قبل الجواب لابد من الحديث عن انطلاقتها ومبرراتها النبيلة، الموضوعية والمستقبلية.
فالمعروف لدى كل مكونات الحركة، من العاملين في نطاق الفضاء الشرعي أو
العاملين من منطلق المنازعة، أن الحركة لم تكن هي التي حررت الفضاء
العمومي ومجال الاحتجاح في بلادنا.
فهو فضاء لم يكن أبدا
محتكرا من طرف الدولة، منذ منتصف التسعينيات، كما أنه صار أكثر اتساعا
وانفتاحا بعد دخول المغرب إلى الألفية الثالثة.
كما أن
الاحتجاج والتعبير الاجتماعي، لم يكن أبدا وليد فبراير 2011، أو انطلاقا
من حادثة ما، فكل المكونات الاجتماعية عبرت عن هذه الموجات الغاضبة
والمطالبة بتحقيق غايات اجتماعية أو قطاعية أو حقوقية معينة..
لكن لا يمكن أن نقول إن موجة العمق الفبرايرية، إذا لم تكن انطلاقة
التاريخ، فهي أيضا لم تكن موتا للسياسة أو تراكما حصريا وبيانيا لما تم
قبلها.
فقد استطاعت الحركة فعلا أن ترفع إلى الواجهة مطالب دستورية وسياسية عالية السقف، بدون أن تدعو إلى إسقاط النظام أو ما يشبه ذلك.
واستطاعت الحركة في عنفوانها أن تحدد السقف الذي أقرته كل مكوناتها، ودفعت
الأطراف القصوى من هذه المكونات إلى التزام الدعوة إلى تغيير قوي من تحت
سقف وجود النظام.
ولم تكن استثناء وسط التدافع العربي
الموجود حاليا والحراك العربي الربيعي كما يسمى اليوم، لأنها على حد ما
قالته بياتريس هيبو، استطاعت إخراج مطالب معينة، كانت إلى حد الساعة
تتداول بهمس وسط الأوساط المحدودة والضيقة والنخبوية.
والحركة
وإن كانت لم تدنس الفضاء العمومي أو الشارع العام، فقد وسعت من قطر
الدائرة، بدخول فضاءات احتجاجية إلى الممارسة العامة والعلنية، كما هو
النقاش والاحتجاج في الإعلام العمومي والمؤسسات العمومية الراعية له.
هناك أيضا الجانب الاجتماعي الذي جمعت وركزت شعارته من الحگرة إلى العطالة
الاجتماعية وتكلس المصعد الاجتماعي، والفساد الذي ينخر المراكز المنتجة
للقرار الاقتصادي والسياسي والانتخابي ..الخ. والحكرة، أيضا، أبرزت أن
الطرق المتبعة في العلاج وصياغة القرار للرد على مختلف القضايا الصعبة
التي يعيشها المغرب، من صحة وتعليم ومشاركة فعلية، أن هذه المعالجة
المعتمدة على الاختيار التقنوقراطي والتسييس التدبيري للمجتمع المدني، قد
وصلت إلى حالتها القصوى وعطائها المفترض. وأن الأساس الذي اعتمدت عليه،
والقاضي بأن السياسة والسياسيين لا يستحقون الثقة والاحترام، وأنهم غير
قادرين على تقديم الأجوبة والإصلاحات، الأساس لم يعد قادرا اليوم على
الإقناع. وأن النتيجة كانت هي نزع الطابع السياسي عن القضايا السياسية أو
الطابع المؤسساتي عن السياسة عموما، ووضع السياسة في مواضع لا سياسية،
«فضاءات بدون بوليميك ولا صراعات» كما لو أن هناك حقدا على الديموقراطية
والمشاركة السياسية!!
وتكون من نتائجه دوما أن نفس الأشخاص ونفس الكيانات المترفة والمحظوظة تستولي على هذه الفضاءات..
إن الشباب، الذي يضم من بينه أعضاء من العدل والنهج ومن الشبيبة الاتحادية
والطليعة والاشتراكي الموحد، يأتي من آفاق متعددة، وهو لا يريد أن يعوض
الأحزاب، أو هذا هو الذي تم الاتفاق عليه (بالعودة إلى الندوة الصحفية
الأولى في مقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان)، بل يريد أن يكون له دور
ريادي في ممارسة السياسة، ولا أن يضع أوساطا تنظيمية وهيكلية للتفاوض ...
وهو بالتالي لا يضع نفسه في موقف إبداء الرأي من أجل التفاوض حوله أو
تثبيته.. ومازالت المطالب معبر عنها في أشكال مختلفة وتعبوية لا ترتبط
و«تتمفصل» بلغة المرجعيات الاجتماعية مع تفكير سياسي حول أنماط الحكم
المطلوبة.
كما أن التغيير الذي ننشده جميعا بطريقة
سلمية، لا يتعلق بمؤسسة واحدة ووحيدة، مهما كانت مركزيتها، ومهما كان
إصلاحها وصلاحياتها ستؤثر على الباقي، بل لابد من أخذ العبرة مما سبق في
تاريخ المغرب، ومن تاريخ الاقتراعات، والتي بينت أن التقطيع الانتخابي
و«حصار» الأغلبيات المفترضة، وما يتعلق بالقانون الانتخابي ونزاهة
المشرفين على الاقتراعات كلها في الإدارة والقضاء، كلها أوراش للعمل
والتطبيق العملي للربيع المغربي..
وستخطىء الحركة إذا
ما اعتبرت أن النص وحده يصنع الربيع، أو أن القانون مهما كان جوهريا
يعفينا من الحراك التاريخي ومخاض العملية برمتها، لأن الديموقراطية في كل
تجارب الدول هي مسلسل طويل يفضي إلى نتيجة، وليس نتيجة تطلق مسلسلا!
شباب الحركة، الذي أبدى نضجا في تحليل أوضاع بلاده وعبأ نفسه بعيدا عن
الكليشيهات التي عمرت طويلا وعن «التقاليد» التي دامت طويلا.. مطالبون بأن
يستخلصوا من ذلك الدرس الذي يفرض نفسه في تقوية مسارات الإصلاح، والتحرر..
من أجل المستقبل وليس من أجل الماضي.
علينا أن نقر بأن
الحركة ليست أمام نظام جامد أو متجمد كما هو حال مصر مبارك أو تونس بنعلي
أو سوريا الأسد، بل إن مسارا معينا من الإصلاح كان قد بدأ، تحت المراقبة
الدولية والوطنية .. واليوم يجب الانتقال به إلى مستوى أعلى، جزء فيه
دستوري وآخر سياسي، والمسيرة مازالت أمامنا لكي تترسخ الثقافة
الديموقراطية ....، وفي هذا السياق لا يمكن للحركة أن تتلخص في تحالف
للرفض أو للرافضين فقط، لا سيما ضمن مشاريع غير متجانسة يمكنها أن تفقر
الحركة.