نهاية المساكنة وبداية الاحاديةالشيخ هاشمي رفسنجاني
بقلم
حسن فحص تاريخ النشر: الثلاثاء 15 مارس 2011
تم التحديث: الأربعاء 16 مارس 2011
اثار قرار عزوف الشيخ هاشمي رفسنجاني الشخصية الاكثر اشكالية في النظام
الايراني عن الترشح لرئاسة مجلس خبراء القيادة، الكثير من الاسئلة حول
حقيقة ومستقبل هذا الرجل السياسي، وايضا حول مستقبل العلاقة بينه وبين
قيادة النظام ومآلاتها ومدى انعكاسها على الموقف من التيار الاصلاحي وقادته
زملاء رفسنجاني في الثورة والنظام، وبالتالي مستقبل التعددية السياسية
الشكلية في ايران الاسلامية - الجمهورية - الثورية.
ومن الاسئلة التي اثارها هذا القرار، هل يمكن تصور ايران
او الجمهورية الاسلامية او الثورة الاسلامية في ايران من دون وجود رفسنجاني
في احد مواقع السلطة ؟ وهل وصلت حدة الخلاف بين رفسنجاني والقيادة
الايرانية خصوصا رفيق دربه في الثورة والدولة والنظام المرشد آية الله علي
خامنئي الى نقطة اللاعودة ، وبات من المحتم على رفسنجاني ان يتنحى او ان
ينحى، بخسائر او من دون خسائر، لافساح المجال امام تمركز السلطة والحد من
شعور الازدواجية في مواقع القرار حتى ولو بالشكل ؟ هذه الاسئلة واسئلة
كثيرة غيرها طفت على الساحة السياسية الايرانية، ليس فقط منذ وصول الرئيس
محمود احمدي نجاد الى سدة الرئاسة عام 2005 على حساب رفسنجاني وهزيمته، بل
منذ العام 1988 وظهور ملامح مرحلة ما بعد رحيل مؤسس الثورة الامام الخميني
وما فرضته من تساكن او مساكنة في اطار صفقة تقاسم السلطة – اذا جاز التعبير
– بينه وبين مؤسسة القيادة الجديدة. وهي مؤشرات قد تساهم في فهم مسار
التحولات في موازين القوى داخل النظام، وتقطع الطريق على حصر الموقف
بالهجوم الكاسح والحاد الذي شنه جناح احمدي نجاد تحت انظار المرشد ومع
بداية رئاسته ضد رفسنجاني ومن يمثله في الادارة ومراكز القرار وحتى داخل
مؤسسة حرس الثورة الاسلامية ، وحملة التطهير التي طالت العناصر المقربة او
المسحوبة عليه في الدولة واراداتها والتخلص منهم بتهم الفساد والخيانة.
وزادت حدة هذه الحملة مع انتخابات رئاسة الجمهورية في الثاني عشر من يونيو /حزيران
عام 2009 ونتائجها الاشكالية والتي انتهت بالتجديد لاحمدي نجاد في
الرئاسة. على معطيات مختلفة هذه المرة تمحورت حول مبدأ الوفاء للثورة
والولاء لمرشدها واقصاء المتذبذبين او المترددين او المشككين في هاتين
المسلمتين.
يمكن القول ان خروج رفسنجاني من رئاسة مجلس
خبراء القيادة لم يكن مفاجئا لمتابعي الشأن الايراني ، بل هو نتيجة طبيعية
لسياق طويل من الاقصاء بدأ من عام 1988 ، عندما وافق على مبدأ تقاسم
السلطة مع المرشد الجديد في اول حكومة تولى تأليفها بعد وصوله الى رئاسة
الجمهورية في تلك السنة.
