هشام مزيان المشرف العام
التوقيع :
عدد الرسائل : 1749
الموقع : في قلب كل الاحبة تعاليق : للعقل منهج واحد هو التعايش تاريخ التسجيل : 09/02/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 25
| | الطاقة من العدم | |
الطاقة من العدم
نصب بوهر واينشتاين | | ان نستخرج الطاقة من العدم يبدو وكأنه مزحة إذ يفترض انه يتناقض مع بعض قوانين الفيزياء. غير ان فيزياء الكفانت (الكوانتم) تنبأ بالذات بهذه الامكانية المذهلة. الفرق ان الامر لم يعد مجرد نظريات بل اصبح مُبرهن عليه عمليا. بفضل تجربة غاية في التقدم قام بها الباحثون السويديون Christopher Wilson, Göran Johansson and Per Delsing, من معهد التكنيك العالي في يغوتبورغ.
التجربة السويدية تقف على اكتاف 80 عاما من الخبرة النظرية والعملية التي تطمح لفهم لماذا لاتسمح ميكانيك الكم ( الكفانت) بوجود عدم، بالمعنى الفلسفي واللغوي للكلمة، والبرهنة على ذلك مختبريا.
الامر بمجمله بدأ في عشرينات القرن الماضي عندما قام الفيزيائي نيلس بوهر Niels Bohr, الى جانب مجموعة اخرى من كبار العلماء بوضع قواعد ميكانيك الكم. النتائج المترتبة على فيزياء الكفانت الكمومي انه لايوجد فراغ حقيقي، بمعنى منطقة لاتحوي على اي شئ الى حد العدم، وانما على العكس يوجد على الدوام كمية هائلة من نشاطات جزيئات في اي منطقة فارغة، حتى لو كان المكان، من منظورنا، فارغ من الذرات او الضوء. السبب ان فترة تواجد كل جزيئة لحظة زمنية قصيرة للغاية بحيث اننا لانتمكن من ملاحظتها قبل ان تزول. هذه الجزيئات تسمى الجسمات الافتراضية، Virtual particles, بسبب انهم، بشكل من الاشكال، ليس لهم وجود كمي في كوننا.
غير ان الخبراء السويديين قاموا بجلب هذه الجزيئات الى عالمنا وتمكنوا من قياس خصائصهم. ومن حسن الحظ تطابقت هذه الخصائص مع توقعات وتنبوءات فيزياء الكفانت الكمومي.
ان جزيئ يمكن ان ينشأ، حسب كل ملاحظاتنا من العدم، من الفراغ، يتناقض مع قانون اساسي من قوانين الفيزياء وتحديدا قانون حفظ الطاقة، حسب قانون الترمو ديناميك الذي يقول: الطاقة لاتفنى ولاتخلق من عدم وانما تغير اشكالها. ولكون يحتاج الامر الى طاقة من اجل انتاج طاقة من الفراغ فإن انتاج طاقة من فراغ يفترض انه مستحيل، إذ من اين جاءت هذه الطاقة؟
غير ان مبدأ عدم الدقة لهيزنبيرج ، التي جرى صياغتها عام 1927 من قبل الفيزيائي Werner Heisenberg, انقذت الموقف. هذا المبدأ يعني ان الطبيعة قادرة على الاخلال بقانون حفظ الطاقة، لمدة قصيرة للغاية لاتسمح لنا بملاحظتها. اي انه كل الوقت تنشأ جسيمات افتراضية وفوتونات لتختفي على الفور. والطاقة الضرورية لخلق هذه الطاقة تستدينها الطبيعة للحظة، لتقوم على الفور بدفع دينها، بحيث، في النتيجة، سيبدو لنا وكأن قانون حفظ الطاقة لازال فعال.
التجربة التي اثبتت تأثير كاسيمير | | عام 1948 اكتشف الفيزيائي الهولندي Hendrik Casimir طريقة للبرهنة مباشرة على وجود الفوتونات الافتراضية. إذا كانت فعلا موجودة فإن ذلك سيظهر من خلال ان مرآتان معدنيتان متموضعتان على مسافة ميكرومتر من بعضهما، في مكان مفرغ من الهواء، سينجذبان الى بعضهما. قوة هذا الانضغاط الكمي تسمى Casimir effect. في تجارب لاحقة قام بها الفيزيائي Steve Lamoreaux ثبت ان التأثير المذكور موجود.
