هند " ثـــــــــــــــــــــــــائــــــــــر "
عدد الرسائل : 245
الموقع : جهنم تاريخ التسجيل : 09/04/2010 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2
| | الإسلام السياسي والإرهاب | |
[b]أمريكا تقتات على الإرهاب وتحتاج هذه الحرب مثل حاجتها للنفط، وتعتبر أن حربها المزعومة على الإرهاب هي مبرر وجودها ورسالتها الأخلاقية للعالم، وهي حجّتها أمام دافع الضرائب، وشعارها أمام الناخب الأمريكي، وبدون خصم قوي (نظريا في الإعلام وفي عقول الناس فقط) تصبح المواجهة سخيفة ولا معنى لها، وبالتالي إذا لم يكن هذا الخصم موجود أصلا، فلا بد من إيجاده، وإذا كان ضعيفا فلا بد من تضخيمه. وقد أدى الربط الجائر بين الإرهاب والإسلام إلى تشويه صورة العرب والمسلمين بشكل عام في أذهان العالم، بل وإلى تشويه الإسلام نفسه، وقد زاد من حدة هذا التشويه التصريحات الجوفاء التي يطلقها أمراء الحرب في البلاد المنكوبة بالإرهاب، سواء على شاشات الفضائيات أم على مواقع الإنترنت، وهذا التشويه ترك آثارا بالغة السوء على الإنسان العربي، سواء في معاملته في دول الغرب، خاصة في المطارات ونقاط التفتيش والمدارس والجامعات .. أو في نظرته لواقعه وحيرته مما يجري، وتخبطه وضياعه بين مفاهيم الجهاد والإرهاب، وبين المقاومة والعنف. واليوم فإن الإرهاب يُعد من أكبر التحديات التي تواجه المجتمع العربي، ومن أهم الأسباب التي أدت إلى تدهور حالة الإنسان العربي والإساءة إليه، والإساء لصورة المقاومة والنضال الوطني عامة، ففي الجزائر مثلا أدت الصور المرعبة للمذابح الفظيعة التي أقترفتها جماعات إرهابية موتورة تدعي الإسلام إلى فقدان تعاطف العالم مع جبهة الإنقاذ، حينما تمت مصادرة نتائج الانتخابات التي فازت بها آنذاك. وفي مصر أدت التفجيرات العشوائية واستهداف السواح إلى التشويش على المعارضة السياسية ضد النظام، وفي العراق أدت تفجيرات القاعدة وأعمال التطهير العرقي الطائفي إلى تشويه صورة المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي، وفي فلسطين أدت العمليات التفجيرية التي راح ضحيتها مدنيين إلى تشويه الصورة النقية للنضال الفلسطيني العادل والمشروع، وحتى في أفغانستان فقد أدى التداخل بين الحرب الأهلية ومقاومة الأحتلال الروسي إلى تشويه الصورة في المشهد الأفغاني. إذن، عمليات تشويه المقاومة وربطها بالإرهاب وإن كانت تتم على يد الإعلام الأمريكي والإسرائيلي، إلا أن الأطراف الداخلية وبحماقتها تسهم في هذا الاتجاه، وتفيده بأكثر مما كان يحلم. وأخيراً، يمكننا القول أن ما يُسمى بالصحوة الإسلامية والتي حملت بين طياتها أفكار التطرف والعنف قد برزت وانتشرت بعد فشل كل من الخيار القومي والإشتراكي، وانكفاء الإسلام العقلاني المعتدل، ومحاصرة حركات التحرر في العالم أجمع، والتي ترافقت مع أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية أدت إلى حالة تدهور وانهيار مستمرين على مختلف المجالات، مع تفشي البطالة، وتدني مستوى الذوق الإنساني، إلى جانب الاختناقات والكبت الجنسي وأزمات المجتمع وارتفاع تكاليف الحياة ... وبالتالي إيصال الفرد في بعض الحالات إلى مرحلة انعدام الأمل، ودفعه نحو التطرف أو السلبية، وهذا بطبيعة الحال سينتج عنه شعور بالإحباط العام وإحساس بالفراغ الروحي، ومن البديهي أن هذا الفراغ الناجم عن هذه السلسلة من الإخفاقات والهزائم المتتالية يستدعي بالضرورة إيجاد البديل ... البديل الذي يعد بالحل ويمـنّي الروح. وقد كان لإنتشار المحطات الفضائية الدينية دورا مكلا في هذا السياق، إذ تتبارى هذه المحطات فيما بينها على استقطاب المشاهدين من خلال مقدمي برامج - ممثلون بارعون - يلبسون لباس الدين ويقدمون ثقافة سطحية تعمق من الذهنية الغيبية وذهنية التحريم، وترتكز على الفلسفة المثالية، وتقدم وجهة نظر الأنظمة الرسمية، التي طالما ركبت الموجة وتساوقت مع التيار، ومن الجدير بالذكر في هذا الصدد أن الخطاب الديني للمؤسسة الرسمية الدينية وخطاب الجماعات الأصولية (الإسلام السياسي) يتشابهان بالمضمون والكيف، ولكن يختلفان بالكم وبالحدة. ويمكننا القول أيضاً أن النسبة العظمى من أعضاء الجماعات الاسلامية هم من الطبقات الدنيا في المجتمع، المحرومة من أبسط حقوقها الطبيعية، والتي نشأت في بيئة القهر والحرمان