تجربة نيودلهي عام 2000 في وضع حواسيب تحت تصرف الأطفال في أمكنة هي حقيقة ثقوب في الجدران. لقد صمم المشروع التعليمي التدخلي في حده الأدنى لإدخال التقانة إلى البيئة بحيث يتعلم الأطفال استخدام الحاسوب من دون قيادة أو إرشاد. غير أنه من دون توجيه، صار الحاسوب على العموم مجرد لُعبة عالية التقانة. |
لكن كيف لهذا التطبيق القائم على فرضية الحتمية التقانية أن يخرج جميع ما لديه
عند الممارسة العملية؟ وفي السنوات القليلة الأخيرة، قمت بجولات حول العالم
لدراسة البرامج التقانية للجماعات السكانية في كل من البلدان المتقدمة والبلدان
النامية. لقد راقبت عشرات البرامج المختلفة وقابلت مئات المشاركين والمنظمين
لهذه البرامج.
ومن التحليلات الطورية case studies التالية، يتضح أمران أساسيان: غالبا ما
تقود البرامج التي ترجى الفائدة منها إلى اتجاهات غير متوقعة، وإن أسوأ حالات
الفشل تحدث عندما يحاول الناس التصدي للمشكلات الاجتماعية المعقدة بتركيز
جهودهم في هذا المضمار على التزود بالأجهزة والمعدات.
مقاربة أدنوية
(***) في عام 1999، قامت الحكومة المحلية في نيودلهي، بالتعاون مع شركة تسمى «المعهد
القومي لتقانة المعلومات»، بتدشين تجربة يُتاح من خلالها لأطفال أفقر المناطق
في المدينة استخدام الحاسوب. ومن أجل ذلك وضع مسؤولون حكوميون وممثلون عن
الشركة أكشاكا
(1) في العراء تحوي عدة محطات حاسوبية. وكانت وسائل الاتصال
بالإنترنت عن طريق هذه الحواسيب محجوزة في غرفة صغيرة داخل كل كشك؛ أما
المراقبات monitors وعصي التوجيه
joysticks وأزرار التشغيل فقد تركت في متناول
الأطفال. وتماشيا مع مفهوم التعليم التدخّلي في حده الأدنى
minimally invasive
education لم تتضمن التجربة معلمين أو مدربين؛ إذ كانت الفكرة هي إتاحة الفرصة
للأطفال لاستخدام الحواسيب يوميا من دون قيود بحيث يتعلمون بالسرعة التي
تناسبهم وليس من خلال توجيهات الكبار.
لقد أهَّل بالبرنامج منظموه باعتباره نموذجا يحتذى في الكيفية التي يمكن وفقها
إدخال تقانة المعلومات إلى عالم فقراء المدن. وقد جرى تداول قصص ملهمة على
الإنترنت عن الكيفية التي تمكَّن وفقها أطفال لا يعرفون القراءة ولا الكتابة من
تعليم أنفسهم استعمال الحاسوب، محطمين بذلك الحواجز بينهم وبين عصر المعلومات.
وهذه البيانات قادت إلى وضع أكشاك إضافية في مواقع أخرى.
ومع ذلك فقد كشفت زيارتي لواحد من أكشاك نيودلهي عن صورة مختلفة. فنادرا ما كان
الاتصال بالإنترنت قائما؛ كما أن هندسة الكشك ـ المقامة على أساس حائط بدلا من
غرفة ـ جعلت التدريب أو التعاون عسيرا. ومن ناحية ثانية فإن لمعظم الجماعات
الفقيرة في نيودلهي منظمات تُعنى بالأطفال وكان بإمكانها القيام بالتدريب في
مركز حاسوبي من نوع مختلف؛ لكن مشاركة هذه المنظمات لم تلتمس ولم يُرحب بها.
وخلال الأشهر التسعة التي استغرقتها التجربة تعلم الأطفال بالفعل كيفية تشغيل
عصا التوجيه والأزرار لكن من دون برامج تعليمية؛ ومع كون البرامج مكتوبة
بالإنكليزية بشكل رئيسي وليس بالهندية، كان الأطفال في معظم الوقت ـ كما قد
يتوقع المرء ـ يلعبون ويستخدمون برامج الألوان للطلاء.
