قال المحلل الاقتصادي فؤاد عبد المومني ل"كود"، إن تشغيل العاطلين تحت الضغط "خرجان لعقل"، مؤكدا أن الاستبداد يمنع في الوقت الحاضر تطبيق الحكم الذاتي.
هل يستطيع الاقتصاد المغربي تحمل نفقات صندوق المقاصة 15التي أضيفت إليها 15 مليار درهم؟
على المدى القصير، نعم. يمكن تحمل النفقات الإضافية خصوصا أن المغرب لم يتورط بعد بشكل كبير على مستوى التوزنات المالية والاقتراض. في المقابل ستكون هناك تأثيرات سلبية على المدى البعيد لمثل هذه القرارات إذا لم يتم تطوير فعالية الإنتاج الاقتصادي الوطني عبر القضاء على الريع والسرقة والنهب والاكتفاء عوض ذلك بإسكات أصحاب المطالب المشروعة عن طريق توريط البلاد في المديونية. هذا ليس سلوك رجال دولة مسؤولين، بل سلوك أشخاص لا يهمهم سوى المحافظة على مواقعهم الآن ويورطون البلاد في حلول غير فعالة.
ما هي الإصلاحات الاقتصادية الضرورية في المغرب اليوم؟
أهم إصلاح هو المسؤولية والمساءلة، يجب توقيف النهب واسترجاع الأموال المنهوبة من طرف أعيان الدولة. يجب القطع مع الالتزامات غير المنطقية فيما يخص الاستثمار من قبيل المشاريع الفرعونية كالقطار فائق السرعة (تي جي في)، والمشروع الفرعوني لإنتاج الطاقة الشمسية في وارززات.
لماذا؟
لأن هذه الاستثمارات الفرعونية لا منطق لها إلا منطق الإرشاء، ولإنها ببساطة لا تستجيب لحاجيات قوية ومباشرة ولا تتجاوب مع متطلبات سوق وطنية ناضجة ولا توفر مردودية اقتصادية بقدر ما توفر مردودية مالية، ولأن هناك اختيارات وبدائل أخرى بكلفة أقل ومردود يساوي أو يفوق ذلك الذي يمكن أن تنتجه هذه المشاريع الفرعونية. لا يجب أن نغفل أيضا أن هذه المشاريع الاستثمارية الكبرى لا تخضع لقرار مفكر فيه تقنيا وسياسيا ومؤسساتيا بل فقط قرارت يتم تهريبها وفرضها بخطاب ملكي دون نقاش أو تفكير. إضافة إلى هذه المشاكل يجب أن نستحضر كلفة الجيش في المغرب والتي تفوق ما يعادل 5 بالمائة من الدخل الوطني علما أنها لا تتجاوز 2 بالمائة كمعدل متوسط عالميا. إلى ذلك تضاف التكلفة المدنية لنزاع الصحراء التي تساوي تقريبا 2 بالمائة من الدخل الوطني، فضلا عن تكلفة عدم الاندماج الاقتصادي في إطار المغرب الكبير.
لكن المغرب مضطر لتحمل هذه النفقات بحكم تورط الجزائر في نزاع الصحراء؟
أبدا، إذ أزيل الاستبداد من مشروع الحكم الذاتي فسيصير مقبولا عند الجميع ولن يبقى أمام الجزائر أي خيار. غادي تولي عاطية ظهرها للحيط. بينما اليوم يتذرع الجزائريون بأن النظام في المغرب عبارة عن ملكية تقليدية على شاكلة الأنظمة الملكية خلال القرون الوسطى. مشروع الحكم الذاتي يعد الصحراويين بالدعم الاقتصادي والمالي مادام مستوى النمو عندهم أقل من المعدل الوطني، ولا يطالبهم في المقابل بأي شيء إذا فاق مستوى النمو الاقتصادي في الصحراء المستوى الوطني. بعبارة أخرى لا شيء يمنع قبول الحكم الذاتي سوى الاستبداد بالحكم. هذا الاستبداد الذي كيمنع البلاد من إنجاز مشاريعها بشكل عقلاني وتنافسي، فالريع يكلف الاقتصاد المغربي الشيء الكثير ويجعل ثمن المنتوج الوطني باهضا ويضعف من تنافسيته، فضلا عن مختلف أنواع الضغوطات التي تفرض على الرأسمال الوطني والأجنبي وتبعده عن الاستثمار في المغرب. خلافا لما يروج حول قوة الدولة في المغرب، نحن أمام هوان الدولة، دولة ضعيفة متقاعسة في تطبيق القانون وتحاول دائما عدم إثارة المشاكل على حساب تطبيق القانون. غير دير اللي بغيتي وما تجبدش الصداع. النتيجة أننا أمام مقاولات لا تحترم القانون ولا يفرض عليها احترامه، علما أن الاقتصاد المغربي يملك من الإمكانيات ما يؤهله لتحقيق نسب نمو أكبر من هاته التي يحققها حاليا. ببساطة يمكننا مضاعفة نسبة النمو إذا تحققت دولة الحق والقانون.
هل يمكن أن تستفيد الفئات الفقيرة من ميزانية صندوق المقاصة وما أضيف إليها أخيرا؟
الدولة وكل المؤسسات المالية الدولية تعرف منذ حوالي 15 سنة على الأقل أن الأغنياء هم من يستفيد من صندوق المقاصة والجميع يوصي بإصلاح نظام المقاصة، لكن هوان الدولة وضعفها يمنع هذا الإصلاح من أن يرى النور إلى اليوم.
تقصد ضعف الدولة أمام الرأسمال؟
ليس بالضرورة أمام الرأسمال وإنما إزاء كل مراكز الضغط أيا كانت طبيعتها. لنلاحظ ما حدث مؤخرا مع الشباب العاطلين عن العمل، طبعا لا أحد يجادل في حقهم المشروع في الشغل، لكن أن تقدم الحكومة على تشغيل كل من يملك ديبلوما في الوظيفة العمومية لتفادي الاحتجاجات، فهذا فضيحة! أي تحقير هذا للوظيفة العمومية ودورها! لا بل هذا ليس فقط تحقير وإنما هو خرجان العقل.