سترة
أنا وسترتي نخرج في نزهات شتائية
أعهد إليها بحفظ سجائري
و لا نسأل أحد عن الطريق
أحملها في يدي حين يختنق العالم
و أحيانا تقفز إلى كتفي
كقطة
حين يغلبها الشوق
فتعض علي يدي بجيوبها
و أبتسم مطمئناً
سترتي باهتة و الشارع صاخب
و مع هذا تلح بالخروج
و حين أتدلل تدفعني بقوة
فأحملها و لا نكلم أحد
سترتي تحب الشارع مثلي
و لا أعرف كيف ولدت هذه المحبة
و لا أذكر
من أين جاءت هذه السترة
فقط حين أكره العالم
أختفي في سترتي
فتمشي هي وحيدة
لا تكلم أحدً .
موت
بيتي كبير و أوسع من محبتي
و ظللت أياماً كثيرة
أروح و أجئ
أكلم الغرف في هذا الشأن
فكلما نظرت إلي حائط
تتألم الحوائط الأخرى
و كلما نمت في غرفة
أسمع عويلاً في الغرف المجاورة
و حين قررت أن أرحل
بكي البيت
و صار تابوتاً أنيقاً
أمرني أن أنام فيه بسلام
حياة
ثمة قطار يحمل الموتي
إلي فوق
و أنا في العربة الأخيرة
بعد أن فقد السائق كل المحطات
إلي أين ؟
سأل راكب إلي جواري
ثم القي بخاتمة من النافذة
و بكي
خلع أخر ملابسه
و صنع علماً
ربما يدل العابرين علينا
و السائق ينصح عبر إذاعة داخلية
بالسهر علي راحة الموتى
وحين كان القطار يعبر الصحراء
أمطرت
و تسرب الماء إلي مقاعد الموتى
فأزهرت الجثث وتفتحت
و فيما بعد
وجدنا وروداً تتدلى من المقاعد
و الموتى يبتسمون
اقترح راكب أن نفتح النوافذ و الأبواب
ففعلنا
و قال أخر
نتقاسمهم فيما بيننا
فأخذ كل منا ميتاً إلي جواره
و رحنا نسامرهم
و السائق يمشي في خط مستقيم
مذبحة
الأيدي تتهامس
سيقانهم تتعانق
و وحدها أحذيتهم تئن تحت الطاولة
الرجل يأكل قطعة خبز
ثم يشرب كأساً
و المرأة أيضاً
فتضحك عيونهم في صمت
و تهتز الطاولة .
النادل سكران
و صاحب المطعم يكشر عن أنيابه
فتقف السكاكين علي الطاولات
و تبتسم للزبائن
الأيدي مازالت تتهامس
و السيقان في أحضان حارة
نامت العيون
و ماتت الطاولة من الخجل
النادل يترنح
زجاجة النبيذ هربت مذعورة
و صاحب المطعم سقطت أنيابه
من يكبح جماح هذه السيقان
وحدها
كانت السكاكين تفهم الموقف
محبة
السحابة تضحك مع النافذة
السحابة تهبط
تخلع ملابسها
انظري
يتكسران سوياً فوق السرير
السرير يسهر علي نومنا
و يعلو صوت الملابس في الخزانة
الجدران تنقل للجيران أخر التفاصيل
و السقف يدعو السماء إلي سهرة عائلية
أسرعي
ضحكة كبيرة هربت من الحائط
علينا أن نمسك بها
و إلا انفجر العالم من الضحك
موسيقي
إذ يعود العازف آخر المساء
بعد أن يخرج من الكورال وحيداً
يفتح حقيبته
و يوزع موسيقاه علي المارة
دائماً
حفنة من أطفال البانجو
تدخن مدينة أصابها الزكام
يمدون إلية مناديلهم
و يعتذرون للموسيقي
العازف يقسم لزوجته
أن الدمى أصيبت بداء الرقص الجماعي
في الميادين العامة
و عليه أن يعمل كثيراً
تحتضنه الزوجة كي ينام
و هكذا أياماً كثيرة
حتى قرر
أن يدق مسامير طويلة في الحانه
و يقاطع الكورال
ذكري
هاجمنا ذات مساء
رسم ضحكة كبيرة في وجهه
حزم وسطه كامرأة
و قال :
لخاطري تعلو الموسيقي
و ظل يرقص
و نحن نصفق
حتى استسلمت الحياة
ثم صرخ في وجوهنا و هو يبكي
بعد أن عقد رأسه بشئ أسود
فارتعدت أجسادنا
و تماهى في الظلام
و أخيرا خلع سرواله
فصرخت شهواتنا خلفه
و فيما بعد
و كلما حل المساء
نشاهد خجلنا مذبوحاً
يبكي و يرقص
و نحن نتضاءل في صمت
فيلم رومانتيكي
أحتاج أن يكون اليوم أنيقا
مزين بالورود الحمراء
و سأطلب من السماء أن تمطر
ستزورني امرأتي
و كضرورة درامية
تضع هي القمر فوق رأسي
و القي بالشمس تحت قدميها
و حتماً ستعم الظلمة
و هنا
سآكل من خبز امرأتي
و أشرب من فمها
و بقبلة واحدة
نبعثر العالم
و بعد
نأمر الحرب أن تعود إلي قواعدها مرهقة
حليقة الرأس
و في حين
نشاهد الجنود يوزعون الصواريخ علي الأطفال
للذكري
امرأتي تبتسم للحرب
تأخذ بيديها
يستقلان طائرة علي شكل عصفور
و يذهبان إلي الحانة
أنا هناك بانتظارهما
أعد الكئوس
و اغني
نسكر و الوقت صباحاً
و في المساء
ترتدي الحرب سترة النادل
و هكذا تقضي أيامها الأخيرة
الأرملة الحزينة
تعد الكئوس
و تزين الحانة بالورود
و يبقي .
أنا و امرأتي نجوب الشوارع
فننتبه فجأة
للظلام يعم الأرض
فتأخذ القمر من فوق رأسي
و تعيده إلي بيته
أرفع الشمس من عند قدميها
إلي فوق
و تحدث الحياة
أسألها :
حين تحدث الحياة
أين نخبئها
فنضحك
و يصفق الجمهور