
الخاصة بالثروات التي يتدخّل فيها العمل البشري.
وعلى هذا تنقسم الثروات بحسب طبيعة تكوينها إلى ثروات خاصة وعامة، فالثروات
الخاصة هي: التي يتدخّل العمل البشري في تكوينها، كالمزروعات والمنسوجات،
أو في إعدادها بالصورة التي تسمح بالإستفادة منها، كالعمل المبذول في
استخراج الكهرباء من القوى المنتشرة في الطبيعة، أو إخراج الماء والبترول
من الأرض.
أمّا الثروات العامة، فهي: كل ثروة لم يتدخّل العمل البشري فيها كالأرض والأنهار والغابات الطبيعية.
والإسلام حين سمح بالملكيّة الخاصة على أساس العمل، خالف الرأسمالية
والماركسية معاً في الحقوق التي منحها للمالك، فلم يسمح له باستخدام ماله
في تنمية ثروته سماحاً مطلقاً، كما صنعت الرأسمالية، ولم يغلق عليه فرصة
الربح نهائياً، كما صنعت الماركسية، بل وقف الموقف الموضوعي الوسط، فحرَّم
بعض ألوان الربح كالربح الربوي، وسمح ببعض آخر كالربح التجاري.
وبإعتراف الإسلام بالربح التجاري، أصبحت الملكية الخاصة بنفسها أداة للكسب
عن طريق الإتجار، وفقاً للشروط والحدود الشرعية، وبالتالي أداة ثانوية
للتوزيع.
- الخلاصة:
القاعدة الأساسية للتوزيع في الإقتصاد الإشتراكي، هي: (العمل)، وفي الإقتصاد الشيوعي، هي: (الحاجة).
في الإقتصاد الإسلامي هناك قاعدتان أساسيتان للتوزيع، هما: (العمل) و(الحاجة)، وقاعدة ثانوية هي: (الملكيّة)