ذكر الله.. عبادةتقول
لغة العرب: ذكر الإنسان النعمة أي إستحضرها وقام بواجبها. وذكر المؤمن ربه
تعالى استحضره في قلبه مع تدبر. والذكر إستحضار الشيء في القلب، أو التكلم
عنه بالقول، فهناك ذكر بالقلب وذكر باللسان، وقد يكون الذكر عن نسيان، وقد
يكون عن إدامة الحفظ. والذكر أيضاً هو القرآن، وقد يستعمل لفظ الذكر بمعنى
الشرف كقوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ...) (الزخرف/
44).
والذكرى كثرة الذكر قال تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذاريات/ 55).
"وذكر الله" خلق من أخلاق القرآن وفضيلة من فضائل الإسلام ودعامة من هدي
النبي (ص)، وقد توسع الإمام ابن القيم في كتابه مدارج السالكين في الحديث
عن الذكر ومكانته عند أطباء القلوب والأرواح، وأشاد بمنزلته فقال: "وهي
منزلة القوم الكبرى، التي منها يتزودون. وفيها يتجرون. وإليها دائماً
يترددون".
و"الذكر" منشور الولاية، الذي من أعطيه اتصل، ومن منعه عزل. وهو قوت قلوب
القوم، الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبورا، وعمارة ديارهم، التي إذا
تعطلت عنه صارت بورا. وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق، وماؤهم الذي
يطفئون به إلتهاب الحريق. ودواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهم
القلوب، والسبب الواصل، والعلاقة التي كانت بينهم وبين علام الغيوب.
وإذا مرضنا تداوينا بذكركم **** فنترك الذكر أحياناً فننتكس
به يستدفعون الآفات، ويستكشفون الكربات. وتهون عليهم به المصيبات. إذا
أظلهم البلاء، فاليه ملجؤهم. وإذا نزلت بهم النوازل، فاليه مفزعهم. فهو
رياض جنتهم التي فيها يتقلبون، ورؤوس أموال سعادتهم التي بها يتجرون. يدع
القلب الحزين ضاحكاً مسرورا. ويوصل الذاكر إلى المذكور بل يدع الذاكر
مذكورا.
وفي كل جارحة من الجوارح عبودية مؤقتة. و"الذكر" عبودية القلب واللسان وهي
غير مؤقتة بل هم يؤمرون بذكر معبودهم ومحبوبهم في كل حال: قياماً وقعودا،
وعلى جنوبهم. فكما أنّ الجنة قيعان، وهو غراسها. فكذلك القلوب بور خراب.
وهو عمارتها، وأساسها.
وهو جلاء القلوب وصقالها. ودواؤها إذا غشيها اعتلالها. وكلما ازداد الذاكر
في ذكره إستغراقاً: ازداد المذكور محبة إلى لقائه وإشتياقاً. وإذا واطأ في
ذكره قلبه للسانه: نسي في جنب ذكره كل شيء. وحفظ الله عليه كل شيء. وكان له
عوضاً من كل شيء.
به يزول الوقر عن الإسماع، والبكم عن الألسن، وتنقشع الظلمة عن الأبصار.
زين الله به ألسنة الذاكرين. كما زين بالنور أبصار الناظرين. فاللسان الغافل: كالعين العمياء، والأذن الصماء، واليد الشلاء.
وهو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده، ما لم يغلقه العبد بغفلته.
ومع توسع الإمام ابن القيم في تصوير مكانة الذكر أضاف أن هناك مائة فائدة في الذكر ذكرها في كتاب "الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب".
والذكر من أخلاق الأنبياء، وهذا شرف له ففي سورة طه. جاء على لسان موسى
(ع): (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا) (طه/ 33-34).
وفي سورة المائدة جاء قول الله تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى
ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ...)
(المائدة/ 110).
وفي سورة آل عمران قال الله لزكريا: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ) (آل عمران/ 41).
وفي سورة طه قال الله يخاطب موسى (ع): (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ
إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (طه/ 14).
وفي السورة ذاتها قال يخاطب موسى وهارون: (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي) (طه/ 42).
والذكر الصادق له أثره العميق في نفس الذاكر ولذلك قال الله تعالى في سورة
الأنفال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ
وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ
إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الأنفال/ 2).
وقال في سورة الحج: (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (الحج/ 35).
وقال في سورة الرعد: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ
بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد/
28).
وحول هذه الآية يقول القشيري: "قوم اطمأنت قلوبهم بذكرهم الله، وفي الذكر
وجدوا سلوتهم، وبالذكر وصلوا إلى صفوتهم. وقوم اطمأنت قلوبهم بذكر الله
فذكرهم الله – سبحانه – بلطفه، وأثبت الطمأنينة في قلوبهم على وجه التخصيص
لهم.
