سلطة القانون، كرامة الحاخام
وضع
اعتقال الحاخام دوف ليئور للتحقيق معه هذا الأسبوع حاخامات الصهيونية
الدينية في حالة دفاع، بغض النظر عن سبب الاعتقال. فواقع استدعاء أحد كبار
الحاخامات الأكثر تأثيراً حالياً في الصهيونية الدينية، والذي ملأ الفراغ
الذي تركه الحاخامان أبراهام شابيرا ومردخاي إلياهو، للتحقيق معه، شكل
تجاوزاً للخط الأحمر لدى حاخامات كثر في هذا التيار، ولكنه كان لدى آخرين
واقعاً إلزامياً في ضوء سلوكيات الحاخام.
وتقريبا ليس هناك أمر يحدث
في كريات أربع لا يكون للحاخام ليئور ضلع فيه، أو لا ينال موافقته. وعشرات
ألوف الأتباع يرون فيه المفتي الأكبر حالياً في الصهيونية الدينية. وعند
اعتقاله واقتياده للتحقيق كأي شخص آخر، شعروا بالمهانة العميقة لكرامة
التوراة ومكانتها. وعندما عاد إليهم استقبل استقبال الملوك.
وفي العام
الأخير، منذ بدأت الوحدة القطرية للتحقيقات الدولية في الشرطة تحقيقاتها
ضد مؤلفي كتاب «توراة الملك»، الحاخامان ايتسيك شابيرا ويوسي أليتسور من
مستوطنة يتسهار، بشبهة التحريض، تم استدعاء الحاخام ليئور مراراً للمثول
أمام التحقيق بسبب موافقته المكتوبة على الكتاب. وقد رفض بشكل جارف
الاستجابة للاستدعاء، وأعلن أن التوراة لن تخضع للتحقيق.
فلماذا هناك
كل هذا القدر الكبير من المعارضة لمجرد التحقيق مع الحاخام ليئور؟ يشرح
عضو إدارة المدارس الدينية العسكرية (يشيفوت هسدير) ورئيس مدرسة «ناريا»
ويقول إن «مجرد استدعاء حاخام للتحقيق معه، لأنه أعطى موافقة على كتاب،
بصرف النظر عن تأييده أو عدمه لفحواه، فيها تجاوز للخط الأحمر. وعلاوة على
ذلك، فإن صورة اعتقال الحاخام ليئور تذكرنا بالدول الاستبدادية. فإذا كنتم
تؤمنون بالحاجة إلى أمر اعتقال، كان بالوسع الذهاب إلى بيته، وطرح أسئلة
عليه، لماذا يخطفون الحاخام وهو في الطريق؟ هذا يظهر قلة حول ويذكرنا
بأساليب أنظمة ظلامية».
ويزعم بني كتسوفر، وهو من مؤسسي غوش إيمونيم
وترأس سابقاً مجلس الساحرة الإقليمي وهو يرأس حالياً لجنة مستوطني
السامرة، أن «مجرد طلب التحقيق مع حاخام لتأديته الأمر الأساس الذي على
الحاخام تأديته، وهو التعامل مع قضايا شرعية وإصدار الفتاوى، أمر مرفوض».
ويذكر كتسوفر أن مؤلفي كتاب «توراة الملك» يؤيدون في كتابهم «إجراء الجار»
(أسلوب استخدمه الجيش الإسرائيلي لإجبار أبرياء على دخول مكان خطر قبلهم)
واستخدام الفلسطينيين كـ«درع بشري» لتقليص احتمالات تعرّض الجنود
الإسرائيليين للإصابة أثناء عمليات حربية أو هجومية في منطقة مأهولة. وكما
هو معلوم حظرت المحكمة العليا على الجيش استخدام «إجراء الجار» في هذه
العمليات.
وحسب كتسوفر، فإن «مجرد اعتقال الحاخام ليئور هي محاولة لردع
الحاخامات عن إصدار الفتاوى في مواضيع قررت المحكمة العليا فيها خلاف ذلك.
وعلى الورق، دولة إسرائيل دولة يهودية وديموقراطية، ولكن في الواقع هي
يهودية محدودة الضمان في أحسن الأحوال، وفي أسوأ الأحوال هي يهودية فقط
عندما تلائم القيم اليهودية القيم الديموقراطية».
«كل واحد يصير حاخاماً»
ومع
ذلك، هناك أصوات أخرى، أكثر مؤسساتية وكونية في التيار الديني، لا يرون
عيباً في تصرف الشرطة في هذه المسألة ويعتقدون تحديداً أن الحاخام ليئور
هو المخطئ في تصرفاته. ويقرر الجنرال (احتياط) أليعزر شتيرن، القائد
السابق لشعبة القوى البشرية في هيئة الأركان، «أنني لا أعرف إن كان ينبغي
استدعاء الحاخام ليئور للتحقيق أم لا، ولكن عند استدعائه، كان ينبغي عليه
أن يستجيب. ففي نهاية المطاف لدينا دولة تقرر الاستدعاء للتحقيق، وإذا لم
يمتثل المرء، ينبغي اعتقاله».
