إن الانتفاضات التي هزّت دول المغرب العربي انطلقت بفعل موجة انتحارات٬
موجة تربك بقوة السلطات الدينية المسلمة. هل إنّ هذه الظواهر هي إشارة، ليس
فقط لجعل المجتمعات هناك مجتمعات دهريۃ، بل انتهاك جذريّ للموانع
القرآنية؟
في شهر كانون الثاني من العام 1969، يتقدّم شابّ٬ بعد أن قام بسكب
البنزين على نفسه٬ إلى ساحة وينيسلاس، ثم يشعل النار في نفسه : كانت تلك
حركة يأس للتعبير عن غياب المخرج إثر انتفاضة "ربيع براغ" قبل نحو عام
تقريباً.
هذا الشابّ "يان بالاش" بات بالنسبة لجيل الشباب الأوروبيين الغربيين
منهم والشرقيين ، رمزاً مأساوياً وبطولياً في الآن نفسه. ففي نظر هؤلاء
الشبّان الأوروبيين، ما الذي يمكنه أن يكون انتروبولوجياً أكثر قطعياً من
الموت، إلا الموت إرادياً وبشكل سريع (1)، قاطعين بذلك مع المفهوم التقليدي
الذي يعتبر الانتحار فضيحة؟
هذا الشاب التشيكوسلوفاكي أعاد تكرار ما كان قد قام به راهب بوذيّ عندما
أحرق نفسه في سايغون عام 1963 للاعتراض على نظام "نغو دينهديام" المحسوب
على الولايات الأميركية والملتزم الصراع ضدّ فيتنام الشمالية وحلفائها
الجنوبيين.(2)
إذاً، وبحركة مشابهة، قام محمد بوعزيزي، بائع الخضر والفواكه التونسي٬
بحرق نفسه نهاية العام 2010. حركة تعبّر عن يأسه من حالته كمحروم محتقر.
وما زاد الطين بلّة هو أن شعوره هذا، والذي يشاركه إياه العديد من
التونسيين، أضيف إليه الإهانة الشخصية المتمثلة بصفعة تلقاها من امرأة
تمثّل النظام القائم. منذ ذلك الحين، وخلال شهر واحد، فإنّ حوالي ثلاثين
شخصاً قاموا بإشعال النار في أجسادهم، في كلّ من تونس والجزائر والمغرب
وموريتانيا ومصر والسعودية والسودان واليمن.
إن هذا الحدث الذي يجسّد حركة معاندة، يبدو وكأنه الجزء الظاهر لحدث
أعمق منه والذي أخذ في الاتساع شيئاً فشيئاً : إنه وضع حدّ لحياة تقليدية
متعلقة بالمجتمع أكثر مما هي متعلقة بالذات أولاً.
القاعدة تتحدّى الواقع: إن الباحث الرصين يعرف تماماً أن "الواقع" ليس هو "القاعدة"، ذلك أن
إحدى مهمات المتخصص في دراسة الواقع الديني هي قياس الفارق ما بين
"المقرَّر" أو "المكتوب" وما بين "المُعاش"(3) فالانتحار هو ظاهرة موجودة
في المجتمعات ذات الغالبية المسلمة، كما في غيرها من المجتمعات. وهذه
الظاهرة إنما تمسّ الرجال والنساء، خاصة العاطلين عن العمل منهم والذين
أعمارهم ما بين 18 و 30 عاماً.(4)
في أواسط العقد الأوّل من القرن الحالي نشرت جريدة الوطن مقالاً بعنوان
"كلّ يوم ينتحر جزائريّ"، أوردت فيه : "إن التخلص من الحياة يهدف للهروب من
واقع أصبح أثقل مما يمكن تحمّله. هذه هي الحالة التي دفعت بـ177 جزائرياً
لإحراق أنفسهم، وذلك وفق إحصاءات الشرطة الجزائرية، في الوقت الذي قام فيه
جهاز الدرك الوطني بتسجيل 128 حالة انتحار. هل هذا يدقّ جرس الإنذار؟ من
دون شك نعم. ذلك أنّ الخط البياني في حالة تصاعدية، وحالات الانتحار تسجّل
تزايدا ملحوظاً، حتى ولو كان هذا التزايد خفيفا".(5)
لقد بيّنت الأرقام الرسمية الصادرة عن جهاز الأمن في الجزائر تصاعداَ في
عمليات الانتحار، فعلى سبيل المثال٬ ارتفعت نسبة المنتحرين من 0،74 لكل
مئة ألف نسمة في العام 1991 إلى 2،25 للنسبة نفسها في العام 2003، ما يضع
الجزائر في مرتبة متوسطة مقارنة ما باقي الدول العربية.(6) حتى أن هناك بعض
الصحافيين الذين يرون أن هذه الإحصاءات هي دون الواقع.
