هل فقدت القاهرة ممثلة في
المجلس العسكري الحاكم وحكومة عصام شرف القدرة على الرؤية الصحيحة لمجريات
الأمور الداخلية والخارجية معا، حتى تسمح لعناصر من البلطجية والغوغاء
ليقتحموا مكاتب أبوظبي للإعلام بالقاهرة، وأن يجري هؤلاء الغوغاء تفتيش
المكاتب والترهيب والسب والشتم للعاملين تحت عين وسمع وحماية أجهزة
الشرطة؟
وإذا كنا خصصنا هنا مكاتب
أبوظبي للإعلام فلكونها تتبع دولة صديقة لها علاقات تاريخية وطيدة منذ
الستينيات وحتى اللحظة الراهنة، ولم يبخل قادتها، بدءا من رئيس الدولة
أولا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله وثانيا الشيخ خليفة بن زايد
آل نهيان أمده الله بطول العمر، وشيوخ إماراتها السبعة على مدار هذا
التاريخ بجهد أو بوقت ومال في سبيل نصرة مصر بدءا من حرب أكتوبر 1973
ومرورا بالظروف العصيبة التي مرت بها عقب الحرب، والأزمات التي ألمت بها
سواء كانت كوارث طبيعية كزالزال 1993 أو الآثار التي ترتبت على تراجع
السياحة أيام موجة العنف في التسعينيات، وحتى ثورة 25 يناير حيث أكدت
وقوفها مع إرادة الشعب المصري ودعت مستثمريها للتوجه إلى مصر.
إن كان المجلس العسكري
الحكم في مصر أو حكومة د.عصام شرف يغيب عنهما هذا البعد في علاقات مصر
الخارجية أو لا يدرك قيمتها ودورها ليس فقط على مستوى الدعم السياسي
والاقتصادي ولكن أيضا على مستوى العلاقات بين الشعبين المصري والإماراتي،
حيث يعمل في الإمارات ما يزيد عن المليون مصري، ومن ثم يترك لنفر من
الغوغاء باقتحام وترويع وترهيب واتهام، فتلك كارثة نتائجها ربما تكون
وخيمة، ليس في علاقات مصر بالإمارات، فشيوخ الإمارات بدءا برأس الدولة
يمكن أن يتسامح ويتجاوز عن الأمر تقديرا لوضع مصر الصعب وهي التي يكن لها
كل الحب والاحترام.
لكن ماذا لو ارتبط الأمر
بالكويت أو البحرين أو سلطنة عمان أو السعودية أو المغرب أو الجزائر، حتما
ستكون هناك ردود فعل حادة ونتائج سلبية على العلاقات مع هذه البلدان،
خاصة إذا كان الأمر يشتم فيه رائحة القصدية في ترك الشرطة الأمور للغوغاء.
إن حجة اقتحام مكاتب
أبوظبي للإعلام التي تمثلت في البحث عن مندسين، تشكل إساءة بالغة لأطراف
تعمل لصالح مصر وشعبها وتقف ضد مخططات بالفعل تحاك لمصر، لم يساءل أحد
هؤلاء الغوغاء لصالح منْ يعملون؟ لصالح من يوجهون لإداريين ومذيعين وفنيين
اتهامات العمالة؟ الأمر مفضوح ومعلوم أن هناك أياد إيرانية متحالفة مع
المتأسلمين في مصر، يهمها أن تقبض على زمام الأمور بوجه التحالف ومد يد
العون والمال وغير ذلك، وأظن أن المجلس العسكري المصري يعلم ذلك، يعلم حجم
وقوة الأيادي الإيرانية في مصر الآن.
هل تتسبب فوضى الرؤية
والانفلات الأمني الداخلي في إحداث فوضى في علاقات مصر الخارجية، ودون
مبرر أو فعل حقيقي سوى الجهل بالأمور وعدم القدرة على تقدير عواقبها؟ أظن
أن ذلك وشيكا. وإلا فليجيبني أحد ما العلاقة التي تربط أحداث ماسبيرو
بمكاتب أبوظبي للإعلام؟ ولماذا هي تحديدا دون غيرها إن لم يكن وراء الأمر
مكيدة تحاك للعلاقات بين أبوظبي والقاهرة؟
إن تغطيات ومتابعات أبوظبي
للإعلام على اختلاف وسائلها لم يؤخذ عليها يوما سواء قبل أو بعد ثورة 25
يناير أنها كانت غير موضوعية، بل كانت على الدوام نموذجا للالتزام
بالمصداقية والحيادية، لم تنقل أي من صور مسيئة أو داعية للتحريض
والانقسام والفتنة، بل وقفت وراء الشعب المصري ومجلسه العسكري الحاكم
وحكومته تدافع عن الاستقرار والهدوء وعودة القاهرة قبلة للعرب والعالم، في
الوقت الذي تعمل فيه قنوات مصرية وعربية وإقليمية لإحراق مصر بفتحها
لملفات تمثل دعوة للفتنة والانقسام.
إن الأمر محير في ظل تساؤل ملح: منْ يسمع في ضوضاء الفوضى التي نحن عليها؟ هل يسمع المجلس العسكري، هل تسمع حكومة شرف؟
أن الأمور إذا تركت هكذا
لعبث العابثين سيكون مآلها سيئا على علاقات مصر العربية خاصة، إنني أشك في
أن هناك من يسمع بعد أن اختلط الحابل بالنابل وترك الحبل على الغارب لكي
يدخل بيننا من لا يراعون في مصر وشعبها إلّا ولا ذمة.
يريدون لمصر أن تبتعد عن أشقائها العرب. هل نحتاج إلى الكثير من التفكير لنعرف من المستفيد؟