كومة حصى: عقيدات بحجم كرة البليارد مصنوعة من وقود اليورانيوم المغلف والگرافيت، تشكل مع قضبان التحكم، قلب مفاعل نووي تجريبي مبرَّد بالغاز في ألمانيا. |
وعلى الرغم من أن برنامج الجيل
IV يتقصى تنوعا واسعا من المنظومات الجديدة، فإن
بعض الأمثلة يفيد في توضيح الأساليب العامة التي يطورها مصممو المفاعلات من أجل
الوصول إلى أهدافهم. وتستند منظومات الجيل التالي هذه إلى ثلاث طوائف عامة من
المفاعلات: المفاعلات المبردة بالغاز والمفاعلات المبردة بالماء ومفاعلات الطيف
السريع fast-spectrum.
المفاعلات المبرَّدة بالغاز
(***) لقد بنيت المفاعلات النووية التي تستخدم الغاز (عادة
الهليوم أو ثنائي أكسيد الكربون) لتبريد القلب core،
وشُغّلت بنجاح، لكن استخدامها ظل محدودا حتى الآن. وهناك مشروع مثير بصورة
خاصة، وهو المفاعل الحصوي ذو الوحدات
(1) pebble-bed
modular reactor له
مزايا تصميمية عديدة تتفق اتفاقا جيدا مع أهداف الجيل IV.
وتتابع هذا النظام المبرد بالغاز فرقٌ من المهندسين العاملين في الصين وجنوب
أفريقيا والولايات المتحدة. وتخطط جنوب أفريقيا لبناء نموذج أولي بالحجم الكامل
سيبدأ تشغيله عام 2006.
مفاعل نووي مبرَّد بالغاز يحتوي قلب مفاعل نووي ذي وقود حصوي (موضح كفكرة عامة) على مئات الألوف من الحصى ـ وهي عناصر كروية من وقود أكسيد اليورانيوم والگرافيت. ويوفر هذا التصميم المبتكر كفاءات حرارية أعلى كثيرا مما توفره مفاعلات الماء الخفيف الحالية. حصى الوقود النووي عناصر وقود مستديرة تتيح إعادة التزويد بالوقود بصفة مستمرة أثناء التشغيل ولا يمكن أن تنصهر، ولا تتلف إلا ببطء، فتوفر بذلك هامش أمان جوهريا. |
ويستند تصميم المفاعل الحصوي إلى عنصر وقود أساسي
يدعى الحصاة، وهي كرة من الگرافيت بحجم كرة البليارد تحتوي على نحو 15000 حبيبة
من أكسيد اليورانيوم بقطر بذرة الخشخاش poppy [انظر
الشكل في هذه الصفحة]. ويوجد على كل من هذه الجسيمات الموزعة بانتظام عدة أغلفة
عالية الكثافة. وتقوم إحدى الطبقات المؤلفة من كربيد السيليكون الخزفي القاسي
مقام وعاء الضغط الذي يحتجز نواتج الانشطار النووي أثناء تشغيل المفاعل وأثناء
الارتفاعات العَرَضية في درجة الحرارة. ويوضع نحو 000 330من حصى الوقود الكروية
هذه في وعاء معدني محاط بدرع من القوالب الگرافيتية. ويزود القلب إضافة إلى ذلك
بنحو 000 100حصاة گرافيتية خالية من الوقود بهدف التحكم في توزيع الطاقة ودرجة
الحرارة داخله من خلال المباعدة بين حصى الوقود الحار.
وتستخدم مواد مقاومة للحرارة والانصهار في القلب
بأكمله لتمكن المنظومة الحصوية من العمل عند درجات حرارة أعلى كثيرا من درجة
الحرارة المعتادة ـ 300 سيلزية ـ التي تنتج في التصاميم الحالية للمفاعلات
المبردة بالماء الخفيف (الجيل II). ويُدفع غاز
التبريد (الهليوم) الذي يخرج من القلب عند درجة الحرارة 900 سيلزية، مباشرة إلى
منظومة عنفة (توربين)/مولد غازي ينتج الكهرباء بمستوى كفاءة حرارية عال نسبيا
يبلغ 40 في المئة، أي أفضل بمقدار الربع من مفاعلات الماء الخفيف الحالية.
أساسيات الطاقة
النووية
(****) إن معظم منشآت الطاقة النووية في العالم هي مفاعلات الماء المضغوط. وفي هذه المنظومات يستخدم الماء المضغوط ضغطا عاليا (155 وحدة ضغط جوي) لمنعه من الغليان، كمبرّد وكسائل عامل. وقد بدأ تشغيل أول مفاعل تجاري يعمل بالماء الخفيف المضغوط في عام 1957، وكان قد تم تطويره في البداية في الولايات المتحدة اعتمادا على الخبرة المكتسبة من برنامج مفاعل البحرية الأمريكية.
يتألف قلب مفاعل الماء المضغوط من صفيفات من قضبان الوقود المغلفة بسبيكة الزركونيوم والمحشوة بحبات pellets أسطوانية صغيرة من أكسيد اليورانيوم المزود بنسبة بسيطة من النظائر المنشطرة (المخصّب) وبأقطار تعادل قطر قطعة عملة العشرة سنتات الأمريكية. إن الصفيف النموذجي المربع مكون من 17 17x قضيب وقود تشكل تجميعة وقودية، وتُرتَّب نحو 200 تجميعة وقودية لتشكل قلب المفاعل. والقلوب النموذجية التي يبلغ قطرها 3.5 متر وارتفاعها 3.5 متر تكون محتواة داخل أوعية ضغط فولاذية تراوح ثخانتها بين 15 و 20 سنتيمترا.