فرفسنجاني كان الشخصية الاقوى
في النظام الايراني بعد الامام الخميني، فتولى منصب نائب القائد الاعلى
للقوات المسلحة بصلاحية واسعة وكان ممثلا خاصا للامام الخميني في مجلس
الدفاع الاعلى خلال الحرب مع العراق. وهو الذي قام بعلم من الخميني بفتح
قنوات اتصال مع الولايات المتحدة الاميركية في عهد الرئيس ورنالد ريغان
اثمرت زيارة لمستشار الامن القومي روبرت ماكفرلين الى طهران وعقد صفقة
عسكرية سياسية عرفت لاحقا بفضيحة "ايران كونترا"، وكان من القوة بمكان انه
استطاع محاسبة وابعاد الجهة التي قامت بكشفها وصولا الى اقصاء واقالة نائب
مؤسسة الثورة والمرشح لخلافته الراحل آية الله حسين علي منتظري ووضعه قيد
الاقامة الجبرية لسنوات طويلة.
ثم ساهم بشكل اساس
وفعال في اقناع الخميني قبل رحيله باجراء تعديلات دستورية تطال صلاحيات ولي
الفقيه وجعلها مطلقة وتعزيز موقع رئيس الجمهورية في اطار الدستور والنظام
الايراني تمهيدا لوصول المرشد الحالي خامنئي الى موقعه وهو الى رئاسة
الجمهورية، ما اثمر فترة من التعايش بين الرجلين استمرت دورتين رئاسيتين
شهدت في الثانية ظهور ما بات يعرف لاحقا بالتيار الاصلاحي من خلال حصوله
على عدد من مقاعد البرلمان الذي رافق الرئيس محمد خاتمي في دورته الرئاسية
الاولى.
وفي هذه المرحلة ايضا دخل رفسنجاني في مواجهة
مع التيار المحافظ عندما فشل في الدفاع والحفاظ على وزير داخليته عبدالله
نوري وبشق الانفس عن وزير ثقافته عطاء الله مهاجراني، وابعد عن المؤسسة
العسكرية بشقيها الجيش وحرس الثورة الاسلامية .
في
العام 1997 اتهم التيار المحافظ كلا رفسنجاني وحزبه كوادر البناء وامينه
العام رئيس بلدية طهران غلام حسين كرباستشي بالمسؤولية عن وضع النظام امام
تحدي خروج السلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية من دائرة نفوذه بالهزيمة التي
لحقت بمرشح هذا التيار علي اكبر ناطق نوري في انتخابات رئاسية الجمهورية
لحساب خاتمي. ودفع كرباستشي الثمن وسجن بتهمة الفساد من دون ان يكون
رفسنجاني قادرا على الدفاع او ابعاد السجن عنه.
بعد
خروج رفسنجاني من رئاسة الجمهورية عام 1997، بدأ التيار المحافظ والغرف
الفكرية التابعة له بهجوم ممنهج ضد رفسنجاني وعائلته وحزبه، والنيل منه
وتحميله مسؤولية الازمات السياسية التي ادت الى وصول التيار الاصلاحي الى
السلطة، والازمات الاقتصادية التي ادت الى تضخم مالي كبير وارتفاع عدد
العاطلين عن العمل.
مع صعود التيار الاصلاحي وتزايد
المؤشرات على امكانية سيطرته على السلطة التشريعية(البرلمان)، بدأت حملة
اصلاحية للتخلص من ظل رفسنجاني المهيمن على فضاء التيار الاصلاحي ورفض
الحديث عن دوره في صعود الاصلاحيين ووصول خاتمي الى رئاسة الجمهورية، ما
اراح التيار المحافظ وسهل عليه عملية تحجيم رفسنجاني، فتراجع تاركا الساحة
لاصوات اصلاحية لتولي هذه المهمة.
اثمرت الهجمة
الاصلاحية هزيمة لرفسنجاني في الانتخابات البرلمانية عام 2001 بحصوله على
المركز الواحد والعشرين في مدينة طهران بعد اعادة فرز الاصوات وتدخل مجلس
صيانة الدستور لصالحه مع غلام علي حداد عادل الممثل الوحيد للتيار المحافظ
عن طهران في تلك الانتخابات.
