سبينوزا فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1432
الموقع : العقل ولاشئ غير العقل تعاليق : لاشئ يفوق ما يلوكه العقل ، اذ بالعقل نرقى عن غرائزنا ونؤسس لانسانيتنا ..
من اقوالي تاريخ التسجيل : 18/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 5
| | جحيم الحياد | |
[b]في سجن صحراوي كان الشاعر حيدر الكعبي يفصح عن ولعه بقراءة العبقري الفذّ صاحب (الكوميديا الإلهية) دانتي ؛ ذلك الشاعر العملاق صاحب الكلمة الشهيرة المتدفقة إحساساً ومسؤولية: "إن قعر الجحيم محجوز للواقفين على الحياد وقت تكون القيم مهددة بالمخاطر". وكان الكعبي يبث بشراه، فرحاً، وهو يخبرني متعلماً من رسوخه اليومي، حكمة يقولها بروح معطاءة تليق (بشاعريته) كمهموم بقضية الشعر، وحامل أمين لوصايا فائقة الغاية. وطالما حَلُمَ- وتأملت معه - أن يصير إلى ترجمة طموحة لإعمال تتحفنا بمثل الكلمة الكبير الضاجة حدّ المعنى الأصيل بالفلسفة والشعر، كموقف إنساني يميّز بين مساند للسلطة وآخر يخشى مكاناً لتلك اللعنة (في القعر) فيسعى للخلاص منها. وبقيت إلى الآن، كلما أطالع في كتاب (الكوميديا الإلهية) * بترجمة لشاعر آخر(كاظم جهاد) وبجهد كبير، وأعجب لما أصادفه في كل مطالعة لجديد يبرهن جهلي في اليوم السالف. انظر إلى الوضع العراقي الحالي وكأنه يقول عنه:" كلما نظرت إلى ذلك الحشد وجراحه العجيبة، ثملت عيناي إلى هذا الحدّ، بحيث صارتا تهفوان إلى البكاء".. تذكرت دانتي قبل أيام وأنا أكتب مقالي الأخير، ساعة كنت في موقف وسط ، بين السلطة كحكومة، وبين الأضداد ممن يعارضوها.. مكاناً إنتبذته نقطة وسطاً، أحسست بلعنته، لأنه وكما يجوز وصفه بلغة شعبية عراقية:" مكان الحاجوز" والحاجوز يمكن تعريفه بشخص ساع في الخيرات لفك نزاع بين متخاصمين. لأكثرنا! (عراقياً) تجربة آلم في هذا المكان الوسط، حين يصبح (الحاجوز) بين مرميين؛ مرمى الضد وضدّه. أي في نقطة يعبر منها أو يساقط عليها ثقل المعركة. من ذاكرة أيام القتال المريرة- كجندي مكره على وجوده- أتذكّر نقطة هي الأقرب من مرمى (العدو) تسمى نقطة الاستطلاع؛ في هذا المكمن السري القريب من العدو تصبح أيضاً مرمى لقذائف القوات الصديقة في الخلف، لحظة لا يتمكن إستمكانها (الرصد المكاني) من ضمان سلامتك، لأنك في عموم حساباتهم ضمن الخسائر.هذا المكان بالطبع لا يشبه في وصف الحال مكاننا السابق (مكان الحاجوز)، فالغاية أخرى، والهدف الحيادي يدوسه بأطرافهم من يعبرون إلى نقطة الاستطلاع تلك، هم في الوصف والتعريف هنا كمحللين ومستطلعين يقولون آرائهم ويصنعون رأياً لمن يريد أن يستمكن ويرمي..لغاية (في نفس يعقوب) ندركها بحكمة من يرى خطواتهم المحسوبة بشكلّ معلّق بين الحياة والموت. و هم ليسوا مع الحياد، وممن وصفهم الإمام علي:"يتربصون الدوائر ويتوكفون الأخبار" ..