التشغيل والإفلاس
كشفت الأزمة الأخيرة التي نشبت بين
العاطلين حاملي الشهادات العليا وحزب الإستقلال، عن ضيق أفق الحكومة في
تدبير ملف العاطلين، إذ لجأت مرة أخرى إلى تقديم وعود بحل المشكل، وإيجاد
حل نهائي لعطالة هؤلاء الشباب، الذين يشترطون التوظيف في القطاع العام لفك
اعتصامهم الذي يتخذ يوميا أبعادا جديدة، مرتبطة بالظروف الراهنة.
والحقيقة أن الحكومة لم تفشل فقط في تدبير الملف من خلال اعتماد أسلوب
الترضية ، ولكنها أيضا فتحت الباب أمام ممارسات، سترهن المغرب في حال
استمرارها لسنوات عديدة، خصوصا أن أفق الوظيفة العمومية يبقى محدودا جدا،
وقد نصل إلى إفلاس الدولة ماليا.
وإذا كنا نؤيد إيجاد حلول عملية لإشكالية العاطلين من حاملي الشهادات
العليا، فإننا في الوقت نفسه نحذر من تداعيات إغراق الوظيفة العمومية،
الشيء الذي يمكن أن يؤدي إلى كارثة حقيقية حين تعجز الدولة عن سداد أجور
موظفيها.
كثيرون يعتقدون أن تعهد الحكومة بحل مشكلة التوظيف في أفق سنة 2012، لا
يعدو أن يكون مزايدة سياسية مكشوفة الغرض منها امتصاص الغضب الشعبي، إلى
حين انتهاء ولاية الحكومة الحالية، لكن هذه السياسة ذات أبعاد انتخابية
صرفة، ستخلف إرثا ثقيلا للحكومة المقبلة التي سيكون عليها تدبير التوازنات
المالية، في ظل الضغط المتزايد على النفقات العمومية، مع ما يترتب عن ذلك
من اختلالات جوهرية قد تجعل المغرب معرضا لأزمات شبيهة بما تعيشه كثير من
الدول الأوروبية هذه الأيام.
إن حل ملف التشغيل في إطاره الشمولي يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، تتبنى
مقاربات قابلة للتنفيذ، ولا نعتقد أن التوظيف المباشر للأطر المعطلة سيكون
حلا إيجابيا، لأنه لا يعقل أن نوظف حامل دبلوم في الدراسات الإسلامية
بوزارة الداخلية، أو بيولوجي في وزارة العدل، فليس هناك رابط وظيفي أو مهني
بين التخصص ونوعية الوظيفة، مما يجعلنا أمام واقع مريض سمته الأساسية هي
تدبير المرحلة دون الأخذ بعين الإعتبار تداعيات مثل هذه القرارات على أداء
الإدارات العمومية.
ويبدو أن الحكومة الحالية لا تهتم كثيرا بالكفاءات، بقدر ما يشغل بالها،
إخلاء الشوارع من الإعتصامات اليومية التي ينفذها المعطلون، لنصبح أمام
ظاهرة إغراق الإدارات، وتحميل الدولة مزيدا من النفقات، وهي الوضعية التي
أدت إلى حالة من الكساد المالي، الذي يمكن أن يؤدي إلى زعزعة الأمن
الداخلي.
فحل أزمة العاطلين خاصة من حاملي الشهادات العليا يجب أن يتم في إطار
تشاركي يكون فيه للقطاع الخاص دور أساسي، فالدولة غير قادرة على حل أزمة
التوظيف بسبب نقص الموارد المالية من جهة، وثانيا بسبب غياب رؤية مستقبلية
لكيفية تدبير الموارد البشرية، التي تفتقر في كثير من الأحيان للكفاءة
المهنية، وهو الأمر الذي ساهم في تخلف الإدارة العمومية التي وجدت نفسها
عاجزة عن تطوير آلياتها، إذ سنصبح أمام سياسة إغراق المكاتب.
نحن لسنا ضد تشغيل العاطلين، وإنهاء هذا الملف، لكننا ضد سياسة الترقيع،
التي تسعى أطراف حكومية إلى اعتمادها في إطار أجندة انتخابية غير معلنة،
وضعية نعتقد أن أكبر متضرر منها هي الدولة نفسها، التي ستجحد نفسها مستقبلا
مضطرة للإستدانة من أجل أداء أجور موظفيها.