تاريخ النشر: الجمعة 25 فبراير 2011
تم التحديث: الجمعة 25 فبراير 2011
هل تكسر المسلسلات التركية التابوهات كما تقول عنها وسائل الإعلام الغربية
والمحافظون الأتراك؟ يزداد تحرر المحتوى المعروض على شاشة التلفزيون
التركي، وتتزايد الادعاءات بأن هذه الصور تغير من مكانة المرأة في العالم
العربي. ولكن يشك الليبراليون في تركيا في أن التلفزيون يمكن أن يكون له
مثل هذا التأثير.
تذاع أعمال عن الشذوذ والعنف الجنسيين في أوقات ذروة
المشاهدة. وتتناول أكثر المسلسلات مشاهدة قصصا معقدة حول الحب المحرم.
ويوجد كثير من المحتوى الصادم على شاشات التلفزيون التركي في الوقت الحالي.
منذ شهر تقريبا، شاهد ثلث مشاهدي التلفزيون التركي أشهر ممثلة شابة في البلاد تتعرض لحادث اغتصاب جماعي في أولى حلقات مسلسل جديد.
وبعد
يومين، أذاعت قناة تلفزيونية - اشتراها أخيرا رجل أعمال مقرب من الحكومة
الإسلامية السابقة - أول مسلسل تركي يظهر فيه رجلان معا في السرير. أصاب
ذلك المحافظين الأتراك بالذعر.
قالت هاليد إنجيكارا،
نائبة حزب العدالة والتنمية الحاكم، في البرلمان في 12 نوفمبر (تشرين
الثاني) متوعدة: «هؤلاء المؤلفون مرضى عقليا، ويحتاجون إلى الكشف على عقلهم
اللاواعي».
كانت أرزو إردوغال، كاتبة العمود في صحيفة
«فاكيت» الإسلامية المتشددة، أكثر جرأة، حيث كتبت: «مشكلة فاطمة غل أنها
بلا أخلاق»، في إشارة إلى ضحية الاغتصاب الجماعي.
اتخذت
الصحافة الغربية من جانبها موقفا مختلفا تماما. بعد يومين فقط من إذاعة
مشهد الاغتصاب على التلفزيون التركي، نشرت صحيفة «كورييري ديلا سيرا»
الإيطالية مقالا للرأي يثني على الأسلوب الذي أحدثت به المسلسلات التركية،
التي تحظى بشعبية كبيرة في العالم العربي، «ثورة في ثقافة المنطقة» حيث
قدمت صورتها «لامرأة جديدة أكثر حرية».
في شهر يونيو (حزيران)، وصفت صحيفة «نيويورك تايمز» الظاهرة ذاتها «بانتصار القيم الغربية».
ولكن
أثار كل هذا الحديث عن الثورات الاجتماعية شكوكا لدى بعض المحللين
الأتراك، الذين يقتربون جميعا في آرائهم السياسية من قراء «نيويورك تايمز»
أكثر من أنجيكارا وزملائها البرلمانيين المهووسين بالقيم الأسرية.
يقول
هؤلاء المحللون إن الإعجاب بالمشاهد الجنسية والتابوهات والعري يشبه الخطأ
الذي يقع فيه الأتراك العلمانيون الذين يصرون على أن جميع النساء اللاتي
تغطين رؤوسهن إسلاميات متعصبات.
ويضيفون أنه بالنظر إلى المظهر الجذاب لتلك المسلسلات، غالبا ما تكون الرسالة الكامنة محافظة للغاية.
ويشيرون
مثلا إلى مسلسل «العشق الممنوع» الشهير الذي حقق أعلى نسبة مشاهدة تركية
في العام الماضي وشاهده ما يقدر بـ85 مليون مشاهد في الشرق الأوسط.
لا
يمكن إلقاء اللوم على كُتاب السيناريو والمخرج بسبب المشهد الأخير في
المسلسل، حيث تقدم الخائنة على الانتحار: فهكذا كانت نهاية الرواية التي
أخذ عنها المسلسل، وهي رواية عثمانية كتبها مؤلف كان معجبا برواية «مدام
بوفاري».
ولكن يتحمل أصحاب العمل مسؤولية مشاهد أخرى
تحمل عناصر محافظة. ومثال على ذلك ما يمكن أن يوصف برمزية التقبيل، حيث
تمتلئ مشاهد المسلسل بلقطات تظهر فيها الفاتنة نيهال وهي تقبل البطل
بحرارة. ولا تحظى الفتاة التي تتزوجه في النهاية سوى بقبلة على وجنتها.
