الصعود من أجل الهواء: كانت الأكانثوستيگا، وهي حيوانات رباعية الأرجل مبكرة، تصعد إلى السطح في مستنقع (فيما يعرف حاليا بشرقي گرينلاند) قبل نحو 360 مليون سنة. ومع أن هذه الحيوانات كان لها أربع أرجل، فإنها لم تكن قادرة على حمل أجسامها على اليابسة. وبناء على ذلك فبدلا من تطوير الأرجل كتكيف للحياة على اليابسة، يبدو أنها في البداية عملت على مساعدة الحيوان على رفع رأسه خارج المياه الفقيرة في الأكسجين لكي يتنفس، وأنها في وقت لاحق اكتشفت استخدامها للوصول إلى الشاطئ. |
ومع هذه المفاتيح الضئيلة والقاصرة لم يكن أمام العلماء سوى الحدس والظن
في طبيعة ذلك التحول. وربما كان أكثر السيناريوهات المعروفة الناتجة من
هذا العمل التخميني ذلك الذي قاده عالم الأحافير الفقارية
[من جامعة هارکارد] الذي اقترح في الخمسينات أن أسماكا مثل
«يوسثينوپتيرون» جنحت تحت ظروف الجفاف واستخدمت أطرافها العضلية لتحريك
نفسها إلى مساحة مائية جديدة. وبمرور الوقت، هكذا اتجهت الفكرة، تم انتقاء
(انتخاب) تلك الأسماك القادرة على تغطية مسطحات أرضية أكثر والوصول إلى
مصادر مائية أبعد، مما أدى أخيرا إلى نشأة أطراف حقيقية. وبمعنى آخر، إن
الأسماك خرجت من الماء قبل أن تتطور لها أرجل.
ومن ناحية أخرى، ظهرت منذ ذلك الحين إلى حيز الضوء أحافير كثيرة تدعم هذا
التحول. وقد وسعت هذه الاكتشافات مفهومنا لهذه المرحلة الخطيرة من تاريخ
الحياة على الأرض على نحو متزايد، وهاجمت الأفكار القديمة الغامضة عن
التطور المبكر لرباعيات الأرجل وتنوعها وجغرافيتها الحيوية وإيكولوجيتها
القديمة.
(***)إيجاد موطئ قدم
كان
بين أولى الأحافير المكتشفة التي تمهد الطريق لمفهومنا الحديث عن أصول
رباعيات الأرجل، تلك لمخلوق يسمى «أكانثوستيگا» عاش قبل نحو 360 مليون سنة فيما هو حاليا شرقي گرينلاند. وكان أول تعرّفه عام 1952 بوساطة [من المتحف السويدي للتاريخ الطبيعي باستوكهولم] على أساس سقفي جمجمتين غير كاملين، إلى أن عثرتُ وزملائي عام 1987 على عينات توضح الهيكل خلف القرنيومي(2) للأكانثوستيگا.
إن الكثير من المبتكرات الحاسمة نشأ فيما كانت هذه الحيوانات بَعْدُ مائية على نطاق واسع. |
ومع
أن هذا الحيوان أثبت في كثير من الوجوه أنه تشريحيا وسطٌ بين الأسماك
ورباعيات الأرجل الكاملة النضج كما تخيلها الخبراء، فإنه كشف عن قصة مختلفة
عما كان متنبّأ به. فها هنا كان مخلوق له أرجل وأقدام، ولكنه فيما عدا
ذلك لم يكن مجهزا للحياة على الأرض. فأطراف الأكانثوستيگا كان ينقصها
رسغيات القدم ankles الحقيقية التي تدعم
ثقل الحيوان على اليابسة وتبدو أكثر شبها بمجاديف للسباحة، ورغم أنه كانت
لها رئات فإن ضلوعها الصدرية كانت قصيرة جدا لدرجة لا تسمح بمنع انهيار
تجويف الصدر عند خروجها من الماء. وفي الواقع لا يمكن إنكار أن الكثير من
مظاهر الأكانثوستيگا وخصائصها كانت تشبه الأسماك، فقد أوضحت عظام الساعد
نِسَبًا تذكر بالزعنفة الصدرية لسمكة اليوسثينوپتيرون، كما أظهرت مؤخرة
الهيكل ذيلا عميقا يشبه المجداف تبدو به أشعة عظيمة طويلة كانت مجهزة
غالبا كهيكل للزعنفة. هذا إضافة إلى أنه كانت للحيوان خياشيم إلى جانب
الرئات.
