«التلفزة تتحرك»
جمال بدومة -
jamalboudouma@gmail.com
لا أحد باستطاعته أن يشكك في الدور
الذي لعبته وسائل الإعلام في الثورات المفاجئة، التي تهز الشارع العربي،
دون سابق إنذار. وسواء اتفقنا أو اختلفنا معها، فإن التغطية التي قدمتها
«الجزيرة» على الخصوص لهذه الاحتجاجات ساهمت، بشكل حاسم، في تعرية
الدكتاتورات من آخر ملابسهم و»ضرب الطر» للأنظمة، عن طريق عرض غسيلها على
الهواء، أمام الملايين، ما جعلها تتساقط كأي فاكهة نخرها الدود واستفحل
فيها الفساد، بل إن القناة القطرية تحولت إلى خصم حقيقي، يشارك في المعارك
ويلعب «القط والفأر» مع الأنظمة المحتضرة، كما حدث مع حكام مصر السابقين
الذين قطعوا بثها على «النايل سات»، وردت عليهم بفتح صورها مجانا أمام كل
القنوات العالمية، وانتصرت عليهم بالضربة القاضية: واكبت الدكتاتور في
رقصته الأخيرة وشيعته إلى مزبلة التاريخ، على الهواء مباشرة، وحظيت بامتنان
كبير من الشعب المصري، والنتيجة أن «الجزيرة» كسبت مزيدا من النفوذ، وحسني
مبارك انتهى ممنوعا من السفر، وجرجرت حاشيته أمام القضاء. ولعل الجميع
لاحظ أن القناة القطرية لم تغط الاحتجاجات التي ينظمها شباب العشرين من
فبراير، بالشكل الذي توقعه الكثيرون، ولم «تقطر الشمع» على المغرب، كما
عودتنا، ومن الصعب ألا نربط ذلك بالزيارة التي حملت عباس الفاسي إلى
الدوحة، أياما قبل العشرين من فبراير، لترؤس اجتماعات «اللجنة العليا
المشتركة» بين البلدين، وهي غطاء مثالي لكل «الصفقات»، و«الجزيرة» ليست في
النهاية سوى الذراع الإعلامي لدولة قطر، التي فهمت أن تلفزيونا مهنيا واحدا
أنجع تأثيرا في السياسة الخارجية من كل السفارات المفتوحة في بلدان
المعمور مجتمعة، بدبلوماسييها وقناصلها وملحقيها السياسيين والعسكريين.
الدولة المغربية، مع الأسف، لم تلتقط الرسالة بعد، والخشية أن تتقدم وسائل
الإعلام لدى الجيران، بعد أن يهدأ الزلزال، ونصبح نحن آخر تلميذ في الصف،
بنشرات تجاوزها التاريخ، وبرامج مفصلة على المقاس، وديناصورات من سنوات
الجمر، يقدمون برامج حوارية، كأن شيئا لم يكن. وإذا كانت الدولة لم تفهم
بعد الرسالة، فإن العاملين في «دار البريهي» قرروا أن يأخذوا الثور من
قرونه ويتحركوا قبل فوات الأوان، وهاهم يهددون باعتصامات مفتوحة، للمطالبة
بالتغيير داخل القنوات التي صار العمل فيها «شبهة»، إلى درجة جعلت بعض
الصحافيين يدفعون الفاتورة أثناء الاحتجاجات التي سيطرت عليها شعارات عنيفة
ضد التلفزيون وقطبه المتجمد. في عصر القنوات الإخبارية الشاملة، مازال
المغرب يريد أن يتنافس بقناة إخبارية لا يعرفها أحد، صنعت فقط كي يصير ابن
الوزير الأول مديرا لها، كأننا في جمهورية موز. ما يحز في النفس أن المغرب
كان يملك قناة اسمها «دوزيم»، في نهاية الثمانينيات، يشاهدها الناس في
السنغال وساحل العاج، وتحتضن نقاشا متقدما... بعد عشرين سنة، عوض أن تتقدم
إلى الأمام تراجعت سنوات إلى الوراء، والخشية أن نظل في سباتنا، وتتقدم كل
قنوات الجيران وتصير لها نشرات إخبارية حقيقية، تفضح عوراتنا على الهواء
مباشرة وتلعب بمصائرنا كما تلعب الريح بأوراق الخريف.