للجامعة العربية دلو تدلي به, ولو متأخرا, أليست مخلوقة في زمن التأخر والتخلف العربي وفيه باقية؟. هل من عجب عندها إن نطقت وأدلت بدلوها, كل مرة يفوت فيها الأوان؟. أليست الجزء الذي تجتمع فيه كل التناقضات والأمراض والخلافات العربية العربية؟. لسنا هنا بصدد الحديث عن تلك الجامعة التي وصفها احد البريطانيين بأنها نشأت برأس انكليزي وجسد عربي. إنما ما لفت نظرنا النطق المتأخر ألمستحي, حتى لا نغلظ بحقها فنغلظ في الكلام, نُطق كان يفضل عليه السكوت. نطق منها هذه المرة عضوها (الشعبي) "البرلمان العربي". قليل من القراء العرب سمع بهذا الاسم, مع انه برلمان يفترض انه ممثل للشعوب العربية (ليس في أوروبا وحدها يوجد برلمان أوروبي عندنا مثله والحمد لله), ونادر من يعرف مهامه الفعلية, ولا نعتقد أن عربيا واحدا يعتبر أن هذا البرلمان يمثله بصفته عربي, أو يمثل مواطنا مقيما في دولة عربية.
ومع ذلك يُحسب له انه لم يهتف يوما بالروح بالدم لعمر موسى. ليس لان عمر موسى اقل كفاءة من الزعماء العرب الذين يُهتف لهم بالفداء بالروح والدم, فهو عكس ذلك أكثرهم كفاءة وذكاء وثقافة ودبلوماسية وحيوية ونظافة, ولكنه اقلهم حظا في هذا المجال. لم يصفق البرلمان له وقوفا ولكل كلمة ينطقها, ومنطوق عمر موسى فيه فصاحة ولباقة وفن خطابة يعترف له به ويحسده عليه كل أصحاب الفخامة والسيادة والجلالة. لم يصفق ويهتف البرلمان العربي وقوفا, ربما لأن طريقة تشكيله ليست صورة مطابقة عن تشكيل المجالس البرلمانية العربية الأخرى "الهتّافة" أبدا. وربما لأنه يدرك أن السلطة التشريعية المفترض انه يجسدها, ليست خاضعة وظيفيا وشخصيا لرئيس السلطة التنفيذية, وان هناك دستور ينص على فصل السلطات. وان أعضاءه مبعوثون من برلمانات دولهم, والزعماء العرب التابع لهم هؤلاء لا يحضرون ويخطبون فيهم دفعة واحدة ليقفوا لهم دفعة واحدة, وكل يصفق طويلا وواقفا لزعيمه, وليس لعمر موسى. التصفيق في الوطن العربي أصبح تقليدا برلمانيا وفنا تعبيريا لا تعرفه البرلمانات في اي مكان مهما تعددت أسمائها.
أعلن اليوم "سبّاقا" ومبادرا, ودون تردد, رئيس البرلمان العربي علي سالم الدقباس, في تصريح صحفي, بان اللجان الدائمة للبرلمان المنعقدة اليوم الأحد 23 أيار 2011 في مقر الجامعة العربية لمناقشة جدول أعمالها وإعداد تقارير بشأنها لرفعها إلى الدورة العادية الأولى للبرلمان العربي لعام 2011. سيبحث البرلمان العربي " سبل معالجة هذه الأوضاع وفقا لما نصت عليه وثيقة التطوير والتحديث التي اعتمدتها القمة العربية في تونس عام 2004 وفي المقدمة منها ترسيخ الديمقراطية, وإطلاق الحريات, واحترام القانون, وتعزيز حقوق الإنسان, وتحقيق التكامل الاقتصادي بدخول الوطن العربي مرحلة التكامل الاقتصادي". ويؤكد أن "لا يمكنه أن يصمت تجاه أعمال العنف التي تمارس ضد المتظاهرين". في اليمن وسوريا وليبيا.
بحث البرلمان معالجة الأوضاع العربية وفقا لم نصت عليه قمة تونس برئاسة زين العابدين بن علي عام 2004. سقط بن علي عام 2011 وسقط سهوا من فكر البرلمانيين إن ما قبل بن علي ليس مثل ما بعده. فكيف يمكن الحديث دون إثارة للسخرية والشفقة الحديث عن وثيقة اعتمدتها قمة عربية كاملة النصاب, أي بكامل طغاتها, ترأسها بن علي شخصيا, تتعلق بـ "ترسيخ الديمقراطية", وكانّ الديمقراطية قائمة حينها في الدول العربية ولم يبق إلا ترسيخها, وإطلاق الحريات ـ كإطلاق سرب حمام ــ واحترام القانون, وتعزيز حقوق الإنسان, الموجدة هي أيضا, والمهمة الموكولة على عاتق البرلمانيين العرب, فقط العمل على ترسيخها. وسوف لا يكتفي البرلمانيون بهذا, فأمامهم مهمة تحقيق التكامل الاقتصادي. يا للمهمة ويا للهمة!!. لا ندري إذا ما كان مقر هذا البرلمان في هذا العالم, وان البرلمانيين من هذا العالم؟.
هل يعلم هؤلاء أن الشعوب العربية أطاحت بطاغيتين من واضعي الوثيقة المذكورة, وبأنها في طريقها للإطاحة بمن تبقى منهم؟. هل يعلم البرلمانيون العرب أن الشعوب العربية التي يفترض أنهم يمثلونها (نشكر الله على أن لا قدرة لهم على ذلك) قدمت وتقدم الآلاف الضحايا من اجل الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان, التي تعتبرونها موجودة في الوطن العربي ولا حاجة للمضحية من أجلها, وان مهمتهم النبيلة هي فقط تعزيزها وترسيخها وإعلام البرلمانات العالمية بالأمر.
