كان البعض قديما يقومون بتأليف أبيات شعر تبدو للمستمع مدحا وثناء ولكنّها
تخفي هجاء وذمّا وذلك بأن تُقرأ بطريقة معكوسة كهذه الأبيات:
باهي المراحم لابس *** كرما، قديرٌ، مسنِدُ
بـــــــاب لكلّ مؤمّل ***غُنمٌ، لعمــرك مُرفِدُ
ولكن إذا قرأنا الحروف من اليسار إلى اليمين تصبح:
دنِسٌ، مَريدٌ، قامرٌ *** كسَب المحارم، لا يُهابْ
دفِرٌ، مِكرٌّ، مُعْلــم *** نَغِل، مؤمّل كلّ بــــــابْ
وهذا المثال ينطبق تماما على السيرة النبويّة، فقد قدّموا لنا النبيّ
مريضا نفسيّا وسفّاحا وزير نساء، بقيم عصرنا، وهذا أرهق الذين جاؤوا بعد
مرحلة التدوين الأولى في محاولة التبرير وردّ الشبهات وإيجاد بضاعة جميلة
لوضعها في الواجهة، ونحن سنسرد في البداية ما يمكن أن يستخلصه القارئ
المعاصر من الروايات عن نزول الوحي ثمّ نتناولها بالنقد والتحليل.
جاء في تفسير مقاتل بن سليمان أنّ النبيّ، وقبل نزول الوحي، كان يذهب إلى
غار حراء هربا من قومه إذا تعرّض للأذى قائلا : (يا أيّها المدثّر، يعني
النبيّ (ص) وذلك أنّ كفّار مكّة آذوه، فانطلق إلى جبل حراء ليتوارى عنهم،
فبينما هو يمشي، إذ سمع مناديا يقول : يا محمّد، فنظر يمينا وشمالا وإلى
السماء فلم ير شيئا، ففزع وقال : لعلّ هذا شيطان يدعوني…)(1) وقول مقاتل:
(وذلك أنّ كفّار مكّة آذوه، فانطلق إلى جبل حراء ليتوارى عنهم) هو أمر
يجلب الانتباه، فلماذا قامت قريش بإيذائه قبل النبوّة؟ يمكننا الطعن في
مقاتل بن سليمان حيث تمّ تضعيفه، لكنّ الرواية تأتي من طريق آخر ويرويها
سليمان بن طرخان(2) وهو ثقة، ويقول: (… فبينما هو ذات يوم في غار حراء،
وكان يفرّ إليه من قومه، إذ نزل عليه جبريل، فدنا منه، فخافه رسول الله
مخافة شديدة…)(3) إلى آخر الرواية، فهو يقول: (كان يفرّ إليه من قومه)
وهذا "الفلاش" يتماهى مع قول القرآن: (وإذا رأوك إن يتّخذونك إلاّ هزؤا،
أهذا الذي بعث الله رسولا) (الفرقان، 41) فقولهم (أهذا الذي) يدلّ على
معرفتهم بشأنه من قبل، واستنقاصهم إيّاه واستهزائهم به، ولا نعتقد أنّ
استهزاءهم نابع من كونه يتيما أو فقيرا، بل نكاد نجزم، حسب السيرة طبعا،
أنّ السبب هو "الرؤى" التي كانت تعتريه قبل المبعث، ممّا دفعهم إلى إطلاق
صفة "المجنون" عليه (ويقولون أئنّا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون) (الصافات،
37) معتقدين أنّ به شيطانا ولذلك كان يتعرّض أحيانا إلى الإيذاء فيهرب إلى
غار حراء، ونفهم أيضا من هذه الناحية الصدّ الذي وجده في الطائف في بداية
دعوته حيث روى موسى بن عقبة عن الزهريّ أنّ النبيّ ذهب إلى ثقيف بالطائف
طالبا نصرتهم فوجد ثلاثة نفر من سادتهم : (فقال أحدهم : أنا أسرق أستار
الكعبة إن كان الله بعثك قطّ، وقال الآخر : أعجز على الله أن يرسل غيرك؟
(عند ابن إسحاق : أما وجد الله أحدا يرسله غيرك؟)(4) وقال الثالث : والله
لا أكلّمك بعد مجلسك هذاـ والله لئن كنت رسول الله لأنت أعظم شرفا وحقّا
من أن أكلّمك، ولئن كنت تكذب على الله، لأنت أشرّ من أن أكلّمك…)(5) ويروي
البخاري : (اشتكى رسول الله (ص) فلم يقم ليلتين أو ثلاثا، فجاءت امرأة
فقالت : يا محمّد إنّي لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قرِبَك منذ
ليلتين أو ثلاثا…)(6) فالبعض يرى أنّ الوحي الذي بدأ في النزول على النبيّ
هو من ضمن تهيّؤاته القديمة ومن عمل شيطانه، وقد روى الحلبي عن ابن إسحاق،
أنّ النبيّ (كان يُرقى من العين وهو بمكّة قبل أن ينزل عليه القرآن، فلمّا