وحسب شتيرن، «فإنه ليست للجمهور الديني
القومي أية امتيازات. صحيح أنهم تعرّضوا لتمييز غير قليل، ولكن هذا لا
يعني أن بوسعهم فعل ما يشاؤون. وربما أن الأمر كان مفهوماً عندما كانت
الصهيونية الدينية أقلية مضطهدة، لكنها اليوم تتواجد في موقع محترم وهام
في المجتمع. وشاي نيتسان لا يتصرف بهذه الطريقة لأنه متديّن سابق، وإنما
لأنه صاحب وظيفة في النيابة العامة. إنه منا جميعاً، وهو لا يمثل طرفاً
آخر».
ويكفر شتيرن بالفرضية القائلة أن للحاخامات حقوقاً مختلفة في
ما يتعلق بالتحقيق. ويقول: «اليوم كل واحد يصير حاخاماً. هناك سهولة كبيرة
في تحول الناس إلى حاخامات. وأنا لا أقول إن الحاخام دوف ليئور هو أي شخص.
ولكن بالتأكيد ثمة تضخم في الحاخامات، هل كل من ينجح في دورة ذبح
الحيوانات حاخام؟ هل كل من يحظى بمصادقات لنيل علاوات من الجيش حاخام؟».
أما
العميد (احتياط) الدكتور يعقوب حسداي، المؤرخ والقانوني وحامل وسام
الشجاعة من حرب الأيام الستة، فيشير إلى القضية من زاوية مغايرة لرؤية
معظم الجمهور الذي ينتمي إليه. وهو يقول: «لو أردت إعطاء عنوان لقضية
الحاخام ليئور لقلت «الحماقة تعربد». وأنا أحاول فهم اعتبارات الطرفين
بهذا الشأن - ليئور من ناحية والنيابة والشرطة من الناحية الثانية - ولكني
لا أقدر على الفهم. من ناحية الحاخام ليئور، لا أفهم لماذا لم يمثل
للتحقيق. كان بوسعه المثول والإدلاء بموقفه علناً وبذلك يحترم الدولة
ومؤسساتها. لم أحظ بأي تفسير جدي لموقفه. وعدا ذلك، عندما يستدعون شخصاً
للتحقيق، فإن ذلك لا يشكل مخالفة. كان بوسع الحاخام ليئور أن يقنع الشرطة
بموقفه. لماذا لم يفعل ذلك؟».
وحمل حسداي على أنصار الحاخام ليئور
المتظاهرين. وقال «إنهم يقلقونني، لأنهم أناس عديمي كل تفكير مستقل،
وينبغي فهم أن الديموقراطية واليهودية هما مثل جارين في بيت مشترك، والبيت
هو دولة إسرائيل. وإذا أردت ضمان الجيرة الحسنة، ينبغي إظهار تفهم وأخذ
بالحسبان، وحذر وحكمة. وللبيت المشترك نظام داخلي يُسمّى «قانون»،
والقانون ليس فوق التوراة ولا فوق الديموقراطية، وإنما أداة عبرها نستطيع
العيش سوياً. والأمر هنا ليس إذا كانت التوراة فوق القانون أم تحته».
ومع
ذلك يعتقد حسداي أن الشرطة والنيابة العامة ليستا طاهرتي الكفّ في هذه
القضية. «الكل يعرف أن في التراث اليهودي الطويل الكثير من التعابير ضد
الأغيار. وواضح أن من يغرق ليله ونهاره في التراث اليهودي التاريخي
سيتعامل مع الأمر بطرق مختلفة. ماذا يفكرون؟ هل سنمحو مقاطع من التاناخ أو
التلمود أو المشناه؟ أنا لا أعرف عدد من كانوا سيقرأون «توراة الملك» لولا
النشر الواسع له جراء القضية».
«قرار يفاقم العداء»
ويرى حاخامات
آخرون، مثل آفي جيسر، حاخام مستوطنة عوفرا وعضو هيئة «تكنا»، أن قرار
استدعاء الحاخام ليئور للتحقيق حماقة. «فالشرطة والنيابة أخطأتا في
استدعاء الحاخام للتحقيق وفي الحاجة لاستدعاء الحاخامات للتحقيق. فالمادة
نشرت، والموافقات أعطيت، وليس هناك ما يحقق فيه. هناك فقط مسائل مبدئية
وهي: هل نشر رأي في الكتاب، ولو عمومي، يمكن أن يغدو مخالفة جنائية؟ هنا
كان الخطأ في معالجة الأمر من الناحية الجنائية. ليست هنا مخالفة تحريض.