ولكن مع اقتراب النهاية، عندما يطلب البطل يدها للزواج وتوافق، يكافئها
بطبع قبلة على جبينها.
يقول أحد أكبر النقاد الأتراك، أورهان تيكلي أوغلو إن تقبيل الجبين «انتشر مثل المرض المعدي» على جميع شاشات التلفزيون التركي.
ويضيف:
«لقد حقّر هذا المسلسل من شأن المرأة، بمنحه المرأة (الشريرة) فقط حق
القبلة. لا يمكنك أن تجعل المرأة عصرية بمعاملتها كطفل - ولا أتحدث هنا عن
الفتيات الصغيرات. ماذا تفترض أن يفعل هؤلاء الممثلون عندما يكونون غاضبين
في حين أنهم يقبلون جبين فتياتهم عندما يرضون عنهن؟».
من
جانب آخر، انزعج كاتب المقالات في صحيفة «ميليت» التركية، كان دونار، من
الأسلوب التافه الذي تتم به الحملة الإعلانية الممتدة للمسلسل الذي تظهر
فيه حادثة الاغتصاب.
قال دونار: «على مدار أسابيع،
كانوا يهيئوننا ليوم الحدث بإعلانات تتساءل عن أشياء مثل أين سيتم اغتصاب
(الممثلة) بيرين (سات)، ومن سيغتصبها، وهل سيكون المشهد أفضل أو أسوأ من
مشهد اغتصاب هوليا (أوشار)؟»، وهي ممثلة شهيرة قامت بالتمثيل في نسخة
المسلسل التي عرضت في الثمانينات من القرن الماضي.
وأضاف
إن ما يفقد العمل معناه هو أن المسلسل مأخوذ عن رواية بطلتها ضحية اغتصاب
تتحمل مسؤولية ما يحدث لها: «وبالتركيز على مشهد الاغتصاب للترويج للمسلسل،
يقوي القائمون عليه الثقافة الذكورية التي تنتقدها الرواية».
قد
تتفق معه الممثلة بيرين سات، التي يعرف عنها تجنبها لوسائل الإعلام. فقد
أصبحت المحلات في تركيا الآن تبيع ملابس فاطمة غل للسيدات الراغبات في
إثارة أزواجهن. كما ستنزل إلى الأسواق أيضا عرائس على صورة فاطمة غل قريبا.
ونقلت صحيفة «باغن» عن سات قولها في 15 نوفمبر (تشرين الثاني): «أتعرض
لتعليقات مشينة أينما ذهبت. أتمنى لو لم أكن قبلت بهذا العمل».
أصبحت
المواجهة بين الأتراك القرويين الأنقياء وفساد أخلاق الغرب والأتراك
المتمدنين المتغربين موضوعا رئيسا يتناوله الأدب التركي منذ أن تسارعت
وتيرة تحديث الدولة العثمانية في منتصف القرن التاسع عشر.
يوضح أورهان تيكلي أوغلو صورة أكثر وضوحا لازدواجية الخلاف المستمر حول المسلسلات التلفزيونية.
ويقول
إن الناس تشعر بسعادة بالغة لمشاهدة الشخصيات في الأفلام الغربية وهم
«يسيئون» التصرف، بسبب «الاعتقاد الفولكلوري بأن الأجانب لديهم ميل إلى
ارتكاب مثل هذه الأشياء». ولكنهم يثيرون ضجة عندما يُظهر الأتراك أنهم
ليسوا أقل ميلا من الأجانب.
وظهر مثال على هذا النفاق
في ما قاله عثمان سيناف، منتج مسلسل «يوم السيف» الذي يحتوي على مشهد
الشذوذ، عندما طُلب منه تبرير الفضيحة التي تسبب بها المسلسل.
قال
المنتج لقناة «هابرترك» التلفزيونية الخاصة: «في قصة المسلسل، نتحدث عن
قصر الفرعون ومثل تلك الأشياء تحدث في قصره. نحن لا نروج للمجون، ولكننا
نوضح ببساطة صورة لأنواع من البشر. علينا أن نفعل شيئا لتصوير هؤلاء الناس
وانعدام أخلاقهم من دون أن نتجاوز حدود الأخلاق».