نزل عليه القرآن أصابه نحو ما كان يصيبه قبل ذلك، [يقول الحلبي:] هذا يدلّ
على أنّ (ص) كان يصيبه قبل نزول القرآن ما يشبه الإغماء بعد حصول الرعدة
وتغميض عينيه وتربّد وجهه ويغطّ كغطيط البكر)(7) وقد لازمت النبيّ هذه
الحالة بعد الهجرة وكانوا يلقون عليه رداء أحيانا، حيث أخرج البخاري أنّ
رجلا جاء يسأل في مسألة : (… قال عمر: تعال، أيسرّك أن تنظر إلى النبيّ
(ص) وقد أنزل الله عليه الوحي؟ قلت : نعم. فرفع طرف الثوب، فنظرت إليه له
غطيط، وأحسبه قال : كغطيط البكر…)(8) وقد كان للنبيّ رؤى قبل النبوّة فجاء
في صحيح مسلم أنّ النبيّ قال: (إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلِّم علي قبل
أن أبعث، إني لأعرفه الآن).(9) وأحيانا يسمع أصواتا مجهولة تناديه فيروي
ابن كثير نقلا عن البيهقي وأبي نعيم في دلائل النبوّة : (إنّي إذا خلوت
وحدي سمعت نداء خلفي : يا محمّد يا محمّد فأنطلق هارباً في الأرض).(10)
وحينما انقطع الوحي لفترة، حاول النبيّ الانتحار أكثر من مرّة، حيث يروي
البخاري: (وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي - فيما بلغنا - حزناً غدا منه
مراراً حتى يتردى من رؤوس شواهق الجبال فكلّما أوفى بذروة جبل لكي يلقي
نفسه منه تبدى له جبريل فقال يا محمد إنك رسول الله حقاً فيسكن لذلك جأشه
وتقرّ نفسه فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل
تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك.)(11) (انظرْ النقاش في الهامش)(12) وعند
ابن اسحاق برواية يونس بن بكير أنّ النبيّ قال: (…قلت : إنّ الأبعد، يعني
نفسه، لشاعر أو مجنون، ثمّ قلت : لا تحدّث عنّي قريش بهذا أبدا، لأعمدنّ
إلى حالق من الجبل، فلأطرحنّ نفسي فلأستريحنّ…)(13)
وخلص سنة 2006 عالم النفس الإيراني عبّاس صدغيان(14)، بعد
دراسة جميع هذه الأعراض، إلى أنّ النبيّ يعاني من: (complex partial
seizure) وهي مرتبة من مراتب الصرع، وهذا التشخيص ليس جديدا فقد ذكره
تيوفانس ( توفّي سنة 818 م) قائلا: ( كانت تنتابه حالات صرع، وحينما علمت
زوجته بذلك أصابها الحزن فلا يكفي أنّها تزوّجت من فقير بل ومن مريض
بالصرع، (Epileptikos ) فطمأنها [محمّد] بأنّه رأى جبريل وأنّه سقط مغشيّا
عليه حيث لم يتحمّل حضور الملاك، فخرجت خديجة إلى صديق لها وهو راهب منفيّ
طُرد بسبب هرطقته، وروت له ما حدث، فأراد الراهب طمأنتها وقال لها: لقد
قال الحقيقة بشأن جبريل فهو الملاك الذي أُرسل إلى جميع الرسل، فقبلتْ
[خديجة] بتفسير الراهب وآمنت بمحمّد، وأخبرت صديقاتها بأنّ زوجها نبيّ،
وانتشر الخبر بين النساء حتّى وصل إلى مسامع الرجال، فكان أوّل من آمن به
منهم أبو بكر…)(15) والواضح أنّ تيوفان ينقل من مصدر عربيّ، وقد يذهب في
الاعتقاد أنّه يروي تقريبا الرواية المعروفة عن ذهاب خديجة إلى ابن عمّها
ورقة بن نوفل وسؤاله، وهذا خطأ، انظرْ الهامش(16) وقد تعرّض إلى حالة
الصرع، بعد أن ذكرها تيوفان، غير واحد في القرون الوسطى وخاصّة من الطرف
المعادي للإسلام، وفي عصرنا الحديث تباينت وجهات نظر المستشرقين بين من
ينفي هذه الحالة ومن يؤكّدها وآخرهم مكسيم رودنسون Maxime Rodinson الذي
اعتبرها عوارض كهانة لا إمارات نبوّة، وأنّه كان يصاب بأزمات عصبيّة ذات
طبيعة مرضيّة(17) بيد أنّ كلّ هذه التحليلات (مهما كان أصحابها، مؤيّدين
أو نافين، قدامى أو محدثين) قد ساقها أناس غير مختصّين في علم النفس
وأغلبهم مؤرّخون، ولا يمكن الركون علميّا إلى استنتاجاتهم، لكن الأمر
يختلف مع عبّاس صدغيان فهذا مجال اختصاصه.
