تاريخ النشر: الخميس 05 مايو 2011
تم التحديث: الخميس 05 مايو 2011
عودة روح مقاومة الطغيان والقمع في الشرق الأوسط دليل على روح الإنسان
العربي الذي يرفض الخنوع والاستكانة. ولكن من دون تصور متماسك للمستقبل،
ستكون هناك حدود لانتفاضات الشرق الأوسط. فما زال على جماعات المعارضة أن
تثبت أنها مؤهلة لإدارة الحكم وما زالت المواءمة بين المثل والتعاليم
الإسلامية والانتفاضات الشعبية بعيدة المنال.
في الشهور القليلة الماضية شهدنا
المستحيل يتحقق في الشرق الأوسط: فقد تم خلع زين العابدين بن علي في تونس في أعقاب
حرق محمد البوعزيزي نفسه، وأجبر محمد حسني مبارك على التنحي في مصر وهو ما كان
إيذانا بانتهاء عصر أقوى الرؤساء في المنطقة، وهز الشعب الليبي أرجاء العالم
بشجاعته، كما فعل ويفعل اليمنيون والسوريون، واللبنانيون من قبلهم. ولكن وكما
شهدنا في 1979، و1989، و2005 - عندما أنهى اللبنانيون على نحو سلمي ما يقارب من 30
عاما من الاحتلال السوري - فإن لمثل تلك الثورات كثيرا من العواقب غير المتوقعة.
إن ما حدث في الشرق الأوسط كان
شهادة عظيمة على الروح الإنسانية، فسوف يستدعي التاريخ دائما تلك الفترة باعتبارها
الفترة التي وقفت فيها المنطقة بأسرها ضد القمع والطغيان. ولكننا إذا منحنا تضحيات
أشخاص مثل البوعزيزي والكثيرين غيره الذين حذوا حذوه قدرها، فسيكون علينا أن ندرك
حدود ثورة الشرق الأوسط. ففي إطار من الآمال الحذرة، نقدم هنا ثلاث ملاحظات سلبية،
على نحو ما، حول المنطقة يعقبها نظرة على السياسة الأميركية.
حتى الآن، لم تقدم حركات المعارضة
بالمنطقة أجندة مقنعة ومتماسكة واستراتيجية للتغيير. وحقا كانت حركات المعارضة حتى
قبل اندلاع الثورة غير قادرة على مواجهة تحديات الحوكمة. ففي الخليج، دعا زعماء
المعارضة - تحديدا أنصار الديمقراطية - بحماس شديد إلى الحاجة إلى الديمقراطية في
المنطقة، قائلين إن الوقت قد حان لديمقراطية عربية إسلامية جديدة. حسنا، ولكن كيف
يبدو ذلك المزيج الفريد من الديمقراطية العربية؟ يدرك قادة المعارضة ما الذي لا
يرغبون فيه ولكنهم ليست لديهم فكرة حول كيفية تحقيق مطالبهم.
وينطبق الشيء نفسه على المشرق. ففي
لبنان، تقود نفس الشخصيات السياسية المعيبة والخاوية البلاد إلى المزيد من عدم
التواؤم والركود. ويلتزم الشباب اليوم بـ"دوغماطيقية" تلك الأجندات: حيث
يتنافس طلاب الجامعات بحماس في انتخابات المدارس على أمل تحقيق آيديولوجيات ميشال
عون وسمير جعجع ووليد جنبلاط ونبيه بري وغيرهم. فشباب لبنان اليوم يتبع نفس قادة
الأمس المضللين. وبالمثل في مصر، واليمن وغيرهما. إن التخلص من الطغاة أمر عظيم
حقا، ولكن ماذا بعد ذلك؟ يبدو أنه لا أحد يدرك ذلك فعلا بما في ذلك المعارضة،
فالديمقراطية، مصطلح يبدو طيبا حتى يأتي وقت تعريفه.
وربما يزعم منتقدو تلك الحجة أن الإخوان
المسلمين وحزب الله يمثلان استثناء للقاعدة، عندما يتعلق الأمر بخطط إدارة الحكم،
حيث تقدم كلتا الجماعتين مواقف متماسكة بشأن التعامل مع كثير من المشكلات الإدارية
التي تعرقل مصر ولبنان على التوالي. ولكن كيف يخططون لمواءمة أجندتهم الإسلامية مع
قطاعات كبيرة من شعوبهم، غير مهتمة أو معارضة بوضوح للحوكمة الإسلامية؟ فقد تزايد
تحرر اللبنانيين من بديل حزب الله لإدارة الحكم، كما سئموا التورط في نزاعات دولية
كنتيجة لنزوات حزب الله. فهل هذه هي الخطة المتماسكة للمستقبل؟
والنقطة الثانية هي أن حركات
المعارضة ليس لديها خطاب متماسك وبعيد المدى لأنها لا تتكون من مجموعات متشابهة
وموحدة. ومرة أخرى، يلقي النموذج اللبناني بعض الضوء على ذلك ربما لأن أول تلك
المظاهرات القوية التي تتسم بالزخم كانت تلك التي أدت إلى إنهاء الاحتلال السوري.
