أكثر من أي يوم مضى أسأل كثيرا لماذا نكتب؟ وأسأل أيضا ما معنى الكتابة في حضرة الدم؟ لكن 6 آيار، عيد شهداء الصحافة أعادني إلى رشدي وتذكرت أن المشانق تنصب أيضا للإقلام. إذا، نزف الحبر أيضا يوصل لحضرة الدم.
عندما يتساوى الموت مع الحياة تصبح الثورة نتيجة حتمية. يتساوى الموت مع الحياة عندما يبقى المتاح أمامنا هو البقاء على قيد الحياة دون حقوق أو كرامة أو حق في تقرير المصير. عندما يصبح رجل الأمن مصدرا للخوف وقوس المحكمة هاوية يسقط فيها من لا سند له في النظام يحميه وعندما تستحيل فرصة العمل على الجدير لينالها صاحب الحظوة وعندما تعطى الحق بالحياة بقدر ما تهتف لأبدية المستبد فهذا يعني أن الموت أفضل من الحياة. الموتى يمارسون حقهم في الصمت وأيضا في التحليق في الكثير من أحلامنا. في حضرة المستبد ممنوع على الأحياء حتى الحق بالحلم.
عندما يتساوى الموت مع الحياة تكون الثورة. الثورة بالجسد والثورة بالقلم. شتان ما بين الخسارتين. الدم لا يقدر بثمن. الحبر متيسر ببعض القروش. في حضرة المستبد تعلمنا أيضا أن الحبر غالبا ما يختلط بدم كاتبه فتستحيل الخسارة واحدة.
عندما يتساوى الموت مع الحياة تكون الثورة. كل يكتب بطريقته. لا فرق، بين من يهتف فيسقط شهيدا لأجل أن يعطي لمن يحب فرصة الحياة بكرامة. أو من يبكي الشهادة بأمل أن يتيح الدم المسفوك مستقبلا لمن يولد من بين نقاطه. أو من يكتب بالحبر ليكون شاهدا في حضرة الدم يسجل لمن يآتي عظمة الثمن المدفوع لآجل الحرية. كثيرا ما تبقى الشهادة ليسقط القلم أيضا في حضرة الدم.
بالدم، بالدمع أو بالحبر لا فرق. تتغير الآدوات لكن الرسالة واحدة. تساوى الموت مع الحياة. نسير في مواكب الموت لتولد عند نهاية الدرب مواكب جديدة للحياة. المستبد يخاف كل آدوات الكتابة. يظن بقدرته على ابتلاع الدم لكن الآخير يغرقه ويظن أن إسكات الحناجر يمنع الصوت لكن صوت المظلوم يخرج من الصدر فيصيب المستبد بالصداع. ويظن أنه يكسر القلم لمنع الكتابة لكن الحبر يُكتب بالإرادة. الأقلام تشهد عليه وعلى عصاباته. يمكن أن يقتل الشاهد لكن الشهادة تبقى طويلا أكثر مما يتصور.
عندما يتساوى الموت مع الحياة تكون الثورة. وعندما تبدأ الثورة لا تنتهي كما يظن المستبد بالآلاف من الشهداء والمعتقلين. الثورة تبدأ لتنتهي برحيله. الثوار يهتفون للآبد. نعم للآبد رحيله وظلمه ورجال عصاباته.
الدم والدمع والحبر لكي تعود لنا الحياة ويبقى للموت أنه حق مكروه.