السجن هنا حيث نحن
بشرى ايجورك -
bouchra_ijork@yahoo.fr
سنة
حبسا نافذا في حق صحفي، لم يسرق ولم يخن ولم ينهب ولم يساوم، الحبس في حق
من كتب مقالا تحت عنوان «الملك الثائر»، من سهر لياليَ طويلة يحارب ضد
جبهات الفساد والرشوة والمحسوبية.. من لم يجف مداد قلمه دفاعا عن الوطن،
ضد الأعداء المرئيين والمختفين والأعداء الجيران والمرتزقة.. سنة حبسا
نافذا لرشيد بتهمة حمله سلاح القلم، فيما كل من وجه إليهم المجلس الأعلى
للحسابات أصابع الاتهام يصولون ويجولون، ولربما يشكرون الأقدار على أنهم
في بلاد تسجن الصحفيين وتدلل اللصوص والخونة.
إنها العدالة في زيها المغربي، خدمة للعهد الجديد وللتغيير وباقة شوك
ملغومة لكل المغاربة الأحرار الذين يحبون هذا الوطن ويسعون إلى خدمته
باستماتة وصدق وكبرياء.
لقد انتظرنا صباح الخميس أن تعلن المحكمة عن الإفراج عن رشيد، كنت من أشد
المتفائلين بأن الحكمة ستتغلب على التسرع، وبأن الرسالة وصلت لذلك لا داعي
إلى حبس رشيد والتضييق عليه وسلبه قلمه وحريته، لكن خيبتي كانت كبيرة
ومعها حسرة وألم وضيق لا يطاق شعر به كل الذين حضروا بنية طي هاته الصفحة
والتفرغ للتفكير في الدستور الجديد، لكن المضحك المبكي أن دستورا جديدا في
طور إعداده وصحفيا يسجن بمقتضى القانون الجنائي ويعامل معاملة المجرمين
والمفسدين وتجار المخدرات.
الوطن لا يتنكر لأبنائه البررة، الوطن لا ينسى ولا يراوغ ولا يخون ولا
يتنكر لأحبته، لذلك لا يمكن أن تمحى من ذاكرته مقالات رشيد المدافعة عن
الوحدة الترابية والوطنية، المدافعة عن المقدسات، عن القيم وعن تمغربيت
التي تشكل هوية كل المغاربة من سبتة إلى لكويرة.
لا يمكن أن يسجن الوطن من صرخ سنين طويلة ضد الفساد والظلم والجبروت
والاستغلال ونهب المال العام وأموال دافعي الضرائب، من وجه قلمه مدفعا صوب
أعداء وحدتنا الترابية من إسبان ومرتزقة وجزائريين.. من وحد الكثير من
المغاربة حول حب عمود ساخر جريء وعنيد، اسمه «شوف تشوف».
لست أدري كيف استطعتم أن تسجنوا رشيد وتضعوا الأصفاد حول معصميه، كيف
تجرأتم ومنعتموه من قلم وورقة يستأنس بهما داخل زنزانته الانفرادية، كيف
ترغبون في حبسه سنة كاملة، إلى أين تأخذون الوطن؟ إلى أين تسحبوننا؟
غضب كبير داخل المغرب وخارجه، جاليتنا المغربية محرجة جدا في بلدانها
المضيفة، فالسؤال المحرج الدامي: كيف لازلتم تسجنون الصحفيين بتهمة
الكلمة؟ يجعل صورة المغرب تهتز وتتأثر حتى لو جلبتم ألف شاكيرا..
فالصحفي لا يحاكم بمقتضيات القانون الجنائي، بل بقانون الصحافة ورشيد ليس
كاتبا مغمورا، بل صاحب أشهر عمود ومدير أكبر مؤسسة إعلامية، وبالتالي
فالمحاكمة جائرة ومستفزة ومؤذية ومخجلة ومسيئة إلى دعوات الإصلاح وآمال كل
المغاربة.
حتى لو سجنتمونا جميعا لن تـُسكتوا كلمة الحق، حتى لو جعلتمونا ضحية حب
وطن، سنظل نحبه ونقدسه ونشم رائحة ترابه ونعرض أجسادنا للأذى كي يظل
سليما، قويا، شامخا ومعافى..
السجن في الخارج يا رشيد، السجن هنا حيث نحن وليس حيث أنت..
فسجن الجسد أهون من سجن الروح.