أحلامنا الشائكة
قطعنا شوطاً في الموت ومازال طريق الحلم بعيداً وأفق الوطن يحمل غبار المدرعات ، أبواق الغزاة توقظ الأطفال في أسِرَّتها وتخرس الكلاب عن نباحها، فالمشهد يصيب حيوانات الغابة بالرعب والرحيل عن مدينة تصحو وتنام دون مآذن ..لكن قرع الخفافيش وطلقاتهم النارية تخترق أعصاب المرضى والساهرين..بانتظار المزيد من الشهداء ..قرر الخليفة ابن الخليفة الحجاج ابن الحجاج أن رؤوساً كثيرة مازالت عصية في المدن المنتشرة فوق خارطة الوطن السوري، فأرسل القبعات السوداء الأشهر في حصاد الأرواح ..لجز رقاب العصاة الخارجين على بيت الطاعة الأسدي
صمتت صيحات العناد بفعل هول الزحف والعنف ، أمسك الشقيق بأعواد الكبريت معلناً أنه سيد النار وحارق روما السورية، إن تطلب العرش وصيانته حريقاً فلا راد لإرادة العرش وسادية الحجاج وأبنائه, تتناثر الصيحات وتتلاحق زخات الرصاص، في وقت أستل فيه لحظة نعاس مختلسة بحياء، أتوقف قبل سنين عند نيران شارون في صبرا، وحليفه ابليس في تل الزعتر، فأصاب برعدات متلاحقة من ألم لاينقطع فمازالت النعوش تُحمل على الأكتاف بصمت في الماضي، وبصرخات وجع وانتفاض في الحاضر...لكنها توقظ قيصر البرابرة من قيلولته، فيمد جسوراً من العساكر لتقطف أحلام صغارنا قبل أن تنضج..وتتقاطر من الخلف صيحات الثكالى بنادق من الكلام يسجل مواقفاً مشوبة بلغة كانت قبل أيام ممنوعة من التداول..محجوزة بين دفتي إضبارة حمراء تقبع في درج من أدراج الأقبية المختصة بالإبادات الجماعية لمن استخدم اللغة الساخرة في أراجيح اللإعلام وتناقض صوره الكاذبة..على شاشات مستشاري الأمن,
يستمر حبل الكذب مشدوداً ، ويناطح الكلام والاحتجاج صفعات الأخ وابن البلد والصديق..، جاءتني صور تعودت على لون الدم فيها..تعودت على رؤية اللاإنسانية تنطق فوق الأجساد المصفاة من ملامحها ..تعودت على الموت ..أراه مرسوماً على الشاشات وعلى الصفحات، في نومي ويقظتي..كل شيء ممكن..كل شيء معقول..كله واقعي لايكترث به ضمير إنساني..ولا تشير له صحيفة عربية إلا كخبر أو تعليق..لايجر من خلفه موقفاً يمكن أن نسميه حضارياً ..أو على الأقل إنسانياً ــ كي لانقول قومياً عربياً يخرج من عباءة مقاعد في حفلات النعيق والخطب ..بما لايفلح ولا يثمر..فيما سموها " جامعة عربية" تفرق أكثر مما تجمع..تباعد وتغرق في الاستبداد ودعم الشر وحقوله ومنابته والمساعدة في بقاء الأشواك في حلوق الصغار والرمد من ذباب يأكل عيون الفقراء..في أحزمة المدن المغبرة مسروقة الخبز والقلم من أكياس قماشية يحملها طفل محروم من العلم والتعليم، لايعبأ لمصيره " عمرو موسى" ويلحق بركبه سيد جديد ..لاينتمي لمن سموه " نبيل العربي"..فياحيف على اسم بعيد عن أفعال المسمى..حين يخرج من عباءة ثوار مصر ،يصنعه شبابها وينفخه رجالها..لكنه يقف في منتصف الطريق ويتابع مسيرة سابقه عمرو موسى في مواقف الخذلان، ومسايرة الرعب القادم والمقترف بأيدي جرذان الشبيحة، وجراد البلطجية في فرقة الأسد الرابعة ما تبثه من ويلات في أطراف الوطن السوري..فكيف توافق بين تخرجك من مدارس الثورة المصرية وتبرؤك من ثورة الشباب السوري؟!