مع انتهاء رئاسة خاتمي في
دورتها الثانية والارباك الذي اصاب التيار الاصلاحي في تقديم مرشح قادر
على اقناع الشارع الشعبي ، تلقى رفسنجاني اولى اشارات تخلي مرشد النظام عنه
برفضه مرشح تسوية بين التيارين المحافظ والاصلاحي.
فالى
جانب رفسنجاني المعتدل الاقرب الى التقليديين ، زج التيار المحافظ بثلاثة
اشخاص من اقطابه ، علي لاريجاني رئيس مؤسسة الاذاعة والتلفزيون المقبول من
التقليديين ، ومحمد باقر قاليباف القائد العام للشرطة والامن الداخلي
والقائد السابق لسلاح الجوي في حرس الثورة، ومحمود احمدي نجاد رئيس بلدية
طهران الحامل لافكار المحافظين الجدد. في المقابل فضل التيار الاصلاحي
الوقوف وراء مصطفى معين الذي قدم خطابا نخبويا لم يستطع ردم الهوة التي
اوجدها النظام والمحافظون بين المشروع الاصلاحي والشارع الشعبي ، في حين
لجأ مهدي كروبي لخطاب شعبوي يقارب في مكوناته ومفرداته الخطاب الذي حمله
احمدي نجاد ممزوجا بكثير من الجرأة التي طاولت رموز النظام واداءهم السياسي
والديني وفي مقدمتهم مرشد النظام ومكتبه والدائرة الاقرب له.
عام
2005 ادرك النظام والتيار المحافظ صعوبة حسم معركة الرئاسة من الدورة،
فقام بكل ما يلزم لتسهيل انتقال مرشحه الذي بقي ضبابيا لحين اعلان النتائج
الى الدورة الثانية.
وشكل وصول احمدي نجاد الى المرحلة
الثانية مؤشرا على تصاعد التوتر في العلاقة بين مرشد النظام والمحافظين من
جهة ورفسنجاني من جهة ثانية، خصوصا وان انتقال احمدي نجاد جاء بقدرات
غيبية وعلى حساب مهدي كروبي ليكون في مواجهة رفسنجاني .
حصر
المعركة بين احمدي نجاد ورفسنجاني سهل على قيادة النظام المضي في مخطط "
تهشيم " رفسنجاني ودفعه الى خارج دائرة التأثير حتى ولو بالحد الادنى لها .
هذه
الهزيمة قاربت بين رفسنجاني والتيار الاصلاحي من دون تخليه عن الحذر في
هذه المقاربة ومحاولة الاحتفاظ بمسافة موضوعية مع الاصلاحيين وابقاء قنوات
التواصل مفتوحة مع المحافظين على الرغم من اتساع الهوة بينهما.
واستطاع
رفسنجاني استعادة توازنه السياسي بدعم نسبي من الاصلاحيين في انتخابات
مجلس خبراء القيادة قبل اربع سنوات عندما حصد المركز الاول بين مرشحي هذا
المجلس الستة والثمانين في طهران مدعوما بشكل واضح من التيار الاصلاحي الذي
وقف خلفه للحؤول دون وصول مرشح النظام الى رئاسة الخبراء.
لكن
معركة اقصاء رفسنجاني عن دائرة القرار استمرت واخذت منحى اكثر حدة وتصاعدا
بين عامي 2007 و2009 ، خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية وقرار
عودة احمدي نجاد الى هذا الموقع .
