** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 بطولية النص المنتج يدوياً

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الكرخ
فريق العمـــــل *****
الكرخ


عدد الرسائل : 964

الموقع : الكرخ
تاريخ التسجيل : 16/06/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 4

بطولية النص المنتج يدوياً  Empty
17102011
مُساهمةبطولية النص المنتج يدوياً

بطولية النص المنتج يدوياً



أثناء
زيارة الدكتور ادوارد سعيد لمعرض (فرويد)، شاهد مجموعة كبيرة من المخطوطات
والأشياء والصور الفــوتغرافية والأفلام التي جمعت في قاعة المعرض، وكان
تعليقه على ذلك في مقال له نشر بجريدة (الحياة) في عددها (664Aj)، الأحد
23/1/،2000

نستخلص منه وبتصرف ما يكشف عن رؤيته تجاه القلم والكمبيوتر .

الشيء الذي استأثر باهتمامي هو العدد الكبير من المخطوطات المعروضة، وكل
واحدة منها تحمل آثار الجهد اليدوي المضني إن لم يكن المذهل الذي كان
يبذله فعلاً في إنتاج نصوص إبداعية مثل (تفسير الأحلام) و(موسى وديانة
الوحدانية) و(مستقبل وهم) ولفتت أمينة المعرض انتباهي إلى أن مخطوطات
(فرويد) لم تكتب بخط ممتاز بل كانت كلها آثار إعادة كتابة وتصحيحات وعبارات
شطبت وأعيدت صياغتها، وكان هناك مشهد أكثر تأثيراً في النفس فعلى جانب
الصندوق الزجاجي الكبير الذي احتوى الأريكة التي اعتاد مرضاه الاستلقاء
عليها خلال جلسات علاجهم، استقر لوحده قلم حبر أمريكي الصنع لونه أسود يرجع
إلى أواخر الثلاثينيات، وهو القلم الذي نشأت وسط عالمه.

قد يبدو هذا موضوعاً تافهاً بالنسبة إلى القارئ، لكنه بالنسبة إلي
مشبع بدلالات شتى، فهو لم يكن الأداة الرئيسية لجهد (فرويد) كعالم فحسب بل
كان إلى جانب الورق المرتب بعناية التعبير المادي الخالص عن إرادته
الفكرية، لا أريد أن أبدو عاطفياً على نحو مفرط، لكن القلم والحبر والورق
جسدوا فعلياً الغاية العلمية، الإنسانية أيضاً لفرويد، كان هناك على نحو
مماثل معيار مادي ملموس لعمل فرويد ترمز إلى فكرة العمل والجهد الكتابي
الصرف المتواصل وتجسيده المادي والغياب التام لأي نوع من العون الإلكتروني
(أو حتى الكهربائي).

لم يكن القلم وحده الذي عرض كتذكار من نوع ما، فهكذا أيضاً كانت
المخطوطات ذاتها تؤرخ العصر كله الذي بدا أن أوراق فرويد وقلمه يمثلانه
بشكل رثائي إلى هذا الحد، عصر النص المنتج يدوياً وبصورة بطولية!!

إن أحد الأفكار التي لم يجر التركيز عليها ونحن ندخل القرن الحادي
والعشرين هي استبدال أنموذج للكتابة أقدم وأبطأ كما تجلى في نظام الكتب حسب
تعبير (روجر شارتيه) بأنماط الاتصالات الأحدث والأسرع بكثير التي تكاد
تكون معروفة للجميع في الوقت الحاضر، أي بالطريقة الإلكترونية التي جعلت
الكتابة أسهل وأكفأ وفي المتناول إلى حد أكبر بكثير، فضلاً عن إمكان التخلص
منها.

لقد ألغى معالج الكلمات الإزعاج الناجم عن كتابة مسودات باليد ثم
إعادة كتابتها أو طبعها أو تصحيحها حتى يتم إنجاز نسخه نهائية، ويتجلى هذا
بشكل مثير في تأثيره على ما يكتبه الطلبة، فبينما كان الأستاذ يلتمس من
طلبته تقديم تقارير فصلية تقع في 8 إلى 10 صفحات، أصبح في الوقت الحاضر
مضطراً إلى التأكيد بمنتهى الحزم عدم استعداده لقراءة شيء يزيد على 15
صفحة، فطريقة الكتابة التي يستخدمها الطلبة وأعضاء الهيئات التدريسية أيضاً
بما توفره من سرعة في قدرات التحرير والنسخ والتعديل واللصق، أدت إلى ضعف
بنيوي ملحوظ ونفش غير جذاب، وأصبح في إمكان المرء أن يكتب باستخدام لوحة
مفاتيح من دون أن يبذل جهداً سوى ما يتطلبه الضغط على مفاتيح وأزرار
لمعالجة النصوص، فيمكن حفظ النص وتعديله وتحوير ودمج أعداد هائلة من
الكلمات من دون جهد أو كدح على ما يظهر، وأخذت الصحافة المنحى ذاته مع
تماثل في الأسلوب ألغى تقريباً خصوصية الكتابة باليد وما تمتاز به من تأمل
عميق لا يربطه المرء بشكل رمزي وفعلي أيضاً بأسلوب فرويد ككاتب فحسب بل
بشخصيات أدبية عظيمة معاصرة له مثل بروست ومان وفيرجينيا وولف وباوند وجويس
وطه حسين ونجيب محفوظ ومعظم العمالقة الحداثيين، كان ما استطاعت الكتابة
باليد أن تنقله هو إحساس قوي بالتغلب بشكل جسدي تقريباً لا على مقاومة
الصمت وحده بل على فراغ الصفحة أيضاً وتلك العقبات المادية التي يمثلها
الورق والحبر والقلم، لا ينبغي للمرء أن يبالغ في أنواع المقاومة هذه،
لكنها تتقاسم شيئاً ما مع حاجة النحات إلى أن ينحت الأعمال الفنية من الخشب
أو الحجر. أو اتكال الرسام على مواد كالأصباغ وقطعة القماش والفرشاة. إذ
يعطي كل منها ملمساً مميزاً ومظهراً وخاصية تنطوي، مثل الورق والحبر لدى
الكاتب، على تناقض ظاهري يعيق ولكن يمكن أيضاً من إنتاج نص أو لوحة أو
تمثال.