هل امسك أحد البرلمانيين قلما أو فتح فما فاستنكر المجازر التي تقع في بلاده؟ لا يتصور احد أن لا يكون أحد منهم لم يسمع بها, فقد سمع من هم ابعد منهم مكانا, في بلاد أجنبية غربية وشرقية, ممن هم أحدّ سمعا وبصرا, و أنقى ضميرا وخلقا, وأكثر مسؤولية أمام الشعوب والتاريخ. هل يحسون بنوع من تأنيب الضمير, أو حتى بعض الحرج, وهم يعرّفون عن أنفسهم بأنهم ممثلين للشعوب العربية في مؤسسة تسمى الجامعة العربية؟. هل يرتاحون لما يستلمونه من مرتبات ومخصصات وعلاوات وما يحملونه من امتيازات وحصانات؟. أليس مقابل ذلك يستوجب تقديم خدمة شريفة للشعوب؟. لا شك أن هناك أثمانا تقدم للقيام بخدمات غير شريفة, ولكن بالنسبة للبرلمانيين يفترض أن مهامهم من اشرف المهام, وهي تمثيل الشعوب والنطق باسمها.وإيصال صوتها إلى كل مكان. الم يقولوا بأنهم ينسقون مع البرلمان الإفريقي والبرلمان الأوروبي وغيرها من البرلمانات لمصلحة الشعوب العربية وإسماع صوتها؟.
بيانكم هذا إشارة بينت أنكم, رغم كل شيء, أحياء ترزقون, تسمعون وتراقبون, وسوف لا تسكتون كما أعلن رئيس برلمانكم " لا يمكنه أن يصمت (سينطق) تجاه أعمال العنف التي تمارس ضد المتظاهرين" في اليمن وسوريا وليبيا. عنف ضد المتظاهرين !!!, قد يكون عنفا معنويا وقد يكون جسديا, لم يقرر النواب بعد طبيعته. لغة دبلوماسية رقيقة يستعملها من لا علاقة له بالدبلوماسية. أعمال العنف هذه التي قد لا تصمتون عنها, وصمتكم أفضل, هي قتل عشرات الآلاف من الثوار والأبرياء من الرجال والنساء والأطفال من الشعوب العربية المفترض أنكم تمثلونها وتتحدثون باسمها. أعمال العنف هذه هي عشرات الآلاف من الجرحى. عشرات الآلاف من المعتقلين في السجون والزنازين وأقبية رجال الأمن. عشرات الآلاف من الفارين في نزوح داخلي وخارجي, عشرات الآلاف من المهددين يوميا بأرواحهم وأموالهم. أعمال العنف هذه ضد المتظاهرين المطالبين بالحرية والديمقراطية !!! هي أعمال قتل منظم, وبدم بارد, وبالرصاص الحي, وقذائف الدبابات, وتمشيط البيوت الآمنة. وانتم تفكرون بعدم السكوت عن هذه الأعمال التي قد تكون مفرطة في عنفها وغير مناسبة في توقيتها !!!. وأخيرا صدر بيانكم الذي وصفه رئيس برلمانكم علي سالم الدقباسي بأنه "مخجل". وبذلك سجل موقفا مشرفا جدير بنائب يحترم نفسه ومن يمثلهم, رغم تعرضه شخصيا لتهديد وضغوط لعدم فتح ملف العنف ضد المتظاهرين ).
لا يعلم البرلمانيون لماذا يتظاهر الشباب في الوطني العربي المتمتع بالديمقراطية والحرية في دول الحق والقانون, قد يكون ذلك مجرد "بطر". هؤلاء ثوار أيها السادة يرفضون الدكتاتورية والاستبداد والفساد, بعد أن اضطر أجدادهم وآباؤهم تجرع مآسيها بصمت عقودا طويلة. تعودتم على رؤية مسيرات تسيّر بالملايين لتهتف لطاغية, ولم تتعودوا على رؤية مظاهرات واحتجاجات واعتصامات قوامها مئات الألوف من الجنسين تتلقى الرصاص بالصدور العارية, لم تتعودوا على رؤية ثوار لا يخيفهم ما تسمونه بالعنف. هذا الشباب ليسوا بحاجة لحديث منكم أو بيانا "مخجلا" صادر عنكم. فهم لا يعلمون شيئا عنكم. وتصرون على اعتبار أنفسكم ممثلين برلمانين لهم !!!. إنهم "لا يقيمونكم من أرضكم" لا يضعونكم في الحساب. إن قضيتهم مع الطغاة من أسيادكم. سقوط هؤلاء هو سقوطكم بالتبعية. سقوط لنظام عربي انتم جزء منه. سقوط جيل من السياسيين الانتهازيين, كبر وشاخ وهرم على الفساد والاستبداد ولفظه العصر. قد يكون في أسباب نطقكم المتأخر شعور الانتهازي بان مصالحه أصبحت مهددة, وانه من الأنسب, بعد وزن الأمور بموازين الربح والخسارة, التفكير بخط الرجعة ومن ثم النطق غير البريء. انتم وأمثالكم قضوا أعمارهم في مثل هذه الحسابات. في تضليل الشعوب وعلى حساب الشعوب. في تبرير الاستبداد و تعميم الفساد. هناك دماء تُهرق وأرواح تزهق لبقاء حاكم وأنظمة استبداد تقوم على الاسترقاق. هل بعد كل هذا مجال للتلاعب بالكلمات وإصدار البيانات التصريحات؟. واللعب ألعابا سياسية معيبة؟. صمتم أم نطقتم الثورة العربية ستصل, رغم كل التضحيات, إلى أهدافها. ومن أهدافها كنس الاستبداد والفساد برؤوسه ورموزه ومؤسساته.