تُنتج التفاعلات الانشطارية حرارة تُزال بواسطة الماء الدائر. يُضخ المبرد داخل القلب ودرجة حرارته 290 سيلزية ويخرج منه ودرجة حرارته 325 سيلزية. وللتحكم في مستوى القدرة power تُدخَل قضبان التحكم بين صفيفات الوقود. وهذه القضبان مصنوعة من مواد تهدئ التفاعل الانشطاري بواسطة امتصاص النترونات البطيئة (الحرارية) الصادرة أثناء الانشطار. ومن خلال رفع قضبان التحكم إلى أعلى أو خفضها إلى داخل القلب يتم التحكم في معدل التفاعل النووي. وعند استبدال الوقود أو في حالة وقوع حادث ما، تُنزل القضبان بأكملها داخل القلب لإيقاف التفاعل.
في حلقة تبريد المفاعل الأولية، يخرج الماء الحار من قلب المفاعل، ويجري من خلال مبادل حراري (يدعى مولد البخار) حيث يتخلى عن حرارته إلى حلقة بخار ثانوية تشتغل تحت مستوى ضغط أخفض. يتمدد البخار الناتج في المبادل الحراري بعدئذ في عنفة بخارية تدوِّر بدورها مولدا ينتج الكهرباء (عادة 900 إلى 1100 ميگاواط). ثم يُكثف البخار ويُضخ عائدا إلى المبادل الحراري لإكمال الحلقة. وفيما عدا المنبع الحراري فإن منشآت الطاقة النووية تشبه بصورة عامة محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم أو الوقود.
توجد عدة أشكال مختلفة من المفاعلات المبردة بالماء الخفيف، أجدرها بالملاحظة مفاعلات الماء المغلي التي تعمل تحت ضغط أخفض [عادة 70 وحدة ضغط جوي] وتولّد البخار داخل قلب المفاعل مباشرة دون الحاجة إلى المبادل الحراري الوسيط. وفي عدد أقل من منشآت الطاقة النووية يكون المائع المبرِّد هو الماء الثقيل [الذي يحتوي على الدوتيريوم، نظير الهدروجين] أو ثنائي أكسيد الكربون أو معدنا سائلا مثل الصوديوم.
يكون وعاء ضغط المفاعل عادة داخل قلعة خرسانية تعمل بمثابة درع ضد الإشعاع. وتكون القلعة بدورها محصورة في نطاق مبني من الخرسانة المسلحة بالفولاذ. ويصمم المبنى هذا ليمنع تسرب الغازات أو الموائع المشعة عند وقوع أي حادث. محررو ساينتفيك أمريكان
|
إن الحجم الصغير نسبيا والبساطة العامة في تصاميم
مفاعل الوقود الحصوي يزيدان من جدواه الاقتصادية. فكل وحدة طاقة
power module، تنتج
120 ميگاواط من الكهرباء، يمكن أن تُقام في وحدة يبلغ حجمها عُشر حجم منشآت
المحطات المركزية الحالية، وهو ما يتيح المجال لتطوير مشروعات أكثر مرونة وأصغر
حجما قد تقدم نتائج اقتصادية أفضل. فالمنظومات ذات الوحدات، على سبيل المثال،
يمكن أن تصنّع في المصنع ثم تشحن إلى موقع البناء.
إن البساطة النسبية لمنظومة الوقود الحصوي، مقارنة
بالتصاميم الحالية، لا تخلو من إثارة: فلا يوجد في هذه الوحدات سوى نحو 24
نظاما فرعيا للمنشأة الكبيرة مقارنة بنحو 200 نظام فرعي في مفاعلات الماء
الخفيف. ومن المهم الإشارة إلى أن تشغيل هذه المنشآت يمكن أن يمتد إلى مدى من
درجات الحرارة يسمح بانبعاثات الهدروجين المنخفضة (من الماء أو من مخزونات
التغذية الأخرى) التي تُستخدم في خلايا الوقود وفي محركات وسائل النقل ذات
الاحتراق النظيف، وهي تقانات يمكن أن يبنى عليها اقتصاد مستدام للطاقة التي
أساسها الهدروجين [انظر الإطار في الصفحة 8].
وتضم مفاعلات الجيل التالي هذه عدة ميزات أمان مهمة
كذلك. فالغاز المبرِّد (الهليوم) لكونه غازا نبيلا فإنه لا يتفاعل مع المواد
الأخرى حتى عند درجات الحرارة العالية. وأكثر من ذلك، فإن عناصر الوقود وقلب
المفاعل لا يمكن أن تنصهر لأنها مصنوعة من مواد مقاومة للحرارة، وهي لن تتقوض
degrade إلا عند درجات الحرارة العالية جدا كتلك
التي تحصل فجأة في حالات الحوادث (أعلى من 1600 درجة سيلزية)، وهذه خاصية تعطي
هامشا كبيرا من الأمان عند التشغيل.
حجج لصالح الطاقة
النووية
(*****) هناك حاليا 438 منشأة طاقة نووية تولِّد نحو 16 في المئة من كهرباء العالم. وفي الولايات المتحدة توفر 103 منشآت طاقة نووية نحو 20 في المئة من الطاقة الكهربائية في البلاد. ومع أنه لم يُطلب إنشاء أي مرافق نووية جديدة في الولايات المتحدة منذ نحو عقدين، إلا أن الإنتاج الكهربائي لمولدات الولايات المتحدة نما بنحو 8 في المئة في العام مع نضوج الصناعة وزيادة فاعليتها. ففي الأعوام العشرة الأخيرة أضافت المنشآت النووية الأمريكية أكثر من 23000 ميگاواط ـ وهذا يعادل إنتاج 23 منشأة طاقة كبيرة ـ إلى إجمالي الإمدادات الكهربائية على الرغم من عدم بناء أي منشأة جديدة. وفي غضون ذلك أحدثت زيادة الإنتاج انخفاضا في تكلفة وحدة توليد الطاقة النووية. وقد أدى هذا التحسين إلى اهتمام متنام بين مجتمع الأعمال لتمديد رخص تشغيل المنشآت وربما لشراء مرافق نووية جديدة.
