ماذا
نقول حين تدخل دبابة إحدى الأحياء السكنية زارعة الخوف والرعب والدمار
ويبدأ الأطفال برمي الحجارة عليها؟ "تعكير السلام"؟ وماذا نقول عندما يتم
القبض على من يرمون الحجارة والسماح للدبابة بإكمال طريقها دون إزعاج؟
"استعادة النظام"؟ هكذا لطّفنا لغتنا المقززة لوصف واقعنا المضلل الذي نعيش
فيه.
الدبابات لم تعد تدخل الأحياء السكنية، ولم يعد لها أي دور في حفظ النظام في المناطق السكنية، النظام يسود من دونهم بطريقة أو بأخرى.
المحتل يستمر في اضطهاده، والشعب المحتل يتجاوز عاجلاً أم أجلاً غرائزه ومشاعره، ويعود النظام. حتى الآن كان ذلك مفهومنا للإستقرار.
مصر تجرأت فجأةً على "تعكير السلام". شعبها الذي عانى واكتفى من فساد
النظام ومن طغيانه، وقمعه لأصواتهم، نزل إلى الشارع وانتفض. توتر الغرب
وإسرائيل معه من هذا الخطر المحدق بهم، الاستقرار في الشرق الأوسط يتم
تقويضه. من الضروري تقويضه. فالاستقرار بنظر الغرب وإسرائيل يعني المحافظة
على الوضع الراهن.
وضعٌ راهن استفاد منه الغرب وإسرائيل، ولكن على حساب ملايين العرب الذين
اضطروا أن يدفعوا ثمنه. المحافظة على استقرار الشرق الأوسط، تعني المحافظة
على الوضع الذي لا يطاق لمليونين ونصف المليون فلسطيني يعيشون من دون حقوق
تحت نعال الحكم الإسرائيلي، وملايين اللاجئين الفلسطينين الذين يعيشون في
بلدانٍ عربية يفتقرون فيها لأبسط الحقوق والأمل والكرامة.
ما نسميه استقرارا يعني أن يعيش ملايين العرب في ظل أنظمة استبدادية إجرامية.
في المملكة العربية السعودية، تعامل المرأة على أنها في أسفل السلم الاجتماعي.
في سورية المستقرة، أي معارضة للنظام يتم قمعها. في الأردن والمغرب
المستقرين، قرة عين الغرب، لا يتجرأ أحد بالتفوه بكلمة انتقاد لملوكهم، حتى
في المحادثات العادية في المقاهي.
مفهومنا للاستقرار يشمل الملايين من الفقراء والمقهورين في مصر، في حين تحتفل الأسر الحاكمة بملياراتها.
تشمل أنظمة تخصص الجزء الأكبر من ميزانية البلاد لصالح مؤسساتها الأمنية
والعسكرية للحفاظ على النظام، على حساب التعليم والرعاية الصحية والتنمية
والرعاية الاجتماعية.
مفهومنا للاستقرار يشمل أن يورث الحكم من الأب للابن، وانتخابات مزورة، لا يسمح خلالها سوى لممثلين السلطة الحاكمة بالترشح.
مفهومنا يشمل حروبا وصراعات أهلية لا لزوم لها تقدم خلالها الشعوب دماءها غصباً، إرضاءً لحكامها.
تشمل قمع حرية التفكير، وتقرير المصير، والنضال من أجل الحرية، وتعتمد على
الضعف، وإنعدام النمو الإقتصادي، وإنعدام فرص الحياة بكرامة لشعوبها. هذا
الإستقرار المخيف، ما هو إلا نتيجة لفقرهم وقمعهم.
منطقة تتمتع بموارد طبيعية وبشرية، كانت لتزدهر وتتفوق على الشرق الأقصى،
بقيت مستقرة لمدة عقود من الزمن. هذا هو الاستقرار الذي أردنا الحفاظ عليه.
الاستقرار الذي تريده الولايات المتحدة وأوروبا. أي تقويض لهذا الاستقرار
كان بالنسبة لنا تعكير للسلام.
شعب تونس ومصر بدأوا التغيير. الولايات المتحدة وأوروبا ترددت في البداية،
ولكن سرعان ما عادات إلى "رشدها". أدركوا أخيراً أن استقرار المنطقة لم يكن
فقط غير عادل، بل مضلل، وتقويضه حتمي. عندما تغزو الدبابة حياتنا، يجب أن
ترمى بالحجارة، مفهومنا الظالم للاستقرار يجب أن يمحى من منطقة الشرق
الأوسط.