هذا واضح. النيابة اقترفت خطأ جسيماً بطريقة تعاملها مع كتاب «توراة
الملك»، وإحدى النتائج هي تحويل كاتب الكتاب إلى بطل وقديس».
والحاخام
جيسر لا يعارض التحقيق مع حاخامات بتهمة التحريض، ويشدد: «إذا كانت هناك
حالات مبررة، فإن التحقيق مشروع، ولكن لا صلة لذلك بهذه القضية. فالقرار
بالتحقيق معه فقط يفاقم التوتر والعداء بين أقسام من الجمهور المتدين وبين
جهاز فرض القانون. لقد نشأ شرخ ووزارة العدل بـ«حكمتها» عمقت هذا الشرخ.
وبدلاً من وضوح أن التحقيق لا يستند إلى أساس ولا جدوى منه، كان يجدر
بالنيابة العامة والشرطة العثور على مسار أكثر حكمة تسير فيه. لقد اختاروا
السير في طريق التصادم وهذه هي النتيجة».
ويعتبر رئيس مجلس مستوطنة
أرييل رون نحمان أحد أبرز المنتقدين لجهاز فرض القانون. ونحمان علماني
يترأس مدينة معظم سكانها علمانيون أيضاً. وهو يصف قرار التحقيق مع الحاخام
ليئور بأنه «الخطيئة الأولى». وحسب كلامه، تبدأ الخطيئة الأولى بأن هناك
موظفي دولة - منهم رجال في النيابة العامة، ذوو أجندة سياسية. «والسكان
اليهود في يهودا والسامرة يشعرون بملاحقة الجهاز القضائي لدولة إسرائيل
لهم ويشعرون أن النيابة العامة، الشرطة وكذلك وسائل الإعلام يقومون
بالتعميم ويتعاملون مع الجميع على أنهم مخالفون».
«لماذا كان ينبغي لهم
استدعاء الحاخام ليئور للتحقيق؟ أنا علماني، ولا أعرف دقائق الأمور
الدينية ولن أدخل هنا إلى القضية التوراتية. ولكن بالإجمال، شعوري هو أنهم
سعوا لملاحقته. فعندما ينشرون بيانات مقاطعة وكراهية ضدنا ويلحقون الضرر
بحقوقنا الاقتصادية، لا أحد في النيابة العامة ينظر في الأمر. فجهاز فرض
القانون منقطع الصلة». ومع ذلك فإن نحمان يوافق على الزعم بأن من يتم
استدعاؤه للتحقيق يجب عليه المثول واحترام القانون، لكنه يستدرك «هذه هي
المرحلة الثانية، المرحلة الأولى هي الخطيئة، وهي القرار باستدعائه
للتحقيق».
«يريدون دق أسفين»
كذلك فإن الناطق بلسان المستوطنين في
مدينة الخليل، نوعم أرنون، يؤمن مثل نحمان بأن اعتقال الحاخام ليئور ليس
صدفة. «هناك أناس معينون لهم تأثير جوهري في النيابة العامة والسلطة، وهم
يحاولون خلق استفزازات. وليس صدفة أنه مرة تلو مرة تبرز قصص عنف أثناء
إخلاء موقع استيطاني. إن اعتقال الحاخام ليئور جزء من الميل نفسه، من
محاولة توسيع الشرخ داخل الجمهور الديني - القومي وكذلك بين الجمهور
اليميني في الدولة. وعندما يردّ نشطاء اليمين وينفذون أعمالاً انتقامية،
فإن ذلك يحدث شرخاً داخل الجمهور الديني ويغدو قسم من هذا الجمهور غير ذي
صلة. هناك من يحاول دق أسفين. من الأسهل تفكيك وحدة الجمهور اليميني من
أطرافه وليس من نواته».
وخلافاً لأرنون وللحاخام جيسر الذي رأى أن
الاعتقال يفاقم العداء، فإن بني كتسوفر يعتقد أن اعتقال الحاخام يعزز
ويوحّد التيارات المختلفة في المعسكر اليميني. وهو يدرك أنه لا توجد
حالياً جهة واحدة توحّد الجميع، كحال «غوش إيمونيم» في الماضي، ويعترف بأن
نشطاء اليمين الذين ذهبوا للتظاهر أمام المحكمة العليا لا يمثلون جمهور
المستوطنين الذي يفضل البقاء في البيوت. ومع ذلك يقدر أن التغيير مقبل.
ويقول
كتسوفر إن «الاعتقال كشف بشكل عميق تصرفات النيابة العامة، وسجلت
الديموقراطية فصلاً آخر في مراحل تفكك وفقدان ثقة الرأي العام
الإسرائيلي». بل أنه يعتقد أن معظم الجمهور في إسرائيل، بمن فيهم
العلمانيون، يفضل رؤية دولة إسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية وليس فقط
كدولة ديموقراطية.
يهودا شليزنغر وإفرات بروسار