خفة دم سفير سورية وأفلام عباس النوري.. هستيريا مبارك وقلب صالح النابض بشظية
بسام البدارين
2011-06-07
مجرد سؤال بريء: هل يحتاج فنان مبدع من طراز السوري
عباس النوري لجلسة على كرسي يشبه كرسي جورج قرداحي في برنامج مخصص لتسلية
الأرامل والمطلقات؟
.. أنا شخصيا يعجبني عباس كممثل ونجم دراما كثيرا،
لكن عندما شاهدته يلف ويدور حول كرسي المذيع في برنامج 'لحظة الحقيقة'
ويحاول التحاذق ويقلد قرداحي ما غيره، أحسست للحظة بان الرجل في مكان غير
مناسب، إلا إذا كان غرض منتج البرنامج العبقري والمسروق عن نسخة أمريكية
بكل الأحوال كالعادة، توظيف واستثمار نجومية عباس النوري. عموما فكرة
البرنامج الذي تبثه فضائية إم.بي.سي طريفة، فالمعد يصطاد ضحية من الساعين
للشهرة أو الطامحين بالظهور على شاشة ما، ثم يخضع الضيف لجهاز كشف الكذب
ويجلسه عباس أمام الناس والكاميرات وهات يا أسئلة.. طبعا جميع الأسئلة
شخصية جدا بغرض جذب أكبر عدد ممكن من الفضوليين، وهم كثر في بلادنا
العربية بطبيعة الحال.
تخيلت أني ضيف بين يدي عباس النوري وسيطرح علي
تساؤلات من طراز: هل تحب الملوخية التي تعدها حماتك؟.. المنطق يقول اني
سأكذب لكن جهاز البرنامج الكاشف للكذب يصطادني، وكلما قلت الحقيقة سأحصل
على مبلغ إضافي من المال، مع عبارات النوري المجاملة التي تشجعني على
الاسترسال في الفضيحة، وتكرسني بطلا صريحا أقول الصدق دوما.. هذا برأيي
الشخصي دور بائس جدا لنجم عربي كبير.
حتى عندما أكذب فيمسكني الحاسوب
ويخرج صوت مرتفع في الإستديو ليعلن بصوت أنثوي جهوري كالذي يظهر في أفلام
الخيال الأمريكية قائلا '.. هذه الإجابة خاطئة'.. هنا يعتذر النوري من
الضحية الكاذب لكنه أيضا يعبر عن إعجابه الشديد بجرأته في أسلوب تحايلي
واضح يحاول إقناع جميع المغفلين الذين يصطادهم البرنامج بأنهم مدهشون
ورائعون ويتميزون بالجرأة والشجاعة.
.. أي جرأة هذه التي تميزني عندما
أعترف أمام الكاميرات مثلا بأني غير جدير بالثقة، كما حصل مع شاب مصري
مسكين وقع بين يدي لحظة الحقيقة على طريقة عباس النوري؟.. وأي شجاعة
ستتكرس عندما أعترف وأمام الكاميرات مثلا بأن مستواي أقل من مستوى أهل
زوجتي أو بأن شخير المدام يضايقني ليلا او أني نادم على الزواج.
.. هذا
برنامج مخصص للمغفلين الذين يتطوعون باعترافات ساذجة عن قضايا أكثر سذاجة
يفترض انها لا تخص إلا أصحابها.. لكن الغريب انه برنامج ناجح بالمعايير
الجماهيرية وتتابعه ربات البيوت بشغف، بل ينتظره الصبايا كما فهمت من إحدى
الزميلات كل أسبوع كما ينتظرن الحبيب على الحصان الكحلي- أقصد الأبيض.
وهذه
دراما برامجية تتسلى بحكايات وأسرار البيوت وتتغذى على إحراج الناس...
أحدهم اعترف علنا بأنه نادم على الزواج، فيما كانت زوجته مقابل عينيه وأنا
شخصيا أعرف أصدقاء قادرون على خداع حتى كومبيوتر النوري الكاشف للكذب فليس
غريبا ان يعترف صاحبنا بأنه نادم على اختيار زوجته، فجميع من أعرفهم كذلك
وأعتقد ان الرجل غير النادم لم أقابله بعد.