كل ماتعودت عليه من مشاهد تلهب المشاعر وتحرق الدماء في شرايينها، تشعل الخرائط وتقفز فوق أسوار القدرة الإنسانية على التحمل وفوق كل التحصينات الفردية ، التي يحتمي فيها المرء من لوثة عقلية أو من هزة لايستطع خلاصاً من شباكها أو كابوسها المرعب..هي صورة واحدة تفقأ عين الإنسان أينما كان ..من مجاهل الأمازون وأفريقياً..إلى غابات أستراليا..من مشارق الأرض إلى مغاربها ..أتحدى أن يستطيع إنسان أن يتمالك نفسه أو أن يقوى على تحمل مشهد ...ما ارتكب بحق شاب معاق..معاق عقلياً ومسجل في خانات " ذوي الاحتياجات الخاصة".... ( مرشد راكان أبازيد)...، هذا الفتى ..الذي لم يسلم من رصاص جز الحجاج لأعناق لاتفرق بين معاق وسليم...ففاجأته مبتسماً لرصاصة قصدت أمعاءه...لكن الأقدار أرادت له أن يعيش...فتم انقاذه وتماثل للشفاء ..ترافقه عمته في مشفى درعا..والتي طلب الأمن إليها أن تغادر ذات مساء....فقد قارب على الخروج إلى البيت سليماً..فعادت ..لتأخذ بعض الاحتياجات ..ولتعود في اليوم التالي ..فلا تجد مرشد في سريره يبتسم لها ماداً ذراعيه كما هي العادة..!..فراحت تبحث عنه وتسأل...فجاءها الجواب حاسماً يحمل الرعب بين الحروف والخوف خلف الملامح المجيبة القاسية..." لقد اقتضت الضرورة العلاجية نقله إلى مشفى تشرين العسكري في دمشق"...عادت تجر ذيول الخيبة والانتظار..مثلها مثل كثيرات وكثيرين ممن فقدوا ابناً أو ودعوا جريحاً لايعرف مكانه أو معتقلاً يجهل مصيره...بعد أيام قليلة...سلمت جثة " مرشد راكان أبازيد" لأهله...علامات وسحجات إزرقاق هنا واحمرار هناك... علامات كي كهربائي ...علامات قيود في ساقيه ويديه...شرط طويل يمتد من أعلى صدره حتى أسفل بطنه...وطلق ناري في جنبه الأيمن...أحشاءه تخلو من الكليتين والكبد!!!
أين يمكنكم أن تجدوا مثالأ أكثر وحشية وسادية وجرماً مثل هذا؟ أين وكيف يمكن لضمائركم أن تقف صامتة أمام هذا الهول؟..إنه معاق..معاق ويعاقب...أي أنه لايستحق الحياة بنظر النظام البربري..أي أن كبده وكليتيه يمكنهما أن يمنحا لآخر من شبيحتهم..برأيهم أنه سليم العقل أكثر من مرشد....برأيهم أنه يستحق الحياة أكثر من مرشد.....برأيهم أنه طبيعي أكثر من مرشد!!!
من هو الطبيعي في هذا الخضم الأعمى الوحشي، في عقل هذا النظام ..الذي لايتورع عن كل الموبقات وكل الجرائم في سبيل أن يبقى..أناشد العالم أجمع...لأني فقدت الأمل بالعرب والعروبة وكل المذاهب...فقدت الأمل بقلوب البشر وعقولهم...أن ترى حقيقة مايجري على أرض سوريا..أن تقف بوجه هذا الزحف الطغياني المريض ...بالحقد والكراهية لشعبه ..أن تقف معنا كل منظمات الحرية والإنسان كي تدين هذا النظام البربري...وأن تقدمه لمحكمة لاهاي..أن نراه مخفور اليدين والقدمين بسلاسل تليق بجرائمه..كما رأينا البارحة المجرم الصربي ( ميلاديتش) يساق ليحاكم على ماارتكبه من جرائم بحق الشعب البوسني...وأعتقد أن قصة مرشد وحدها دون كل المقابر الجماعية المكتشفة في درعا وانخل وتلكلخ وحمص وبانياس.. وما لم يكتشف بعد يفي بغرض القتل دون وجدان لمن يحتاج كلمة وبسمة ..لمن يحتاج أن يعامل كإنسان فيعمل به تقطيعاً وتباع أعضاءه في سوق النخاسة الأسدية.