ويقال إذا ذكروا أنّ الله ذكرهم استروحت قلوبهم، واستبشرت أرواحهم،
واستأنست أسرارهم، قال تعالى: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ) (الرعد/ 28)، لما نالت بذكره من الحياة، وإذا كان العبد لا
يطمئن قلبه بذكر الله، فذلك لخلل في قلبه، فليس قلبه بين القلوب الصحيحة.
ويرشدنا القرآن الكريم إلى أن ذكر الله له مواطن وأماكن يحلو فيها، ويحسن.
وإن كان ذكر الله يكون في كل مكان وأوان. فالله تعالى يقول في سورة النور:
(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ
يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) (النور/ 36)، ويقول في
سورة الحج: (.. وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ
لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا
اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا...) (الحج/ 40).
ويرشدنا القرآن كذلك إلى أن قلة الذكر من شأن المنافقين، فيقول في سورة
النساء: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ
وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ
وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا) (النساء/ 142).
كما انّ الصد عن ذكر الله من عمل الشيطان. فيقول القرآن في سورة المائدة:
(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ
وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ
اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ...) (المائدة/ 91).
وفي سورة يوسف: (.. فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) (يوسف/ 42).
وفي سورة المجادلة: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ...) (المجادلة/ 19).
وهدد الله تعالى الذين يغفلون عن ذكر الله فقال في سورة طه: (وَمَنْ
أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طه/ 124).
وقال في سورة الكهف: (.. وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ
ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (الكهف/ 28).
وقال في سورة الجن: (.. وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا) (الجن/ 17).
وقد وردت في القرآن آيات تشير إلى مواطن ينبغي فيها ذكر الله تعالى أو
يلزم، ففي سورة البقرة: (.. فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا
اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ
وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) (البقرة/ 198).
أي فإذا اندفعتم في الحج من فوق عرفات فاذكروا ربكم عند المشعر الحرام وهو
المزدلفة، ثمّ كرر الأمر للتأكيد فقال واذكروه كما هداكم. وقيل انّ الأمر
الثاني: أمر بالذكر على وجه الإخلاص، أو المراد به تعديد النعم وأمر
بشكرها. والمعنى اذكروه ذكراً حسنا كما هداكم هداية حسنة واذكروه كما علمكم
كيف تذكرونه لا تعدلوا عنه. وفي السورة نفسها أيضاً جاء قوله تعالى:
(وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ...) (البقرة/ 203)، وهي
الأيام الثلاثة بعد يوم النحر وهي أيام منى، ويراد بالذكر هنا التكبير وجاء
في سورة الحج: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ
فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ...) (الحج/ 28).
والأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة. وجاء في سورة البقرة: (فَإِذَا
قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ
أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا...) (البقرة/ 200).
أي فإذا أديتم شعائر الحج فاذكروا الله واثنوا عليه بآلائه عندكم. اذكروا
الله كثيراً كذكر الأطفال آباءهم وأُمّهاتهم. واستغيثوا به والجأوا إليه
كما كنتم تفعلون في حال صغركم مع آبائكم. أو اذكروا الله وعظموه ودافعوا عن
دينه كما تدافعون عن آبائكم أو أشد.
يقول القشيري في ذلك:
"فاذكروا الله كذكركم آباءكم" قيام له بالقلب على إستدامة الوقت وإستغراق
العمر. ويقال كما انّ الاغيار يفتخرون بآبائهم، ويستبشرون بأسلافهم فليكن
إفتخاركم بنا واستبشاركم بنا.
ويقال ان كان لآبائكم عليكم حق التربية فحقنا عليكم أوجب، وأفضالنا عليكم أتم.
ويقال ان طعن في نسبك طاعن لم ترض، فكذلك ما تسمع من أقاويل أهل الضلال والبدع فذب عنا.
ويقال الأب يذكر بالحرمة والحشمة فكذلك اذكرنا بالهيبة مع ذكر لطيف القربة بحسن التربية.
وقال: كذكركم آباءكم" ولم يقل أُمّهاتكم لأنّ الأب يذكر إحتراماً والأُم تذكر شفقة عليها والله يرحم ولا يرحم.
"أو أشد ذكرا" لأنّ الحق أحق، ولأنّك قد تستوحش كثيراً عن أبيك، والحق
سبحانه منزه عن أن يخطر ببال من يعرفه أن بخلاف ما يقتضي الواجب حين أن كان
ذرة".
وحينما تعرض صاحب "لطائف الإشارات" لقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ
عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ) (الأنفال/ 2)، علق عليها بهذه العبارة: "الوجل شدة الخوف،
ومعناه هاهنا أن يخرجهم الوجل عن أوطان الغفلة، ويزعجهم عن مساكن الغيبة،
فإذا انفصلوا عن أودية التفرقة، وفاءوا إلى مشاهد الذكر، نالوا السكون إلى
الله عزّوجلّ، فيزيدهم ما يتلى عليهم من آياته تصديقا على تصديق، وتحقيقاً
على تحقيق، فإذا طالعوا جلال قدره، وأيقنوا قصورهم عن إدراكه، توكلوا عليه
في إمدادهم بالرعاية في نهايتهم، كما استخلصهم بالعناية في بدايتهم.