ويوحي التشابه السمكي بأن
أطراف الأكانثوستيگا لم تكن مكيفة للاستخدام في الماء فحسب، وإنما كانت
أيضا الحالة السليفية لرباعيات الأرجل. وبمعنى آخر، إن هذا الحيوان رغم
كونه رباعي أرجل بوضوح، فقد كان في البداية مخلوقا مائيا، أسلافه المباشرة
لم تترك الماء قط. وقد أجبر الاكتشاف الدارسين على إعادة التفكير في
كيفية تسلسل حدوث قائمة التغيرات في الهيكل. لقد أثبتت الأحافير الجديدة أن
رباعيات الأرجل طورت هذه الخصائص وهي لاتزال تعيش في الماء، وأنها
اختارتها للمشي لاحقا، بدلا من تصور أن مخلوقا مثل يوسثينوپتيرون زحف على
اليابسة، ثم اكتسب أرجلا وأقداما؛ كما افترض <رومر>. ومن ثم، فهذا
يعني أن الباحثين كانوا بحاجة إلى إعادة النظر في الظروف الإيكولوجية التي
أدت إلى نمو الأطراف، لأن الأكانثوستيگا أوضحت أن متطلبات الحياة على
الأرض ربما لم تكن هي القوة الدافعة في تطور رباعيات الأرجل.
احتلت الأكانثوستيگا مكانة الحلقة المفقودة بين رباعيات الأرجل الأرضية
وأسلافها المائية؛ بيد أن خاصية من خصائص الأكانثوستيگا لم تكن تدعو إلى
التذكير برباعيات الأرجل ولا بالأسماك. كان كل طرف من أطرافها ينتهي بقدم
تحمل ثماني أصابع حسنة التكوين بدلا من الخمس المألوفة. وكان هذا عجيبا
حقا، حيث كان يعتقد علماء التشريح قبل هذا الاكتشاف أنه في أثناء التحول
من الأسماك إلى رباعيات الأرجل نشأت القدم ذات الأصابع الخمس مباشرة من
العظام المكونة لزعنفة اليوسثينوپتيرون أو مخلوق مشابه له. وكان من الجائز
أن يصرف العلماء النظر عن ذلك، كالمعتاد، باعتباره عينة شاذة؛ غير أن
هيكلا جزئيا غامضا للتيوليرپيتون Tulerpeton،
وهو رباعي أرجل مبكر من روسيا سبق معرفته ـ كانت له قدم ذات ست أصابع،
وعينات أخرى للأكانثوستيگا تم العثور عليها في أثناء بعثتنا إلى شرقي
گرينلاند كشفت أيضا عن قدم بأكثر من خمس أصابع.
لقد ساعدت أبحاث البيولوجيا التكوينية على إزالة بعض هذا الغموض. فنحن نعلم حاليا أن العديد من الجينات بما فيها سلسلة هوكس Hox والقنفذ الصوتي Sonic Hedgehog
تتحكم في عناصر تكوين الزعانف والأطراف. وهذه المجموعات نفسها من الجينات
توجد في الأسماك ورباعيات الأرجل ولكنها تؤدي وظائف مختلفة في كل منهما.
فعلى سبيل المثال يبدو أن مثيلاتها Hoxd 11 و Hoxd 13
تقومان بدور أكبر في رباعيات الأرجل، وحيث تكون مناطقها في برعم الطرف
أوسع ومنحرفة مقارنة بمثيلاتها في برعم الزعنفة بالأسماك. وتتكون الأصابع
في هذه المناطق ويبقى تحديد كيف تتطور القدم ذات الخمس أصابع من القدم ذات
الثماني أصابع للأكانثوستيگا؟ ولكنْ لدينا تفسير مقبول للكيفية التي صارت
بها القدم ذات الخمس أصابع هي نمط رباعيات الأرجل الخطأ: وهو أنه ربما
ساعدت على تكوين روابط للرسغيات يتوافر فيها ثبات يكفي لحمل الوزن، ومرونة
تكفي للسماح بطريقة المشي التي ابتدعتها رباعيات الأرجل فيما بعد.
التحولإلىرباعياتالأرجل(****)
إن تطور رباعيات الأرجل الأرضية من أسماك مائية فصِّية الزعانف تضمن تحولا جذريا في الهيكل. فمن بين تغيرات أخرى أصبحت الزعانف الصدرية والحوضية أطرافا لها أقدام وأصابع، وأصبحت الفقرات متشابكة بعضها مع بعض، واختفت الزعنفة الذيلية وسلسلة من العظام التي ربطت الرأس بحزام الكتف (هياكل)، وفي الوقت نفسه استطال البوز واختفت العظام التي غطت الخياشيم والحلق (جماجم). |
وقد لفتت الأكانثوستيگا أيضا الانتباه إلى جزء في التشريح المبكر
لرباعيات الأرجل لم يلق ما يستحق من التقدير سابقا، وهو: الناحية الداخلية
للفك السفلي. فالأسماك عامة لها صفان من الأسنان على امتداد فكها السفلي،
بعدد كبير من الأسنان الصغيرة على الصف الخارجي مكمِّل لزوج من الأنياب
الضخمة وبعض الأسنان الصغيرة على الصف الداخلي. وقد أظهرت الأكانثوستيگا
أن رباعيات الأرجل المبكرة كان لها خطة سنية مختلفة: عدد صغير من الأسنان
الأكبر على الصف الخارجي واختزال في حجم الأسنان على الصف الداخلي ـ وهي
تغيرات ربما تكون قد صاحبت التحول من التغذية حصريا في الماء إلى التغذية
على اليابسة أو برفع الرأس فوق الماء.