والمشاهير الذين كانوا مصابين بمرض الصرع أو يُشتبه أنّهم كذلك
هم كثير، مثل سقراط والإسكندر المقدوني ويوليوس قيصر وموليير ونابليون
وديستوفسكي ونوبل وفان غوغ ولينين وغيرهم(18) وربّما بولس مؤسّس
المسيحيّة(19) وقد حاول محمّد أبو ليلة في كتابه (محمّد بين الحقيقة
والافتراء)(20) الردّ على دعوى الاضطراب النفسي في شخص النبيّ متناولا
استنتاجات "مكسيم رودنسون" بالنقد والتحليل، لكن حقل "أبو ليلة" مقارنة
الأديان ولا علاقة له بعلم النفس، ناهيك عن علم النفس العصبي
(Neuropsychology) وهو الحقل الذي يحتضن حالة النبيّ حسب "صدغيان"، وبغضّ
النظر عن الأخطاء التي وقع فيها "أبو ليلة" كذكر أحاديث لا تصحّ يظنّها
صحيحة وينسبها إلى النبيّ مثل : (اطلبوا العلم ولو في الصين) أو (اطلبوا
العلم من المهد إلى اللحد) وهي أمثلة على ما يبدو ذكرها الناس من قبل
فاشتهرتْ ولا توجد في كتب الحديث(21) قلت بغضّ النظر عن هذه الأخطاء
وغيرها، فأنّه لم يقارب بطريقة رصينة الثغرات التي وقع فيها خصمه.
تناول "مالك بن نبي" في كتابه "الظاهرة القرآنيّة" هذه
المسألة، وإن كان أحيانا يأخذ ما أوردته كتب التراث بتسليم ويحاول عقلنتها
وغنيّ عن الذكر أنّ الأرضيّة الإبستمولوجيّة مختلفة بين من يقول بالمرض
النفسيّ ومن يُرجع هذه الظواهر إلى الوحي الإلهيّ، فالأوّل يعتمد الطرح
الماديّ الموضوعيّ نافيا تماما أيّ وجود ميتافيزقيّ بينما الثاني يناقش
المسألة وربّما يعقلنها من وجهة نظر ميتافيزيقيّة لكن مع الاستفادة من
العلوم المادية، يقول مالك بن نبي: (لقد تعجّل بعض النقّاد حين ألمّوا
بهذه الدلائل النفسيّة فعدّوها أعراضا للتشنّج (22) هذا الرأي يشتمل خطأ
مزدوجا (…) فإذا نظرنا إلى حالة النبيّ وجدنا أنّ الوجه وحده هو الذي
يحتقن بينما يتمتّع الرجل بحالة عادية، وبحريّة عقليّة ملحوظة من الوجهة
النفسيّة، ليستخدم ذاكرته استخداما كاملا خلال الأزمة نفسها، على حين
يمّحي وعي المتشنّج وذاكرته خلال الأزمة، فالحالة بناء على هذه الملاحظات
ليست حالة مرض كالتشنّج)(23) ويضيف مالك بن نبي أنّ هذه الأعراض لا تظهر
إلاّ أثناء الوحي، لا في حالات أخرى ويسمّيها "لحظة الوحي الخاطفة" ثمّ
يخلص قائلا: (هذا التلازم الملحوظ بين ظاهرة نفسيّة في أساسها، وحالة
عضويّة معيّنة، هو الطابع الخارجيّ المميّز للوحي)(24) ويشير الكاتب إلى
أنّ الوحي في بداياته قد انقطع لفترة عن النبيّ رغم رغبته الشديدة في ذلك
ممّا جعله يشعر بالحزن فهذا دليل على (أنّ الوحي لا يصدر عن ذاته ولا
يوافيه طوع إرادته)(:.25) .
وقد ذهب روني مارشون René Marchand إلى أنّ النبيّ كان مصابا
بالشيزوفرينيا، من حيث رؤية كائنات لامرئيّة والحديث معها وسماع أصوات،
إلى آخره… ، ويشير إلى أنّ انقطاع الوحي في بداياته أو "الانقطاع المفاجئ
لسلسة الظواهر الغريبة" حالة معروفة في هذا المرض فيقول: (علماء النفس
يعرفون جيّدا "الهدآت" rémissions في الطور الذي يسمّى "الفورات
الهذيانيّة" bouffées délirantes للشيزوفرينيا، وهي هدآت تتناقص شيئا
فشيئا إلى أن يستقرّ الهذيان، وأحيانا يستقرّ في الشخص نهائيّا. لكن وفي
حالات كثيرة فإنّ الشخص(26) "يتأقلم اجتماعيّا" se sociabilise مندمجا مع
مرضه، بعد ثلاث أو خمس سنوات)(27) .