وأستطيع مسبقا أن أقول لكل
رجل يدعي انه غير نادم أو أن خياره ليس سيئا: صديقي باختصار أنت كاذب..
أين الإبداع إذا في اعتراف متلفز بمسألة مستقرة في وجدان الرجل العربي؟
لكن برامج التسالي في الفضائيات التي لا تتابع أحداث الدم في ليبيا واليمن وسورية ومصر تعمل على خطف عائلاتنا منا.
..
أحدهم يعترف بانه يكره زوجته وأخرى على طريقة دريد لحام في فيلم 'التقرير'
فقدت للتو أغلى ما تملكه الفتاة الشرقية ووقعت في براثن الخطيئة.. ثالث
يعترف أمام الكاميرا بأنه طرد ابنته قبل ثلاثة عقود ثم يعانقها فجأة بعد
إصلاح ذات البين من قبل مذيع بشعر منكوش.
بين ملفات المطلقات والأرامل
على الطريقة اللبنانية وبرامج التلفزيون المفتوح أو الواقعي التي تقتصر
على صبايا حردانات يعبطهن عبطا أمام الكاميرا شبان نشميون بمناسبة وبدونها
تاهت فعلا لحظة الحقيقة وأصبحنا في مواجهة إنتاج دراما برامجية ضخمة غير
هادفة لا تتجاوز في قيمتها التسلية.
الزعماء العرب ولحظة الحقيقة
وإذا
أراد حبيبنا النوري فعل شيء منتج وتحويل مسار البرنامج يمكن أن أقترح عليه
استضافة الزعماء العرب في برنامج 'لحظة الحقيقة' لعلهم يعترفون فنصفح عنهم.
وفي
هذه الحالة يمكن توجيه أسئلة حقيقية من طراز: هل أنت جدير بثقة شعبك؟..
ألا تشعر بالندم لإنك سفحت دم الشعب؟.. هل يضايقك سيدي الزعيم أنك تسببت
على مدار سنوات بخلق عدد كبير من اللصوص والحرامية المتنفذين الذين يحكمون
باسمك؟.. هل تستطيع سيدي الزعيم الاعتراف بأن هؤلاء الحفرتلية الذين
أركبتهم فوق أكتاف الشعب أصبحوا أقوى منك بفعل الواقع الموضوعي؟... هل
يمكنك بصراحة ان تعدد المرات التي كذبت فيها على شعبك؟
ويمكن طرح
المزيد من الأسئلة.. بصراحة يا زعيم هل تسيطر على زوجتك أم العكس؟.. لماذا
تصرف أولادك بصورة علنية ووقحة ألم تستطع إخفاءهم قليلا؟
.. طبعا إذا
اصطاد النوري الزعماء والمسؤولين والسياسيين في النظام الرسمي العربي لن
يكون محتاجا هو ومنتج برنامجه المسلي للمال والنفقات، فكلما تقدم الضيف
بإجابة صحيحة يمكن أن نسمح له كجمهور مصفق بإعادة جزء من مال الشعب
المنهوب مع خصومات خاصة من فترات السجن التي يستحقها او تنزيلات خاصة
أثناء الرحيل والمغادرة، من طراز التحرك بدون شظايا أو فتح صالات الشخصيات
المهمة في المطار وخلافه.
وعلى ذكر الشظايا وتحديدا تلك التي يقال انها
استقرت قرب قلب الرئيس اليمني علي عبدالله صالح لابد من سؤال شخصي: هل
تستحق رئاسة أي بلد بائس في العالم المجازفة بشظية قرب القلب؟.. وهل يستحق
أولادي خصوصا إذا كانوا طماعين ومتأثرين بالإمبراطورة زوجتي المجازفة بأن
يغزو الشيب رأسي فجأة وأبكي أمام المحققين بشكل هستيري؟.. أي صلافة
وانحراف في التفكير يحكم الأخوة من الزعماء الذين رحلوا أو حتى الذين
سيرحلون لاحقا كما بشرنا الشرطي الكوني باراك أوباما؟
قد أقبل بشظية
قرب فخدي فقط لو أتيحت لي رئاسة سويسرا مثلا او هولندا.. على الأقل أستمتع
بالموسيقى في مثل هذه الحالة وأتناول أفخر أنواع الجبن، لكن شظية قرب قلبي
من أجل الاستمتاع بحكم بلد جعلته أنا شخصيا ورجالي مطابقا لبنغلاديش تلك
فكرة تبدو مرفوضة عندي.