وتعتقد الاوساط
الايرانية ، الموالية والمعارضة ، ان الحركة الاعتراضية على نتائج
الانتخابات الرئاسية الاخيرة وما تمخضت عنه من ارهاصات لولادة تيار مطالب
بالديمقراطية في ايران في اطار " الحركة الخضراء" ، قد وضعت حدا للتساكن او
"زواج المصلحة" الذي كان ساد بين رفسنجاني وقيادة النظام منذ رحيل المؤسس
الامام الخميني ، وتحول الى "زواج متعة" مع وصول احمدي نجاد للرئاسة عام
2005. وتبلورت بشكل واضح في الخطاب الذي القاه مرشد النظام في صلاة الجمعة
بعد اعلان نتائج الانتخابات والذي حمل الكثير من الابعاد السياسية خاصة تلك
المتعلقة بعلاقته مع رفسنجاني وموقعه داخل منظومة السلطة ودائرة النظام .
ولم
تتأخر الترجمة العملية لهذا التوجه، فقد ابعد رفسنجاني عن صلاة الجمعة
وبدأت حملة مركزة طالت عائلته، خصوصا نجله الاكبر مهدي وكريمته فائزة
اللذين اتهما بالتآمر للقضاء على النظام بالتعاون مع دوائر استخباراتية
اجنبية واستغلال الحركة الخضراء.
ان عدم مشاركة
رفسنجاني في انتخابات رئاسة مجلس خبراء القيادة التي جرت يومي الثامن من
شهر مارس/ آذار 2011 . لم يكن قرارا آنيا، بل جاء بناء على معطيات ومسارات
قرر رفنسجاني التوقف عندها وعدم التعاطي معها بحسن النية كما في الاسبق.
ففي
كل الانتخابات التي شارك فيها رفسنجاني بعد العام 1997 كان يسعى قبلها
للوقوف على رأي مرشد النظام ونصيحته . لكن كل هذه المشاركات كان الهدف من
اقحامه فيها تمهيد الطريق امام اعلان الطلاق بينه وبين قيادة النظام عبر
صناديق الاقتراع والحاق هزيمة به امام مرشح آت من خارج دائرة القرار.
والفوز الوحيد الذي حققه.
لكن وامام ما سربته اوساط
رفسنجاني عن اللقاء الاخير بينه وبين مرشد النظام قبل انتخابات مجلس خبراء
القيادة الاخيرة وما دار بينهما، وكشفت هذه الاوساط ان خامنئي قال ردا على
استشارة طلبها رفسنجاني حول ترشحه بالقول "انا ليس لدي لا موقف ايجابي ولا
موقف سلبي" .
هذا الموقف التقطه رفسنجاني واعتبره
بطاقة حمراء رفعها المرشد بوجهه وبوجه كل ما يمثله من رمزية ثورية واسلامية
وسياسية في تركيبة النظام . فامتنع عن الترشح مفسحا الطريق امام رفيق دربه
آية الله مهدوي كني ليكون رئيس تسوية في هذا الصراع.
ان
سكوت هاشمي رفسنجاني طوال السنتين الماضيتين بعد ازمة نتائج الانتخابات
الرئاسية لم يصل حدا يمكن اعتباره موقفا عدائيا، الا ان رفض التيار المحافظ
للحيادية او السكوت في معركته مع التيار الاصلاحي جعل من موقف الصمت الذي
اختاره رفسنجاني موقفا سياسيا، ما استدعى تسريع عملية ابعاده عن مواقع
القرار.
ولم يبق لدى رفسنجاني سوى رئاسة مجمع تشخيص
مصلحة النظام ، وهو منصب ناصيته في قبضة مرشد النظام، لانه موقع غير منتخب
ورئيسه واعضاؤه يعينون ويختارون من قبل المرشد وهو الذي يستطيع تعيين او
عزل اعضائه ورئاسته، وطالما ان قرار انهاء الحياة السياسية لرفسنجاني لم
يصل الى نهاياته، فمن المرحج ان يبقى في هذا الموقع الى ان يقرر هو نفسه
الاستقالة، وبالتالي قد يخفف من حجم الضريبة التي قد يكون النظام وقيادته
مجبرين على دفعها ثمنا لذلك.