والأخبار التي أوردتها السيرة عن حالة النبيّ تبدو متناسقة
علميّا، وهو الأمر الذي بنى عليه "صدغيان" تحليله، وإن كنّا نتعامل مع
معلومات الإخباريّين بحذر فمن الممكن أن يخترعوا روايات تتحدّث عن سماع
النبيّ لأصوات ورؤيته أشياء لا يراها غيره كما جاء في حديث عائشة: (ترى ما
لانرى)(28) أو أن يشعر بالكرب أثناء الوحي ويتربّد وجهه(29) أو يغطّ كغطيط
البكر كما ذكرنا أعلاه من حديث البخاري، وغير ذلك من الظواهر التي يظنّون
أنّها من علامات النبوّة فيزيدون في تضخيمها وإعطائها أبعادا كثيرة، بينما
لا أساس لها في الواقع، أمّا حادثة محاولة الانتحار فهذا ما لا أرى داعيا
لاختلاقه، ولا تفيد النبوّة في شيء، ويرى روني مارشون أنّ هذا (دليل على
صحّتها وتأكيد أيضا على عدم نبذ جميع الأخبار التي روتها لنا السيرة).
كلّ هذه الطروحات تنطلق من التسليم بهذه الأخبار، فيستعملها
كلّ باحث حسب خلفيّته وربّما أهدافه، لكنّنا لا نسلّم بها، فقبل تشخيص
حالة النبيّ وتحليل نفسيّته علينا التأكّد أوّلا من صحّتها. لذلك فقد
درسنا هذه الروايات عن كيفيّة الوحي النازل على النبيّ والأعراض التي
تصيبه، وخلصنا إلى أنّها مرّت بمرحلتين، والمرحلة الأولى تبدأ من تاريخ
وفاة النبيّ المفترضة سنة 632 م/10 هجري، وتمتدّ حتّى (وربّما قبل) مشارف
مرحلة التدوين بعد حوالي قرن ونصف سنة 762م/140 هجري. وذلك بمقارنة روايات
غير المسلمين التي تعرّضت إلى هذه المسألة، وأوّل هؤلاء، منصور بن سرجون
التغلبي المعروف باسم يوحنّا الدمشقيّ (676م-749م /54 -127 هجري) فهو قد
كتب كتاباته ضدّ الإسلام قبل مرحلة تدوين السيرة، وكانت له معرفة جيّدة
بالإسلام حيث عمل موظّفا في الإدارة الماليّة في خلافة عبد الملك بن مروان
لمدّة خمس سنوات ثمّ ترك مهنته وترهّب وصار قسّيسا وكتب كتابا حول
الهرطقات بعنوان De Haeresibus خصّص فيه الفصل الأخير رقم مائة والذي
بعنوان "حول مذهب الإسماعيليّين" للردّ على الإسلام وذلك حوالي 735 م/ 113
هجري(30)
يقول يوحنّا الدمشقي في حواره مع المسلمين: ( …نحن نعارضهم قائلين: من
الذي يشهد بأنّ الله أنزل القرآن(31) عليه؟ وإذ يشعرون بالإحراج فإنّنا
نواصل قائلين: لقد تلقّى موسى الشريعة فوق جبل سيناء أمام عيون الشعب،
وتجلّى الله في الغمام والنار والدخان والعاصفة… فلماذا لم ينزّل الله
عليه [أي على محمّد] القرآن بحضوركم كما نزّل الشريعة على موسى بحضور جميع
الشعب (…) وذلك حتّى تكونوا متيقّنين تماما [من صدق محمّد] فيجيب
[المسلمون] : الله يفعل ما يشاء. فنجيبهم: نحن نعرف هذا ولكن كيف نزل
القرآن على نبيّكم؟ فيجيبون: لقد نزل القرآن عليه أثناء نومه. فنجيببهم
على هذه النكتة: بما أنّ القرآن نزل عليه أثناء نومه وبالتالي لم يكن
واعيا بالفعل الإلهيّ فيمكن أن نطبّق عليه المثل الشعبيّ (…) نقول لهم من
جديد: لقد شرّع لكم [محمّد] في قرآنكم ألاّ تفعلوا شيئا دون شهود وألاّ
تعقدوا صفقات دون حضور شهود، فكيف لم تقولوا له: ائتنا بشهود أنت أوّلا
تثبت بهم أنّك نبيّ وأنّك رسول من الله. (…) إنّ الذي أعطاكم القرآن [أي
محمّد] ليس له مطلقا أيّ حجّة [على نبوّته] وقد تلقّى القرآن في
المنام)(32) فيوحنّا الدمشقيّ ينقد الوحي النازل على محمّد بوصفه حدث دون
شهود، أي أثناء النوم، واعتبرها مجرّد أضغاث أحلام لا دليل عليها، ومن
العجيب أنّ المسلمين الذين يحاورهم لم يشيروا ولو عرضا إلى الحالات الأخرى
التي نزل بها الوحي حيث يمكنهم القول: (بلى لقد كنّا شاهدين على الوحي
وكان القرآن يتنزّل والنبيّ بيننا ونحن نشاهده) ولكن نراهم يصرّون على
موقفهم قائلين: الله يفعل ما يشاء.
