اسلاميو السعودية: الامير المنتظر في عصر الغيبوبة
د. مضاوي الرشيد
2011-06-19
يطرح سؤال مهم عن دور الحركات الاسلامية في الحشد
والمشاركة في الثورة المصرية والتونسية وغيرها من أشكال الثورات التي
انطلقت في العالم العربي.
ويختلف المحللون بين مضخم لهذا الدور وآخر
يحجمه في قمقم صغير. لا بد ان يعترف الباحث مهما كانت اتجاهاته وميوله
بدور ثقافة المعارضة التي ارتبطت في الماضي بانتاج سياسي فكري ناهيك عن
حراك شعبي واسع في بلد كمصر لأكثر من نصف قرن وان كان الحراك الاسلامي
جزءاً من الصورة الشاملة الا انه كان اكبر من غيره بما في ذلك الحركة
العمالية والمنظمات السياسية الأخرى والحركة الشبابية الناشئة.
وان
تحولنا الى بلد كالسعودية حيث تيار الصحوة الاسلامية يعتبر من التيارات
الأكثر انتشاراً افقياً وعامودياً يجب ان تطرح سؤالاً جوهرياً عن موقف هذا
التيار من الحراك السياسي في الداخل السعودي. ربما اتضح للجميع مدى ارتفاع
اصوات هذا التيار في مناصرة ثورة تونس ومصر ومساندة ليبيا وسورية والصمت
على ما جرى في البحرين كامتداد لموقف التيار الصحوي من اي تغيير في الداخل
السعودي. وتبدو الصورة اكثر تعقيداً اذ ان تيار الصحوة قد تشظى وانشطر الى
تيارات متشعبة لها مواقف متباينة مع النظام السعودي فمنها من يقدسه ويمجده
كنظام اسلامي شرعي وخير من ينطق بهذا الاتجاه هو التيار المرتبط بالإسلام
الرسمي رغم أن المنتمين اليه ربما لا يكونون اعضاء رسميين في المؤسسات
الدينية للنظام.
يعتبر هؤلاء نظامهم نظاماً اسلامياً لانه يزعم تطبيق
الشريعة ولا يعلم هؤلاء ان تطبيق الشريعة في امور الزواج والطلاق والارث
ليس مرتبطاً بهوية الدولة الاسلامية اذ ان بريطانيا والتي يعتبرها هؤلاء
دولة كافرة تسمح بتطبيق الشريعة في هذه المجالات المحصورة ليس فقط
للمسلمين بل لليهود ايضاً. وان شعر هؤلاء بأن نظامهم قد انحرف قليلاً عن
المسيرة والرؤية المرتبطة بهم وهي دوماً تخص الحياة الاجتماعية وخاصة
الاختلاط والمرأة نجدهم دوماً يبرؤون النظام ويتهمون بيروقراطية الهامشية
كوزير عمل أو اعلام. وليس لهؤلاء مشروع سياسي بل هم يظلون متقوقعين في فقه
محدود يتعلق بالشأن الاجتماعي وشريحة اخرى وهي الأكبر في انتشارها وميل
الشباب لها تعتبر منغمسة في الشأن السياسي اكثر من غيرها لكنها تلقت ضربات
موجعة بعد التسعينات من قبل النظام. وسجن بعض رموزها لتجاوزهم الاطار
المحدد لعملهم والمسموح به وبعد ذلك تكابلت عليهم الدولة وشريحة كتابها
التي حملتهم مسؤولية الارهاب فتقوقع هؤلاء بدورهم حتى ان جاءتهم ضربات
موجعة شككت بمواقفهم من التيار الجهادي الذي اتهمهم بالتخاذل فانفرط بريق
الخطاب الصحوي بعد ان تحول الى تيار مواز للتيار الرسمي مع فروقات بسيطة
واختفت ملامح الاختلاف بين هذا التيار والاسلام الرسمي ومؤخراً وخلال
العقد المنصرم ظهرت توجهات جديدة تحاول ان تستعيد بعض حاضره التيار الصحوي
من رصيد نتيجة انقلابه على موقفه السابق وانعدام الخطاب السياسي تحت ضغط
المرحلة التي تلت احد 11 ايلول/سبتمبر. من اهم افرازات الصحوة الفكرية هو
تيار يقدم نفسه تحت مصطلح الحقوق المدنية والسياسية المرتبط بصحوي قديم
صاحب خطاب تنويري لايزال متهماً من قبل المؤسسة الرسمية وهو عبد الله
الحامد ورفاقه. ومؤخراً خرج تيار آخر تحت مسمى حزب الامة ليعيد مفهوم
السياسة الى الحراك الاسلامي في السعودية والذي انحسر في خطاب دعوي من ضمن
التيارات الدعوية المنتشرة في طوال البلاد وعرضها. ويبدو ان تيار الحقوق
المدنية والسياسية لايزال يحتفظ بالولاء للنظام رغم اشكالية تبرير هذا
الولاء من الناحية الدينية والسياسية الا انه يظل متمسكاً بشرعية الكيان
السياسي حتى لا يدخل في مصادمة طويلة ومريرة مع النظام اما حزب الامة
الاسلامي فقد تخلص من هذه المعضلة ونادى بتغيير النظام كلياً والعودة الى
سلطة الامة على ذاتها فلا ملكية دستورية هنا ولا مداهنة لنظام يعتبر
خارجاً عن النسق الحضاري الاسلامي وبعد ان اعتقل مؤسسو الحزب يبدو ان