وقد أقبل بالقليل من الشيب بدون محققين بعد
التقاعد من إدارة بلد عاصمته تشبه باريس على الأقل، وليس من أجل بلد حولته
أنا وأولادي إلى مزرعة فيها عاصمة خالية ولو من مستشفى واحد حقيقي فيما
تمتلئ حاراتها بالميليشيات والمرتزقة المسلحين وكافة أصناف السلاح الذي
خزنته بدعوى الحفاظ على الكرامة الوطنية والشرف القومي، فيما تبين لاحقا
ان السلاح مخصص لمهمة واحدة فقط هي الدفاع عن فسادي وفساد أولادي وسحق
الشعب.
طرافة سفير
خفة دم السفير السوري في عمان واضحة تماما للعيان
فالرجل أثار الجدل عندما أقام مأدبة عشاء لنخبة من المثقفين والدبلوماسيين
والإعلاميين وبدأ دعوته الكريمة لمأدبة عملاقة بالعبارة التالية: تفضلوا
على الميسور.. لاحقا طرح المضيف السؤال التالي: يا أخوان هل ترون دماء على
الطاولة؟
.. ابتسم من ابتسم وضحك من ضحك ونافق للسفير من نافق من
الموجودين لان السؤال الاستنكاري كان هدفه الرد على حملة موازية انطلقت في
عمان لمقاطعة هذا العشاء.
والتهم الضيوف ما لذ وطاب من طعام السفير على
إيقاع اعتصام احتجاجي مقابل مكان الوليمة لسوريين وأردنيين يرفضون هذا
العشاء وأهدافه، فيما كانت إحدى كاميرات الفضائيات ترصد اللحظة.
وفي
الواقع ليس ذلك ما يقلقني شخصيا بل قدرة السفير الذي لا أعرف اسمه على
تنظيم نشاط إعلامي دبلوماسي علني على نحو مفاجئ في عمان، فلم يسبق لأي
إعلامي أردني ان رصد دبلوماسيا سورية في أي مكان بصورة علنية، وفي عمان
يمكنك دوما مشاهدة كل السفراء في نشاطات عامة باستثناء السوري.
ذلك لا
يعني إلا ان الحدث جلل فالسفير الطريف خالف القانون غير المكتوب لنشاط
سفراء بلاده وأقام حفل الطعام لإن المرحلة تتطلب ذلك ولان خطف المايكروفون
في الساحة الأردنية من أعداء الممانعة وأنصار إسرائيل يتطلب وليمة من هذا
النوع يدافع عنها الزملاء الذين التهموا الطعام قائلين: لقد حضرنا لكي
ننتقد أداء الحكومة السورية تجاه قمع المطالبين بالديمقراطية.
.. يعني
باختصار يدعى الإنسان ويخضع لخفة دم السفير السوري الذي يذكر الضيف
بالدماء أصلا بدون مبرر ثم يخرج كمثقف لكي يقول: انتقدنا القمع في سورية..
لاحظوا ان الأخوة الحضور انتقدوا القمع، رغم أن ما يجري في الشقيقة سورية
هو 'قتل' للمتظاهرين وليس مجرد قمع لهم.
المهم ختم المشهد بتعليق مع
صورة في إحدى الصحف الإلكترونية حيث تصدر الصورة تعليق لسفير سورية يقول:
أيها الضيوف هل ترون دماء على مائدتي؟.. أما الصورة فتتحدث عن شاب سوري
ملقى على الأرض ورأسه 'مفغوش' تماما ويخلو من الملامح بفعل الرصاص مع بركة
دماء في الجوار قرر سعادة السفير وضيوفه ان لا يروها مسبقا.