تابط شرا فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1314
الموقع : صعلوك يكره الاستبداد تاريخ التسجيل : 26/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3
| | كغيري من عشرات ملايين جاءت قرعة يانصيب حياتهم في العالم المسمى عربي أو إسلامي. كم راعني وهالني مدى التخلف لدى شعوبنا ( وبالتالي حكوماتنا )، فنحن نستورد كل أسباب الحياة ووسائلها من الدول المتقدمة، ونحن لا نشارك الأمم إنتاج ما يشير إلى أننا أمة متحضرة، شعوب | |
[b]كغيري من عشرات ملايين جاءت قرعة يانصيب حياتهم في العالم المسمى عربي أو إسلامي. كم راعني وهالني مدى التخلف لدى شعوبنا ( وبالتالي حكوماتنا )، فنحن نستورد كل أسباب الحياة ووسائلها من الدول المتقدمة، ونحن لا نشارك الأمم إنتاج ما يشير إلى أننا أمة متحضرة، شعوبنا لا تعترف بالوثيقة العالمية لحقوق الإنسان ولا يجري في بلادنا تداول سلمي للسلطة عبر صندوق الاقتراع. هذا الصندوق الذي مثل الحل التاريخي للصراع السلمي على السلطة. في بلادنا لا حرية تفكير ولا حرية تعبير.
كثيراً ما تساءلت، لماذا لا يوجد في البلاد العربية مراكز متطورة لعلاج السرطان والأمراض المستعصية التي تفتك بالإنسان ؟ لماذا نهدر ملايين الدولارات لبناء المسجد تلو المسجد ولا يتم بناء مركز أبحاث واحد تخصص له ميزانية مقنعة ؟ لماذا للدول المتقدمة وكالات فضاء وقدرة على إطلاق الأقمار الصناعية بينما نحن نشتغل في حفظ الموروث وتلقينه وتصرف لذلك المبالغ الطائلة ؟ ثمة دول ( الثماني ) تجاوزت مراحل تصدير المصنوعات إلى تصدير الصناعة ذاتها، فمثلاً بدلاً من تصدير النسيج يصدرون مصانع للنسيج، هذا خلاف أن العالم التكنولوجي قد قرر الانتقال إلى مرحلة ما بعد التكنولوجيا إلى النانو – تكنولوجيا التي تفتح آفاقا هائلة في الصناعة لا يمكن تخيلها.
يكتب جوتة المفكر والأديب الألماني المعروف " في أوقات العواصف الرعدية كان الناس جميعاً يهربون إلى كنيسة القرية ويلتصقون ببعضهم خوفاً عند سماعهم لصوت الرعد ". صوت الرعد بالنسبة لهم كان يمثل عقيدة دينية تطرح تصورها وتفسيرها لهذا الصوت الذي يعبر آنذاك عن غضب الإله من بني البشر ! فقط بعد اكتشاف الكهرباء ( 1801 م ) وقصة التفريغ الكهربي عند التقاء شحنتين مختلفتين عرف الناس كيف تحدث هذه الظاهرة الطبيعية التي حيرت الإنسان لآلاف السنين. عقيدة الخوف من الرعد انتهت بالاكتشاف العلمي للكهرباء. في القرآن ما زلنا نقرأ (هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال – سورة الرعد ) وهو استمرار بشكل أو بآخر لعقيدة الخوف من الظاهرة.
عجزت خلال سنوات حياتي عن تحقيق أحلامي بالنهوض والتقدم ومقاومة التخلف، فنسبة الأمية الهجائية في العالم العربي تبلغ 70 % بحسب إحصائيات الأمم المتحدة للأعوام 2003، 2005، 2007. أما الثلاثون بالمائة الباقية فهي مشغولة بإشاعات الإعجاز العلمي وفتاوى رضاع الكبير وفتاوى وطأ الزوجة الميتة ! لا يوجد تفكير عقلاني خلاق وصادق يصارح الناس بحقيقة ما آلت إليه أوضاعهم من بؤس وفقر وجهل ومرض، بل إن جميع المفكرين الذين حاولوا تنوير الناس تم قتلهم وحرق كتبهم أو تم تكفيرهم وتشويه سمعتهم استقواء بالعامة من الجهلاء، بمعنى آخر، أن المجتمع العربي عبارة عن مجتمع مسرطن يرفض النقد والتعديل ويرفض التغيير والتقدم، وبالتالي فقد إمكانية الاستفادة من العقول المفكرة فحدثت لدينا ظاهرة نزيف العقول التي آثرت العيش في المجتمعات الليبرالية المتقدمة بدلاً من الموت قهراً وذلاً في بلاد العربان.