رموزه قد يقضون فترة طويلة في السجن ولم يبق سوى الناطق باسمه والذي نظنه
خارج حدود المملكة. وهناك ايضاً التيار القديم المعروف بالحركة الاسلامية
للاصلاح وهو التيار الرافض ايضاً للنظام ويتمركز في بريطانيا منذ
التسعينات. وتعتبر هذه التيارات الثلاثة التي ترجع جذورها الى عصر الصحوة
وانشطارها في مرحلة لم تستطع حتى هذه اللحظة ان تحرك الشارع السعودي بشكل
قوي وملحوظ رغم دعوات للتظاهر والاعتصامات. ومن اهم العوامل التي عرقلت
التجاوب مع هذه التيارات هو موقف التيار الصحوي الشامل والذي حتى هذه
اللحظة لا يزال يعتبر النظام شرعيا مما يوفر له غطاء وحماية في هذه اللحظة
التاريخية. فالصحوة الاسلامية منتفعة من النظام والذي يجعلها تستفيد ماليا
ومعنويا من وجوده فرموزها تمت اعادة تأهيلهم واستيعابهم في اجهزة الدولة
او في قطاعات ليست رسمية ولكنها مرتبطة بالنظام بشكل او بآخر. وقد اكتفى
هؤلاء بتقزيم حراكهم السياسي وحصره في المشاركة الرمزية كتوقيع العرائض
والمساهمة في جمعها خاصة تلك التي تركز على هوية النظام الاسلامية
والسياسية ورغم ان لبعض هؤلاء تحفظا على الملكية الدستورية الا انهم تبنوا
برغماتية آنية تجعلهم او تجعل بعضهم من مناصري التحول من ملكية مطلقة الى
اخرى دستورية ومجلس شورى منتخب وقد ينتقد البعض ممارسات سياسية او اتجاهات
اجتماعية وثقافية معينة تبناها النظام الا ان حالهم يشخص وكأنه حالة
انتظار امير مجدد في عصر الغيبوية السياسية حيث يتوقع هؤلاء من الامير
المنتظر ان يحارب مظاهر الفساد الاجتماعي حسب تعريفهم ولكن انعدام الحماس
لمشروع سياسي لا يمكن ان يفسر الا انه استراتيجية تتجنب المواجهة المباشرة
مع السلطة وقد استطاع هذا التيار الموالي مع بعض المعارضة ان ينفس عن
احتقانه من خلال التعاطي مع الشأن العربي من غزة الى القاهرة ودرعا حيث
يساند هذا ثورات العرب ولكنه لا يزال يلتزم الصمت وعندما يستمع المرء
لخطابه المنتقد لممارسات بن علي او مبارك او بشار يظن انه ينعم بتلك
النعمة التي لا يراها سواه وهي نعمة الدولة الاسلامية الملتزمة بالعدل
والشورى والشفافية والتوزيع العادل لبيت المال او ان اميرهم هو الناسك
المتعبد وان كان لهم بعض التحفظات على الممارسة السياسية الا انها لا
تتعدى انتقاد سياسة الانفتاح الاجتماعي والتي اصبحت ملزمة لبعض مرافق
الدولة التربوية.
ان كانت الحركات الاسلامية المهمة في بلد كمصر وتونس
قد تخلصت من عقدة الخروج السلمي على نظام انعدمت فيه ابسط الحقوق المدنية
والسياسية ونزع هؤلاء الشرعية عن مثل هذه الانظمة الا اننا نرى ان التيار
السعودي له خصوصية كدولته فهو يعتمد المراوغة وتجنب المواجهة المباشرة
خاصة في مرحلة ما بعد الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) والتمسك بالنظام كغطاء
مرحلي ربما لمشروع قادم ولكن هذا التيار سيظل يصطدم ببيئته التي تربى بها
خاصة البيئة الثقافية الدينية وما عدا التيارات الاسلامية السابقة الذكر
والتي استطاعت ان تتجاوز نصوصا قديما او تبحث عن تفسيرات جديدة لهذه
النصوص نعتقد ان التيار الاكبر الصحوي لا يزال اسير نصوصه يخاف التغيير
الحقيقي الذي يضع الجزيرة العربية وتجربتها على خارطة جديدة وينهض بها الى
مرتبة الامم التي تفرز تركيبة سياسية تتمتع بالديمقراطية الحقيقية
والاسلام معا.
واذا ظل السواد الاعظم من رموز الصحوة يرتجفون من
المصطلح سيظلون في المجتمع كتيار ينتظر الفرج في عصر الغيبوبة السياسية
وسيختطف المشروع من قبل شخصيات تكون اكثر جرأة وقدرة على التجديد وتتصدر
هي مشروع التغيير السياسي الحقيقي وليس الشكلي الذي يبقي على هيكل الدولة
وتركيبتها الاقصائية. وعلى هذا التيار ان لا يكون عائقا للاصلاح منددا
بدعاته من التيارات الاخرى الاكثر جرأة وليتهم يكتفون بالصمت فقط وليس
الجرأة على هدم ما يبنيه آخرون ربما كانوا قد اشتركوا معهم في المسيرة
ولكنهم اختلفوا في التوقيت. وقد يطول انتظارهم للامير المرتقب في عصر
الغيبوبة السياسية.