قد يكون مفاجئا للبعض أن في استخدام الطاقة النووية فوائد مباشرة للبيئة، وبالتحديد لنوعية الهواء. ومع أن الجدال مستمر حول إمكانية اختلال مناخ الأرض بسبب انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى، إلا أنه ليس هناك من شك في العواقب الصحية الخطيرة الناتجة من تلوث الهواء بسبب حرق الوقود الأحفوري. فمنشآت الطاقة النووية، بخلاف المنشآت العاملة بالوقود الأحفوري، لا تنتج ثنائي أكسيد الكربون أو الكبريت أو أكاسيد النتروجين. ويجنب إنتاج الطاقة النووية في الولايات المتحدة إصدار أكثر من 175 مليون طن من الكربون كل عام، وهو ما كان ينبغي أن ينبعث في البيئة لو أن الكمية نفسها من الكهرباء وُلِّدت عوضا عن ذلك بواسطة حرق الفحم الحجري.
لم يوجه سوى قليل من الاهتمام إلى مقدرة الطاقة النووية على إنتاج الهدروجين لاستخدامه في خلايا الوقود لوسائل النقل وفي منشآت طاقة أخرى أكثر نظافة. إن السبيل المباشر جدا هو استخدام الطاقة من مفاعل نووي مرتفع الحرارة ليدفع تفاعلا بخاريا يقوم بإعادة تشكيل الميثان. لكن هذه العملية، على أية حال، تظل تولد ثنائي أكسيد الكربون كمنتج ثانوي. وتوجد عدة تفاعلات كيميائية حرارية مباشرة بإمكانها أن تنتج الهدروجين باستخدام الماء ودرجة الحرارة المرتفعة. وتجري حاليا في كل من اليابان والولايات المتحدة أبحاث حول الانحلال الكيميائي الحراري لحمض الكبريت وتفاعلات أخرى منتجة للهدروجين. ولاتزال اقتصاديات الهدروجين المعتمد في إنتاجه على الطاقة النووية بحاجة إلى برهان، لكن هناك إمكانات هائلة لهذا المسلك الذي قد يعمل وفق صيغة جديدة لتوليد الكهرباء والهدروجين معا.
تحسين النواحي الاقتصادية
يجب على أية منشأة نووية في الولايات المتحدة أن تتصدى لتحديات اقتصادية تتعلق بالتكاليف الرأسمالية والتمويل. والمشكلة هي أن الجيل الحالي من منشآت الطاقة النووية، الممثل بثلاثة تصاميم لمفاعلات الماء الخفيف المتقدمة والمصدقة من قبل هيئة التنظيم النووي، يكلف نحو 1500 دولار أمريكي لكل كيلوواط كهربائي [kWe] من سعة التوليد generating capacity، وقد لا تكون هذه التكلفة تنافسية بصورة كافية لإعادة البدء بتشييد منشآت نووية جديدة. أما التكلفة المنشودة، التي تناقش على نطاق واسع، بالنسبة إلى مشروعات المنشآت النووية الجديدة (الجيلين III وIV) فهي 1000 دولار أمريكي لكل kWe. إن الوصول إلى هذا الهدف سيجعل المشروعات تنافسية [على أساس تكلفة الوحدة] مع البديل الأجدى اقتصاديا، وهو منشأة الدورة المشتركة للغاز الطبيعي. وإضافة إلى ما سبق ينبغي أن يُستكمل تشييد أية مرافق من الجيل القادم في غضون ثلاث سنوات تقريبا لكي تبقى تكاليف التمويل عند مستوى مقبول. ويمكن لإجراءات ترخيص جديدة تكون مبسطة وفعالة، لم تجرب حتى الآن، أن تسرّع العملية.
وبناء على الخبرة السابقة بالمشروعات النووية في الولايات المتحدة سيكون من العسير بالنسبة إلى المصممين والبنائين أن يحققوا هذه الأهداف. فللوصول إلى التكلفة المستهدفة، يحاول المهندسون النوويون أن يبلغوا مستويات أعلى من الكفاءة الحرارية من خلال رفع درجات حرارة التشغيل وتبسيط النظم الفرعية والمكونات. وسوف يتطلب التسريع في بناء المنشأة أن تصبح تصاميم المنشأة والتصنيع في المصنع وإجراءات التصديق كلها قياسية. وكذلك ينبغي أن تقسم المنشآت إلى وحدات أصغر، وذلك لتحاشي الاضطرار إلى التشييد في الموقع، كما يجب أن يستخدم الحاسوب في تقنيات إدارة التجميع. وبهذه الطريقة يمكن التحقق من أعمال البناء في واقع افتراضي قبل تنفيذها.
تحسين الأمان
مثلما تحسن الأداء الاقتصادي لصناعة الطاقة النووية على مدى السنوات العشرين الماضية، فقد تحسنت أيضا وسائل الأمان. وركّز حادث ثري مايل آيلاند عام 1979 انتباه مالكي المنشآت ومشغليها على الحاجة إلى زيادة هوامش الأمان وتحسين الأداء. وبلغ متوسط عدد ما يسمى بالأحداث المهمة ذات الصلة بالأمان التي رُفعت بها تقارير إلى هيئة التنظيم النووي في عام 1990، على سبيل المثال، نحو اثنين لكل منشأة. لكن هذا العدد انخفض إلى أقل من العُشر بحلول عام 2000. وفي غضون ذلك، تمت استعادة ثقة الجمهور على نطاق واسع في أمان الطاقة النووية منذ حادث تشيرنوبل عام 1986، وذلك طبقا لاستطلاعات الرأي الحديثة.