العالم على المستوى الذري ينقسم الى جزيئات وموجات. إذا كانت الجزيئات على الدوام تنشأ في الفراغ سيعني ذلك ايضا انه ينشأ موجات من مختلف الاطوال. إذا أفترضنا وجود مرآتين متوازيتين والمسافة بينهما صغيرة للغاية، سيعني ذلك ان هناك موجات لن تجد لها مكانا بين المرآتين. ولكون الامواج تمثل الجسيمات الافتراضية سيعني ذلك ان هناك جسيمات اقل بين المرآتين مقارنة بخارجهما. هذا الفرق في الطاقة سيؤدي بدوره الى الضغط على الجدران الخارجية للمرآتين لتبدو النتيجة وكأن المرآتان ينجذبان الى بعضهما.
المسافة بين المرآتان يجب ان تكون بمقاييس النانو ليكون بالامكان قياس التأثير. هذا الامر كان تحديا كبيرا بحيث ان الامر استغرق 48 سنة منذ تنبوء كاسيمير والى ان تمت البرهنة عليه بتجربة عملية عام 1996.
عالم الفيزياء Gerald Moore قام عام 1970 بتأكيد تأثير كاسيمير الكمي الى جانب تأثير كاسيمير الديناميكي. من حيث المبدأ تعني فكرة موريه ، ببساطة، انه إذا كانت احدى المرايا تتحرك بسرعة، فمن الممكن القول انها من خلال تصادمها مع الجسيمات الافتراضية تعطيهم مايكفي من الطاقة لتفصلهم عن سجنهم الافتراضي ليخرجوا الينا فوتونات حقيقية.
وإذا كان بالامكان تطبيق فكرة موريه بتجربة عملية سنتمكن من أسر بعض الجسيمات الافتراضية. المشكلة هي في النجاح على معضلات عملية. من اجل نجاح التجربة يجب تحريك المرآة بسرعة 300000 كيلومتر في الثانية. ذلك مستحيل، وهنا جاء دور العلماء السويديين الذين اكتشفوا مخرجا لهذه المعضلة.
التجربة السويدية: مرآة تبعث فوتونات زوجية | | عوضا عن تحريك المرآة بطريقة ميكانيكية تمكنوا من بناء منظومة كهربائية قادرة على محاكاة مرآة تدور بسرعة. هذه المرآة الكهربائية يتم تبريدها الى قرب حدود درجة الصفر المطلق وتعرض الى حقل مغناطيسي سريع ومتغير. بالنسبة للجسيمات الافتراضية ستكون الفعالية مساوية لفعالية مرآة تتحرك للامام وللخلف بسرعة تصل الى ربع سرعة الضوء، وهي تكفي للوصول الى نقطة تبادل الطاقة.
وبالفعل، عند وضع التجربة في التطبيق حصلت الجسيمات الافتراضية على طاقة كانت كافية لتجبرهم على التحول من الافتراضية الى الواقعية وامكن قياسهم بالعالم الواقعي. بالمجموع تم انتاج عشرة مليارات فوتون في الثانية. قد يبدو الرقم كبير ولكن في الواقع لايتجاوز ذلك 14-10 واط. ولكن ذلك كان كافيا لتسجيل الموجات القصيرة في استشعارات القياس، التي جرى ايصال الفوتونات الجديدة اليها عبر كابل. الفوتونات التي تنشأ من العدم تكون زوجية، إذ ان الجسيمات الافتراضية على الدوام زوجية، جسيم ومضاد الجسيم، مثلا الكترون وبازيترون. غير ان الفوتونات مضادات نفسها. والمذهل ان عدد الفوتونات تتطابق مع الحسابات النظرية التي تنبأ فيها فيزياء الكم النظري.
وعلى الرغم القفزة الهائلة الا انها البداية فقط. لازال من الضروري معرفة اذا كانت هذه الفوتونات مرتبطة مع بعضها البعض ، بحيث ان احدها يعلم ماذا يفعل الاخر وهي ظاهرة تسمى entanglement. إذا كان الامر كذلك، وهو الامر الذي يعتقده العلماء، سيمكن عندها، نظريا، استخدام الفوتونات لبناء كمبيوترات كفانتية والدخول في عصر التواصل الكفانتي.
وحتى ذلك الحين يحاول العلماء اسر انواع اخرى من الجسيمات الافتراضية مثل الالكترونات الافتراضية، وهو امر اكثر تعقيدا. وعلى الرغم من انه ممكن الا انه يتطلب طاقة عالية للغاية، مما يجعله قضية مستقبلية على جدول اعمال المسرع الاوروبي سيرن.
| |
|