عزت القمحاوي
2011-10-28
يستحق
التونسيون الغبطة بنتيجة انتخاباتهم، أيًا كانت النتيجة. وعلى الرغم من
التبسيطية الإسلامية المفرطة لرئيس المجلس الانتقالي الليبي يبدو أن الثورة
الليبية تمضي هي الأخرى في طريق أفضل من ذلك الذي وجدت الثورة المصرية
نفسها مجبرة على السير فيه. وستتفوق الثورتان بينما كانت الآمال معلقة على
نجاح الثورة في البلد القاطرة لكي ينتشل ذلك النجاح بقية أرض العرب.
آمال
المتطلعين للحرية على هذا النحو من الترتيب الكلاسيكي تقابلها في الوقت
ذاته مخاوف أصحاب المصالح في هذا الإقليم. ويبدو أن هذا التفكير يتزعزع ولن
ينطبق على الثورات التي قام بها الصغار (الشباب) وجروا معهم الكبار، حيث
تولد مع هذه الثورات استراتيجية جديدة تشببها، وهي استراتيجية تكاتف الصغار
لانتشال الأم من كبوتها. ويحق للمصريين أن يفرحوا بكل نجاح تحرزه ثورة في
بلد عربي آخر. ويحق لكل المتطلعين إلى الحرية أن يخشوا المصير المراد لهذه
الثورات.
لا ينكر المؤامرة الأجنبية إلا أحمق، ولا يستسلم لحاكميتها إلا
أحمق آخر؛ فإرادة الداخل هي التي تحدد فعالية الإرادات الخارجية من عدمها.
وطبقًا للمدرسة الكلاسيكية في التغيير (على طريقة القاطرة والعربات)
تتضافر قوى الخارج على تعويق الثورة المصرية، لكنها لم تكن لتنجح لو أخلص
من تلقفوا الحكم من يد مبارك للثورة أو حتى قرأوا دروسها.
***
مثل
طفل نزق يكره التعليم. جرب المجلس العسكري في مصر كل حيل التلاميذ غير
المخلصين للمستقبل: عدم الانتباه أثناء الدرس، عدم القيام بواجباته (فروضه)
المنزلية، مقاومة القراءة، إثارة الشغب عند مطالبته بالالتزام، وأخيرًا
التمارض من أجل الإفلات المشمول بالتعاطف!
لم ينتبه العسكر المسنون إلى
الدرس أثناء الثورة، حيث لم يسقط مبارك المسن بأيدي المعارضة المسنة، بل
أسقطه صغار لا يؤمنون بحكمة الشيوخ ولا يوقرونهم لمجرد التقادم في الحياة
على الأرض، والأهم أنهم لا يعرفون الخوف ولم يحسبوا إمكانياتهم في مواجهة
ترسانات سلاح الديكتاتور البليد قبل أن يتنادوا للغضب.
وأكثر من تعظيم
سلام للشهداء بيد أحد لواءات المجلس العسكري لم يقم ذلك المجلس بأداء واجبه
المدرسي، لا في مادة التشريع السياسي وخلق الآليات المحترمة للتحول
الديمقراطي ولا في مادة الاقتصاد ولا على صعيد الأمن.
كل ما فعله هو
التمسك بآليات النصف الساقط من النظام حرفيًا دون أي تجديد يذكر. في
السياسة تم تأليب الاتجاهات والأحزاب والطوائف بعضها ضد بعض ليبدو التوافق
مفقودًا حول الدستور والبرلمان وشكل الدولة المأمول، ولا يكون أمام الأب
العسكري في حالة كهذه إلا إلقاء ما يريد من فضلة خيره إلى داخل القفص
الصاخب.
على صعيد الاقتصاد، كان المستشرقون المغتصبون لاقتصاد البلاد
باسم الابن يمسكون بحواسبهم ويبشرون المصريين بنمو اقتصادي، هو مجرد أرقام
تعنيهم وحدهم، لأنها كلها نواتج ريعية من المضاربة على أصول الدولة وبيعها
(الأرض والمصانع) أو المضاربة على الوهم في البورصة التي تشبه مقامرات لعبة
بوكر فاسدة هناك من يكشف أوراقها ويتحكم فيها.
ومن الحواسب ذاتها
استخرج المجلس العسكري الأرقام السلبية ليروع المصريين بحجم الخسائر التي
مني بها اقتصادهم، وهي في الحقيقة ليست خسائر، فلا الأرض المزروعة أفحلت
بعد الثورة ولا المصانع القليلة عطلت. كل ما تراجع هو أرقام المضاربات، وكل
ما تناقص هو أرصدة المحبوسين التي ظلت آمنة، بينما يطالب الثوار
باستردادها.
***
الانفلات الأمني، كان ثالثة الأثافي، غير المبررة
إطلاقًا؛ فالمصريون يعرفون حجم جيشهم القادر ليس فقط على حمايتهم، بل على
إطعامهم أيضًا. وقد فعلها مرارًا إنقاذا لماء وجه الديكتاتور التافه، كلما
عجز نظامه عن توفير الرغيف خبزت أفران الجيش للمصريين عيشهم ولملمت
الفضيحة.
ومن سخريات المصادفات، أو سخريات التدبير الأخرق أن تتحول '6
أكتوبر' المدينة الضاحية التي تحمل يوم فخر الجيش اسمًا لها إلى رمز للوهن
الأمني المدعى!
بدأ الانفلات المروع باستهداف قطاع الطرق للسيارات على
الطريق الصحراوي أمام '6 أكتوبر' من سيارة عمرو حمزاوي والممثلة بسمة إلى
سيارة الروائي وحيد الطويلة وزوجته المذيعة منى سلمان إلى غير ذلك من حوادث
تكفي لمنعها عربة عربة جيب واحدة بثلاثة جنود ترابط في المكان.
وبدلاً
من تأمين السيارات بدأت الغارة على المساكن الشاغرة واحتلالها. اشتعلت
الفضائيات والصحف الأسبوع الماضي بأنباء سيطرة البلطجية على مشروع إسكان
'بيت العائلة' بالأسلحة النارية.
سيطر الذعر المضحك على مذيعي ومذيعات
التوك شو وضيوفهم وهم يصفون النظام الذي فرضه البلطجية بالقوة على المنطقة
التي أقاموا فيها محطة للتوكتوك (السيارة الموتوسيكل) وغير ذلك من متطلبات
الإعاشة الضرورية على أطراف الصحراء، واتخذ المتكلمون من هذه التدابير
دليلاً على قوة دولة البلطجية.
وتواصل الذعر ليال متتابعة قبل أن يحرك
المجلس المتمارض يده وينهي دولة البلطجية الصغيرة، ولو كان المجلس قد تمارض
لذات المدة في مواجهة متظاهري ماسبيرو تأخر في تحريك مدرعاته ما وقعت
المذبحة المخزية. لكن المتمارض غير المريض؛ فهو الذي يحدد طبقًا لمصالحه
توقيت مرضه المدعى.