وبناء على طلب من وزارة الطاقة في الولايات المتحدة، صاغ خبراء محليون ودوليون خلال عام 2001 أهداف أمان بعيدة المدى تتعلق بالجيل التالي من المرافق النووية، فقاموا بوضع ثلاثة أهداف أساسية: تحسين الأمان والوثوقية بالمنشآت، والتقليل من وقوع أضرار جوهرية أثناء الحوادث، وإبقاء العواقب الكامنة لأية حوادث فعلية في حدها الأدنى. وسوف يتطلب تحقيق هذه الأهداف تصاميم جديدة للمنشآت النووية تتضمن مميزات أمان ذاتية لكي تمنع وقوع الحوادث وتحول دون تطورها إلى حالات أشد سوءا يمكن أن تطلق نشاطا إشعاعيا في البيئة.
التخلص من النفايات النووية وإعادة استخدامها
لا بد كذلك من معالجة قضايا لم يتم البت فيها بعد تتعلق بالتعامل مع النفايات النووية والتخلص منها، وضمان الحد من الانتشار النووي. ويجري الآن في نيکادا تقييم مستودع جبل يوكا للتخزين الطويل الأمد تحت الأرض بهدف اتخاذ قرار فيما إذا كان بإمكانه أن يستوعب بصورة ناجحة الوقود التجاري المستنفد. إلا أن هذا المستودع قد تأخر عقدا من الزمن عن موعده، وحتى إذا استُكمل إنشاؤه فلن يستوعب كميات النفايات المتوقعة في المستقبل.
إن دورة الوقود النووي الحالية المعروفة بدورة «المرة الواحدة» أو الدورة المفتوحة، تستخدم اليورانيوم الحديث الإنتاج وتحرقه مرة واحدة في المفاعل ثم تتخلص منه كنفاية. وتفضي هذه الطريقة إلى تحويل نحو 1 في المئة فقط من الطاقة المحتواة في اليورانيوم إلى كهرباء. كما أنها تنتج كميات كبيرة من الوقود النووي المستنفد التي يجب أن يتم التخلص منها بصورة آمنة. ويمكن تجنب هذين العائقين بواسطة إعادة تدوير الوقود المستنفد ـ أي استعادة المواد المفيدة منه.
تستخدم معظم الدول الأخرى التي لديها برامج كبيرة للطاقة النووية ـ بما في ذلك فرنسا واليابان والمملكة المتحدة ـ ما يعرف بدورة الوقود النووي المغلقة. إذ إنه في هذه البلدان يُعاد تدوير الوقود لاستعادة اليورانيوم والپلوتونيوم [المنتجَيْن أثناء التشعيع في المفاعلات] وتحويله إلى وقود جديد. يضاعف هذا الجهد كمية الطاقة المستردة من الوقود كما يزيل معظم العناصر المشعة الطويلة العمر من النفايات التي ينبغي أن تخزن بصورة دائمة. ومع ذلك يجب ألا يغيب عن الذهن أن الوقود المعاد تدويره هو اليوم أغلى ثمنا من الوقود المستخرج mined حديثا. وتؤدي تقانة إعادة التدوير الحالية كذلك إلى فصل الپلوتونيوم الذي يمكن تحويله إلى أسلحة.
تجري جميع أعمال إعادة تدوير الوقود النووي أساسا باستخدام عملية پيوركس plutonium uranium extraction PUREX ، وهي عملية تم تطويرها في البدء لاستخلاص الپلوتونيوم النقي لاستعماله في صنع الأسلحة النووية. ففي عملية إعادة التدوير پيوركس تُنقل تجميعات الوقود المستخدم، إلى منشأة إعادة التدوير، في براميل شحن مدرّعة تدريعا متينا ومقاومة للعطب. وتُقطّع تجميعات الوقود وتذاب في حموض قوية، ثم يخضع محلول الوقود بعد ذلك إلى عملية استخلاص من المذيب لفصل منتجات الانشطار والعناصر الأخرى عن اليورانيوم والپلوتونيوم اللذين يُنقيان ويستخدم اليورانيوم والپلوتونيوم لصنع وقود الأكسيد المختلط(2) للاستخدام في مفاعلات الماء الخفيف.
تساعد إعادة التدوير على تخفيض إنتاج النفايات النووية. وتستطيع دورة وقود نووي مستدامة، بهدف إنقاص الطلب على أمكنة التخزين، أن تفصل المنتجات الانشطارية القصيرة العمر التي تولّد حرارة عالية، وبصورة خاصة السيزيوم 137 والسترونتيوم 90. فهذان العنصران يتم حفظهما بصورة منفصلة في مرافق تُبرّد بتيارات الحمل الحراري لمدة 300 إلى 500 عام إلى حين اضمحلالهما (تفككهما) إلى مستويات آمنة. ويمكن لدورة وقود مغلقة (لمفاعل سريع) مصممة بصورة مثلى أن تعيد تدوير ليس فقط اليورانيوم والپلوتونيوم وإنما جميع الأكتينيدات actinides في الوقود بما في ذلك النپتونيوم والأميريسيوم والكوريوم. أما في دورة الوقود المفتوحة فإن أكثر من 98 في المئة من السمية الإشعاعية الطويلة الأمد المتوقعة يسببها النپتونيوم 237 والپلوتونيوم 242 الناتجين [عمر النصف لأولهما 2.14 مليون سنة ولثانيهما 000 387سنة]. وتصبح السيطرة على الآثار الطويلة الأمد لمستودع التخزين أبسط إذا فُصلت كذلك هذه الأكتينيدات الطويلة العمر من النفايات وأعيد تدويرها. إن إزالة السيزيوم والسترونتيوم والأكتينيدات من النفايات المشحونة إلى مستودع تخزين جيولوجي يمكن أن تزيد سعته بمعامل 50.
