أجسادنا التي نجهل، نشاهدها في المرآة كأنها أجساد سوانا، كيف نفهم
سرديتها، نمعن التأمل في الأضلع لا كوظائف بيولوجيا بل كحضور مادي يخفي
سيرة المشاعر و الأحاسيس التي عشناها.
أجسادنا تلك، لا تنمو في
البراري بل داخل النص الاجتماعي المحكم القواعد، تعيش بانفصال عنا، تتروض
تنقص تختبئ وتهرب إلى الغرف السرية، فالشوارع عادة لا تزدحم بأجساد ذات
خصوصية، هي أجساد فحسب تتلاصق تتزاحم تتلامس كأدوات وظيفية حتى القلب ينبض
للاستمرار لا للشعور .
وأحيانا نتبادل الخداع نتواصل مع بعضنا البعض تواصلاً ميتافيزيقياً، دون التنبه لضرورة الحوار بين الأجساد.
أي اغتراب هذا، عزلة و هجرة و سفر و اتساع للمسافة بيننا بين أجسادنا ،
ربما هو خوف من تلك الخطيئة المجسدة في مادة، إذ ثمة من لا ينظر إلى جسده
خوفاً من نار الخطيئة و التي تودي إلى الجحيم ، و هنالك من يمضي حياته
منشغلاً بجسده خوفا من الفناء
إنه الخوف يحكم علاقتنا بأجسادنا، و يتركنا نراوح بين إهمالها و التهامها،
وهذا هو تحديداً تاريخ الجسد؛ حضور و غياب و في كلا طرفي الثنائية ثمة لذة
وألم وشهوة .
فجسد العاهرة و جسد الزاهد يتقاطعان بفلسفتهما و يختلفان بالسلوك، العاهرة
تشرب الحياة حتى الثمالة خوفا من الموت، والزاهد يهوى العطش في حياته، كي
يرتوي ما بعد الموت. إنها جدلية غريبة، إلا أن أجسادنا لا بد أن ترتوي
بطريقة ما ، ُتبعث لا بالمعنى الديني بل بفهم إبداعي يحررها من سذاجة
الصفات الغبية.