ولو فرضنا أنّهم ذكروا حالات الوحي الأخرى لكن تجاهلها يوحنّا
الدمشقيّ ولم يذكرها فإنّ هذا بعيد حيث كان سيأخذها ويحوّلها ضدّهم أيضا
ويعتبرها هلوسات مجنون وهو ما فعله الذين بعده كما سيأتي، فيوحنّا الدمشقي
في تلك الفترة لا علم له ولا لمحاوريه من المسلمين إلاّ بأنّ الوحي ينزل
على النبيّ في المنام.
وإذ نقارن هذا النصّ بروايات السيرة فإنّه يجد مكانه في قول عائشة: (أوّل
ما بدئ به رسول الله (ص) من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم…) ويبدو أنّ
هذه المعلومة فقط، دون بقيّة الحديث، هي التي كانت منتشرة حينئذ وهو أنّ
الوحي كان ينزل في النوم أو حين يكون النبيّ في خلوة وحده في اتّصال مع
الله على غرار الأنبياء القدامى، ثمّ تطوّرت هذه الرواية الخام الأولى
وتمّت إضافة "بهارات" أخرى إليها من طرف الرواة، وهذه هي المرحلة الثانية
ونسمّيها مرحلة التدوين والتي امتدّت على مدى عشرات السنين وشهدت انفجارا
عجيبا في الاهتمام بالتأليف والكتابة في كلّ فرع كالسيرة والمغازي
والأنساب والفقه والحديث إلخ… أمّا من الجانب غير الإسلامي فقد برز
تيودورس أبو قرّة Théodore Abu Kurra (750-825م/128-203 هجري) وتيوفان (
توفّي سنة 818م/196 هجري) الذي ذكرنا نصّه أعلاه.
يقول تيودورس أبو قرّة: (إنّ محمّدا مسكون بالشيطان (…) وحتّى
لا يعتقد أحد أنّنا نتقوّل عليه بأنّه مسكون بالشيطان فلنقرأ إذن حديث
عائشة: "لقد سقط وبه ارتجاف وكرب شديد من الشيطان، فظنّ الحضور أنّ وحيا
جليلا ينزل عليه، ثمّ وبعد قليل استعاد أنفاسه فسألوه: بماذا نزل
الوحي؟)(33) وهذه الرواية التي ذكرها أبو قرّة بتصرّف منه، تحيل على حديث
عائشة في قصّة الإفك وهو حديث طويل والمقطع الذي اقتبسه هو التالي كما جاء
في صحيح البخاري: (…فوالله ما رام رسول الله (ص) مجلسه ولا خرج أحد من أهل
البيت حتّى أنزل عليه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتّى إنّه ليتحدّر
منه من العرق مثل الجمان وهو في يوم شات من ثقل القول الذي أنزل عليه،
قالت: فسرّي عن رسول الله (ص) وهو يضحك…)(34) وقد جاء هذا المشهد عن نزول
الوحي بألفاظ مختلفة في أحاديث أخرى، فعند ابن حاطب: (فشخص ببصره إلى
السقف) وعند الحاكم: (وكان إذا أتاه الوحي أخذه السبل) وعند ابن إسحاق:
(فسجّي بثوب ووضع تحت رأسه وسادة من أدم) وهذه الرواية الأخيرة على ما
يبدو هي التي نقلها أبو قرّة في قوله (سقط وبه ارتجاف وكرب شديد)، ففي هذه
الفترة (بداية القرن التاسع الميلادي، أواخر القرن الثاني الهجري) استقرّت
الروايات نسبيّا وأخذت سيرة النبيّ الشكل النهائيّ تقريبا.
وقد قارنّا بين الروايتين الإسلاميّة والأجنبيّة، لمعرفة
كيفيّة تطوّرهما، مع الإشارة إلى أنّنا لم نختر يوحنّا الدمشقي وأبا قرّة
اعتباطا بل لأنّهما كانا من أشدّ المعادين للإسلام وأوّل من سينقضّ على
العيوب إذا وجت، ولاحظنا أنّ الأخبار عن كيفيّة الوحي قد تطوّرت في فضاء
أدبيّ قصصيّ بعيد عن الحقائق التاريخيّة وذلك بدمج الروايات ببعضها بعضا
وزادوا عليها ووضعوها في صورتها النهائيّة.