وبسبب الاهتمام المتواصل بتحسين استدامة دورات الوقود النووي واقتصادياتها، تقوم عدة بلدان بتطوير تقانات أكثر كفاءة لإعادة التدوير. ويجري حاليا في مختبر آرگون Argonne الوطني في الولايات المتحدة تطوير عملية تعدينية كهربائية تحول دون فصل الپلوتونيوم النقي. وتُدرس في فرنسا واليابان وفي أمكنة أخرى طرائق متقدمة لإعادة التدوير المائي لها فوائد مماثلة.
ضمان الحد من الانتشار
ثمة سمة حاسمة في منظومات الطاقة النووية الجديدة هي التأكد من أن المواد التي تستعاد من دورة إعادة المعالجة لا توجه لصنع أسلحة. فحين تحصل الدول على أسلحة نووية فإنها تطور عادة مرافق تكرسها لإنتاج المواد الانشطارية بدلا من تجميع المواد النووية من المنشآت المدنية لتوليد الطاقة. إن دورات الوقود النووي التجارية هي عموما الأكثر تكلفة وصعوبة في إنتاج المواد الصالحة لصنع الأسلحة. وينبغي أن يستمر تصميم دورات الوقود الجديدة بصورة توفر الحماية ضد الانتشار.
تقع منشأة الطاقة النووية التي تعمل بالماء المضغوط في پالو فردي على بعد نحو 45 ميلا إلى الغرب من فونيكس في ولاية أريزونا. | |
وهناك ميزات أمان أخرى تنتج من الطريقة المتواصلة
التي يزوّد بها القلب بالوقود: فأثناء التشغيل تُزال حصاة واحدة كل دقيقة
تقريبا من قاع القلب ويستعاض عنها بحصاة من أعلاه. وبهذه الطريقة يتحرك جميع
الحصى بالتدريج نحو الأسفل خلال القلب، مثل كرات العلكة في آلة البيع
الأوتوماتية، ويستغرق القيام بهذه العملية نحو ستة أشهر . وتعني هذه الخاصية أن
المنظومة تحتوي على المقدار الأمثل من الوقود اللازم للتشغيل مع قليل من
الزيادة في التفاعلية reactivity الانشطارية. فهي
تستبعد بذلك طائفة كاملة من حوادث زيادة التفاعلية التي يمكن أن تحدث في
المفاعلات الحالية المبرّدة بالماء. وكذلك فإن حركة الحصى المستمرة خلال مناطق
الإنتاج العالية والمنخفضة للطاقة تعني أن كل حصاة لا تتعرض في المتوسط إلى
ظروف تشغيلية قاسية كتلك التي تتعرض لها في منظومات الوقود الثابت، وهذا يزيد
أيضا من هامش الأمان في الوحدة. وينبغي أن يوضع الحصى المستنفد، بعد الاستخدام،
في مستودعات تخزين طويلة الأجل بالطريقة نفسها التي تُعامل بها قضبان الوقود
المستعملة حاليا.
مفاعل نووي مبرَّد بالماء يتميز المفاعل IRIS الذي طورته الشركة وستنگهاوس إلكتريك (موضح هنا كفكرة عامة) بتصميمه المبتكر؛ لأن مولّد البخار (المبادل الحراري) وسواقات (مقاود) تشغيل قضبان التحكم محتواة داخل وعاء الضغط الفولاذي السميك. وحدات أصغر لإنتاج الطاقة يمكن إنقاص حجم أبنية احتواء المفاعل المدمج IRIS. كما يمكن للقدرة الدنيا التي ينتجها المفاعل، والتي تراوح ما بين 100 و 350 ميگاواط، أن تجعل هذه الوحدات أكثر ملاءمة من الناحية الاقتصادية كذلك. |
المفاعلات المبردة بالماء
(******) حتى تقانة المفاعلات النووية القياسية المبردة
بالماء ستكتسب مظهرا جديدا في المستقبل. فبهدف التغلب على إمكان وقوع حوادث
تنتج بسبب فقدان المبرد (مثلما حدث في ثري مايل آيلاند)، ولتبسيط المنشأة ككل،
برزت طائفة جديدة من منظومات الجيل IV يتم فيها
احتواء المكونات الأولية كلها في وعاء منفرد. وهناك تصميم أمريكي ضمن هذه
الطائفة هو المفاعل الدولي المبتكر المأمون (IRIS)
الذي طورته الشركة وستنگهاوس إلكتريك.
إن احتواء نظام التبريد بأكمله داخل وعاء ضغط مقاوم
للعطب يعني أن المنظومة الأولية لا يمكن أن تعاني فقدا جوهريا في المبرد حتى
إذا انكسر أحد أنابيبها الكبيرة. وأي حادث ينتج من ذلك سيؤدي فقط إلى انخفاض في
الضغط أقل بكثير مما كان يمكن أن يحدث في التصاميم السابقة، لأن وعاء الضغط لا
يتيح للسوائل أن تهرب منه.
