فاقد الشيء..
بشرى ايجورك -
bouchra_ijork@yahoo.fr
لطالما أحببت هذه الحكمة،
واستعملتها كثيرا حينما كنت تلميذة.. «فاقد الشيء لا يعطيه»، إنه قول سديد
يلخص بعمق موقف الفنانين والمثقفين والأدباء مما يجري في المغرب والعالم،
ويفسر هذا الصمت الجبان الذي تعامل به من تعودوا الصراخ والمطالبة بالإصلاح
في المقاهي والبيوت المظلمة.
أن تواكب تحولات مجتمعك السياسية والاجتماعية معناه أنك تتابع الأحداث
وتساهم فيها بفكرك وإنتاجك ورؤيتك وتوجهك، معناه أن لك رأيا وفلسفة وفكرا..
معناه أنك تحيا داخل مجتمعك، تتحسس نبضه وتنصت لآلامه وتحمل عبء همومه..
معناه أنك تطلع على كل ما يجري، تقرأ الصحف وتتابع الأخبار وتحضر المحاضرات
والندوات وتتدخل في صنع القرار..
معناه أنك مستعد، وبلا شروط، أن تدافع عن قيمك وفكرك وأن تقول كلمتك دون
خوف ولا تملق ولا نفاق ولا زور.. هكذا فقط يمكن أن نتحدث عن المثقف
الإيجابي أو الفنان الملتزم بقضايا شعبه ومحبيه ومن صنعوا مجده بالتصفيق
له.
أما نحن، فالأمور عندنا معقدة إلى أبعد الحدود، فمن هم فنانو هذا البلد
الحقيقيون؟
من هم مثقفوه؟ من هم مفكروه وفلاسفته ومنظروه؟
إذا علمنا بأن معظم المحسوبين على مهنة الفن ظلما وعدوانا و»سيبة» لا علاقة
لهم بالفن وهو بريء منهم، استغلوا فوضى القطاع وسبات وزارة الثقافة
والاتصال وتواطؤ التلفزيون وتآمر الجهات الوصية والمنتجين السماسرة ليغزوا
السينما والمسرح وكل المهن الفنية الأخرى..
كيف لممثلات استقدمهن المخرجون المرضى من الحانات أن يكون لهن رأي في حركات
التغيير، والصور التي تحملها صفحاتهن على الفايسبوك تفضح علنا أي تغيير
ينشدنه..
كيف لمهرجين، يقتنصون النكت من المقاهي ليرووها لنا في التلفزيون فيبكوننا
عوض إضحاكنا، أن يستوعبوا دور الكوميديا في توعية العباد وتمرير الخطابات
والمطالبة بالإصلاح..
كيف لفنانين مخذولين ومغبونين بسبب التهميش والإقصاء أن يدلوا بآرائهم
ويهتموا بتغيرات مجتمعهم، وكيف لآخرين يكدسون الأموال والأملاك ويستفيدون
من الوضع الحالي المريض بالرشوة والمحسوبية والزبونية أن يناقشوا التغيير..
مستحيل.
أين كتابنا وأدباؤنا وفلاسفتنا؟ يعيشون في برج عال يبدو كأنهم في دنيا أخرى
لا تمت إلى المغاربة بصلة، فلا رأي لهم ولا قوة ولا سلطة، إلا بعض الأصوات
التي بحت من فرط النداء والاحتجاج ومحاولة الإصلاح وقمعت.. وغالبا ما
يخرسك رفاق دربك وزملاء مهنتك فهم العدو الأول لأي سؤال حول الإصلاح أو
التثقيف أو التغيير.
وكي أكون منصفة أقول إن هناك فنانين ناضلوا وضحوا وثاروا وصرخوا وعبروا عن
الظلم والفقر والقمع برقي وشموخ وعانوا الكثير ودفعوا الثمن غاليا، لكنهم
ربحوا كرامتهم وحب الناس لهم وسجل التاريخ أسماءهم بمداد الفخر والتكريم.
أما اليوم فيجب أن ننظف الساحة الفنية من الدخلاء والمرتزقة وبنات الهوى،
وأن نـُكون فنانين يقرؤون ويتواصلون ويحملون هموم وقضايا مجتمعهم، وأن نضمن
لهم حقوقهم ونحميهم ونفتخر بهم، حينها فقط يمكن أن نحاسبهم على صمتهم
ونحاكمهم.
لم يستطع الفنانون الدفاع عن حقوقهم ضد القنوات والمهرجانات والسماسرة، لم
يجتمعوا في كلمة واحدة ليوقفوا هذا النزيف، إذا استثنينا ردود أفعال فردية
لا تجلب لصاحبها سوى العداء.
فكيف سيكون لهم رأي في قضايا أكبر وأعقد.. ففاقد الشيء لا يعطيه