يحتفل بالحرية.. امام السفارة السورية في القاهرة (رويترز)
نضال أيوب
06/09/2011
هذه
المرّة، بدت الطرق خالية إلا من عدد محدود من السيارات. لا ازدحام ولا
صفوف طويلة لأشخاص ينتظرون دورهم للحصول على موافقة للدخول إلى سوريا. كل
شيء يحصل بسرعة. للوهلة الأولى تشعر بالفرح لعدم الانتظار كما جرت العادة.
لكنك حين تصل إلى مدخل العاصمة، يغتالك صمت غير متوقع. تفاجئك الشوارع
بخلوها من الحياة. ربما هو العيد الذي أعلن انشقاقه للانضمام إلى صفوف
"المندسين"، حدادا على أرواح شهداء الحرّية.
تصل إلى باب توما. يبدو الحي كأنه يرفض المشاركة في الحداد. صور الرئيس
القائد تحتل نوافذ السيارات التي تعلو منها أصوات مغنين يؤكدون ولاءهم
للرئيس. عبارات التبجيل تسمعها أيضا على ألسنة مجموعة من الشبان الذين
افترشوا الرصيف. لكن قهقهات هؤلاء وعباراتهم لن تكفي لتصديق ما يحاولون
إقناع العابرين به: سوريا بخير. فعيون المارّة التي ترمق الصور بغضب وملامح
وجوههم تشي بما هو أكثر إقناعا: سوريا ليست بخير، لكنها ستكون كذلك يوم
تحتفل بالحريّة التي باتت قريبة المنال.
في حيّ ركن الدين، يلفت نظرك وجود عدد من السيارات التي طمست الأرقام عن
لوحاتها. يدفعك الفضول لرؤية ما حرص بعضهم على إخفائه: هي سيارات للجيش
تنتشر بين الناس خفية، وبداخلها عناصر مسلحة.
قد تصادفك في طرق أخرى مراسلة لإحدى قنوات الإعلام السورية الرسمية، تجري
"مقابلات حصرية" مع أشخاص موالين يخبرون عن احتفالهم بالعيد. يؤكد هؤلاء أن
كل شيء على ما يرام، غير مكترثين بما يهدر من دماء. يتبادر إلى ذهنك سؤال
يفرضه أداء تلك القنوات: "لماذا يواظبون على التأكيد على أن كل شيء بخير ما
دام كذلك فعلا؟!".
بين ريف دمشق ودمشق تنتشر حواجز كثيرة. عناصر جيش وأمن يحملون بأيديهم عصيا
خشبية وأسلحة نارية، يترقبون وصول من يطلقون عليهم تسمية عصابات مسلحة. ما
إن تصل السيارة إلى حاجز منها، حتى تحاصر بالمسلحين. يأخذون هوية السائق،
وإن خانه الحظ وصودف أنه من إحدى المدن المعارضة فتلك جريمة سيدفع ثمنها
ساعات من التحقيق.
في شوارع دمشق وضواحيها بيوت تغلق نوافذها في "عزّ الصيف"، لكنك لن تستغرق
وقتا طويلا لاكتشاف سبب ذلك. يخبرك صديق بأنها أصبحت عادة لمتابعي قناة
الجزيرة سرا، خوفا من تقرير جار مخبر تدفعه "وطنيته" للوشاية بك.
هكذا بدا عيد الفطر على وجوه العابرين في شوارع العاصمة ومحيطها. لكن
للأطفال مساحة خاصة بهم، فيها ثياب جديدة ملوّنة وهدايا وألعاب كثيرة
وضحكات تملأ فراغ الشوارع والأحياء. لكن، كما كل شيء في هذه المدينة،
ستختلف قواعد لعبهم وتتطور وفقا للظروف. وفي أحد أحياء جرمانا، كان لخيال
الأطفال دوره في زيادة تفاصيل وتغيير تسميات.
تنزل فتاة من منزلها في الحي. وما أن تصل إلى مدخل البناية، حتى تنقض عليها
مجموعة من الأطفال، يضعون مسدساتهم على رأسها، فرحين بالنصر الذي أحرزوه.
تبتسم لهم بحرقة وتطلب منهم أن يصفوا لها أصول اللعبة. يستجيب الأطفال
لطلبها، وينقسمون إلى مجموعتين. تقوم الأولى بطرح المجوعة الأخرى أرضا،
وينهال أفرادها عليهم ضربا بأقدامهم، ثم يبدأون بإطلاق النار من ألعابهم
الحربية. تسألهم من أوحى لهم بلعبتهم هذه، فيجيبون بحماسة: ذلك ما نراه على
شاشات التلفزيون.
اليوم، لم تعد لعبة الأطفال الأشهر هي "بوليس وحرامية". صارت للعبة تسميات وقواعد مختلفة: عصابة مسلحة تريد القضاء على المندسين.
براءة الأطفال لم تمكنهم ربما من فهم اللعبة الأكبر التي جعلت العصابات المسلحة والمندسين طرفا واحدا.