تونس | رغم الأمطار الغزيرة
التي أغرفت البلاد التونسية من الشمال إلى الجنوب، إلا أن أكثر من 300 ألف
من حشود الطلبة والشباب التونسيين خرجوا في اليومين الأخيرين للتعبير عن
سخطهم من أداء الحكومة التونسية المؤقتة منادين بسقوطها.
سيل من البشر توافد على مختلف الساحات العمومية الكبرى في كامل مدن البلاد،
حيث اعتصموا في العراء أو تحت خيم بالية، منادين بـ«سقوط الغنوشي» (رئيس
الحكومة)، ومردّدين مطالبهم السياسية التي يقولون إن تنفيذها يمثّل الضمان
الوحيد لتحقيق أهداف الثورة والحفاظ على مكاسبها.
«الثوار الجدد» نادوا من أمام مقر الحكومة بالقصبة في العاصمة التونسية،
بضرورة «حل الحكومة واستبدالها بمجلس لحماية الثورة» الذي عملت على إنشائه
28 هيئة سياسية تجمع مختلف الأحزاب المعارضة، وتعرف باسم جبهة 14 كانون
الثاني، إضافة إلى منظمات من المجتمع المدني.
وشدّد الشاب جلال على «ضرورة انتخاب مجلس تأسيسي يصوغ دستوراً جديداً، وحل
الدستور الموجود منذ 1959، الذي تستمد السلطة السياسية القائمة الآن
مشروعيتها منه».
ولعل هذه المطالب المشروعة التي طرحت في القصبة لن «يكون لها صدى إذا لم
يُضف إليها مطلب أساسي آخر وهو حرية الإعلام»، وفقاً لما يشير إليه أحد
المنسّقين الوطنيين للاعتصامات في ساحة القصبة في تونس، حمادي معمر.
ويؤكد معمر أن «الإعلام لم يتحرر بعد. فما دام حزب التجمع لم يُحلّ
واقعياً، وزعماؤه الفاسدون لم يُقبض عليهم، فإن الإعلام لا يزال تحت وصاية
الحكومة»، موضحاً أن حكومة الغنوشي لا تملك الإرادة السياسية، وأن هناك
حكومة ظل توجهها من وراء الستار، موجهاً أصابع الاتهام إلى الأمين العام
للتجمع الدستوري محمد الغرياني، الذي لا يزال طليقاً ويفرض آراءه على
الحكومة.
ورغم أن الحكومة التونسية حاولت استرضاء الرأي العام الغاضب من «أدائها
المتواضع» بعد الكشف عن «كنز علي بابا» من أموال ومجوهرات مخبّأة في صناديق
سرية في القصر الرئاسي، في ضاحية سيدي بوسعيد، والتي قدّرت قيمتها بـ42
مليار دينار (قرابة 300 مليون دولار)، إلا أن ذلك لم يمنع المعتصمين من
التوجه إلى القصبة ومختلف الساحات الكبرى في المدن التونسية والمبيت هناك.
كذلك فإن كشف الخارجية التونسية عن طلب مباشر إلى الحكومة السعودية لتسليم
الرئيس المخلوع اصطدم بردّ فعل عنيف، بعد الأخبار التي سُرّبت من الغرب عن
أن بن علي قد توفي بعد إصابة بجلطة دماغية، ما عدّه المعتصمون ذراً للرماد
في العيون، مطالبين بالقبض على «رأس الحية» ليلى الطرابلسي، التي تقول
تقارير إعلامية ليبية إن القذافي استقبلها في طرابلس الغرب.
خطوة إضافية اتخذتها الحكومة من خلال إعلان تعيين المولدي الكافي وزيراً
للخارجية التونسية، خلفاً لأحمد عبد الرؤوف ونيس الذي كان قد استقال من
منصبه في الثالث عشر من الشهر الجاري، فيما حذر عضوا الكونغرس الأميركي،
الجمهوري جون ماكاين، والمستقل جوزف ليبرمان، من فشل «ثورة تونس».
وقال ماكاين وليبرمان، خلال مؤتمر صحافي مشترك عقداه خلال زيارة تونس، إن
«فشل ثورة تونس سيكون كارثياً على التجارب العربية الأخرى»، وذلك في إشارة
إلى مصر وليبيا والبحرين، بالتزامن مع استبعادهما إمكان وصول تيارات
إسلامية متشددة إلى الحكم في تونس، باعتبار أن «قيم التسامح والاعتدال
مترسّخة في المجتمع التونسي».