جاءت
اتهامات وزارة العدل الامريكية حول ضلوع ايران في مخطط اغتيال السفير
السعودي في واشنطن مبهمة وغير مقنعة حيث اعتمدت على حبكة جمعت بين العميل
الايراني ـ الامريكي ومهربي المخدرات المكسيكيين في فيلم هوليوودي جديد
يعرض على الجمهور السعودي ـ الاسرائيلي ويستجدي المجتمع الدولي والاوروبي
تصديق سردياته التي لم تتضح مصداقيتها بعد الا انها تزامنت قبل اثبات
الادلة القاطعة مع تهييج للرأي العام وحشده خلق صراع جديد قد يندلع في
الخليج خاصة بعد ان وصلت العلاقات الايرانية ـ السعودية الى الحضيض في ظل
تداعيات الربيع العربي وخسارة السعودية لاكبر حلفائها في المنطقة العربية
وتآكل مصداقيتها في كل من البحرين واليمن وعجزها عن احتواء نتائج هذا
التحول التاريخي وتسخيره لمصلحتها اما عن طريق ضخ اموال النفط لعملاء
يخدمون مصلحة النظام بعد هذا التحول الجذري والذي ينذر بتغيير الخارطة
السياسية العربية في طريق لا يخدم مصلحة الانظمة القمعية المتبقية.
تعتقد
القيادة السعودية ان حربا قادمة مع ايران على ضفاف الخليج العربي هي وحدها
من سينشلها من مأزقها الوجودي الحالي في ظل التغيرات العربية ولكن ليس
للسعودية باع في خوض المعركة وحيدة دون دعم امريكي واسرائيلي فتقف هذه
القيادة عاجزة عن التعاطي مع ازمة لو تحولت الى صراع عسكري مفتوح ستكون
نتائجها غير معروفة مسبقا وستجر دول الخليج الصغيرة الى متاهات من الصعب
التكهن بتداعياتها. اتهام ايران بتدبير مؤامرة اغتيال السفير السعودي في
واشنطن في هذه اللحظة بالذات دون الادلة القطعية يعكس مدى تخبط واشنطن
ذاتها وحليفتها السعودية على الساحة الاقليمية بعد صدمتها بالثورات العربية
دون سابق انذار.
ونطرح سؤالا جوهريا عن سذاجة ايران في التعاطي مع
الملف العربي والسعودي بالذات ان هي فعلا كانت المدبرة لمثل هذه العملية
فماذا ستستفيد ايران من اغتيال السفير السعودي وهل اصبح هذا السفير بالفعل
مدبرا للشأن السعودي وحاكما فعليا يمسك بيديه خطوط السياسة السعودية حتى
يستحق تدبير مؤامرة ضده تهدف الى تصفيته وهل تصفية الشخص ستحدث تغييرا
جذريا في السياسة السعودية وتقلب الوضع السعودي رأسا على عقب منذرا بانهيار
مفاجئ للنظام فتتخلص ايران نهائيا من نظام ينافسها اقليميا وعالميا؟ من
السذاجة ان تتهور ايران وتحيك مؤامرة ضد شخص يعتبر فردا وموظفا عند النظام
السعودي يمكن تغييره في اي لحظة حسب اهواء السلطة السعودية. لايران اوراق
اهم من السفير السعودي تستطيع ان تستعملها ضد النظام السعودي لا تجلب لها
الفضيحة العالمية ومزيدا من العقوبات الاقتصادية كذلك لها من البعد الحقيقي
في العمق العربي ما يجعلها تنأى بنفسها عن عملية اغتيال فردية لن تقدم ولن
تؤخر في تقويض ارتباطها بهذا العمق ودون اللجوء لعملية بهلوانية كالتي
اعلنت عنها وزارة العدل الامريكية مستجدية بذلك الشكر والامتنان من قبل
النظام السعودي المأزوم حاليا والمحاصر جغرافيا وسياسيا.
