حريّة بلون الورود
لهم الحرية والمستقبل.. (أ.ف.ب) |
علي السقا
28/06/2011
إلى م. د.
لا يَسَع الأحلام إلا أن تكون ورديّة. والحلم بالحريّة ملوّن بالورود.
ورودٌ حمراء. يشبه أحمرها الوجنات، وفي أوقات كثيرة أحمر الدم. هكذا هي
الحريّة. مثاليتها مقيمة في واقع مفرط. لا ترتفع الحرية إلاّ ببذل الدم.
وفي سوريا يبذل الدم. لا يهمّ إن كانوا، من يقدمون أنفسهم قرابين، قد
تثقفوا ديموقراطياً. فالديموقراطية فعل لاحق. صيغة لإدارة الاختلاف تجد
حتماً من يقدرون على بلورتها ثم العمل على تطويرها. الديموقراطية فعل
تراكمي، أمّا السعي وراء الحرية فيظل غريزياً. الحريّة أولاً، ثم لكل
ديموقراطية حديث.
في سوريا يبذل الفقراء الدم. هم أول من هدم حاجز الخوف. الفقراء أنفسهم من
يسكنون صورة نمطية لا بديل عنها هنا في لبنان، وربما في بعض الأوساط
الاجتماعية في سوريا. فلاحون بجوف فم شبه فارغ أو بأسنان صفراء في أحسن
الأحوال، ينتعلون أحذية ممزقة، يلبسون رثّ الثياب، ويتكدّسون فوق أسطح
عربات النقل الكبيرة التي تقلهم هرباً من شظف العيش، إلى لبنان.
لا بديل عن الفقراء. عماد الثورات ووقودها الذي يحترق. الثورات التي تأكل
أبناءها تأكل هؤلاء قبل سواهم. أسوأ الطبقات ما يسمى بالطبقة الوسطى. كأن
لدى أصحابها ميلاً يبدو تكوينياً إلى المهادنة. لا يعني هذا الاستسلام بأي
حال. لكنهم يهادنون في أوقات لا تنفع فيها المهادنة. هذا على الأقل ما
يفصح عنه مشهد تفاوت حجم حشود المتظاهرين بين المناطق السورية، و"حجم"
الشهداء أيضاً!
العلاقة المتذبذبة بين مهادنة من هم "فوق" وبين التعاطف الضمني مع من هم
"تحت" لا تكوّن موقفاً صريحاً، بل آخر ضبابياً على أبعد تقدير. فكيف إذا
تعلق الأمر باتخاذ موقف واضح من مسألة الحرية؟ ما يفعله هؤلاء اليوم فحسب،
أنهم يرتضون ما يقدمه النظام من "تنازلات".
أما نحن في لبنان فلم نحسن بعد استغلال "ما صنعه الله" بين البلدين. نعيش
في معظمنا ما نشأنا عليه منذ كنا تحت الوصاية السورية، حيث جرعات الحبّ
القسرية. كأننا فطرنا على كراهية السوريين؟ وكذلك الأمر لنظرية المؤامرة
التي أضحت في لاوعينا. ننظر بعين الريبة إلى كل ما يفعله المتظاهرون. بتنا
فاقدين للبوصلة التي تخولنا التمييز بين "الوطني" و"العميل". ثم أساساً من
هو المخول منّا بالحكم؟ وما هي صفته؟
إن الاستخدام المبتذل لأدوات الفترة السابقة في هذه العملية لا يني يقود
إلا إلى مراكمة المظالم التي لحقت بالشعبين. لا يعدم كل ما سبق أن للرئيس
السوري محبيه، وأن لأميركا مصالحها التي لن تتنازل عنها والتي لن تدّخر
فرصة لنيلها. لكن لا يمكن لوأد الحرية أن يضحي ثمناً لـ"الحرب" بين
الطرفين. أن يتحول المتظاهرون مجرد عناصر إرهابية متآمرة تعيث في البلاد
فساداً، رغم وجود عناصر إرهابية، وهي في أغلبها وللتذكير، ربيبة النظام
الذي استخدمها في حربه المقنعة ضد قوات الاحتلال الأميركي في العراق.
وإلاّ فإن الرواية المعاكسة تدل على مبلغ فشل الجهاز الأمني الذي يشيع عنه
قدرته على إحصاء الأنفاس، وهذه فضيحة!
وكذلك الأمر في إسباغ تهمة العمالة على المتظاهرين، بحيث يخيّل إليك أن
نظاماً يطمحون إليه يقوم مكان الموجود، سيهرع إلى عقد مصالحة مع إسرائيل،
وأن النظام الحالي بأركانه يمتلك وحده مقومات المواجهة، أو بعبارة أخرى
النظام وطني وداعم للمقاومة أما المتظاهرون فعملاء. هل هناك من تبخيس
لقدرتنا على التفكير السليم يفوق هذا التبخيس؟
ليس بالوسع والحال هذه، غير استعادة رحيق ما كتبه لبنانيون عاشوا سوريتهم
طواعية. سورية تختزن في ثناياها كل أشكال التواصل الإنساني. سورية تملك
القدرة على التعالي فوق أسن الحبّ بالإكراه. سورية لا تعرف معها إذا كان
نزار قباني لبنانياً أو فيروز سورية. سورية تعي ضرورة توفر الحريّة كمقوم
أساسي للنهضة ومن ثم المواجهة. سورية تشعر بها رغماً عنك. تلك التي رسمها
سمير قصير يوماً بقوله "ربيع العرب، حين يزهر في بيروت، إنما يعلن أوان
الورد في دمشق".