ويقال: سنة الحق سبحانه مع أهل العرفان أن يرددهم بين كشف جلال ولطف جمال،
فإذا كاشفهم بجلاله وجلت قلوبهم، وإذا لاطفهم بجماله سكنت قلوبهم، قال الله
تعالى: (ولتطمئن قلوبهم بذكر الله).
ويقال: "وجلت قلوبهم بخوف فراقه، ثمّ تطمئن وتسكن أسرارهم بروح وصاله، وذكر الفراق يغنيهم، وذكر الوصال يصحيهم ويحييهم".
وفي سورة الأعلى يقول الحق تبارك وتعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (الأعلى/ 14-15).
ويقول محمد عبده ان قوله: (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) معناه: لاحظ
بسره ما يجب أن يعرفه عن ربه، فيحضر في قلبه صفاته العلية فيخشع لذلك،
فالصلاة هنا بمعنى الخشوع واللجوء إلى الله، فهو كقوله سبحانه: (إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ).
وقد يكون مع الخشوع صلاة من الصلوات المكتوبة أو جميعها، وانّما عبر عن
الخشوع بالصلاة، لأنّه لبها والمقصود منها، والصلاة دون خشوع شبح بلا روح.
ويطالب القرآن بذكر الله عند الأمن بعد الخوف، فيقول في سورة البقرة: (..
فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ
تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 239)، أي إذا زال عنكم الخوف، وتحقق لكم
الأمان بفضل الله فاشكروه على هذه النعمة.
والله جلّ جلاله يطالب بالذكر في كل الأوضاع والأحوال. أليس هو القائل في
سورة آل عمران: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ
اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي
خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا
سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران/ 190-191).
ويقول الله تعالى في سورة العنكبوت: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ...) (العنكبوت/
45).
وورد في معنى هذا أقوال أربعة:
الأوّل: أنّ ذكر الله أكبر من كل شيء، فهو أفضل الطاعات.
الثاني: إذا ذكرتموه ذكركم، فكان ذكره لكم أكبر من ذكركم له.
الثالث: ذكر الله أكبر من أن يبقى معه فاحشة أو منكر، فإذا تم الذكر محق كل الخطايا.
الرابع: ما تضمنته الصلاة من ذكر الله أكبر وأعظم من نهيها عن الفحشاء والمنكر.
وقد جاء "الذكر" في القرآن المجيد على عشرة أوجه:
الأوّل: الأمر به مطلقا ومقيدا.
الثاني: النهي عن ضده، وهو الغفلة والنسيان.
الثالث: تعليق الفلاح باستدامته وكثرته.
الرابع: الثناء على أهله، والأخبار بما أعده الله لهم من الجنة والمغفرة.
الخامس: الاخبار عن خسران من لها عنه بغيره.
السادس: أنّ الله سبحانه جعل ذكره لهم جزاء لذكرهم له.
السابع: الاخبار بأنّه أكبر من كل شيء.
الثامن: أنّ الله تعالى جعله خاتمة الأعمال الصالحة، كما كان مفتاحها.
التاسع: الاخبار عن أهله بأنّهم هم أهل الإنتفاع بآياته، وأنّهم أولوا الألباب دون غيرهم.
العاشر: جعله الله قرين جميع الأعمال الصالحة، وهي بدونه كالجسد بلا روح.
وقد ذكر القرآن الحكيم ختم الصيام بالذكر فقال: (.. وَلِتُكْمِلُوا
الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ) (البقرة/ 185).
وختم به الصلاة فقال: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ
قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ...) (النساء/ 103).
وختم به الجمعة فقال: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي
الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الجمعة/ 10).
ويقول الحسن البصري: تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة، وفي الذكر،
وفي قراءة القرآن، فإن وجدتم، والا فاعلموا أنّ الباب مغلق.
ولقد سأل السلمي الشيخ الدقاق: الذكر أتم أم الفكر؟
فقال الدقاق: ما الذي يقع لك فيه؟
فأجاب السلمي: عندي الذكر أتم من الفكر، لأنّ الحق سبحانه يوصف بالذكر، ولا
يوصف بالفكر، وما وُصف به الحق سبحانه أتم مما اختص به الخلق.
فاستحسن الدقاق جواب السلمي.
وحسب الذكر شرفا – كما نفهم من السنة المطهرة – أن يخبرنا الرسول بأنّ
السابقين هم الذاكرون، وأن خير الأعمال وأزكاها عند الله الذكر، وأنّ الله
تعالى يباهي ملائكته بالذاكرين، وأن مجالس الذكر هي رياض الجنة، وأن مثل
الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت، وان التنعم الحقيقي انّما
يكون بذكر الله جلّ جلاله.
اللّهمّ اجعلنا من الذاكرين لك، والشاكرين لأنعمك، الفائزين برضوانك.
المصدر: كتاب موسوعة أخلاق القرآن