الموارنة، السنة، الدروز، الأرثوذوكس اليونانيون، بل وحتى الشيعة خرجوا إلى
الشوارع احتجاجا على الاحتلال السوري. ثم انتهى الاحتلال الذي بدأ في 1976 بسلام،
بل وربما بمعجزة. ثم عانى اللبنانيون من سنوات من الجمود السياسي والعديد من
النزاعات المسلحة وأعداد لا تحصى من الوفيات. ثم انتهى تحالف المعارضة الذي أنهى
الاحتلال السوري وتبخرت حرية اللبنانيين التي تم اكتسابها بصعوبة بنفس السرعة التي
تحققت بها. وربما يقول النقاد إن لبنان حالة خاصة: وهي بالفعل كذلك ولكن ليس من
الصعب أن ترى نفس الصدوع وهي تتشكل الآن في مصر.
وعلى الرغم من أن المصريين لا يواجهون
نفس الصراع الإثني الذي شهدته لبنان فإن مقالا لوليام واغنر ودانييل نكبخت تم نشره
في «الهافنغتون بوست» يوضح الصعوبات التي تواجه مستقبل حركة المعارضة في مصر. فسوف
يكون على حركات العمال موازنة مطالبهم ومطالب الشباب الذين عليهم بالضرورة أن
يوازنوا بين مطالبهم ومطالب الإخوان المسلمين الذين سيكون عليهم العمل على خلفية
تزايد خطورة الجيش.
وتتعامل النقطة الثالثة مع سياسات
وتوجهات الولايات المتحدة. فليس من المستغرب أن دبلوماسيي الولايات المتحدة
والمسؤولين بالاستخبارات قد تفاجأوا بتلك الثورات. فقد كانت رؤيتهم متأثرة
بشراكتهم مع نظرائهم من رجال المؤسسات القمعيين والمتحجرين. ولفترة طويلة، عسكرت
الولايات المتحدة علاقتها بالمنطقة حيث كانت تبادل الديمقراطية بالاستقرار. وهو،
كما اتضح، فصل زائف. فالولايات المتحدة لا يمكنها إلا عمل القليل الآن، كما يجب أن
لا يشعر الغرب بأنه يجب عليه المشاركة الفعالة في المنطقة. فهذه الثورات العربية
لا تتعلق بالغرب بل تتعلق بالمظالم المحلية المشروعة. ويجب أن تسمح الدول الغربية
للشعوب العربية بتحديد مستقبلها الخاص وأن تكون ذكية بما يكفي للبعد عن التورط
الشديد، حيث يتم النظر إليهم باعتبارهم راغبين في سرقة تلك الثورات الشعبية.
وبالفعل كانت السفيرة باربرا بودين، السفيرة الأميركية السابقة لليمن دائما ما
تدافع عن الحاجة لإعادة موازنة علاقة الولايات المتحدة الأميركية بالمنطقة بأسرها.
إذن كيف يمكن أن تتعامل الولايات
المتحدة مع ذلك؟ الخطوة الأولى هي إدراك أن الفصل بين المصالح والقيم أثبت أنه نمط
منقوص. وفي النهاية، فإن اتخاذ مواقف تتفق مع منظومة قيمهم سيكون بلا شك في مصلحة
الولايات المتحدة. وثانيا، سوف تحتاج الولايات المتحدة إلى تعزيز الدبلوماسية
كأداة للأمن القومي الأميركي. فلمدة طويلة كانت الدبلوماسية ينظر إليها كخيار
استراتيجي تال في الشرق الأوسط. على أية حال يجب على الولايات المتحدة أن تتعامل
مع تلك الثورات كدليل على أنها لا يمكنها الفصل بين الدبلوماسية والأمن، فهما
يعززان بعضهما البعض كما أنهما يتقاطعان.
وثالثا، ربما يساعد الدبلوماسيون
الأميركيون زعماء المعارضة على تحديد أجندتهم من خلال التواصل معهم بالعربية من
خلال وسائل الإعلام المحلية للمساعدة على تعزيز الجدل والحوار. وأخيرا، يجب أن تضع
الولايات المتحدة التعليم والتعليم المدني كأولويات سياسية وأن تعقد شراكات مع
وزارات التعليم ومنظمات المجتمع المدني والمدارس الإسلامية في المنطقة للمساعدة
على تأسيس حوكمة مسؤولة في المستقبل. ربما يكون التعليم هو ما يميّز الولايات
المتحدة، لذلك فقد حان الوقت لاستبدال الرصاص بالكتب.