عرض : محمد بسيوني عبد الحليم
باحث في العلوم السياسية
Robert D. Kaplan, Monsoon: The Indian Ocean and the Future of American Power, New York: Random House،2010.
تكمن أهمية الكتاب، المتضمن سبعة عشر فصلا مقسمة علي ثلاثة أجزاء، في
اعتبارين رئيسيين، أولهما أن المؤلف واحد من الخبراء المتمرسين في السياسة
الأمريكية ويشغل عددا من المناصب الأكاديمية، فهو من الباحثين البارزين
بمركز الأمن الأمريكي الجديد، كما يعمل مراسلا لمجلة الأطلسي الشهرية، وعمل
لفترة كأستاذ زائر للأمن القومي بالأكاديمية البحرية الأمريكية بأنابوليس،
وقد ساعدته خبرته كمراسل وزياراته العديدة في كتاباته، ويمتلك رصيدا واضحا
في دراسات الجغرافيا السياسية. والاعتبار الثاني نابع من موضوع الكتاب.
فمنطقة المحيط الهندي ساحة مترامية الأطراف تمتزج فيها الفرص بالتحديات.
ففي حين تتوافر فرص سانحة لبزوغ بعض القوي كالصين والهند، فضلا عن ثراء
مصادر الطاقة، تعد التحديات سمة رئيسية للمنطقة، لاسيما مع تردي الأوضاع
الأمنية في عدد من الدول المطلة علي المحيط، والنشاط الملحوظ لتنظيم
القاعدة، وعمليات القرصنة.
ينطلق روبرت كابلان من فرضية مفادها اقتران الصعود الهندي والصيني بتوسع
بحري لكلتا الدولتين في المحيط الهندي، وبالتالي التأثير في الوجود
الأمريكي بالإقليم. فهو يقدم من خلال الكتاب بعدا جديدا للصراع بين الدول،
يتمثل في التنافس البحري حول مناطق النفوذ بالمحيط الهندي.
الهند .. قوة آسيوية صاعدة : يري "كابلان" أن الهند لديها ما يجعلها قوة عالمية بارزة، فهي من
الديمقراطيات الراسخة بما مكنها من ترسيخ دعائم الاستقرار المجتمعي.
وبالتوازي، تشهد ازدهارا اقتصاديا أفضي إلي تزايد معدلات استهلاك الطاقة،
حيث يتوقع أن تصبح الهند أكبر رابع دولة علي المستوي العالمي في استهلاك
الطاقة، عقب الولايات المتحدة والصين واليابان، ويمثل النفط أكثر من90% من
احتياجات الطاقة الهندية.
وفي هذا السياق، حاولت الهند التعاطي مع مصالحها عبر التمدد أفقيا. ويري
كابلان أن القوة البحرية أداته الرئيسية. وتستند هذه الاستراتيجية إلي ثلاث
ركائز رئيسية.
أولا- تعزيز القدرات العسكرية خاصة القدرات البحرية، فالهند تنفق نحو 20% من ميزانية الدفاع علي تطوير أسطولها البحري.
ثانيا- دعم أواصر التعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي
وإيران، بما يكسبها مجالا أوسع للتمدد البحري، لاسيما أن الخليج العربي يعد
المورد الرئيسي لاحتياجات الهند من النفط. كما أن التعاون الإيراني -
الهندي اكتسب بعدا جديدا خلال السنوات الأخيرة، عقب توقيع اتفاقية عام 2005
لتصدير الغاز الإيراني للهند.
ثالثا- تقديم المساعدات والتعاون مع دول كبورما
وإندونيسيا وفيتنام، فضلا عن الدول الإفريقية المطلة علي المحيط الهندي بما
يتواءم مع المصالح الهندية. فهو من ناحية، يهيئ لها تأمين مسارات بحرية
لأسطولها، خاصة أن قدرا من تعاونها مع هذه الدول ينصب علي تطوير الموانئ،
واحتواء التوسع البحري الصيني بالإقليم.