كان الآباء والأمهات الذين يقطنون في
جوار هذه الأكشاك في حيرة من أمرهم. لقد أيّد بعضهم المبادرة، في حين أبدى
بعضهم الآخر امتعاضه من عدم توافر تعليم منظم لأطفالهم. حتى إن البعض اشتكى من
التأثير السلبي للحاسوب في دراسة أطفالهم. وفي هذا الصدد يقول أحد الآباء: «لقد
كان الأداء الدراسي لابني جيدا جدا؛ لكنه الآن يقضي جل وقت فراغه في أحد
الأكشاك لممارسة الألعاب الحاسوبية، الأمر الذي أثّر سلبا في أدائه الدراسي.»
وباختصار، خلص أهل المنطقة إلى أن التعليم الأدنوي في تدخله
minimally invasive
education، كان من الناحية العملية، تعليما أدنويا في فاعليته.
ومع ذلك، فإن التأكيد المغالى به على أهمية الأدوات والأجهزة الحاسوبية مع
الاهتمام جزئيا بالأطر التعليمية والمناهج التي تحدد كيفية استخدام الحواسيب،
هو أمر مشترك بين جميع المشروعات التقانية التعليمية في العالم. غير أن مثل هذه
الحتمية التقانية technological
determinism تعرضت للنقد من قبل الأكاديميين من
خلال مفهوم يسمى المعلوماتية الاجتماعية social
informatics، والذي يقول بأن التقانة يجب أن تؤخذ في الاعتبار في سياق معين يتضمن الأجهزة والمعدات والبرامج
والموارد المساعدة والبنى التحتية، وأيضا الناس في مختلف الأدوار والعلاقات
بينهم. وكذلك العلاقات بالعناصر الأخرى في المنظومة. فكل من التقانة والمنظومة
الاجتماعية تحدد باستمرار الملامح الرئيسية للأخرى.
ومع أن القاعدة الشعبية من المعلمين والآباء والمرشدين الاجتماعيين
aid workers
قد لا تكون على دراية بالمصطلح الأكاديمي: «المعلوماتية الاجتماعية»
social informatics،
إلاّ أن كثيرا من الناس يدركون مضامين الترابط المتشابك بين التقانة
والمنظمات العامة. وحديثا أفرزت «المعلوماتية الاجتماعية» مصطلحا جديدا
هو «معلوماتية الجماعة» community
informatics. وهذا المصطلح يُدخِل في
الاعتبار الجوانب الفريدة للثقافة المعنية التي وضعت فيها التقانة، بحيث يمكن
للجماعات استخدام تلك التقانة على أكمل وجه لتحقيق أهدافها الاجتماعية أو
الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية.
محاولة أكثر تكاملا
(****) إن المشروع گياندوت Gyandoot (أي: مورِّد المعرفة) في الهند هو مثال على برنامج
قائم على مقاربة معلوماتية الجماعة. ففي العام 2000 وفي جنوب غرب ولاية «مادهيا
براديش»، التي تعد واحدة من أكثر الولايات الهندية فقرا، قامت الحكومة بهذا
المجهود الرقمي لتمنح سلطة اقتصادية وسياسية أوسع لسكان الريف هناك الذين
ثلثاهم تقريبا أميون وناقصو التغذية. فقد تسلمت كل قرية كشكا حاسوبيا على اتصال
بالأكشاك الأخرى من خلال شبكة حاسوبية. وقام متعهدون محليون بخدمة الأجهزة
الحاسوبية، كما قام فريق صغير مكلف من الحكومة بوضع مواد ثقافية على إنترانت گياندوت،
وهذه المواد مبنية على تحليل لاحتياجات الناس الاجتماعية والاقتصادية.
وتشتمل هذه المواد على الأسعار المحدّثة للمنتجات العامة في المقاطعة، والأسواق
المحلية والوطنية، بحيث يمكن لصغار المزارعين تحديد الموعد الذي يجمعون فيه
محاصيلهم والأمكنة التي يبيعونها فيها، وذلك من دون أن يقضوا يوما في السفر إلى
عاصمة المقاطعة لتعرّف أسعار محاصيلهم. وثمة خدمة للشكاوى تتيح لسكان الريف عرض
المشكلات التي تواجههم، مثل خلل في عمل يد مضخة أو غياب معلم عن مدرسته.