إن وسائل الانتحار لا تقتصر على حرق الذات، بل إنّها تشمل كل أنواع
المهدئات، رمي الذات من الأعلى، الشنق، الغاز، المنتجات الكيميائية
بالإضافة إلى استعمال الأسلحة الحربية. إن التعبير المستخدم لما يستعمل من
أجل وضع حدّ لحياة شخص ما، هو "روح الملح" وهو تعبير مستعار للإشارة إلى
المنتجات المؤدية إلى فتح مجاري المياه. وتروي لنا الآنسة منى شريف كيف
يتناول الجزائريون هذه المسألة بشيء من السخرية، (7) وتأتي الرواية على
الشكل التالي : "رجل يدخل محلاً في أحد الأحياء، فيسأله صاحب المحلّ : ماذا
تريد سيدي؟ فيجيب الزبون : قنينة "روح الملح" من فضلك. فيرد البائع : هل
تريد شربها هنا أم أنك تريد أن تأخذها معك؟".(8)
وكما أن الانتحار يعتبر من المحرمات في المجتمعات ذات الغالبية المسلمة،
كذلك العديد من الممارسات الأخرى تعتبر مساً بالعادات والأخلاق، خاصة
المتعلق منها بالجنس المُعاش (الجنس قبل الزواج، والجنس المثلي)، وليس
الجنس المثالي كما تنص عليه الضوابط والإسقاطات الدينية النموذجية.
بالعودة إلى حالات الانتحار، فإن عائلة المتوفّى جرّاء عملية انتحار،
تميل إلى إخفاء سبب وفاة ابنها خوفاً من العار الذي سيلحق بها اجتماعياً.
غير أن الضجة التي أثارتها حالات إحراق الذات في 2010-2011، أطلقت بعض
الألسن وبات الحديث عن الانتحار أكثر شيوعاً، حتى أن موقع د-برس السوري
أكدّ أن عملية عدّ حالات إحراق الذات توقفت بسبب كثرة شيوعها (9). ووفقا
لبعض المصادر، فإن معدل الانتحار في تونس أعلى من باقي الدول العربية.
ولهذا السبب قام العديد من المعالجين النفسيين بالإضافة إلى فاعلين في
المجتمع المدني بوضع أنفسهم في خدمة هذه الحالات بغية معالجتها، منها على
سبيل المثال SOS انتحار-فينيكس و SOS صداقة في الجزائر. أما فيما يتعلق
بالأئمة المسلمين، فإنهم يشدّدون وبشكل متواصل في خطبهم يوم الجمعة على منع
هذه الظاهرة.(10)
إن آفات العالم العربي ذات الغالبية المسلمة تُترجم عادة بمصطلحات
جيوبوليتيكية، وذلك من خلال النظرة إلى القرنين الماضيين بما تخللهما من
استعمار وإنشاء "دول-أمم"، ومن بينها إسرائيل. هذه النظرة التي تحمل على
الشعور المتكرر بالذل، هذا بالإضافة إلى شعورهم بأنهم يخضعون للهيمنة
الدولية. غير أن الأحداث الحالية تقودنا إلى الأخذ بعين الاعتبار الأسباب
الداخلية الكامنة في هذه المجتمعات بكل ما تحمله من معاني متراوحة الأهمية.
