يكون
مسيئا للغاية إلى مصر الدولة والحكم والثورة أن يتصرف أحد وزرائها كبلطجي
لا يعبأ بقانون ولا بحكم ، على النحو الذي يتصرف به وزير الأوقاف عبد الله
الحسيني في قضية مسجد النور ، كما يكون مهينا للدين الذي ينتسب إليه ويزعم
أنه يشرف على مساجده أن يضلل الناس عن جوهر القضية بالقول بأن المساجد لله
فلا يجوز أن تكون موضع تنازع وشجار ، لأنها ملكية لله ، وهو كلام حق لكنه
خارج الموضوع تماما وفصلت المحكمة ذلك حتى يراه الأعمى ، فالوزير يعلم أن
الخلاف في موضوع مسجد النور لا يتعلق بالمسجد ، وإنما يتعلق بمنشآت أخرى
لا صلة لها بالصلاة ، وإنما منشآت خدمية كمستشفى ودار حضانة ومكتبة ودار
مناسبات وغير ذلك مما أثبتته المحكمة وعاينه خبراؤها ، وهو ما اضطر
المجاهد الكبير الشيخ حافظ سلامة أن يرفع جنحة مباشرة ضد الوزير مطالبا
بحبسه وعزله لامتناعه عن تنفيذ أحكام القضاء ، ومثلما نجح الحاج حافظ
سلامة في حبس يوسف بطرس غالي وزير المالية في قضية سيارات الجمرك الشهيرة
، وهو الذي فجرها وتابعها وقدم مستنداتها ، فإن المؤكد أن الأمر لو استمر
على هذه الحال سينتهي إلى حبس عبد الله الحسيني ، إن لم يكن بسبب الجنحة
المباشرة لامتناعه عن تنفيذ الأحكام ، فللقضية الأخرى التي رفعها الشيخ
حافظ والمتعلقة بنهب ملايين الجنيهات من عوائد تشغيل ملحقات مسجد النور
وهي الملايين التي اختفت من ميزانية وزارة الأوقاف .
وكانت المحكمة الإدارية العليا قد قالت في حيثيات حكمها الذي انتصر
للشيخ حافظ وجمعية الهداية أمام بلطجة وزير الأوقاف السابق محمود حمدي
زقزوق قد قالت ما نصه الحرفي (كان الثابت من تقرير الخبير المودع في الطعن
والذي تطمئن إليه المحكمة وتأخذ بنتيجته أن ملحقات مسجد النور مستقلة عن
المسجد وقد أقامتها جمعية الهداية الإسلامية وخصصتها لما تقوم عليه من
أغراض اجتماعية وأنشأت بها دار حضانة ومركز تدريب إسلامي وقاعة مؤتمرات
وترجمة فورية ودار ضيافة وصالة عقد قران ومدرسة تعليم بنات ومدرسة تعليم
بنين ومكتبة عامة ومستشفى تخصصي ودار مناسبات ، الأمر الذي ينحسر معه وصف
المسجدية عن هذه الملحقات لكونها غير مخصصة لأداء الصلاة وليست لازمة لها
، وقد تعلق حق الجمعية بها ، يكون في ضمها إلى وزارة الأوقاف بغير سند من
أحكام القانون تغول على حق جمعية تستمد أصل وجودها ونشأتها من نص المادة
55 من الدستور ، عدوان على الملكية الخاصة ومصادرة لها بالمخالفة لحكم كل
من المادة 34 من الدستور التي تنص على أن الملكية الخاصة مصونة ، والمادة
36 منها التي تحظر المصادرة العامة ، ولا تجيز المصادرة الخاصة إلا بحكم
قضائي) ، انتهى النقل عن الحكم الذي صدر في 3 فبراير 2001 ، والذي كشف دجل
وزارة الأوقاف وتزييفها للواقع وحسم القضية بشكل نهائي لصالح جمعية
الهداية برئاسة الشيخ حافظ سلامة .
ورغم هذا الوضوح ، فشل الحاج حافظ سلامة في تنفيذ الحكم ، لأن دولة
البلطجة في عصر مبارك هي التي كانت تسود وليس دولة القانون ، وتلاعبت
وزارة العدل في تنفيذ الحكم بل وخاصمت الشيخ حافظ سلامة في دعواه ، رغم
أنها ليست طرفا ، فلجأ الشيخ إلى المحكمة الإدارية مرة أخرى ، فلم تقض فقط
لصالحه وتلزم الحكومة والوزارة بالتنفيذ ، بل وعنفت الحكومة وجلدتها بأقوى
العبارات متهمة لها بإهدار القانون والعبث بالعدالة ، وقالت المحكمة في
حكمها الصادر في 25/7/2006 ، ما نصه الحرفي (إن مبدأ سيادة القانون من
المبادئ التي حرص الدستور المصري على ترسيخها وإعلاء شأنها وجعل من
استقلال القضاء واحترام أحكامه آية تحقيقه ، ولم يترك الدستور أمر تنفيذ
الأحكام لأداة تشريعية تدنوه ، فقرر أن الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل ذلك
جريمة جنائية لما يمثله هذا الامتناع من اعتداء صارخ على سيادة الشعب الذي
تصدر الأحكام باسمه والذي هو مصدر السلطات) ثم أضافت المحكمة قولها (ومن
حيث أن الجهة الإدارية الصادر في مواجهتها الحكم الذي هو عنوان الحقيقة هي
المنوط بها قانونا تنفيذه وإجراء مؤدى حجيته نزولا على مقتضاه وخضوعا
وامتثالا لهذه الحجية التي هي في أعلى مراتب المشروعية وعلى القمة ، وتعلو
على النظام العام باعتبار أن احترام تلك الحجية إحدى الدعائم التي تقوم
عليها الدولة القانونية ، والتي لا يمكن وصفها بذلك إلا بتوافرها في حقها
، ولذا فإن امتناع جهة الإدارة عن تنفيذ حكم قضائي هو إنكار للعدالة
واعتداء صارخ على الشرعية) انتهى النقل عن نص الحكم .
هذا الكلام الواضح وضوح الشمس ، لا يراه عبد الله الحسيني ، ويحتقر
أحكام تلك المحاكم ، وهو وزير مسؤول في حكومة يفترض أنها مستأمنة على
تحقيق الشرعية وتنفيذ القوانين ، ولكن الحسيني في الحقيقة هو ابن النظام
السابق ، نظام البلطجة ، والتلاعب بالقانون والاستهتار بالعدالة ، ولن
تشعر مصر والمصريون بانتصارهم في ثورتهم ، إلا بعد أن تتحقق لهم أول حكومة
برلمانية اختارها الشعب نفسه ، ولم يعينها أحد بدون تفويض من الشعب ،
وبالتالي يحاكمها الشعب نفسه ، وبعد ثلاثة أشهر ـ بإذن الله ـ ستمحو
"مكنسة" الديمقراطية كل هذه الوجوه الكئيبة التي "تبلطج" على الشعب
وإرادته وأحكامه وقوانينه ، ولكن بعض هذه الوجوه ـ مثل الحسيني ـ لن يقال
فقط ، بل سيشرف في أحد سجون القاهرة حتما ، تأديبا شعبيا له على ما أسمته
المحكمة نصا بأنه "جريمة" وأنه "إنكار للعدالة واعتداء صارخ على الشرعية)