وبتمكين الريفيين رقميا digitally من الإعراب سريعا عن مثل هذه الهموم، أخذت
الخدمات الحكومية تتحسن تدريجيا.
يقوم مديرو الأكشاك المحليون بتشغيل الحواسيب فيها وبذا يجعلون الخدمة، التي
تكلف بضعة سنتات فقط لكل استخدام، في متناول حتى الأميين من السكان. كما يقوم
هؤلاء المديرون بتوفير تدريب حاسوبي لأطفال سكان الريف وذلك مقابل أجر بسيط،
وبذا تتحسن المهارات الحاسوبية الجماعية لدى الجمهور؛ وفي الوقت نفسه، يتأمن
دخل إضافي للمديرين. وتُستخدم الشبكة گياندوت أيضا للاتصال بمبادرات المنطقة
الاقتصادية الاجتماعية الواسعة، مثل حملة «الطفل الأكثر صحة»، التي توفر
معلومات عن التطعيمات والتغذية.
إن تدشين المشروع گياندوت لم يكن مكلفا، ذلك أنه لم يتضمن سوى جهاز حاسوبي واحد
لكل قرية؛ كما أنه ممول ذاتيا إلى حد ما، حيث إن بإمكان مشغلي الأكشاك استرداد
بعض نفقاتهم من خلال أجور بسيطة يتلقونها من مستعملي حواسيب أكشاكهم. وبالتأكيد
على تأمين احتياجات المستخدم من خلال خدمات مُسيّرة محليا على نطاق ضيق، فإن
المشروع گياندوت يشترك إلى حد كبير مع نموذج أكشاك الهواتف، الذي ساعد على
توسيع الخدمات الهاتفية لتشمل معظم مناطق الهند. ففي الأشهر التسعة بدءا من
الشهر10/2001، استخدم أكشاك گياندوت نحو 300 21 مستخدم، لا يتجاوز الدخل السنوي
300 دولار لثمانين في المئة منهم. ومع أن عدد المستخدمين هذا يمثل نسبة ضئيلة
من السكان، إلا أن فوائد المشروع، مثل تحسن الخدمات الحكومية، تنطلق في مآل
الأمر لتشمل أصدقاء هؤلاء المستخدمين وأسرهم والعاملين معهم.
إن مدى نجاح المشروع گياندوت لم يحدد تماما بعد. غير أن المقاربة التي يتضمنها
هذا المشروع ـ والتي تتمثل بنشر
للتقانة مخطط له جيدا وقليل التكلفة، مع ما تحمله هذه التقانة من مواد تثقيفية
هدفها التطوير الاجتماعي ـ هي بالتأكيد بديل صحي للمشروعات التي تعتمد على زرع
حواسيب وانتظار شيء ما لينبت.
وثمة حالة، كنت نظرت فيها بالولايات المتحدة الأمريكية مع طالبة الدراسات
العليا
، تبين أيضا أهمية مقاربة معلوماتية الجماعة. فالمدارس
الثانوية في ولاية كاليفورنيا تطرح مقررات متقدمة لتحديد المستوى(2)
AP تمنح
الطلبة رصيدا من التقديرات في كلياتهم، كما تُسهّل قبولهم في أفضل الجامعات.
وهذه المقررات متوافرة بأعداد غير متساوية بصورة مثيرة، وذلك إلى حد كبير تبعا
للوضع الاجتماعي والاقتصادي للطلبة وإلى انتماءاتهم العرقية. فمثلا، في العام
1999 قامت ثانوية بڤرلي هيل التي يتحدر 9 في المئة فقط من طلبتها من أصول
أمريكية لاتينية أو إفريقية، بطرح 45 من المقررات AP؛ في حين قامت ثانوية إنگلوود،
التي تقع في جزء مختلف من المقاطعة نفسها والتي يتحدر 97 في المئة من طلبتها من
أصول إفريقية أو أمريكية لاتينية، بطرح ثلاثة فقط من المقررات
AP.