فعلى الرغم من مسارعة السلطات الدينية على اعتبار الانتحار هو بفعل
الاختلال الذهني لهؤلاء المنتحرين، فإن هذه السلطات نفسها لا تنكر أن هناك
أناسا جاهزين لبذل حياتهم من أجل الضروريات كشراء الخبز، والحصول على السلع
الغذائية الأساسية بأسعار مقبولة، ورفض الظلم الاجتماعي (الحرمان من
المسكن، فقدان العمل، الطلاق والتهميش بسبب عدم القدرة على الإنجاب)
ومحاربة الديكتاتورية والتعبير الحرّ. وفي هذا الإطار يمكننا قراءة بعض
المؤشرات التي تشير إلى تحويل هذه المجتمعات إلى مجتمعات دهرية
(sécularisation)
فبخلاف الإطار الجنوب-آسيوي أو الأوروبي، فإن حرق الذات بشكل خاص
والانتحار بشكل عام، وعلى الرغم من أنهما لا يعبّران بشكل صريح عن الإرادة
بنبذ المرجعية الدينية، فإنهما يبيّنان عن رغبة بالقطع مع ما يعدّ محرّماً
من الناحية الشرعية الإسلامية. ولا ضير هنا في ذكر أنّ هذا المحرّم متجذّر
في التقاليد قديمة العهد، والراسية على الاعتقاد بأن النار هي الأداة
الخاصة بالقصاص الأبدي، والمدعمة بصفتها الشرعية.
الكلمة المتفجرة لرجال الدين: إن موجة حرق الذات الحالية سببت اضطراباً عميقاً بين "رجال الدين"،
اضطراباً سبب العديد من الخلافات فيما بينهم. فقد تم طرح سؤالين على هؤلاء :
"الأول : ما هو حكم الشريعة الإسلامية فيما يخص الأشخاص المنتحرين؛
والثاني : هل يُمكن اعتبارهم شهداء؟". فداخل الوسط السنّي يمرّ خط التوتر
الأساسيّ بين اتحاد العلماء المسلمين من جهة والسلطات الدينية المرتبطة
بالدول العربية (المعنية بالشأن) من جهة أخرى. فقد احترس ملياً الفقهاء
الممثلون للهيئات الشرعية عن التدخّل بشكل قويّ في هذه المسألة، وذلك حتى
لا يساهموا في الدعاية لما يعتبرونه "خطية"(11) . فخلال الربع قرن الأخير،
كانت حالة الانتحار الوحيدة المبرّرة والمشروعة "شهادة" المسلم الذي يخوض
الجهاد المسلح ضد العدو بهدف "الدفاع عن دينه ووطنه وأمته" ومن أجل "رسالة
عظيمة". هذا مثلاً هو موقف الشيخ يوسف القرضاوي في موضوع الفلسطينيين الذين
يقومون بهجمات انتحارية ضد الإسرائيليين(12) . هذا الشيخ الذي يرأس
الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين وصاحب برنامج "الشريعة والحياة" على قناة
الجزيرة القطرية، لديه كلمة مسموعة من عشرات ملايين المسلمين حول العالم.
لقد دعم الشيخ القرضاوي "ثورة الشعب التونسي" ووضع حركة بوعزيزي ضمن
رؤية الجهاد ضدّ الظلم والفساد. وبعد هروب بن علي، دعا القرضاوي إلى تعميم
الجهاد ضدّ كلّ رموز الدكتاتورية، ولإسقاط بقية الأصنام المحيطة بها من
اللات والعزى(13) ٬ بالإضافة إلى الأصنام التي تنتمي إلى النظام الذي عانى
منه (14)التونسيون سنوات طويلة.