وقد تزامن هذا
الحصار مع وضع داخلي سعودي يتصف بالتخبط وانعدام القيادة الحيوية التي
تستطيع ادارة الازمات الداخلية والخارجية. فالملك لم يعد قادرا على التعاطي
مع الشأن الداخلي والخارجي بسبب كبر سنه والازمات الصحية المتتالية وولي
العهد مغيب لنفس الاسباب والنائب الثاني سيلتحق بالقافلة بينما تكثر
التكهنات عن اليد الخفية التي تدير شؤون الدولة وملفاتها الامنية
والسياسية. اما على الصعيد المجتمعي فالاحتقان واضح وصريح حيث ارتفعت
الاصوات منادية بحل لقضايا ساخنة منها قضية المساجين السياسيين والبطالة
والفساد ورغم الرشاوى الكبيرة التي يدفعها النظام لشعبه لم تصمت هذه
الاصوات بل هي تتعالى وترتفع ولم يرد عليها النظام بأجندة اصلاحية تفتح
صفحة جديدة بل تعامل معها من منطلق امني بحت عن طريق الاعتقالات التعسفية
المتتالية او عن طريق الاتهامات بالعمالة لايران مردا بذلك الخطاب الذي
يصدر ازماته الداخلية ويربطها بالايدي الخارجية في محاولة للهروب من مواجهة
الاسباب الحقيقية لهذا الاحتقان الذي عبر عن نفسه بجرأة لم تعرفها القيادة
لم تواجهها في الماضي بنفس الحدة والجرأة. لذلك جاءت قضية اغتيال السفير
السعودي والتي لم تثبت بعد رغم اعلانات وزارة العدل الامريكي كمحاولة بائسة
وفقاعة اعلامية بمساعدة واشنطن المأزومة هي ايضا اقتصاديا وسياسيا وعلى
عتبة انتخابات قادمة علها تنتشل السعودية من مأزقها الوجودي الحالي وتنتشل
ايضا الولايات المتحدة من وضعها المشلول ليس فقط في المنطقة العربية بل
عالميا ايضا. وان كان النظام السعودي يحاول جاهدا التملص من ازمته الداخلية
وركود القيادة وتخبطها الا ان واشنطن تواجه اليوم تحديا حقيقيا خاصة بعد
عقد كامل من سياسة خارجية فاشلة في مناطق كثيرة منها افغانستان والعراق
وفلسطين وباكستان ناهيك عن التحول التاريخي العالمي والذي ادى الى انحسار
هيمنتها العالمية وبزوغ منافسين جدد يتحدون هذه الهيمنة منهم روسيا والصين
وكلتاهما تطمعان في تقاسم مناطق النفوذ وحتى هذه اللحظة لم تقتنع واشنطن
بان حقبة القوة العالمية الاحادية قد انتهت وولت الى غير رجعة وتحول العالم
اليوم الى مساحة تتصارع فيها وعليها رؤوس متعددة تنذر بعدم العودة الى
منطق القوة العالمية الوحيدة. وقد جاء هذا التحول نتيجة النمو الاقتصادي
وليس القوة العسكرية التي تفتخر الولايات المتحدة بها. وسقطت هذه القوة
العسكرية في قرى افغانستان تماما كما سقطت في شوارع العواصم العربية التي
شهدت تحولا تاريخيا لم تشهده المنطقة منذ زمن بعيد.