ومن ضمن ما تطوّر أيضا صورة جبريل، ووُضعت لها الأحاديث الصحيحة فصار له
ستّمائة جناح(35) وأحيانا يأتي لابسا عمامة من استبرق، راكبا على
بغلة،(36) وقد يكون رأسه مليئا بالغبار بعد انتهاء المعركة(37) بل ويشبه
دحية الكلبي(38)، وأحيانا يأتي في صورة شيخ،(39) وغير ذلك من الأساطير
الشعبيّة.
يمكننا القول إنّ تطوّر الروايات حول نزول الوحي وكيفيّته لم
يحدث دون أن ينهل من الموروث الشعبيّ ومن الموروث الدينيّ السابق، وهذا
أمر طبيعيّ في المخيال الجماعيّ، حيث يروي ابن اسحاق كيفيّة بدء الوحي:
(…قال رسول الله (ص) فجاءني جبريل ، وأنا نائم، بنمط من ديباج فيه كتاب،
فقال اقرأ، قال: قلت: ما أقرأ؟ قال: فغتّني به حتّى ظننت أنّه الموت، ثمّ
أرسلني، فقال: اقرأ، قال: قلت: ماذا أقرأ؟ (…) فقال: اقرأ باسم ربّك الذي
خلق، خلق الإنسان من علق…)(40) فقوله: (اقرأ، قال: ما أقرأ؟) مقتبسة من
سفر إشعياء (40، 6) يتحدّث فيه عن رؤيا جاء فيها أنّ هاتفا يقول: اقرأ،
فيجيب الرجل ما أقرأ؟: (קול אמר קרא ואמר מה אקרא = قول امر قرا، وامر مه
اقرا؟) وقد تكون هذه القصّة حدثت للنبيّ فعلا ورأى في المنام هذا المشهد،
أو أنّها من اقتباسات الإخباريّين وقاموا بإسقاطها على النبيّ. وقد أخرج
البخاري وغيره أنّ النبيّ رأى جبريل في هيئة شخص عظيم: (بينما أنا أمشي
سمعت صوتا من السماء، فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على
كرسيّ بين السماء والأرض، ففرقت منه، فرجعت فقلت: زمّلوني زمّلوني،
فدثّروه)(41) وصورة الملاك عظيم الهيئة مقتبسة من مذهب Elcésaites (القرن
الثاني الميلادي) الذين يسمّيهم النديم في الفهرست: (المغتسلة)(42) وهو
مذهب يهو-مسيحي، وقد ادّعى مؤسّسه أنّه أوحي إليه بكتاب مقدّس من طرف
جبريل الذي كان يغطّي الأفق وطوله ستّة وتسعون ألف ميل، وعرضه ستّة عشر
ألف ميل، إلخ..(43) وقد تعلّم ماني في صغره هذا المذهب الذين كان يتّبعه
أبوه(44) فهذا المشهد(45) دخل إلى السيرة من جانب يهو-مسيحي فارسي أو من
جانب مانوي فارسيّ مُطعّم به، فكثير من جامعي الأحاديث هم من أصول
فارسيّة، فعبد الرزّاق صاحب المصنّف مولى فارسي، والبخاري حفيد مولى
فارسي، وابن إسحاق صاحب السيرة مولى فارسي إلخ، أو ولدوا في مناطق فارسيّة
كالنسائي وأبي داود وابن ماجة وغيرهم، كما أنّ المانويّة كانت موجودة في
مكّة وإذ أسلم هؤلاء فقد طعّموا الإسلام بخلفيّاتهم الدينيّة الأولى بغير
قصد، ويكفي أن تعلم أنّ المانويّة تحتوي على خمسة أركان: (الوصايا،
الصلاة، الزكاة، الصوم، الاعتراف بالخطايا)(46) والاعتراف بالخطايا
يقابلها الحجّ في الإسلام بوصفه أيضا يمحو الذنوب.
وبالنظر إلى خوف النبيّ من رؤية جبريل، وفي رواية أنّه سقط مغشيّا عليه،
فإنّ هذا يحيلنا على الآيات في سفر دانيال: (..وكان لمّا رأيت أنا دانيال
الرؤيا وطلبت تفسيرها، إذ بشخص في هيئة بشر رأيته واقفا أمامي، وسمعت صوت
إنسان ينادي من ناحية "أولاي" قائلا: يا جبريل فسّر الرؤيا لهذا الرجل،
فاقترب نحوي وحين دنا ارتعبت منه وسقطت على وجهي…) (دانيال 8، 15-17) وهذا
تماما ما حدث مع النبيّ فقد رأى رؤيا في النوم أنّ جبريل يقول له اقرأ،
ثمّ رآه عيانا وخاف منه.