لقد أثارت دعوات القرضاوي العديد من ردّات الفعل القاسية٬ الشيء الذي
اضطرّه للتوضيح بأنه لم ينشر فتوى في هذا الخصوص بل إنّ كل ما قام به كان
التعليق على ما حلّ في تونس. فيقول : "إني أتضرّع إلى الله تعالى وأبتهل
إليه أن يعفو عن هذا الشابّ ويغفر له ويتجاوز عن فعلته التي خالف فيها
الشرع الذي ينهي عن قتل النفس". في الوقت عينه أضاف القرضاوي أن الذي يجب
أن يتمّ حرقهم "إنما هم الظالمون" (15). وإن كان القرضاوي يبرّر استعمال
"وسائل المقاومة ضدّ الظلم والطغيان" غير أنه يعتبر أن هذه الوسائل "لا
تتضمّن الركون إلى الحرام" مشدداً أنه "لدى المسلمين العديد من وسائل
مقاومة الظلم والطغيان ما يغنيهم عن قتل أنفسهم أو إحراق أجسادهم. وفي
الحلال أبداً ما يغني عن الحرام".(16)
بالمقابل، نجد أنّ موقف مفتي تونس، عثمان بطيخ، يفترق بشكل ملحوظ عن رأي
القرضاوي، ذلك أنه أدان ومن دون تحفّظ ما قام به بوعزيزي معتبراً أنّ
"الانتحار ومحاولته جريمة كبيرة من الكبائر، ولا فرق شرعياً بين من يتعمّد
قتل نفسه أو قتل غيره". ثم إنه يحدد في مقابلة مع جريدة الصباح، أنّه وبغضّ
النظر عن وسيلة الانتحار "سواء كان قتلا بسمّ أو بسلاح أو غرقا فكله عمل
شنيع ومحاولة ذلك جريمة يعاقب عليها الشرع والقانون. والمنتحر مرتكب كبيرة
وليس بكافر. فالمنتحر لا يغسل ولا يصلّى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين
(17) استنكاراً لما صدر عنه".
إن موقف مفتي تونس عزّزه الإعلان الصادر عن لجنة الفتاوى في الأزهر، هذا
الإعلان الذي صاغه رئيس هذه اللجنة الشيخ عبد الحميد الأطرش على الشكل
التالي: "لا يجوز لإنسان تحت أي ظرف من الظروف أن يقدم على الانتحار عن
طريق أية وسيلة وأيّاً كان نوعها سواء الحرق أو الغرق أو الخنق، لأن
الانتحار هو قنوط من رحمة الله، ولا ييأس من رحمة الله إلا القوم
الكافرون". لقد حدد الشيخ الأطرش أن الانتحار ليس مبرراً بأية حال من
الأحوال، وبالتالي يستحيل اعتبار المنتحر شهيداً، ويعود لله وحده أن يسامح
هذا الإنسان إذا قام بإعلان شهادته. أما المرجع القرآني المذكور فهو الآية
195 من سورة البقرة: "وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة
وأحسنوا إن الله يحب المحسنين". وذاكراً حديثا نبويّا حيث يظهر محمد في
موقع متعارض وصحابته في موضوع تقاسم إحدى الغنائم، يشدد الأطرش على أن
"الفقير لا يجب أن يكون الأكثر هلعاً فيما يتعلق بالجزاء الأخير". إن موقف
الأزهر هذا يردنا إلى قلب الخطاب الهادف لاحترام كل سلطة قائمة. هذا الموقف
المرتكز على مبدأين: "فإذا كان الإمام عادلاً فله الأجر وعليك الشكر، وإذا
كان الإمام جائراً فله الوزر وعليك الصبر".
انتحار وجهاد: بحسب شهادات مجموعة من الناجين من عمليات حرق الذات، أو من أقرباء
الضحايا، حول إذا كان هناك وعي للانتهاك الديني، فإنها تظهر أن الهدف ليس
انتهاك الشرع بحد ذاته إنما تجاوز له. على كل٬ ومهما كان الدافع، فإن
القيام بهذا الأمر إشارة إلى أن المحرّم لم يعد يعمل بوصفه حداّ نهائياً
ومطلقاً. وبهذا المعنى يمكننا التكلم عن إشارات لتحويل هذا المجتمع إلى
مجتمع دهري (sécularisation). فالمجتمعات ذات الأكثرية المسلمة ليست، ولم
تكن يوماً، مجتمعات مغلقة: فالممارسات والقيم والمعايير والتصرفات هي، في
هذه المجتمعات وفي غيرها٬ ثمرة حراك معقد ونتيجة لتركيب ما بين "الخاص"
(propre) و"المستجلب" (apport)، خلاصة لا تنفك تتبدل مع مرور الزمن.
