أعظم نعمة وهبها الله سبحانه وتعالى للإنسان هي نعمة العقل، فلولا العقل لما كان بين الإنسان وباقي المخلوقات الأخرى أي فرق. ولأنّ الإنسان بأكمله يكمن في عقله، فقد رفع الخالق سبحانه وتعالى قلم الحساب عن النائم حتى يصحو، وعن الطفل حتى يصير راشدا، وعن المجنون حتى يتعافى من جنونه ويستردّ عقله. واليوم، ونحن نتابع ما يجري بين مصر والجزائر، بسبب مباراة في كرة القدم، يستحق العرب أيضا، أن يُرفع عنهم القلم، لأنهم لا يتمتعون بعقول ناضجة، وينطبق عليهم ما ينطبق على المجانين أو الأطفال الصغار في أحسن الأحوال!
2)
فلو كانت عقول العرب ناضجة، لانتهت مباراة المنتخبين الجزائري والمصري دون أن تجعل من الأمة العربية جمعاء أضحوكة أمام أعين باقي شعوب العالم جمعاء. وتؤكد أن العرب الذين كانت الأمم تضحك عليهم في القرن العاشر الميلادي بسبب جهلهم، كما قال الشاعر أبو الطيب المتنبي لا تزال "جهالتهم" في تنام مستمر، هذا إذا لم تزْددْ حدتها، ونحن في بداية القرن الواحد والعشرين! ولسوء حظ العرب أن المهزلة العربية التي أعقبت مباراة "أمّ درمان"، جاءت قبيل مباراة كروية أخرى أكثر قوة وأكثر أهمية، بين المنتخبين الفرنسي والايرلندي، انتهت بفوز فرنسا وتأهلها بهدف أثبتت الكاميرات التي نقلت المباراة على شاشات التلـﭭزيون بدون أدنى شك أنه هدف غير مشروع، بعدما حصر اللاعب الفرنسي تييري هنري الكرة بيده اليسرى قبل أن يمرّرها إلى زميله ويليام ﮔـالاس الذي أودعها في مرمى الحارس الايرلندي، ومع ذلك لم تحدث أي أزمة بين فرنسا وأيرلندا، لأن الايرلنديين، ورغم قساوة ما جرى لمنتخبهم، احتكموا في نهاية المطاف إلى العقل، وأوكلوا أمرهم إلى "الفيفا"، بينما المصريون والجزائريون "خرجوا إلى العار" ونشبت بينهم أزمة لم يسبق لها مثيل في العالم، لأنهم بكل بساطة، وكغيرهم من العرب، لا يتوفرون على عقول ناضجة كي يحتكموا إليها!
3)
المثير للدهشة والاستغراب هو أن الجزائريين والمصريين كانوا يعلمون علم اليقين، قبل المباراة التي جمعت بين منتخبي البلدين في العاصمة المصرية القاهرة، وقبل المباراة الفاصلة التي جمعتهما في ملعب "أم درمان" بالسودان، أنّ منتخبا واحدا فقط هو الذي سيتأهل إلى نهائيات كأس العام بجنوب إفريقيا، فيما سيقصى المنتخب الآخر، فهذه هي قاعدة الرياضة، ففي مقابل المنتصر هناك دوما منهزم، وفي مقابل فرحة أنصار الفريق المنتصر هناك دوما دموع حزن مشجعي الفريق المنهزم، لكن المصريين لم يتقبلوا إقصاء منتخبهم، ولو أقصي المنتخب الجزائري لما تقبّل الجزائريون بدورهم إقصاء منتخبهم. لماذا؟ لأن العقلية العربية كما قلنا، ليست ناضجة بما فيه الكفاية!
3)
فلو كانت العقلية العربية ناضجة، لكانت "دماؤهم" أيضا باردة مثل "دماء" الايرلنديين، ليس في مجال الرياضة فحسب، بل في جميع المجالات الأخرى، فقد أظهرت دراسة علمية قيّمة أعدّها الباحث الكويتي محمد النغيمش، (وليس باحثا غربيا حتى لا يقول البعض مرة أخرى بأنها مجرد مؤامرة) أن سبعين في المائة من العرب المشاركين في البرامج الحوارية التلـﭭزيونية لا يتحلّون بآداب الحوار، وعلّق على ذلك قائلا بأن الأمر يعود إلى "وجود أزمة الحوار والإنصات في العالم العربي". أي أن ما يهم الإنسان العربي في نهاية المطاف هو أن يكون صوته هو الأعلى، ولو كان "خصمه" على حق وهو على باطل! ومن يشاهد برنامج "الاتجاه المعاكس" على قناة "الجزيرة" القطرية حيث يرفض ضيوف البرنامج في أحيان كثيرة مصافحة بعضهم البعض بسبب اختلاف آرائهما، سيتأكد من أن العرب لا يعانون من أزمة غياب الحوار والإنصات فحسب، بل يعانون من غياب العقل بصفة مطلقة!
4)
ولأن العرب يحبون أن ينافقوا أنفسهم وينافقوا بعضهم البعض، فقد سمعنا وقرأنها كيف أن الكثيرين يريدون أن ينسبوا ما جرى بين الجزائر ومصر إلى "قلة قليلة" من المشجعين، وهذا هو الكذب والنفاق بعينه، فالحرب الدائرة رحاها بين البلدين ليست حرب "قلة قليلة" من المشجعين، بل حربا ضروسا بين شعبين كاملين، بحكّامهما ومثقفيهما وإعلامهما ومواطنيهما، ولمن أراد أن يتأكد من ذلك ما عليه سوى أن يتابع القرارات السياسية التي تصدر من أعلى المستويات بالبلدين، ويتابع البرامج التلفزيونية وما تنشره الصحف، ويتابع "الحرب الالكترونية" الدائرة بين المصريين والجزائريين على شبكة الإنترنت، ويقرأ الأوصاف والنعوت التي يصف بها كل طرف الطرف الآخر، حيث يستحيل أن تعثر على تعليق أو جملة لا تحتوي على كلام مقتبس من "قاموس" ما تحت الحزام. وما يثبت أن الأمر لا يتعلق بحرب بين قلة قليلة من المشجعين، هو أن التعليقات على مقاطع الـﭭيديو المنشورة على موقع "يوتوب" مثلا، حطمت كل الأرقام القياسية، حيث وصلت التعليقات على أحد المقاطع التي نشرها المصريون والذي يصفون فيه الجزائريين بأبناء العاهرة إلى أكثر من ألف ومائة تعليق. وإليكم واحدا من هذه التعاليق المثيرة للسخرية والضحك، ما دمت لا أستطيع أن أقدم التعاليق الأخرى لأنني أخجل من ذلك:
"يا شباب صدقوني هما (يقصد الجزائريين) بيغيرو منا عشان احنا حضارة وتاريخ، مصر أم الدنيا وكل العرب عارفين إنو مصر تاريخ عريق مش زي الخولات الجزائريين اللي الشعب الفرنسي نايكهم .."
طاعة الله واشْ اللي تْربّى فْدولة هي "أم الدنيا وتاريخ وحضارة..." إلى غير ذلك من الكلام العربي المثير للسخرية والضحك يستطيع أن يتفوه بمثل هذا الكلام الساقط؟ ﮔـالك احنا دولة حضارة وتاريخ، لاواه دولة القزبور والمعدنوس! دابا اللي دار فيكم عقلو هو اللي ما عندوش العقل
الجمعة ديسمبر 11, 2009 4:41 am من طرف سميح القاسم