الصين .. البحث عن وجود بحري : مع تزايد التجارة الصينية وتزايد الطلب علي الطاقة، أصبح تطوير القدرات
البحرية محور اهتمام القادة الصينيين. وكان لهذا الاهتمام ثلاثة مؤشرات
واضحة،
هي: أولا- تزايد ميزانية الدفاع الصينية خلال السنوات
الأخيرة، وتخصيص جزء كبير منها لدعم الإمكانات البحرية، حتي يتسني لها
الحفاظ علي مصالحها الاقتصادية وتأمين مسارات الطاقة.
ثانيا- تكريس الوجود الصيني في المحيط الهندي وغرب
المحيط الهادي، بما يتيح لها التغلب علي معضلة مضيق ملقا ويجعلها تتحرك
بأريحية في الإقليم.
ثالثا- تقويض محاولات التمدد الهندي عبر إقامة علاقات
سلمية متعددة الأطراف، فالصين لها علاقات متميزة مع باكستان. ويشير تطوير
ميناء جوادر الباكستاني من جانب الصين إلي المدي الذي وصلت إليه الوشائج
بين الدولتين، كما ترسخ الصين علاقاتها مع بعض الدول كبورما، وسيريلانكا،
وبنجلاديش، فضلا عن دول إفريقية.
الولايات المتحدة .. مأزق الهيمنة البحرية : تضافرت خلال السنوات الأخيرة عوامل عدة في استنزاف القوة الأمريكية
الأحادية، والتي تتواري تدريجيا، فيما ينحو النظام العالمي تجاه التعددية
القطبية. ويساير كابلان تلك الفرضية عند التعرض للوجود الأمريكي في المحيط
الهندي.
فالاهتمام الأمريكي بمنطقة المحيط الهندي يستند لاعتبارات الجغرافيا بكل
ما تتضمنه من مغزي اقتصادي وسياسي وعسكري. وقد ترجم هذا الاهتمام عبر وجود
أمريكي في المنطقة، وبصورة أوضح من خلال الأسطول الأمريكي. وعطفا علي ذلك،
فإن التوسع البحري لبعض القوي الإقليمية في المحيط الهندي يعني الخصم من
نفوذها.
ويشير كابلان إلي أن البحرية الأمريكية أدركت خلال السنوات الأخيرة أن
المحيط الهندي سيمثل تهديدا مركزيا وساحة لتنافس دولي، لاسيما في ظل الصعود
الهندي والصيني. فالعلاقات الهندية -الأمريكية هي علاقات متميزة تحقق
مصالح الدولتين، ولكن هذا لا ينفي أن الهند لها حرية اختيار تحركاتها
الاستراتيجية بعيدا عن واشنطن، ويعبر التعاون الهندي - الإيراني عن هذا
الأمر.
ورأي كابلان أن الصين باتت تشكل تحديا للنفوذ الأمريكي في المحيط الهندي،
فهي قوة اقتصادية واعدة. وبالرغم من مساعيها لتطوير القدرات البحرية، فلا
يزال البون شاسعا بين قدراتها والقدرات الأمريكية. ولكن المعضلة تتمثل في
تسارع وتيرة الصعود الصيني بالتزامن مع استنزاف القوي الأمريكية إبان العقد
الأخير.
ويخلص إلي أن المستقبل سينطوي علي نمط من العلاقات الأمريكية - الصينية،
يتضمن التنافس والتعاون في آن واحد. فالصراع لن يكون المقاربة السائدة،
لاسيما أن مجريات الأمور أثبتت إمكانية التعاون، كما حدث علي خلفية الأزمة
الاقتصادية العالمية .
وختاما، يمكن القول إن مستقبل المحيط الهندي مرهون بتراتبية فكرية
وإدراكية تفرض علي الدول، وعلي وجه الخصوص الولايات المتحدة والهند والصين،
في بادئ الأمر، إدراك أن المحيط الهندي ساحة لتنافس قوي شبه متماثلة في
إطار التعددية. وبناء عليه، يصبح التعاون البناء هو السبيل الأمثل لتضييق
الهوة بين الفرص والتحديات المشتركة، فمساحة التشارك تدفع نحو مستقبل
تتعاون فيه أقطاب متعددة.