فهل تستطيع مؤامرة
الاغتيال غير المثبتة حتى هذه اللحظة ان تنتشل القوة العظيمة المنتهية
وحليفتها السعودية المأزومة من ازمتها الوجودية؟ ستظل اخبار المؤامرة
الايرانية المزعومة ورقة اعلامية تستغل لتمرير مخطط جديد تحبكه واشنطن
والرياض في محاولة بائسة لحشد الرأي العالمي وتجييشه خلف مشاريع لا تخدم
الا مصالح نظامين تربطهما علاقة حميمة ومصالح مشتركة اتت في السابق على
حساب طموحات الشعوب وآمالها. وان ثبتت التهمة على ايران من خلال تقديم
الادلة القاطعة فنظن ان النظام الايراني هو ايضا قد وصل الى الحضيض في
تفكيره الاستراتيجي الذي تدنى الى مستوى تدبير اغتيالات السفراء في واشنطن
وهو يعلم ان هذه المؤامرة لن تجر عليه سوى المزيد من العزلة الدولية وتنذر
بحرب قادمة ضده. ولكننا لا نعتقد ان السذاجة قد وصلت الى هذا المستوى لتدبر
ايران عملية سينمائية بطلها السفير السعودي وصاحب مطعم ورفيقه المكسيكي
تاجر المخدرات.
ومع الاسف تجد مثل هذه الافلام الامريكية صدى لها في
الداخل السعودي من خلال اعلام يستهتر بقبول الجمهور ليس فيه الا الدعاية
السياسية والنظرة الواحدة المؤدية لمشاريع تجر على المنطقة الكثير من
المآسي والحروب الدامية. وقد جربت السعودية مثل هذه المواجهات مع ايران ولم
تخرج منها القيادة السعودية منتصرة في السابق بل هي تحولت الى عملية
استنزاف للموارد النفطية وهددت السلم في المحيط العربي والخليجي. ان اي
مواجهة عسكرية تحت مظلة امريكية ـ اسرائيلية ـ سعودية ستجر المنطقة
الخليجية الى متاهات حقيقية لن تسلم منها منابع النفط او الثروة الاقتصادية
وسيتأثر منها الاقتصاد العالمي المنهار حاليا في المنطقة. وليست السعودية
بالذات مهيأة لمثل هذه المواجهة خاصة بقيادتها الحالية ووضعها الداخلي
المحتقن. على السعودية ان تقتنع ان صراعات امريكا وايران وثاراتهما القديمة
التي بدأت مع عملية احتجاز الرهائن الامريكيين في طهران منذ ثلاثة عقود
ليست من شأننا حتى نزج انفسنا في هذا الملف القديم وان المصلحة القومية
السعودية يجب ان تتقدم على ثارات الولايات المتحدة واستفزازات ايران وان
كانت الولايات المتحدة وايران تستطيعان التعايش مع بعضهما البعض في الساحة
العراقية مثلا فستجدان معادلة تعايش ثانية دون ان نقحم انفسنا في متاهات
هذا التعايش مما سيؤدي الى مواجهة على ارضنا تقوض امننا وسلامة شعبنا
ومنشآتنا النفطية. يجب على السعودية ان تتخلص من العقدة الايرانية ولن يتم
ذلك الا بتفعيل الخط الدبلوماسي خارجيا والمصالحة مع المجتمع دون تهييج هذا
المجتمع بالخطاب الطائفي داخليا. وقد يسهل التعاطي مع الصراعات السياسية
بالحوار ولكن تنتهي عادة الصراعات الطائفية الى الدم والثارات. مع الاسف لا
تستطيع القيادة السعودية الحالية ان تنقل نفسها الى مرحلة جديدة خاصة وان
مشاكلها الداخلية تتفاقم يوما بعد يوم في ظل قيادة مشلولة تنتمي الى القرون
الماضية وليس الى المستقبل وتقف عاجزة عن التعاطي مع الملفات العربية
الساخنة الا عن طريق المؤامرات وتصديقها وتعتقد هذه القيادة ان
امبراطوريتها الاعلامية التي تتبنى الافلام السينمائية الامريكية حول
عمليات الاغتيال ستستطيع ان تمتص حالة الاحتقان الداخلية وتوجه الانظار الى
العدو البعيد الذي هو دوما يتربص بامننا وسلامتنا ومؤخرا يحاول اقتناص
سفرائنا في الخارج. وحتى تصحو هذه القيادة وتستفيق من حالة الشلل علها تلفت
الى مصالح البلاد وليس مصالح الولايات المتحدة وثاراتها القديمة مع ايران.