مزارعو گياندوت وهم يستخدمون الإنترانت intranet في أحد مراكز الحاسوب التابع لمقاطعة دهار بوسط الهند، حيث يعيش 60 في المئة من سكانها ال1.7 مليون نسمة تحت خط الفقر. والإنترانت تزودهم بأسعار المحاصيل والطلبات الرسمية، كما أنها مكان لعقد مزادات القرية ولإبداء تظلماتهم. |
وللتصدي لهذه المشكلة، تعاون في العام 2000 مكتب رئيس جامعة كاليفورنيا ولجنة
إعداد المبادرات في هذه الجامعة، مع ثانوية آنهايم يونيون، التي تضم عددا كبيرا
من الطلبة من أصول أمريكية لاتينية. لقد كان المجهود الأول في هذا المضمار هو
مقرر AP على الإنترنت في الاقتصاد الماكروي
macroeconomics؛ وذلك لأن العديد من
طلبتهم، حتى أفقرهم، كان لديهم إمكان الوصول إلى الحواسيب والإنترنت خارج
المدرسة. وقد سَجل في هذا المقرر طلبة العديد من المدارس، وبذا أمكن احتماليا
التغلب على مشكلة الطلبة المتقدمين الذين ينتمون إلى مجموعات صغيرة مشتتة من
السكان. وكانت النتيجة أن ستة فقط من 22 طالبا استطاعوا إتمام المقرر. وقد أمكن
تحديد بعض أسباب ذلك من خلال مسوحات ومقابلات أجريت للطلبة. فقد اتضح أن
التعليم عن طريق الإنترنت ـ حيث على الطلبة إتمام دروسهم من منازلهم بصورة
مستقلة ـ يفتقر إلى بنية كافية، وإلى اتصال الطلبة بالمدرسين وتفاعلهم مع
نظرائهم للحفاظ على تحفيزهم للاضطلاع بما عليهم من مواد دراسية. وكثيرا ما أعرب
الطلبة المتحدرون من أصول أمريكية لاتينية عن تفضيلهم لهذه الأنماط من الدعم
الاجتماعي.
بيد أنه كان للفشل نتائج إيجابية. ففي السنة التالية، أسهم برنامج منقح في
اجتذاب عدد من الطلبة من عدة مدارس للتسجيل في مختبر حاسوبي أُقيم في موقع
متوسط، ولكن هذه المرة ليأخذوا مقررا متخصصا: وهو «مدخل في علم الحاسوب ولغة
البرمجة C». ومع أن الصف مازال يُدَرَّسُ عن طريق الإنترنت، وذلك للاستفادة من
الخبير البعيد والمنهج الدراسي المؤسس على الحاسوب، كان هناك مدرس محلي للإجابة
عن أسئلة الطلبة وتقديم مساعدات عامة لهم. وقد أثبت انضمام التعليم عن طريق
الحاسوب من قبل خبير إلى تفاعل الطلبة مع معلمهم ونظرائهم في الصف، أنه أكثر
كفاءة بكثير؛ فقد تمكن 56 طالبا من أصل 65 من إتمام المقرر بنجاح. واستنادا إلى
هذه النتائج، فإن «المبادرة التحضيرية لكلية كاليفورنيا CCPI» تخلت تماما عن
النموذج السابق للتعليم عن طريق الإنترنت وذلك مقابل نموذج يجمع بين التعليم عن
طريق الإنترنت والتعليم وجها إلى وجه. (وبالطبع فقد يجد الطلبة أن التسجيل في
مقرر متخصص في علم الحاسوب أسهل من التسجيل في مقرر AP في الاقتصاد الماكروي،
أو أن المقرر الأول أكثر ملاءمة للتدريس عبر الإنترنت. ومثل هذه النقاط يجب
أيضا أن تؤخذ في الاعتبار عند استنباط أسلوب التدريس.)