وقد مكَّنت هذه الرؤية الخبراء من تعرف المزيد من رباعيات الأرجل بين
البقايا التي ظلت حبيسة أدراج المتاحف، وكان أحد أكبر هذه الاكتشافات
إثارةً جنس من العصر الديکوني المتأخر في لاتفيا يسمى کنتاستيگا Ventastega. وفي خلال التسعينات من القرن الماضي، وعقب اكتشاف الأكانثوستيگا، تبين للعلماء أن فكا سفليا، تم جمعه عام 1993
كان لحيوان رباعي الأرجل. وقد أسفر المزيد من التنقيب الاستكشافي في
الموقع الأصلي لکنتاستيگا عن سرعة اكتشاف عينات أكثر، جيدة بصورة
استثنائية، متضمنة جمجمة تكاد تكون كاملة.
افتتاحية بدائية: الإكثيوستيگا هي أبكر رباعيات أرجل معروفة أظهرت تكيفات للحركة غير السباحة، رغم أنه يبدو من المحتمل أنها تحركت أكثر شبها بالفقمة منها إلى الفقاريات البرية النموذجية. وكان لهذا الحيوان أيضا بعض الخصائص المائية متضمنة ذيلا كبيرا وطرفين خلفيين يشبهان المجاديف، إضافة إلى أذن تبدو أنها متخصصة للاستخدام تحت الماء؛ أما كيف قسمت الإكثيوستيگا وقتها بين عالمي اليابسة والماء فهو أمر لم يحدد بعد، لكنها ربما تكون قد حفرت أعشاشها لبيوضها على اليابسة وصادت وتغذت في الماء. |
وفي غضون ذلك تم اكتشاف عدد من الأسماك القريبة من رباعيات الأرجل تحسر
الثغرة المورفولوجية بين يوسثينوپتيرون وأكانثوستيگا. وكان علماء الأحافير
قد تعرفوا جنسيْن من هذه الأسماك قبل عدة عقود ولكنهم لم يمعنوا النظر
فيهما إلا حديثا، هما: پانديريكثيس Panderichthys، ويراوح عمره بين 380 مليون و375 مليون سنة، من منطقة البلطيق الأوروبية، وهي سمكة ضخمة لها بوز مدبب وعينان في أعلى رأسها، وإلپستوستيگي Elpistostege، ويراوح عمره بين 375 مليون و 370
مليون سنة من كندا، وكان كبير الشبه في الحجم والشكل بالجنس پانديريكثيس.
كانا، كلاهما، أكثر قربا لرباعيات الأرجل من يوسثينوپتيرون. وفي العام
الماضي (2004) اكتشفت بعثة إلى جزيرة الليسمير في القطب الشمالي الكندي بقيادة عالم الأحافير
[من جامعة شيكاغو] بعض البقايا الرائعة الجيدة الحفظ لسمكة أكثر شبها
برباعيات الأرجل حتى من پانديريكثيس وإلپستوستيگي، ولم يشرع <شوبين>
وفريقه حتى الآن في وصف هذا النوع وتسميته رسميا، إلا أن الظاهر أنه سوف
يكون حيوانا آسرا.
(*****)نَفَسٌ من الهواء الطلق
وبفضل هذه الاكتشافات والتحليلات الحديثة، أصبح لدينا حاليا بقايا لتسعة أجناس تدعم بالوثائق نحو 20
مليون سنة من التطور المبكر لرباعيات الأرجل، بل حتى وفكرة أكثر وضوحا عن
كيف أصبحت الفقاريات مكيفة للمعيشة على اليابسة. إن واحدة من أهم
المفاجآت الممتعة التي تنبثق من هذا العمل هي أنه، كما في حالة تطور
الطرف، الكثير من الابتكارات نشأ فيما كانت هذه الحيوانات لاتزال مائية
على نطاق واسع، وأن التغيرات الأولى التي تبدو أنها لم تكن مرتبطة بالحركة
ولكن بالاعتماد الزائد على تنفس الهواء.
ومن الغريب بما فيه الكفاية أن هذا التحول في التهوية ربما استحثَّ التشكل
التدريجي لحزام الكتف والزعنفتين الصدريتين. وبالفعل، كافح علماء
البيولوجيا التطورية في تفسير ماذا فعلت الأشكال الانتقالية مثل
أكانثوستيگا بأطرافها البدائية إذا لم تكن الحركة. ويقول الافتراض المفضل
على أساس الأدلة السائدة بأنه في أثناء التحول التدريجي للزعانف المتجهة
للخلف إلى أطراف تواجه الجانبين بمساحات كبيرة لاتصال العضلات، اكتسبت
قوة. ومع أن الطرفين الأماميين تطلَّبا ملايين السنين ليتطورا إلى الحد
الذي يمكنهما من دعم الجسم على اليابسة فلا بد أنهما عملا خلال هذه الفترة
على رفع رأس الحيوان خارج الماء لكي يتنفس، وأن الأصابع قد سهلت هذا
النشاط بالمساعدة على توزيع الحمل على الأطراف.