وقد ضُمّنت هذه المفاعلات عدة تبسيطات مهمة بهدف
إنجاز هذا الشكل المدمج، فالنظم الفرعية داخل الوعاء تكون متراصة بحيث تمكّن من
انتقال الحرارة السلبية بواسطة الدوران الطبيعي أثناء الحوادث. إضافة إلى ذلك
توضع سواقات (مقاود) قضيب التحكم داخل الوعاء فتستبعد بذلك إمكانية قذفها خارج
القلب. ويمكن أن تُبنى هذه المنظومات أيضا كوحدات طاقة صغيرة، وهذا يتيح
انتشارا أكثر مرونة وأقل كلفة.
يستقصي مصممو هذه المفاعلات كذلك إمكان تشغيل
المنشآت عند درجة حرارة وضغط عاليين (أكثر من 374 سيلزية و221 وحدة ضغط جوي)،
وهي حالة تُعرف بالنقطة الحرجة للماء، يزول عندها الفارق بين السائل والبخار.
ويعمل الماء، بعد نقطته الحرجة، مثل مائع مستمر له حرارة نوعية (سعة تخزين
حرارية) استثنائية وخواص ممتازة لانتقال الحرارة (موصلية حرارية). وهو أيضا لا
يغلي حين يسخن ولا يتحول فجأة إلى بخار حين يتعرض إلى إزالة الضغط عنه بسرعة.
إن الميزة الأساسية للتشغيل فوق النقطة الحرجة هي أن الكفاءة الحرارية للمنظومة
يمكن أن تصل إلى 45 في المئة، وتقترب من نظام درجات الحرارة العالية الذي يمكن
أن يصبح عنده إنتاج وقود الهدروجين قابلا للتطبيق.
وعلى الرغم من أن المفاعلات التي تعتمد على الماء
الفائق الحرجية supercritical تبدو للوهلة الأولى
شبيهة جدا بتصاميم الجيل الثاني القياسية، فإنه توجد فروق عديدة بينها. فقلوب
الأولى، على سبيل المثال، أصغر كثيرا، وهذا يساعد على الاقتصاد في وعاء الضغط
وفي المنشأة المحيطة. ثم إن تجهيزات دورة البخار المرافقة مبسطة بصورة جوهرية
لأنها تعمل بمائع وحيد الطور. أضف إلى ذلك أن القلب الأصغر وكثافة المبرد
المنخفضة يُنقصان حجم الماء الذي يجب الاحتفاظ به داخل وعاء الاحتواء في حالة
وقوع حادث. ولما كان المبرد المنخفض الكثافة لا يهدّئ طاقة النترونات فإنه يمكن
التفكير بتصاميم مفاعلات الطيف السريع مع ما يرافقها من ميزات الاستدامة. أما
الجانب السلبي الرئيسي في منظومات الماء الفائق الحرجية فهو أن المبرد يصبح
أكّالا (مسببا للتأكّل) corrosive بصورة متزايدة.
وهذا يعني أنه لا بد من تطوير مواد وطرق جديدة للسيطرة على التأكل والحت. وتجري
أبحاث مفاعلات الماء الفائق الحرجية في كل من كندا وفرنسا واليابان وكوريا
الجنوبية والولايات المتحدة.
مفاعلات الطيف السريع
(*******) أما أسلوب التصميم للمدى الأبعد فهو مفاعل الطيف
السريع (أو مفاعل النترونات العالية الطاقة)، وهو نوع آخر من نظام الجيل
IV. وهناك مثال من هذه الطائفة تُتابع تطويرَه
فرقُ التصميم العاملة في فرنسا واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية وفي أمكنة أخرى.
أما برنامج تطوير المفاعل السريع الأمريكي فقد ألغي عام 1995، إلا أن اهتمام
الولايات المتحدة قد يتجدد ضمن إطار مبادرة الجيل IV.
دورتا الوقود النووي
المفتوحة والمغلقة
دورة الوقود النووي المستخدم «مرة واحدة فقط» أي الدورة المفتوحة (المبينة باللون الأخضر) تأخذ خام اليورانيوم وتعالجه فتحوله إلى وقود انشطاري وتحرقه مرة واحدة في المفاعل ثم تتخلص منه في مستودعات تخزين جيولوجية. وهذا النهج المتبع في الولايات المتحدة يستفيد من 1 في المئة فقط مما يحويه اليورانيوم من طاقة. أما في الدورة المغلقة (المبينة باللون الأبيض)، فيعالج الوقود المستنفد بغية استخلاص ما يحويه من وقود اليورانيوم والپلوتونيوم لإعادة استخدامه. وتُستخدم طريقة إعادة التدوير هذه حاليا في فرنسا واليابان والمملكة المتحدة. ويمكن للدورات المغلقة المستقبلية المعتمدة على مفاعلات الطيف السريع أن تستخلص أكتينيدات أخرى تعامل حاليا معاملة النفايات.
|
تَستعمل معظم المفاعلات النووية طيف إصدار النترونات
الحرارية أو النترونات ذات الطاقة المنخفضة نسبيا. ففي المفاعل الحراري تُبطّأ
النترونات السريعة (عالية الطاقة) التي تولَّد في التفاعل الانشطاري إلى
مستويات الطاقة «الحرارية» عند اصطدامها بالهدروجين في الماء أو بنوى خفيفة
أخرى. ومع أن هذه المفاعلات اقتصادية لتوليد الكهرباء إلا أنها ليست فعّالة جدا
في إنتاج الوقود النووي (في المفاعلات الولودة
(3) breeder reactors) أو في إعادة تدويره.