أي يتبعون الأثر، ويقولون توقعاتهم منتظرين تحقّقها. الحاجوز معلق بين الحياة والموت هو الآخر، لكنه مؤجل الرأي أو له رأي بالهدنة كأسلم الأحوال، للنجاة بطرفين يرتضيان العقل. لا يتوقع إلا خيراً حتى يصطدم بالموحشات؛ وأقلها أثراُ النقد. في مقال سابق عنونته (نقود الحكومة) رأيت أن "بين النقود(الآراء) والنقود (الأموال)، مسافة ما بين حرية هذه الآراء، ورنين المعدن النفيس أو خشخشة الورق الثمين. النقود الأولى في أكثر الأحوال هي نتاج التعارض، أما النقود الثانية فتملكها السلطة صاحبة النفوذ، وبالطبع هذا المثال لا ينطبق على الدول المدنية راسخة الديموقراطية، بل على البلدان الديكتاتورية أو المتلبسة في حالتها،فالعلاقة بين الرأي وبين المال علاقة مراقبة من قبل الدولة المحصّنة بالقانون، والمُنظمة لأصول التعاملات والتداولات بقوانين واضحة ومعلنة، لا تحمل أي تأويل". وأنصتُّ عميقاً لسؤال محتمل:" ترى هل تلتقي النقودُ بالنقودِ، فالناقد رافض في الغالب، ولكن، هل كل رافض بزاهد، مثلما كل زاهد رافض بالضرورة؟..ربما للإجابة عن استفهام مثل هذا سيرشح لنا من تجربة التاريخ مئات الوجوه المشتراة وحكايات انتهت بآراء وضمائر مشتراة". ومررتُ بفضيحة "كوبونات النفط" في الحكاية المعلومة، لمجاميع أسموهم في السابق "أيتام صدام"، وكانت التسمية ظلماً ومغالطة، فاليتم لا يستحق أن يلتصق باسمه وصف لمجموعة مرتزقة إعتاشوا على مسلوب الأيتام والمعوزين أصلاً، من أموال فرّط بها "القائد" في مهدور بذخه الفادح.. والنموذج يتكرّر الآن وبصور شتى.. قلت إن هذا النموذج يتكرّر اليوم في المعلن الديكتاتوري العربي، مع خشية أن نكابده عراقياً، ف" في ميدان التجربة الجديدة ربما لا تتكرّر محنة الطغيان والهدر المالي الهائل السابقة، ولكن "ربما يحصل أكثر وأخطر وأشد منها، فالهدر والعبث المالي تحت شرعية الديموقراطية أشد فتكاً وأكثر وبالاً". وهي إشارة إلى إن فتك هذا العبث محتمل جهة ضمائر تشترى بمثل ما اشتريت به ذمم سابقة. كان المقال في صحيفة الصباح الرسمية الصادرة في بغداد، وهي فسحة هائلة أن تكون في النقطة المنتصف لتقول لمن في السلطة هذا حدّك، لكنك ستلقى نقوداً تثقل (رصيدك) من المعاناة حين تجد نفسك أبعد ما تكون عن الأنفس الصاغية، ولكنك ستحفل بأرواح صاغية تستطيع أن تناقشها حديثاً تُميّز نفسك فيه مع صرخة دانتي؛ أن لا تلزم حيادك الدافع بماضيك ومستقبلك إلى قعر الهواية. ليسمح لي القارئ الكريم بإعادة حسرة دانتي مجدّداً، وأنا أنظر إلى حشد يقتتلون في ساحة التحرير:" كلما نظرت إلى ذلك الحشد وجراحه العجيبة، ثملت عيناي إلى هذا الحدّ، بحيث صارَتا تهفوان إلى البكاء".. مثل هذا البكاء يغسل صورة تعيد لي وصفاً دقيقاً من فصول المرويات عن قوم موسى، وهم يتيهون حتى تأتيهم ريح (بما ظلموا) فيحملون سيوفهم على بعض، ويضربون بها، فيقتل بعضهم بعضاً دونما وعي بسبب. هل هو تيهنا الجديد، وأين موقعنا في تيه أكبر، وحرب تطوف فيها مسدسات كاتمة الصوت لتغدو أشمل رعباً من السيوف والخناجر؟[/b] | |
|