صلات القرابة لرباعيات الأرجل: نشأت رباعيات الأرجل من أسماك فصية الزعانف مثل يوسثينوپتيرون قبل نحو 380 إلى 375 مليون سنة، في أواخر العصر الديکوني الأوسط. |
وقد أعلن فريق <شوبين> عام 2004 عن اكتشاف عظم الساعد humerus لرباعي أرجل عمره 365
مليون سنة، يساند هذه الفكرة. ويظهر من هذا العظم الذي تم استخراجه بالحفر
في منطقة غنية بالأحافير في شمال وسط بنسلکانيا تعرف رِد هل (الجبل
الأحمر) Red Hill،
أنه كان مرتبطا ببقية الجسم عن طريق رابطة مفصلية من نوع الكرة والحُقّ
الذي لدينا ولدى جميع الفقاريات الأرضية، وهو نظام لا يسمح بطريقة للمشي
ولكنه يمكّن من الدفع لأعلى الذي يحتاج إليه ويستخدمه رباعي أرجل لالتقاط
جرعة من الهواء، كما أنه يساعد الحيوان على التوقف مكانَه في الماء
بانتظار مهاجمة فريسة.
لقد تطلب
التنفس فوق سطح الماء أيضا عددا من التغيرات في الجمجمة والفك. ففي
الجمجمة استطال البوز وصارت العظام المكونة له أقل عددا ودروزها أكثر
التحاما بعضها ببعض لتقوية البوز بطريقة مكنت الحيوان من رفعه خارج الماء
في وسط غير مدعم. وأصبحت العظام في مؤخرة الرأس بدورها أكثر عظام الجمجمة
اندماجا بقوة مما يعطي ارتكازا ثابتا لعضلات العمود الفقري التي ترفع
الرأس بالنسبة إلى الجسم؛ كما أدى التحام العظام المكونة للفك السفلي إلى
تقوية هذه المنطقة وتسهيل طريقة «المضخة الفمية» المفترضة لتهوية رباعيات
الأرجل. ففي هذا النوع من التنفس المستخدم في البرمائيات والأسماك التي
تتنفس الهواء، يتمدد التجويف الفمي وينقبض مثل المنفاخ ليتجرع الهواء
ويدفعه إلى الرئتين، وربما تطلب الضخ الفمي قوة أكثر للفكين تحت تأثير
الجاذبية الأرضية عنها في الماء، حيث تكون الكائنات تقريبا عديمة الوزن.
ربما جاءت تقوية الفكين بدلا من ذلك كتكيف للتغذية على اليابسة؟ هذا ممكن.
لقد كانت أبكر رباعيات الأرجل جميعها لاحمة، ولذلك فمن غير المحتمل أن
تكون في طورها البالغ قد تغذت على اليابسة أكثر في أثناء مراحل تطورها
الأولى، لأن الفرائس الوحيدة التي كانت تجدها كانت من الحشرات وغيرها من
مفصليات الأرجل الصغيرة. ومن ناحية أخرى، كان هذا هو عين ما تطلبه الصغار
من الفرائس، والتي كانت في البداية هي التي تغامر بالابتعاد خارج الماء
للحصول عليها.
مكتشفاتالعصرالديکوني(******) لقد اكتُشفت أحافير (مستحاثات) رباعيات الأرجل المبكرة والأسماك القريبة من رباعيات الأرجل في مواقع تمتد بعيدا حتى شمال غربي الصين وشرقي الولايات المتحدة، ونتيجة لذلك يبدو واضحا حاليا أن هذه الحيوانات عاشت في جميع المناطق المدارية وشبه المدارية من المساحات الواسعة القديمة لأراضي لوراسيا وگوندوانا. ويبدو أن أول رباعيات الأرجل قد استوطنت بيئات المياه العذبة والمياه المسوس (المتوسطة الملوحة) بدلا من المياه البحرية الخالصة.
|
وفي الوقت نفسه، إذا رجعنا للهيكل نجد أن سلسلة من العظام التي تربط الرأس
بحزام الكتف قد اختفت. ونتيجة لذلك، كان لرباعيات الأرجل، على خلاف
الأسماك، عنق عضلي يربط بين الرأس وبقية الهيكل ويسمح بحركة الرأس منفصلا
عن الجسم. وخضع الجهاز الخيشومي أيضا لتجديدات جوهرية بفقد بعض العظام
وزيادة حجم الفتحة التنفسية التي توجد أعلى الرأس، وتؤدي إلى كيس ممتلئ
بالهواء في منطقة الحلق، مما يجعل الجهاز التنفسي بأكمله أكثر ملاءمة
لتنفس الهواء.