لقد استخدَمت معظم مفاعلات الطيف السريع التي بُنيت
حتى الآن الصوديوم السائل كمبرد. ولكن الأشكال المستقبلية من هذه الطائفة من
المفاعلات يمكن أن تستخدم إما الصوديوم، أو الرصاص، أو سبيكة الرصاص والبزموت،
أو الغازات الخاملة مثل الهليوم أو ثنائي أكسيد الكربون. ويمكن أن تُستخدم
نترونات الطاقة الأعلى في المفاعل السريع لصنع وقود جديد أو لإتلاف النفايات
الطويلة العمر الناتجة من المفاعلات الحرارية وپلوتونيوم الأسلحة التي جرى
تفكيكها. كما يمكن للمفاعلات السريعة، من خلال إعادة تدوير الوقود فيها، أن
تنتج طاقة أكبر بكثير من اليورانيوم في الوقت الذي تخفض فيه كمية النفايات التي
يجب أن يتم التخلص منها على المدى البعيد. إن تصاميم المفاعلات الولودة هذه هي
إحدى الطرق الرئيسية المؤدية إلى زيادة الاستدامة في منظومات الطاقة النووية
المستقبلية، خاصة إذا كان لاستخدام الطاقة النووية أن ينمو بصورة جوهرية.
مفاعل الطيف السريع النووي غالبا ما تُستخدم المعادن المنصهرة لتبريد قلوب مفاعلات الطيف السريع النووية، مثل المفاعل الذي صممته الشركة جنرال إلكتريك Super PRISM (موضح هنا كفكرة عامة)، هذه المفاعلات تنتج نترونات سريعة (عالية الطاقة)، تُستخدم لإنتاج الوقود النووي في تشكيلات المفاعلات الولودة. التبريد السلبي لقلب المفاعل تبين توزيعات درجات الحرارة كيف تستطيع المبردات المعدنية السائلة ـ من خلال موصليتها الحرارية العالية ـ أن تخفض درجة حرارة القلب بصورة سلبية بعد حدوث عطب للبالوعة الخارجية التي تصرف الحرارة. |
إن للمبردات المعدنية، إضافة إلى كونها تدعم استخدام
طيف النترونات السريع، عدة صفات جذابة. فهي، أولا، تمتلك خواص استثنائية
للانتقال الحراري تسمح للمفاعلات المبردة بالمعدن أن تتحمل حوادث كتلك التي جرت
في ثري مايل آيلاند وفي تشيرنوبل. وثانيا، إن بعض المعادن السائلة (ولكن ليس
كلها) أقل كثيرا من الماء في إحداث تأكّل المكونات. ولذلك فإنها تمد في عمر
تشغيل وعاء المفاعل والنظم الفرعية الحاسمة الأخرى. وثالثا، يمكن لهذه
المنظومات العاملة عند درجات الحرارة العالية أن تعمل تحت ضغط قريب من الضغط
الجوي، وهذا يبسط إلى حد كبير من تصميم المنظومة وينقص المخاطر الصناعية
الممكنة في المنشأة.
لقد شُغّلت أكثر من عشرة مفاعلات مبردة بالصوديوم في
مناطق مختلفة من العالم. ونبهت هذه التجربة إلى صعوبتين رئيسيتين ينبغي التغلب
عليهما. فالصوديوم يتفاعل مع الماء مولدا حرارة عالية، وهذا مصدر محتمل للحوادث.
وقد دفعت هذه الخاصية مصممي المفاعلات المبردة بالصوديوم إلى إضافة نظام ثانوي
يعمل بالصوديوم ليعزل المبرد الأولي في قلب المفاعل عن الماء في النظام الذي
ينتج الكهرباء بالبخار. وهناك تصاميم جديدة تركز على تقانات مبتكرة للمبادلات
الحرارية تمنع التسرب.
أما التحدي الثاني فيتعلق بالاقتصاد. فلما كانت
المفاعلات المبردة بالصوديوم تحتاج إلى خطوتين لانتقال الحرارة بين القلب
والعنَفَة، فإن التكاليف الرأسمالية ستزداد، في حين تقل الكفاءات الحرارية، عن
مثيلاتها الأكثر تقدما التي تُبرَّد بالغاز أو بالماء (نحو 38 في المئة في
مفاعل متقدم مبرد بالصوديوم، مقارنة ب45 في المئة في مفاعل الماء الفائق
الحرجية). إضافة إلى ذلك فإن المعادن السائلة غير شفافة وهو ما يجعل معاينة
المكونات وصيانتها أكثر صعوبة.
تحاول تصاميم مفاعلات الطيف السريع من الجيل القادم
أن تستفيد من مميزات التصاميم السابقة ومعالجة عيوبها. لقد تقدمت التقانة إلى
درجة أصبح معها بالإمكان أن نتخيل مفاعلات الطيف السريع التي يعتقد المهندسون
أن احتمال انصهارها قليل جدا. إضافة إلى ذلك فإن المبردات غير المتفاعلة مثل
الغازات الخاملة أو الرصاص أو سبائك الرصاص والبزموت يمكن أن تلغي الحاجة إلى
نظام تبريد ثانوي، وأن تحسِّن قابلية هذا النهج للبقاء اقتصاديا.
ما مدى حماية
المنشآت النووية من الإرهابيين؟
(********) لقد أثارت أحداث 11/9/ 2001 المأساوية أسئلة مزعجة حول قابلية المرافق النووية للعطب نتيجة الهجمات الإرهابية. وعلى الرغم من اتخاذ إجراءات مدنية وعسكرية متشددة لوقف الاعتداءات المزمعة فإن التحطيم المتعمد لطائرة تجارية كبيرة يلوح في الخيال. فهل على الأمريكيين أن يقلقوا؟ الجواب هو كلا ونعم.