في دولة العدو الصهيوني العنصرية يرصدون سنوياً حوالي عشرة مليار دولار للبحث العلمي وهو يوازي ما تنفقه الولايات الأمريكية الخمسين مجتمعة !! ( د. نبيل علي: الثقافة العربية وعصر المعلومات ). إن الصراع مع دولة الاحتلال هو صراع حضاري مفتوح على كل المجالات، فماذا حققنا في الطب والبذور المعدلة وراثياً وجراحة الليزر والفضاء والخلايا الجذعية ؟ ماذا حققنا في التنمية ونسبة شيوع الفقر ؟ في الواقع أننا فشلنا في كل شيء ولم ننجح بامتياز إلا في المحافظة على الموروث الديني وأوهام الإعجاز العلمي. نزار قباني كان قد أدرك بوضوح أن الموروث يخنق أي إمكانية للتقدم، فتراه يقول متمرداً ثائراً:
أفتح صندوق أبي أمزق الوصية أبيع في المزاد ما ورثت طربوشه التركي والمسابح العاجية والسماور العتيق وال شمسية أسحب سيفي غاضبا وأقطع الرؤوس والمفاصل المرخية وأهدم الشرق على أصحابه تكية تكية
هنا في غزة، يفضل معظم الناس ( إن لم تكن الغالبية الساحقة )، شراء المنتج الإسرائيلي رغم ارتفاع ثمنه قياساً بالمنتج المحلي ( إن وجد )، بدءا من قطع غيار السيارات مروراً بمنتجات الألبان والأطعمة والبلاستيك وليس انتهاء بأعلاف الدواجن، بل إن بعضاً من باعة الدقيق المتجولين تسمعهم ينادون بالميكرفون " إسرائيلي يا طحين " في تأكيد للناس على جودة المنتج !!
عجزت عن تحريض المجتمع وزيادة قدراته على تشخيص الداء، كما أنني على وشك التنازل عن معظم أحلامي برؤية مجتمع متقدم، فالمجتمع المتقدم لا يهبط علينا من السماء، بل هي مناهج الطلاب التي تراعي أنماط واتجاهات التفكير وتحرض العقل على النقد والإبداع والابتكار، وليس الحفظ والتلقين الذي يغتال إمكانيات تفاعل العقول مع المعلومات لنحصل على منتجات فكرية جديدة تعيد ترتيب الواقع بصورة أفضل. المجتمع المتقدم سيبدأ في التبلور إذا اعترفنا بحجم التخلف والفجوة المعرفية الهائلة التي تفصلنا عن الشعوب التي تقدمت وتركتنا نمجد أنفسنا وحضارتنا الكلامية الموهومة. في اليابان تساهم الدولة بنسبة 35 – 40 % من تكاليف التعليم بينما تساهم الأسرة بالباقي، فهل لدينا أسر تقوم بواجبها تجاه أبنائها وكم عددهم وكم حجم مساهمتهم ؟! ماذا لو كان الأب والأم أميون وهي الحالة الأكثر شيوعاً ؟! ماذا لو كان الفقر ينهش الناس لدرجة أن بعض التلاميذ لا يأخذ مصروفاً يومياً إلى المدرسة ؟!
يقتلنا الانفجار السكاني، ولا أمل للأزواج الشابة في الحصول على بيت يبلغ ثمنه عشرات الألوف من الدولارات مقارنة برواتب بالكاد تؤمن أساسيات الحياة الباهظة الثمن، وما زالت جيوش الأيتام والثكالى والأرامل والمعاقين تؤرق المجتمع في ظل انعدام الإحساس بالمأساة الإنسانية الفظيعة التي خلفها النزاع المسلح غير المتكافيء مع إسرائيل، دون ملاحظة حجم التفوق النوعي للأسلحة الإسرائيلية مقابل القذائف البدائية والعشوائية التي تمتلكها المقاومة. هل يعلم القاريء أن معظم حالات السرطان والأمراض المستعصية ما زالت تحول من غزة إلى العدوة إسرائيل، بينما نحن مشغولون جداً بتلقين الموروث للحفاظ عليه بأي ثمن ؟!
جميع محاولات التنوير فشلت، ومن الطبيعي أن تفشل، إذ كيف يقدر للتنوير أن ينجح وأن نصل إلى نتيجة مهمة توصلت لها الشعوب المتقدمة من قبل، وهي ضرورة عزل الدين عن السياسة وعن الدولة التي يجب أن تبنى على دستور علماني ديمقراطي يضمن فصل السلطات والتداول السلمي للسلطة كما يضمن حريات أساسية مثل حرية التفكير وحرية التعبير. حتى الإسلاميين في تركيا حافظوا على علمانية الدولة لأنهم أدركوا أن الدولة الدينية تنتهك جميع الحريات الفردية والعامة وأنه لا تقدم دون حرية، تلك المفردة التي تعلو في هتاف المتظاهرين من طنجة إلى المنامة، ويظل السؤال نازفاً: متى نعترف بالتخلف وأسبابه الحقيقية ؟!
[/b] | |
|