ولكن لماذا بدأت بعض
الأسماك، بعد ملايين السنين من التنفس بنجاح تحت الماء، في التحول إلى
الهواء للحصول على الأكسجين؟ تأتي مفاتيح الإجابة عن ذلك من شكل الجمجمة
ككل والتي تبدو، في جميع رباعيات الأرجل المبكرة والقريبة منها التي تم
اكتشافها حتى الآن، مسطحة تماما عند النظر إليها من أعلى. إن هذه الملاحظة،
إضافة إلى المعلومات عن البيئة القديمة التي تم جمعها من الترسيبات التي
وجدت فيها هذه الأحافير، توحي بأن هذه المخلوقات كانت متخصصة في المياه
الضحلة وتنتقل إلى أمكنة المياه المنخفضة لصيد الأسماك الصغيرة وربما أيضا
للتزاوج ووضع البيض. وربما لم يكن مجرد تزامن أن تزدهر النباتات الوعائية
خلال العصر الديکوني محوِّلة العالَميْن الأرضي والمائي. ولأول مرة أسقطت
النباتات المتساقطة الأوراق أوراقها في الماء مع تغيرات الفصول خالقة
بيئات كانت جاذبة للفرائس الصغيرة ولكنها تشكل صعوبة على الأسماك لتسبح
فيها. إضافة إلى ذلك، تحتوي المياه الدافئة على أكسجين أقل من المياه
الباردة، ولذا كانت هذه المناطق فقيرة في الأكسجين. ومادام الأمر كذلك فإن
التغيرات في الهيكل هنا ربما تكون قد سمحت لرباعيات الأرجل المبكرة
بالوصول إلى المياه التي لا تستطيع أسماك القرش والأسماك الضخمة الأخرى
بلوغها بوضعها فوق القدرة التنافسية. لقد كانت مجرد مصادفة أن هذه الخصائص
صارت ملائمة للاستخدام على الشاطئ.
إن هذه المبتكرات المرتبطة بالتنفس جعلت رباعيات الأرجل تتجه لأن تصبح
جديرة باليابسة. ومن ناحية أخرى، تطلب التشبث باليابسة تحورات إضافية في
الهيكل، وكان الفحص الدقيق لمنطقة الأذن أحد هذه التطورات. إن الكثير من
تفاصيل هذا التحول مازال غير معروف، ولكن من الواضح أننا ـ حتى في الأسماك
الشبيهة برباعيات الأرجل التي لايزال لها زعانف، ومن بينها «بانديريكثيس»
ـ نجد أن الجزء الواقع من الجمجمة خلف العينين صار أقصر متمشيا مع انكماش
المحفظتين اللتين تؤويان الأذنين الداخليتين. وإذا كانت، كما يوحي الدليل
من البيئة القديمة، أسماك بانديركثيس عاشت في مسطحات أو مصبّات جزرية
ضحلة فإن اختزال الأذن الداخلية قد يعكس التأثير المتنامي للجاذبية في
الجهاز الدهليزي الذي ينسق التوازن والتوجيه. وفي الوقت نفسه، لعل الزيادة
في حجم الحجرة الهوائية في الحلق ساعدت حاسة السمع. وفي بعض الأسماك
المعاصرة «يمسك» كيس الهواء بالموجات الصوتية ويمنعها من المرور مباشرة
إلى جسم الحيوان، ثم تنتقل من هناك بوساطة العظام المحيطة إلى الأذن
الداخلية. وتدل الحجرة الهوائية المتسعة الواضحة في أسماك بانديريكثيس على
أنها كانت قادرة على أن تعترض موجات صوتية أكثر، وبذلك تزيد من قدرة
الحيوان على السمع.
لقد كانت
التحورات في منطقة الأذن مرتبطة أيضا بالتحورات في الجهاز الخيشومي.
وللعلم، فإن عظمة تعرف بالفكّية اللاميّة ـ تنسق حركات الغذاء والتنفس في
الأسماك ـ تضاءلت في الحجم واستقرت في حفرة في العُلبة الدماغية، وأصبحت
العظم الركابي stapes. وفي رباعيات الأرجل
المعاصرة يقوم العظم الركابي بتكبير الموجات الصوتية ونقلها من طبلة الأذن
عبر المجال الهوائي في الحلق إلى الأذن الداخلية. (وفي الثدييات، التي
تمتلك جهازا سمعيا فريدا، يشكل العظم الركابي واحدا من عُظَيْمات الأذن
الوسطى الثلاث). لا بد أن المرحلة الأولى من التحول قد حدثت سريعا، حيث
كانت في الموضع الملائم عندما ظهرت الأكانثوستيگا، ومن المحتمل جدا أنها
نشأت مرادفة للتحول من الزعانف إلى الأطراف ذات الأصابع. ولكن العظم
الركابي لم يأخذ دوره المألوف كمكون للأذن السمعية ذات الطبلة المكيفة
لليابسة لملايين السنين، وفي الوقت نفسه يبدو أنه عمل في رباعيات الأرجل
التي لاتزال مائية كمكوِّن تركيبي للجمجمة.
