وإنْ بدأتُ أخاف
منير باهي
2011-07-20 17:03:00
خطوةً
خطوةً نبتعدُ عن المدُنِ التي ألفْناها طويلاً، ونقتربُ أكثرَ من أرضٍ
جديدةٍ لا نعرفها. نترك خلفَنا كسلَنا وتردّدَنا وانكماشَنا، ونمضي
مندفعيْن في طريقٍ مفتوحةٍ على غموض. لمْ تسأليني من قبلُ ـ ولم أسألْ
نفسي ـ إن كنتُ أملكُ من الصّلابة ما يكفي كي أمضي معكِ إلى آخرِ هذه
الطريقِ ولا يخذلني القلبُ في المنتصف. لكنْ، دعيني الآن بعد كل هذه
المسافةِ التي التهمتْها خُطانا أن أتساءل: إلى أين يقودُنا هذا الخطوُ
الجريءُ الذي يرتدّ صداه في الأعماق ترتيلَ نايٍ ودقَّ طبول؟
طبعاً، ليس في تساؤلي أيّ استعدادٍ للتراجع. فبعد كلّ هذا الكبرياء
الذي أعلناه ضدّ الجميع، سيكون رجوعُنا جبناً، والتقاطُ الأنفاس استسلاما،
وأنتِ ـ كما عرفتُك ـ لا تستسلمين، وأنا ـ كما تعرفينني ـ لا أريدُ أن
أراني جباناً، وإنْ بدأتُ أخاف.
أنا خائفٌ من لحظةٍ فيها قد ترحلينَ إذا مني تعِبْتِ، ويشمتَ فيّ حينها
الأهلُ والأصدقاء. أو لحظةٍ نصرّ فيها على المشيِ إلى النهاية، ندوسُ
تحدّياً من يمنعوننا، ويكون حينَها هؤلاء الأهلُ والأصدقاءُ هم المانعون.
ليتنا نفكرُ كيف نحمي خطوَنا وينتصرَ حبُّنا دون أن يكون المنهزمون ممّن
نحب، أو كيف نربحُ معركتنا ضدّ أهلنا ولا نخسرهم. أهلي أنا يرفضون ـ
بالفطرةِ ـ أن أعشق امرأةً مثلك بلا ملامح، وأهلُكِ أنت ـ بالعقل ـ يرفضون
أن تحضني رجلا مثلي لا يستحقّك... هل هم مصيبون؟ نعم، أفكارهم مصيبةٌ
مصيبةٌ فعلا. انظري كيف انتفضُوا ضدّ لقائنا الأول يُحذّروننا، يخشون أن
تأكلَنا الوحوشُ في العراء إذا استفرَد بنا العراء، ويأمروننا حبّا فينا
بالتراجع. انظري إليهم وهم الذين تشاطرنا معهم الأحلامَ والألمَ زمناً كيف
يتبرّأون منا الآنَ وينشرونَ عنا الشائعات. هلْ توقّعنا أن يستمطرَ لقاؤنا
كلّ هذا العداء؟ من كان يتصورُ أن أصابعَنا وهي تتشابك في البدايةِ بحنانٍ
بالغٍ ستأخذُ في النهايةِ شكلَ القبضةِ التي تستفزّ كل القبائل التي تعشقُ
القتال؟
لا أريدُ أنْ أخذلكِ عزيزتي إذا ما عجزتُ عن السيرِ أبعد. ولا أريدكِ
أن تمضي وحدك بعيدةً عنّي إذا ما سقطتُ من الإعياء، أنا محتاجٌ إليكِ أكثر
من حاجتكِ إلي، فأنت قد تجدين رجلاً آخرَ في وطن آخرَ أكثرَ قوةً مني
ليستحقّك، لكني أنا، من أين لي بامرأة مثلَك لا تزور المدنَ المتثائبةَ
إلا مرةً واحدة في العمر؟ لذا، أرجوك حبيبتي، تحمّلي قلقي وسؤالي وهواجسي،
وتفهمّي خوفي حينَ ترينَ الرّعب يستنفرُ عساكره في داخلي كي يمنعَ مشاعري
من التقدّم معك أكثر، انظري إليه وهو يشحذُ سيوفَه في مفترقات الحواسّ
يُطلقُ أتباعَه في روحي يطلبونَ روحي كي أتراجع.
عزيزتي، لستُ أدري يقيناً إن كان هذا الذي بيننا قدراً أم اختياراً أم
اختباراً، لكنْ أدري حدْساً أن حبّنا صعقةٌ نادرةٌ لا تلمعُ في تاريخِ
العشقِ إلا مرةً واحدة، ولا تمنحُنا ـ إن لمعتْ ـ خياراتٍ كثيرة؛ إما أن
نشتعلَ ونتشكّلَ منها ثانيةً أو بها نحترق ونعود إلى رمادِنا الأول.