فهذه المجتمعات المشرعة على رياح اكثر انفتاحاً اليوم مما مضى، بحكم
انتقال الناس بشكل أسرع (سياحة، أعمال، هجرة)، وبحكم الاستعمال المتنامي
لوسائل التواصل الجديدة فإنها لم تعد بذات التجانس الذي كانته أثناء عقود
الاستقلال.
أما في الوسط الشيعي، فإن الاعتراض على السلطة المتصفة بالظلم أكثر
دينامية من الوسط السني. فقد صفق حزب الله الشيعي، الوفيّ دائماً لطرحه
المزدوج ضدّ "إسرائيل" ولصالح "المحرومين"(18) في العالم أجمع، للحركة
الثورية ضد النظام التونسي الفاسد، من غير أن يعلق على عملية حرق
الذات(19). إن الاتهام غير الصريح من قبل بعض السنة المغاربة لتقليد
المازدائيين القديم الذي ينص على حرق الذات بالنار، والذي تمّ إدخاله إلى
الوسط العربي ذات الأغلبية السنية بواسطة الشيعة (حتى ولو كان "الشيعة
المغاربة" يفضلون شكل التضحية الدموي، البشري أو الحيواني) ليست دون دلالة
(20) . ما بين 1998 و 2003، حاول العديد من الأشخاص الانتحار بواسطة الحريق
في شمالي-غربي إيران (21) . وبنظر العديد من المسؤولين الشيعة فإنهم
يفضلون تجنب الانتقاد خاصة في إطار التوتر الطائفي المتصاعد ما بين الشيعة
والسنة، على مستوى العديد من الساحات منها: حالات الاضطهاد ضد الشيعة في
باكستان؛ حرب العراق 2003 وتكرار الهجمات هناك ما بين السنة والشيعة؛
اهتزاز المشهد اللبناني الداخلي بسبب التجاذب ما بين السنة والشيعة (2005،
2008، 2011) ما يهدد هذا البلد بحرب أهلية؛ المزاحمة الإيرانية-السعودية
والتي تجد ترجمتها في الملف النووي وفي الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني
والصراع القائم حالياً في لبنان؛ مطالبات الشيعة السياسية في دول شبه
الجزيرة العربية، ومطالبات السنة السياسية في سوريا؛ …
وقد تمّ توجيه سؤال حول موضوع الانتحار وحرق الذات إلى ثلاثة مراجع
شيعية (مكتب الخامنئي، مكتب السيستاني، ومكتب فضل الله). توصلنا بجواب واحد
فقط جاءنا من مكتب الإمام الخامنئي يعتبر فيه "أن فعل قتل النفس من أجل
هدف مهم أو مصلحة كبيرة ليس انتحاراً، بل إنه جهاد".(22)
إن أحداث تونس وما تبعها من أحداث في مصر، تبيّن حالة المجتمع في العالم
ذات الغالبية المسلمة، كما أنها تشكل انقلاباً يبدو أن اتساعه يشابه ما
حصل أثناء الثورة الإيرانية عام 1979. أما السلطات الدينية٬ السنية منها
والشيعية، والعاجزة عن احتواء تداعيات المبادرات الآتية من الشعب ضد
"الظلم"٬ فيبدو أنها ليست أبداً على انسجام. لا بل إن الخطب يبدو أكبر من
ذلك، خصوصاً وأن العديد من النخب حاولت، ومنذ نهاية القرن الثامن
عشر،-وبالرغم من مضايقات السلطات المفروضة من الداخل أو من الخارج- إيجاد
سبيل للاتفاق على شكل المدينة المرجوة ، غير أن كل هذه المحاولات كانت بدون
جدوى.