يحكى عن (سباستيان باخ) الذي يعد أحد الجبابرة بين الموسيقيين أنه
عندما حجب أحد أشقائه الأكبر سناً عنه مقطوعات موسيقية على الأرغن، أمضى
ساعات طويلة من الليل بنسخ سراً باليد موسيقى (باشيلبل) و(فروبرغر)، وهو
عمل ينطوي على تبجيل وفي الوقت ذاته على تعبير بطولي عن الموقف بالكتابة لم
يعد له مكان في الوقت الحاضر، إذ يمكن القيام بمسح إلكتروني واستنساخ وبث
نصوص موسيقية وصور فوتغرافية ورسومات معقدة بمجرد الكبس على زر، أو هناك
الكاتب الإندونيسي المعاصر (انانتا تور براموديا) الذي فرضت عليه الإقامة
الجبرية في منزله لسنوات طويلة من جانب نظام مستبد دعمته الولايات المتحدة،
وتمكن على رغم ذلك من إن يكتب باليد روايته الشهيرة (أرض الإنسان).

إن المسألة التي أحاول أن ألفت إليها هي أن ممارسة الكتابة التي
تنطوي على جهد مركز، التي يبدو أنها تبلغ ذروتها لدى الكتاب الإنسانيين
الأوروبيين والأمريكيين المحدثين لها تاريخ طويل ومتنوع جغرافياً وثقافياً،
وإذا أخذنا في الاعتبار انعدام الوسائل الآلية أو الإلكترونية المتاحة
للعلماء والكتاب والمفكرين البارزين قبل عصرنا الإلكتروني، فإن ممارسة
الكتابة فرضت نظاماً بطولياً من الانضباط والعمل لم يعد له مثيل، فهذا
الإنسان الذي يجلس منفرداً وسط صخب الحياة اليومية وفوضاها، في يده القلم
وأمامه الكتاب مستغرقاً في محاولته استجلاء المعنى. هل من المبالغة القول
أن فقد هذا المثال هو السبب في وضعنا الراهن نحن الباحثين والمعلمين في
مجال الأدب بالخلافات العميقة التي تفصل بيننا، وحقول البحث الجديدة
المركبة الأسماء والغامضة التحديد، التي لا تختص في حالات كثيرة بالالسنيات
أو التحليل النفسي أو الأنثروبولوجي أو التاريخ أو الاجتماع أو الفلسفة،
بل تحوي نتفاً من كل هذه الحقول التي تطغى على ما كان في المجال العلمي من
صفاء (إذا كان يسوده الصفاء أصلاً!) برطاناتها الجديدة المتضاربة التي تلقى
من النقاد التقليديين الاستنكار واللافهم.

الإنسانية، لدى كل الشخصيات التي ذكرت، هي في واقعها نمط من التحقيق
العقلاني والتفسير المتعين النابع من حاجة تكاد أن تكون جسدية وتصميم عميق
على المخاطرة، وهو ما حاولت التعبير عنه من خلال صورة (فرويد) وقلمه وحبره
وأوراقه التي استعنت بها أعلاه، لا أقصد بهذا دعوة بدائية لرفض الوسائل
الإلكترونية رهن أيدينا "رغم أن علي أن أعترف بأنني لا أزال من أصحاب القلم
وأكتب كل مقالاتي وأبحاثي يدوياً" كما لا أريد إضفاء هالة رومانسية على
الأزمنة الماضية وإغراقها بالثناء، بل أهدف إلى الإشارة إلى شيء آخر وهو أن
الممارسة كما فهمها الباحثون والمفكرون الذين ذكرت، في مجالات العلوم
الإنسانية مثل التاريخ والثقافة والفن وعلم النفس، تنطوي دوماً على رفض
بطولي للتوقف عند حد توطيد النتائج المتوصل إليها سابقاً، لأن كلاً من
النصوص الصعبة الولادة التي وصفتها بأنها سابقة على عصرنا، عصر الإنتاج
وإعادة الإنتاج الإلكتروني (مع اشتمالها على بعض أوجه ذلك العصر) يرمن -
كما أعتقد - إلى مثال بطولي يطمح إلى المغامرة آلي ما هو أبعد، إلى إقلاق
وإعادة اكتشاف ذلك المخفي أو المنسي تحت ما أسماه (فرويد) الطوابق العليا
لبيت الوجود الإنساني.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

بطولية النص المنتج يدوياً :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

بطولية النص المنتج يدوياً

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: