ما بعد استعادة سرت وبني وليد
رأي القدس
2011-10-11
استعادة
مدينتي سرت وبن وليد، ولا نقول تحريرهما، لانهما لم تكونا واقعتين تحت
احتلال اجنبي، ربما الخطوة الاسهل، رغم صعوبتها، مقارنة بالتحديات الكبرى
التي ستواجه ليبيا الجديدة والقادة الذين سيتحملون مسؤولية بناء دولة حديثة
عصرية تستند الى نظام ديمقراطي تعددي.
لا نجادل في ان دماء عزيزة سفكت،
وتسفك، من اجل تحقيق هذا الهدف، نقول عزيزة لان المتقاتلين، وبغض النظر عن
ولاءاتهم السياسية، هم في نهاية المطاف ليبيون، ينتمون الى الارض نفسها،
ويؤمنون بالعقيدة الواحدة الموحدة. ولذلك فاننا نتطلع الى مصالحة وطنية،
وروح تسامحية تبتعد عن الثأرية ونزعات الانتقام.
النظام السابق يتحمل
جزءاً كبيراً من المسؤولية في وصول البلاد الى حالة التقاتل التي تابعنا
فصولها بين ابناء البلد الواحد، لانه لم يبن دولة العدالة والمساواة
والحريات الديمقراطية، وتعامل بفوقية وعناد مع كل دعوات الحوار الجدية التي
ارادت تجنيب البلاد هذا المنزلق الخطير الذي انحدرت اليه، ولكن هذا لا
يعني عدم الاعتراف بأن الطرف الآخر، طرف الثوار ارتكب بعض الاخطاء في الوقت
نفسه، ومن بينها التعاطي بطرق غير انسانية مع الخصوم، وهذه الاخطاء، بل
الخطايا، وثقتها جمعيات حقوقية دولية، واعترف بحدوثها وادانتها بعض
المسؤولين في المجلس الوطني الانتقالي.
المهمة الاصعب في نظرنا في
المرحلة المقبلة، تتمثل في كيفية تسوية الخلافات والانقسامات بين فصائل
الثوار الليبيين، والاسلاميين والليبراليين منهم خاصة، وهي انقسامات طفت
على السطح وباتت معروفة للجميع ولا يمكن انكارها. والتصريحات التي تصدر بين
الحين والآخر عن بعض طرفي هذه المعادلة التي تحاول ان تقلل من شأن هذه
الانقسامات هي من نوع خداع النفس، والقفز فوق الحقائق الدامغة التي لا يمكن
انكارها.
التركة التي ورثها حكام ليبيا الجدد ثقيلة بكل المقاييس،
فالنظام السابق لم يبن بلداً، ولا مؤسسات حكم، او هيكلية دولة، لان كل ما
يهمه هو المجد الشخصي، وتوزيع الغنائم على الابناء والاصهار والمنافقين من
افراد البطانة الفاسدة المحيطة به.
بناء دولة عصرية حديثة يتطلب روحاً
تصالحية، ونهجاً يضع الخلافات العقائدية والمناطقية جانباً، ويجعل خدمة
الشعب الليبي ومصالحه الوطنية ورفاهية ابنائه فوق كل الاعتبارات الاخرى.
ان
غابة السلاح التي نرى ابشع صورها حالياً في مدن مثل طرابلس العاصمة هي
اكبر معوق في طريق بناء الدولة العصرية. فالميليشيات التي تتقاسم الاحياء
والمناطق، وتأخذ القانون بيدها، هذه الميليشيات يجب ان تحل نفسها، بعد ان
انتهت مهمتها، وتحققت اهدافها بزوال النظام السابق، واندحار قواته العسكرية
وكتائبه الامنية.
الشعب الليبي الذي عانى طويلاً في ظل النظام
الديكتاتوري لاكثر من اربعين عاماً، بات يتطلع الى الامان والاستقرار وحكم
القانون، حتى يعيش حياة طبيعية مثل كل الشعوب الاخرى، خاصة ان بلاده غنية
بثرواتها النفطية الكفيلة بتحويله الى اكثر الشعوب سعادة ورخاء.
لا
نبالغ اذا قلنا اننا لا نرى المقدمات الايجابية التي يمكن ان تقود الى
تحقيق ما يتطلع اليه الشعب الليبي من طموحات في الامن والاستقرار، قد نكون
متشائمين في نظر البعض، او متسرعين في احكامنا في نظر البعض الآخر، ولا
نجادل في ذلك حتماً، ولكن نجد لزاما علينا ان نحذر، وان نلفت الانظار الى
ما نراه من اخطار يمكن، اذا لم تتم معالجتها بسرعة، والتبصر بالنتائج
الوخيمة التي ستترتب عليها، ان تقود ليبيا الجديدة الى مستقبل مجهول، وهذا
ما لا يتمناه احد.