أمّا انعزال النبيّ في غار حراء للتحنّث ونزول الوحي عليه، فهي اقتباس
فارسيّ أيضا من قصّة زرادشت الذي بدوره انعزل في الصحراء في غار هناك
للتحنّث ونزل عليه الوحي(47) وقد يكون مجرّد تشابه أحداث، بيد أنّنا إذا
نظرنا إلى رواية نزول الوحي بمختلف تفاصيلها توضّح لدينا أنّها مركّبة
بنكهة فارسيّة من ناحية وتنهل من التراث السابق من ناحية أخرى.
لا نرجّح أنّ النبيّ كانت تصيبه هذه الحالات المذكورة في السيرة ونرى
أنّها في الغالب من كلام القصّاص، والقرآن نفي الجنون والكهانة والشعر عن
محمّد دون أن يفصّل في المسألة، فتكفّل بهذه المهمّة الإخباريّون من بعد
وبأدقّ التفاصيل، وهم متفوّقون في هذا الأمر، تماما كأن نقوم اليوم بكتابة
سيرة شخص عاش قبل مائتي سنة باعتماد الروايات الشفويّة فقط وما بقي منها
في الذاكرة من جيل إلى جيل، فسنجمع أحداثا لا يُلتفت إليها في البحث
التاريخيّ، فماذا لو كان الرواة الذين نقصدهم من هواة القصّ والدراما،
فحتما سنؤلّف سيرة بأدقّ التفاصيل، فيكفي أن نعلم مثلا أنّ ابن إسحاق ذكر
أنّ عدد سرايا النبيّ ستّا وثلاثين، فجاء بعده الواقدي والذي منطقيّا هو
أبعد زمنيّا عن الأحداث فعدّها ثمانيا وأربعين وذكر التاريخ باليوم
والسنة، وزاد ابن الجوزي فقال ستّا وخمسين، وعند المسعودي ستّين، وختمها
الحاكم في الإكليل فقال تزيد على المائة.(48)
ومثل هذه القصص، عن الغزوات والمغامرات النسائيّة وأعراض الوحي
المرضيّة وغيرها، تطعن في العقيدة الإسلاميّة في باطنها وإن كان ظاهرها
غير ذلك، ولا يزال أهل النقل والسلف متشبّثين بها بل ويدافعون عنها بلا
عقل أو منطق، فتراهم يصرّون على صحّة الحديث الذي أورده البخاري والذي
أشار فيه إلى أنّ يهوديّا سحر النبيّ لمدّة من الزمن، ونحن إذ نعتبر السحر
شعوذة وخرافة فإنّنا حتّى لو وضعنا أنفسنا مكانهم لما استقام الأمر
منطقيّا لنا، فكيف يقع السحر على نبيّ والحال أنّ السحر من عمل الشيطان
والقرآن يقول: (إنّه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكّلون)
(النحل، 99) لكن بما أنّ الحديث أقرّه السلف فلا بدّ أن يتبعه الخلف،
ربّما لظنّهم أنّ الرواية وصلت من ثقات، وأنّ كلّ التشريعات في الإسلام قد
أتى بها النبيّ، مغمضين أعينهم عن مصانع الحديث الهائلة (كالزهري مثلا)
والتي كانت تحت طلب الاحتياجات الفقهيّة والتشريعيّة والسياسيّة لتلك
الفترة، وإذ تكاثر الإنتاج "الحديثيّ" وصارت الأمور فوضى فأرادوا تقنينها
بالأسانيد، فتمّ في الحال إنشاء مصانع الأسانيد، فلا مشكلة في ذلك فمن
سنسند إليهم الأحاديث التي نريدها كانوا قد ماتوا بما فيهم النبيّ ولا
يمكنهم الاعتراض، ثمّ نضعّف ونطعن ونشوّه سمعة من لا يعجبنا حديثه، بدعوى
أنّ فلانا قال عنه أنّه كذّاب، وقد لا يكون فلان قد قالها أصلا، وقد يكون
فلان هو الكذّاب، وصنعوا ماركة إسلاميّة مسجّلة، وهم إذ اجتهدوا وجعلوا
التشريعات توافق عصرهم، فاللوم على من يتبعون خطاهم اليوم حرفيّا، وهذا
خلق هوّة تتّسع يوما بعد يوم بين الإسلام والواقع المعاصر.