والتخلف، وسحقتها ظروف مجافية بالغة القسوة، شملت كل مناحي حياتها، حتى التلوث البيئي والأمراض وسوء التغذية، مما يعني أن حركة الجماعات الإسلامية هي في جوهرها حركة احتجاج اجتماعية سياسية اقتصادية في مواجهة الظلم الاجتماعي والتمايز الطبقي وفساد الطبقة الحاكمة والهزائم السياسية، ولكنها وسَمَت نفسها بميسم ديني، ولبست ثوب الإسلام، لأن الثقافة الدينية حسب ما توصلت إليه من قناعة هي الأقرب منالا، والأسهل وصولا، والأكثر محاكاةً للعاطفة الدينية عند العامة، والمنسجمة مع ظروف تنشئتهم وتتناسب مع مستويات ثقافتهم، والتي يجدون فيها العزاء والسلوى والجنة الموعودة، ولكن ما أسهم بانتشارها ونجاحها هو تقاطعها مع مصالح حيوية لمراكز قوى داخلية وأخرى خارجية، لها حسابات سياسية خاصة بها، ولكنها استخدمت تلك الفئات في مخططاتها المشبوهة. وتبقى الحقيقة أن كل أعمال القتل والتفجير الموجهة ضد المدنيين، هي أعمال جبانة يمارسها أناس جبناء بمعنى الكلمة، لأنهم لا يواجهون أعدائهم بل يغدرون بهم، ولا يتركون أي فرصة للتكافؤ العسكري أو المعنوي بينهم وبين ضحاياهم، وهم غالبا ما يختارون الأبرياء هدفا سهلا لإنتصاراتهم الرخيصة، لأنهم معادون للإنسانية في أقدس معانيها، ويضربون نقطة ضعفها المتمثلة بالأطفال والنساء والشيوخ. والخلاصة أن أفكار التطرف والعنف ليست موجودة في الأيديولوجيا الدينية وحسب، فهي موجودة فعليا لدى الحركات الإسلامية والمسيحية واليهودية على حد سواء، وهي أيضا موجودة ومورست فعلا عند الشيوعيين والرأسماليين والعلمانيين والثوريين، وكل الطغاة والمستبدين .. ولم يعجز أي منهم عن اجتراح النصوص والمبررات التي تجيز له القتل والإرهاب ،، ولا يتسع المجال هنا لاستعراض الأمثلة. كما يمكننا القول بكل ثقة، بأن أفكار العنف والتطرف والتشدد التي تتشدق بها الجماعات الإسلاموية الأصولية ليست من الإسلام الحقيقي بشيء، ولا تمت له بصله، بل هو بريء منها براءة الذئب من دم يوسف، ولو استعرضنا بشكل سريع اختلاف الجماعات الإسلاموية في شكلها ومضمونها على امتداد العالم الإسلامي، وعلى مدار التاريخ، لتوصلنا إلى حقيقة بسيطة ومدهشة ودامغة في آن واحد: وهي إن الإسلامويين كانوا دوما يشبهون بلدانهم في بنيانها ونمط حياتها ومستوياتها الفكرية والاقتصادية، بل وفي شوارعها وأزقتها ونوعية حكامها، وهذا ليس غريبا، إذ أن تنوع البيئات سيؤدي إلى تنوع فهم الأفكار وكيفية التعامل معها، فإذا كانت الإفكار متاحة للجميع فإن الفرق يكمن في اختلاف بناء هذه الأفكار وترتيبها، فالخوارج مثلا نشأوا في فترة الإضطربات والقلاقل التي عصفت بالمجتمع أيام الصراع الدموي بين علي والأمويين، أما المعتزلة ( علماء الكلام ) فقد ظهروا في البصرة وبغداد في أوج التقدم الحضاري للدولة العباسية، وفي عصرنا الراهن لاحظنا كيف أنتج الفقر والتخلف في أفغانستان حركة طالبان، وكيف أنتج الإزدهار والتطور في ماليزيا وتركيا حكومات ديموقراطية منفتحة على العالم، وكيف تأثر شكري مصطفى بقريته التي تمتهن التهريب والخروج على القانون فأنتج فكرا خوارجيا متطرفا، وكيف خرجت من عشوائيات القاهرة في إمبابة الإفكار العشوائية لعدد من منظري الجماعات الجهادية، على عكس ما يطرحه مفكرين متنورين في جامعات مصر المختلفة، وكيف خرجت من أزقة غزة الضيقة المكتظة المزدحمة نماذج عنيفة للإسلام السياسي تختلف عما تنتجه مدن الضفة الأكثر رحابة منها، وهكذا، أي أن ثبات العقيدة الإسلامية بحد ذاته لم يحل دون تنوع سلوك المسلمين، الذي هو في المحصلة نتاج للمجتمع وسُبل عيشه، بمعنى أن البيئة كانت تلعب دوما دورا حاسما في إنتاج الفكر الديني تزمتاً أو انفتاحاً. واليوم، فإن كل من تجد هذه الأفكار المتطرفة صدى في نفسيته المضطربة، أو من يراها في مرآة روحه الصدئة، أو يجد لها قبولا في عقله المريض، وتعبيرا عن شخصيته الموتورة والمكبوتة والمأزومة، وكل من يبحث عن الشهرة والمغامرة، وأراد أن يعوض عن نقصهِ بصورة الملك المتوج، ولا فرق عنده إن تُوّج على كومة من الجماجم، وكل من افترسته أوهام الانتقام والنصر السهل .. أيٍ من هؤلاء، سيصبح إرهابيا بكل سهولة بغض النظر عن بيئته الاجتماعية، خاصة وأن أمراء الإرهاب متوفرون في كل حي ونادي في زمن الأمركة والعولمة والفضاءات المفتوحة.[/b] | |
|