وهذه التغيرات الهيكلية مجتمعة، استلزمت تغيرات تحوّلية في نظرتنا إلى
رباعيات الأرجل المبكرة. فقد تبددت الكايميرا (الخَيْمر) الخرقاء ذات
الخيال الشعبي التي لا تلائم الماء ولا اليابسة. فما كان يُعد في وقت ما
أعمالا تطورية جارية ـ مثل طرف أو أذن غير كاملة النمو ـ نعرف حاليا أنها
كانت تكيفات في حد ذاتها، فهي لم تكن ناجحة دائما، ولكنها مع ذلك كانت
تكيفات. وفي كل مرحلة من مراحل هذا التحول كان المبتكرون يندفعون نحو
بيئات جديدة، بل إن البعض منا كان في الواقع على أعلى مستوى من التخصص
لعمل ذلك.
(*******)الخروج من القالب
وعلى
العموم، إن رباعيات الأرجل ذات الأطراف والقريبة منها المكتشفة حتى الآن
كانت جميعها حيوانات ضخمة يصل طولها نحو المتر، وكانت تفترس تشكيلة متنوعة
من اللافقاريات والأسماك من دون تمييز أو تخصيص. من ناحية أخرى بدأنا نجد
استثناءات لهذه القاعدة من عدم التخصصية، منها ليکونيانا Livoniana التي اكتشفها في أحد متاحف لاتکيا [من جامعة أوبسالا بالسويد] عام 2000.
ويمثَّل هذا الحيوان ببعض أجزاء الفك السفلي التي تبدي أشكالا عجيبة؛
فبدلا من الصفّيْن المألوفين من الأسنان التي تغطي كلا من جانبي الفك هناك
سبعة صفوف. ولا نعرف ماذا كانت تلتهم الليفونيانا بهذه الأسنان التي تشبه
حبات الذرة على مُطْرِها (عرنوسها)، ولكن غالبا ما كان لها وجبتها
الغذائية المختلفة عن وجبة أخواتها.
وتشير الدراسات المتجددة على أول ما عرف من رباعيات الأرجل: الإكثيوستيگا،
إلى أنها ـ أيضا ـ حادت عن الصورة المعتادة، بعكس الأفكار الأولى التي
كانت متصورة. وطالما حيّرتْ منطقةُ الأذن والأجزاء المتصلة بها في العلبة
الدماغية للإكثيوستيگا العلماءَ والباحثين، لأنها تبدي بنية تختلف عن
الموجودة في أي رباعي أرجل آخر أو سمكة من أي عصر. ولكن بمساعدة أحافير
جديدة وتحضيرات جديدة لعينات سبق جمعها، وفوق هذا بالأشعة المقطعية
الحاسمة للعينات، بدأت وزملائي نتفهم عمليا هذه البنية الغامضة. ويبدو أن
أفضل التفسيرات هو أن الإكثيوستيگا كان لها أذن عالية التخصص، ولكنها كانت
معدة للاستخدام تحت الماء. فبدلا من أن يكون لها طبلة أذن كما في الكثير
من الحيوانات البرية المعاصرة، كان لها على كل جانب من جانبي الرأس حجرة
مقوّاة الجدر العليا والجانبية ممتلئة بالهواء، ويمتد في قاعها الغشائي
عظم ركابي رقيق يشبه الملعقة، من المفترض أنه كان يهتز استجابة للصوت الذي
يصطدم مباشرة بهواء الحجرة، وينقل هذه الاهتزازات إلى الأذن الداخلية من
خلال ثقب في جدار العلبة الدماغية. ويدل هذا الترتيب على أن الإكثيوستيگا
قد أمضت وقتا طويلا في الماء. وبالمثل فإن الزعنفة الذيلية للحيوان وطرفيه
الخلفيين اللذين يشبهان المجاديف توحي بأسلوب الحياة المائية.
مع أن لدينا حاليا تفسيرا جيدا لماذا تطور الطرفان الأماميان بالطريقة التي تطورا بها، فإنه ينقصنا تفسير لمنشأ الطرفين الخلفيين، حيث لا تتضمن أي من الأحافير المكتشفة حتى الآن ما يستدل به عنهما. |
إضافة إلى ذلك فإن بعض الأجزاء في هيكل الإكثيوستيگا تنم عن القدرة على
التجول على اليابسة، فقد كان لها كتفان وساعدان في غاية القوة كما كانت
ضلوع الصدر عريضة جدا ومتراكبة، مكونة مشدا يمنع التجويف الصدري والرئتين
من الانطواء والانهيار عندما تكون على الأرض؛ ومع ذلك من المحتمل أن
الإكثيوستيگا لم تتحرك مثل حيوان فقاري بري نموذجي، فقفص الضلوع كان يحد
من التموجات الجانبية للجذع التي تحدث نموذجيا في حركة رباعيات الأرجل.