الهوامش: (إذا ذكرت مصدرا للمرّة الثانية فإنّي أضعه بين قوسين)
1- تفسير مقاتل بن سليمان، تحقيق أحمد فريد، دار الكتب العلميّة، بيروت، 2003، ج3، ص 413
2- جاء في ترجمته: (قال الربيع بن يحي عن سعيد: ما رأيت أحدا أصدق من
سليمان التيمي، وقال أبو بحر البكراوي عن شعبة: شكّ ابن عون وسليمان
التيمي يقين، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ثقة، (…) وقال ابن معين
والنسائي: ثقة، وقال العجلي: تابع ثقة فكان من خيار أهل البصرة، وقال ابن
سعد: كان ثقة كثير الحديث (…) وقال الثوري: حفّاظ البصرة ثلاثة، فذكره
فيهم، (…) وقال ابن حبّان في الثقات: كان من عبّاد أهل البصرة وصالحيهم
ثقة وإتقانا وحفظا وسنّة، قال يحي بن معين: كان يدلّس، (…) وقال يحي بن
سعيد: مرسلاته شبه لاشيء…) انظرْ: "ابن حجر، تهذيب التهذيب، دار الفكر
للطباعة والنشر، بيروت، 1984، ج 4، ص 177" والحديث الذي أوردناه هو حديث
مرسل فيبدو أنّ يحي بن سعيد انتبه إلى هذا الحديث فطعن في سليمان قائلا:
(مرسلاته شبه لا شيء)، فهم وإن كان يدّعون أنّهم ينظرون فقط إلى سيرة
الراوي وإتقانه بغضّ النظر عن المتن، فهذا غير صحيح بل يحكمون عليه من
أحاديثه ولنا في الواقدي خير مثال.
3- ابن كثير، البداية والنهاية، تحقيق عبد الله عبد المحسن التركي، هجر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1997، ج 4، ص 33-34
4- سيرة ابن هشام، تحقيق وضبط وشرح ابراهيم السقّا وآخران، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط2، 2004، ص 301
5- الذهبي، تاريخ الإسلام…، تحقيق عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، لبنان، 1986 ج2، ص 282-283
6- صحيح البخاري، رقم 4590، الطبعة المعتمدة: دار ابن كثير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2002
7- برهان الدين الحلبي، إنسان العيون في سيرة المأمون (السيرة الحلبية) المطبعة الأزهريّة، القاهرة، 1932، ج1، ص 287
8- (صحيح البخاري، رقم 1789)
9- صحيح مسلم، رقم 2277، الطبعة المعتمدة: تصحيح وترقيم وتبويب محمّد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، القاهرة، 1991
10- (ابن كثير، البداية والنهاية، ج4، ص 23-24)
11- (صحيح البخاري، رقم 6982)
12- حاول الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة تضعيف هذا الحديث. حيث أنّ
سند الرواية في البخاري هو الزهري عن عروة عن عائشة، وإذ جاء في الحديث
كيفيّة نزول الوحي في غار حراء، إلى آخره، فإنّه حين يتعرّض إلى محاولة
انتحار النبيّ في الفقرة الأخيرة من الحديث يقول الزهري: (وفتر الوحي فترة
حتى حزن النبي - فيما بلغنا - حزناً غدا منه مراراً حتى يتردى من رؤوس
شواهق الجبال، إلى آخره) فرأى الألباني أنّ قول الزهري (فيما بلغنا) هو
كلام بلا إسناد، فكأنّ الزهري ترك الإسناد الأوّل الذي بدأ به الحديث، فهو
إذن من بلاغات الزهريّ وليس على شرط البخاري، وهو حديث معضل مرسل. وهذا
الطرح الذي يطرحه الألباني دفاعا عن النبيّ هو طرح معقول بيد أنّه يتجاهل
قول الكرماني، رغم أنّه أورده، وهو: (قال الكرماني: هذا هو الظاهر ويحتمل
أن يكون بلغه بالإسناد المذكور) انتهى. قلتُ: بل الظاهر أنّه بلغه
بالإسناد المذكور. والمتثبّت في أحاديث الزهري يرى أنّه يضيف كلمة (فيما
بلغنا) أحيانا إذا كان الحديث غريبا، فكأنّه يقول (فيما بلغنا بهذا
الإسناد والله أعلم) ومثله الحديث الذي أخرجه عبد الرزاق في قصّة سالم
مولى أبي حذيفة حيث قال النبيّ لزوجة أبي حذيفة (أرضعيه خمس رضعات) فقطع
الزهري الحديث قبل هذه النقطة وقال: (فيما بلغنا والله أعلم) ثمّ ساق
بقيّة الرواية ومن المستحيل أن تكون بلاغا أو إدراجا منه لأنّها جواب عن
سؤال. فقوله (فيما بلغنا) لا يعني الإرسال إطلاقا وهو ما فهمه الحافظ
الذهبيّ فساق الحديث نفسه موصولا عن عروة عن عائشة وكذلك فهمه الحافظ ابن
كثير بل وفهمه البخاري نفسه وإلاّ لما أدرج الزيادة في صحيحه، بيد أنّه
وللأمانة يمكن أن تكون الزيادة من بلاغات الزهري، لكن لا يمكننا الجزم
والقطع في المسألة إطلاقا.
الأحد يوليو 19, 2015 10:47 am من طرف عمرون محمود