ليست المنشأة النووية هدفا سهلا بالنسبة إلى طائرة تجارية تطير بسرعة كبيرة، لأن الضربة الحائدة عن مركز مبنى الاحتواء الأسطواني المقبب لن تؤثر في بنية المبنى تأثيرا بالغا. كما أن موقع قلب المفاعل بالذات، يكون عند مستوى سطح الأرض أو تحته ولا يتجاوز قطره 10 أقدام (2.5 متر) وارتفاعه 12 قدما (3 أمتار). وهو محصور في وعاء فولاذي ثقيل محاط بقلعة خرسانية. وتختلف تصاميم أبنية احتواء المفاعل في التفاصيل لكنها في جميع الحالات معنية بتحمل أسوأ قوى الطبيعة (بما في ذلك الزلازل والأعاصير والعواصف). وعلى الرغم من أن أفنية الاحتواء ليست مصممة لمقاومة الأعمال الحربية، فإن بإمكانها أن تتحمل ارتطام الطائرات الصغيرة بها.
وعلى الرغم من توفير الحماية لقلب المفاعل فإن بعض تمديدات الأنابيب ومعدات تبريد المفاعل وكذلك الأجهزة المساعدة وساحة المحولات switchyard المجاورة يمكن أن تكون عرضة للعطب من ضربة مباشرة. إلا أن محطات الطاقة النووية مزودة بنظم طوارئ متعددة للتبريد، كما أنها مزودة بوحدات طوارئ للتزود بالطاقة في حال انقطاعها. وفي حال وقوع الحدث غير المحتمل الذي تدمر فيه جميع هذه الاحتياطات الإضافية يمكن أن يسخن قلب المفاعل أكثر مما ينبغي وينصهر، ولكن حتى في هذه الحالة المغالى فيها، والتي تشبه ما حدث في ثري مايل آيلاند، تبقى مواد القلب المشعة محتواة ضمن وعاء الضغط.
وإذا كان للمنشآت النووية من نقطة ضعف فهي المرافق المؤقتة في الموقع المقامة لتخزين الوقود المستنفد. فعلى الرغم من أن هذه المستودعات تحتوي عادة على عدة تجميعات من الوقود المستخدم، وفيها إذن نشاط إشعاعي إجمالي أكثر مما هو موجود في المفاعل، فإن معظم النظائر المشعة الأشد خطرا في الوقود القديم تكون قد اضمحلت. وينطبق هذا بصورة خاصة على منتجات الانشطار الغازية التي يمكن أن تنطلق إلى الجو، وهي التي تقدر أعمار النصف لها بالشهور. وتحفظ تجميعات الوقود المستنفد المزالة حديثا من المفاعلات في أحواض مائية عميقة لتبريدها وحجب الإشعاع الصادر عنها. وتحاط هذه الأحواض المفتوحة بحاويات سميكة الجدران من الخرسانة المسلحة بالفولاذ. وبعد عدة سنوات تنقل المواد إلى براميل تخزين الوقود الجافة المبردة بالهواء والمصنوعة من الخرسانة.
وعلى الرغم من أن أحواض التبريد لا تشكل سوى هدف صغير نسبيا، أي إنه هدف صعب بالنسبة إلى الإرهابيين، لكن هجوما محكم التسديد يمكن أن يؤدي إلى تسرب ماء الحوض وتسخين الوقود أكثر مما ينبغي ومن ثم انصهاره. ويقول المختصون إن الخرطوم العادي المستخدم في إطفاء الحريق يمكن أن يكفي لإعادة ملء الحوض. ويضيفون إنه حتى لو انصهر الوقود فلن ينتج من ذلك سوى القليل من الجسيمات المشعة التي يمكن أن يحملها الهواء. أما ارتطام طائرة تجارية ببراميل تخزين الوقود الجافة فلن يؤدي في الغالب إلا إلى قذفها جانبا. ويقول المختصون في الأمان النووي إنه عند حدوث شرخ في أي برميل فقد تحمل القطع المحطمة من غلاف الوقود المؤكسد بعض النشاط الإشعاعي باتجاه السماء.
ويعتقد بعض المختصين أن هيئة التنظيم النووي سوف تأمر قريبا بتقوية التجهيزات المساعدة في المنشآت النووية وفي مرافق تخزين النفايات.
وإذا حدث مثل هذا الهجوم الإرهابي فهناك خطط موضوعة لإجلاء السكان القريبين، إلا أنه يجب القول بأن هناك انتقادات تزعم أن هذه الخطط غير عملية. ويُعتقد على أية حال، أنه سيكون هناك ما بين ثماني وعشر ساعات متاحة لمغادرة المكان بأمان، قبل أن يتعرض الأشخاص الذين سيتم إجلاؤهم إلى جرعة إشعاعية ذات شأن. وقد يكون أقسى أثر ضار كامن هو التلوث الطويل الأمد للمنطقة المحلية بالحبيبات المحمولة في الهواء والتي سيكون تنظيفها مكلفا.
محررو ساينتفيك أمريكان
جندي فرنسي يقوم بحراسة بطارية صواريخ مضادة للطائرات متمركزة بالقرب من أكبر منشأة أوروبية لإعادة معالجة النفايات في لاهاگ بنورماندي. | |
لقد وصلت الطاقة النووية إلى مرحلة حاسمة في تطورها،
فالنجاح الاقتصادي للجيل الحالي من المنشآت في الولايات المتحدة اعتمد على
تقنيات إدارية محسنة وممارسات واعية تؤدي إلى تنامي الاهتمام بشراء منشآت جديدة.
أما التصاميم المبتكرة للمفاعلات فيمكن أن تحسِّن بصورة جذرية أمان واستدامة
واقتصاديات منظومات الطاقة النووية على المدى البعيد وتفتح الطريق أمام
انتشارها على نطاق واسع.