وعلى خلاف الأسماك والأكانثوستيگا ورباعيات الأرجل المبكرة الأخرى، كان
للإكثيوستيگا أشواك على الفقرات متغيرة الاتجاه على امتداد العمود الفقري
مشيرة إلى أن العضلات التي تدعمها كانت مخصصة لوظائف مختلفة وأنها كانت
تتحرك بأسلوب فريد. إن هذا الترتيب المتعدد الاتجاهات لأشواك العمود
الفقري يماثل الموجود في الثدييات حاليا ولكنه لم يكن معروفا في رباعيات
الأرجل الديکونية حتى درسنا الإكثيوستيگا. وجملة القول إن هذا الدليل
الجديد يدل على أنه بدلا من الانحناء في المستوى الأفقي، كما يحدث في جسم
السمكة، فإن جسم الإكثيوستيگا كان ينحني أساسا في مستوى رأسي، ولا يبدو أن
الطرفين الخلفيين اللذين يشبهان المجاديف قد أسهما بالكثير في الدفع
الأمامي في أثناء الحركة، ولكن الطرفين الأماميين الضخمين والكتفين
العريضين قامت بذلك. وعلى ذلك ربما كانت الإكثيوستيگا تتحرك على الأرض
أكثر شبها بالفقمة برفع ظهرها أولا، ثم بالتقدم بطرفيها الأماميين في
الوقت نفسه، وأخيرا بسحب بقية جسمها للأمام.
في الشهر 9، قمت و<آلبرگ> و <هننگ بلوم> [من جامعة أوپسالا] بنشر ورقة علمية تتضمن تفاصيل ذلك في مجلة Nature.
وإذا كنا على صواب فإن الإكثيوستيگا تعتبر أول الفقاريات المسجلة التي
تبدي بعض التكيفات للحركة غير السباحية. ومن المستحيل أن نقول بكل تأكيد
ماذا كانت تفعل الإكثيوستيگا على الشاطئ، ربما كانت تأكل الأسماك الملقاة
على الشاطئ ولكنها كانت تتكاثر في الماء، وفي هذه الحالة ربما استخدمت
أذنها المتخصصة للإنصات لأزواجها المحتملة (يستدعي هذا السيناريو أن
الإكثيوستيگا كانت تحدث ضجيجا وتنصت إليه). والبديل الآخر أن الإكثيوستيگا
كانت تأكل في الماء وتتنصّت على الفرائس هناك فيما كانت تستخدم طرفيها
الأماميين في حفر أعشاش للبيض على اليابسة؛ ومع ذلك فإن تصميم جسمها الفريد
حُكم عليه بالإخفاق في النهاية، حيث لا توجد أحافير متأخرة عن 360
مليون سنة يمكن نسبتها بكل ثقة إلى نسل الإكثيوستيگا. لا شك أن هناك
الكثير من التصاميم التي خلفتها خلال مراحل تطور رباعيات الأرجل المبكرة.
وسوف تكون هناك حاجة إلى مزيد من الدراسة لتأكيد هذه الأفكار، إلا أن
البيانات الأخيرة تثبت أن رباعيات الأرجل الديکونية كانت أكثر تنوعا عما
كان مقبولا من قبل. نحن نتعلم توقع المزيد من هذه المفاجآت عندما تصبح هذه
الحيوانات معروفة بدرجة أفضل.
(********)إذا امتلكت أرجلاً، أمكنك الترحال
لقد
أدت الأحافير التي اكتُشفت على مدى العقدين السابقين إلى أكثر من السماح
للعلماء بتتبع الكثير من التغيرات في هيكل رباعيات الأرجل، إذ إنها قدمت
بصائر حديثة لمتى تطورت هذه المخلوقات وأين. نحن حاليا متأكدون بدرجة
معقولة أن رباعيات الأرجل قد نشأت قبل 380 إلى 375
سنة في العصر الديکوني الأوسط المتأخر، وهو مدى تاريخي أكثر إحكاما مما
افترضه الباحثون سابقا، كما قررنا أن الممثلين المبكرين لهذه المجموعة
كانوا منتشرين في جميع أنحاء العالم.
كانت رباعيات الأرجل الديکونية منتشرة في أنحاء العالم تمتد من مواقع هي
حاليا الصين وأستراليا، وهي التي ظهرت فيها مخلوقات تعرف باسم «سينوستيگا»
Sinostega و«ميتاكسيگناثوس» Metaxygnathus على الترتيب، إلى شرقي الولايات المتحدة، حيث تم العثور على عظم الساعد من «رِدْ هِلْ» وحيوان يسمى «هينرپيتون» Hynerpeton.
وبوضع مناطق الأحافير على خريطة زمنية قديمة نجد أن هذه الحيوانات
استوطنت جميع المناطق المدارية وشبه المدارية لقارة عظمى تتضمن لوراسيا Laurasia في الشمال وگوندوانا Gondwana في الجنوب. إن توزيعها وانتشارها في جميع المناخات الدافئة تقريبا يعتبر ميثاقا على مدى نجاح هذه المخلقات.
أقامت رباعيات الأرجل الديکونية في مدى واسع من البيئات في هذه المواقع.