وتشير الدلائل بازدياد إلى الحاجة إلى مراعاة دقيقة لجميع التشعبات المحتملة
قبل تطبيق تقانة ما كوسيلة تعليمية. ففي الحقيقة، إن بحثي وأبحاثا تربوية أخرى،
أجريت في جامعات كاليفورنيا ونيويورك وپتسبورگ، تظهر أن استعمال الحواسيب في
المدارس قد يزيد من سوء حالة اللامساواة بقدر ما يقلل من شأنها. فالقضية
الرئيسية ليست عدم التساوي في
الفرص المتاحة لاستخدام الحواسيب وإنما بالأحرى وجود طرق غير متساوية في
استعمال الحواسيب. وفي هذا الصدد، تنبِّه دراساتنا إلى أن الأطفال من مرحلة
الحضانة وحتى الصف 12 والذين يتمتعون بوضع اجتماعي اقتصادي عال، يستعملون
الحواسيب للتجريب والبحث والتفحص الناقد؛ في حين أن الطلبة الفقراء ينهمكون في
تدريبات وتمارين أقل تحديا لا تستفيد فائدة كاملة من التقانة الحاسوبية. وفي
صفوف الرياضيات واللغة الإنكليزية حيث تشيع مثل هذه التدريبات، نجد أن الطلبة
الفقراء أكثر اتصالا بالحواسيب من الطلبة الموسرين. وفقط في صفوف العلوم، التي
تعتمد على التجريب والمحاكاة، نجد أن الطلبة الأغنياء هم الأكثر استخداما
للحواسيب. ومرة أخرى، نشير إلى أن إطارا «للتقسمة الرقمية» يركز على قضايا
تتعلق فقط بإمكان الوصول إلى الحواسيب لاستخدامها، تفشل في مواجهة تلك
اللامساويات الأوسع في استخدام التقانة والتعلم.
تغيير التوجه القائم(*****)
يتوصل الناس إلى المعلومات الرقمية بطرق مختلفة كثيرة وعادة كجزء من شبكات
اجتماعية تشمل الأقرباء والأصدقاء والزملاء في العمل. ومعرفة القراءة توفر
تشبيها جيدا؛ فهي لا تطرح نفسها في تقسمة ذات قطبين(3): بين أولئك الذين يعرفون
القراءة وبين الذين لا يعرفونها. فثمة مستويات لمعرفة القراءة، وذلك تبعا للغرض
منها: وظيفي، مدني، مهني، أدبي أو علمي. ومعرفة الناس للقراءة لا تتأتى من مجرد
حصولهم على كتب وإنما من خلال التعليم والاتصال والارتباطات في العمل والدعم
العائلي والمساعدة من قبل شبكات اجتماعية. وبالمثل، فإن التقانة يمكن جيدا أن
توضع موضع التنفيذ لتحسين البرامج وزيادة الجهود الاجتماعية القائمة.
والنقطة الأساسية هي أنه ليس ثمة تقسمة رقمية ثنائية، كما أنه ليس ثمة عامل
مفرد مقدم على غيره لتحديد ـ أو إغلاق ـ مثل هذه التقسمة. فالتقانة لا توجد
كمتغير خارجي يُحقن من الخارج ليحدث نتائج معينة. إنها تُحبك في الأنظمة
والسيرورات الاجتماعية. ومن وجهة نظر سياسية، فإن الهدف من جلب التقانة إلى
مجموعات مهمشة ليس مجرد التغلب على تقسمة تقانية technological
divide بل العمل
أيضًا على إنجاح المشاركة الاجتماعية لهذه المجموعات. وتحقيق هذا الهدف لا
يتضمن فقط التزويد بحواسيب وبوصلات للإنترنت أو الانتقال إلى منصات على الخط
online platforms، وإنما يتضمن أيضا تطوير مضمون مطابق لمقتضى الحال وبلغات
متعددة، يرقِّي معرفة القراءة والكتابة والتعلم، إضافة إلى حشد دعم جماعي
ومؤسساتي من أجل تحقيق أهداف المجتمع. وعندها تصير التقانة وسيلة، وغالبا وسيلة
قوية، أكثر من كونها غاية بحد ذاتها.
ومن المهم أن نلاحظ أن إدارة الرئيس بوش تعمل على تخفيض المخصصات المالية
للبرامج التي تروّج وتساعد على الوصول إلى التقانة. وقد يُحاجج البعض بأن مثل
هذه الاقتطاعات مناسبة إذا لم تكن هناك تقسمة رقمية، لكن ذلك التفكير خادع بقدر
الحلول المبسطة على حساب الحقيقة المبنية على مفهوم التقسمة، فعلى مخططي
السياسة التوقف عن التفكير بتقسمات يجب تجسيرها. فالجمع بين عمليات نشر للتقانة
مخطط لها بعناية مع مضمون وثيق الصلة بالموضوع وتعليم محسن ودعم اجتماعي معزز،
يمكن أن يضاعف تلك المقتنيات التي يمتلكها المجتمع.