وتشير الترسيبات في شرقي گرينلاند، وهي التي كانت الأولى في تقديم هذه
المخلوقات، إلى أن المنطقة في وقت ما كانت حوضا لنهر عريض تسوده فيضانات
دورية تتبادل مع ظروف أكثر جفافا. لقد كان النهر في الأصل نهرا للمياه
العذبة بلا جدال، ولذلك شكّل الأساس في الحكمة المتلقاة عن البيئات التي
تطورت فيها رباعيات الأرجل، إلا أن اكتشاف مخلوقات مثل «کنتاستيگا» Ventastega و«تيوليرپيتون» Tulerpeton
في ترسيبات تمثل أمكنة ذات درجات ملوحة مختلفة أدى إلى الارتياب في حقيقة
هذا الأمر. لقد أثبت موقع رِدْ هِل في پنسلکانيا أنه غني بصفة خاصة في
تقديم قرينة لرباعيات الأرجل بوجود أنواع كثيرة من الأسماك واللافقاريات
والنباتات. ومثل ترسيبات شرقي گرينلاند، هو يمثل حوض نهر. إضافة إلى ذلك،
توحي الدراسات البيئية القديمة بأن مناخ المنطقة كان معتدلا بدلا من
الظروف البيئية المرتبطة بمكتشفات گرينلاند. وبمعنى آخر، إن رباعيات
الأرجل المبكرة ربما كانت حتى أكثر انتشارا مما كنا نعتقد.
مهمّة لم تكتمل(*********)
مازال
أمامنا الكثير لنتعلمه عن التغيرات التشريحية التي صاحبت نشأة رباعيات
الأرجل، فمع أن لدينا فرضية معقولة عن لماذا تطور حزام الكتف والطرفان
الأماميان بهذه الطريقة، ينقصنا تفسير ملائم لنشأة معقد الطرفين الخلفيين
القوي ـ وهو السمة المميزة لرباعيات الأرجل ـ لعدم تضمّن أي من الأحافير
المكتشفة حتى الآن تفسيرا لها باستثناء عينات من الإكثيوستيگا
والأكانثوستيگا التي تحتفظ بهذا الجزء من التشريح. وفي كلا الحيوانين يبدو
الطرفان الخلفيان حَسني التكوين لدرجة يصعب معها إظهار كيفية اتخاذهما
هذا الشكل. ومن المؤكد أنه لا يوجد سيناريو واحد يفسر جميع مراحل التحول.
ونريد أيضا أن نحصل على صورة أكثر وضوحا عن ترتيب التغيرات التي حدثت في
الهيكل؛ مثلا، متى تطور الطرفان الخلفيان بالنسبة إلى الطرفين الأماميين
والأذن.
سوف يؤدي اكتشاف المزيد من
الأحافير إلى إزالة بعض هذا الغموض، وكذلك تفعل التبصرات في البيولوجية
التكوينية التطورية. وعند هذا الحد تبدأ دراسات ميكانيكية التحكم الوراثي
التي تحكم تكوين منطقة الخياشيم في الأسماك ومنطقة العنق في الثدييات
والطيور، بتقديم تلميحات عن العمليات التي تميز كلا من رباعيات الأرجل
والأسماك وأيها تتفرد به رباعيات الأرجل. وعلى سبيل المثال، إننا نعرف أن
رباعيات الأرجل فقدت جميع العظام التي تحمي الخياشيم في الأسماك، إلا أن
الجينات التي تحكم تكوينها مازالت موجودة في الفئران، حيث تؤدي وظائفها
بطريقة مختلفة. كما أننا تأكدنا أن المسارات الكيميائية الحيوية التي تشرف
على تكوين الأطراف ـ في منطقة العنق قد انهارت. ومع أن علماء البيولوجيا
يستطيعون بسهولة حث نمو أطراف إضافية على خاصرة رباعي الأرجل، إلا أن ذلك
لا يمكن إحداثه في منطقة العنق. وعندما طورت رباعيات الأرجل عُنقا لها،
حدث ما يمنع الأطراف من النمو هناك.
وهناك أسئلة أخرى نجد صعوبة أكثر في الإجابة عنها. وقد يكون شيئا رائعا أن
نعرف أي واحد من السياقات البيئية الكثيرة التي ظهرت فيها أحافير رباعيات
الأرجل، عزز الأفراد الأولى لهذه المجموعة (إن الدليل المتاح يشير فقط
إلى أن هذه الحيوانات لم تظهر أول مرة في مواقع بحرية بالضبط). ونود أيضا
أن ندرك تماما الضغوط التطورية التي كانت تعمل في أثناء كل مرحلة من مراحل
التحول. ولعدم توافر سجل أحفوري جيد أو إمكان الاستعانة بآلة زمنية،
فربما لن نتمكن أبدا من لملمة أجزاء اللغز المحير لتطور رباعيات الأرجل
معا. ولكننا بالعمل المستمر يمكننا أن نتوقع سد الكثير من الثغرات
المتبقية في قصة كيف اكتسبت الأسماكُ الأرضَ اليابسة.