فى اليوم الخامس عشر من ثورة الشباب المجيدة، لا يقلقنى الخلاف والاختلاف الدائر فى الوطن، سواء ما بين الشباب والنظام، أو النظام وأطرافه من المعارضة القديمة التقليدية، بقدر ما يقلقنى عدة مخاوف حقيقية هى:
أولاً: الالتفاف على الثورة عبر عدة محاور مثل:
1- الإعلان عن الاعتراف بالثورة والحديث الطيب عن الشباب سواء من الرئيس مبارك شخصيا وحتى فضيلة شيخ الأزهر وقداسة البابا شنودة مرورا بكل جماعات المصالح السياسية والاقتصادية، كل هؤلاء يسبحون بحمد الشباب ولكنهم يضيفون كلمات حق يراد بها باطل وعلى سبيل المثال ( شباب غير منظم، لا نعرف نتحاور مع من أو من يمثلهم؟، يعطلون مصالح الوطن ......... إلخ) كل تلك التساؤلات المغرضة يراد بها تفريغ ثورة الشباب من مضمونها البشرى، ومحاولة استيعابها عبر القوى القديمة والمتمثلة فى الأحزاب التقليدية، الأزهر، الكنيسة وحتى بعض الوجوه الإصلاحية فى الحزب الوطنى والتى يصدرونها لنا الآن حرصا على استمرار الحزب وعدم تصفيته مثلما حدث فى الحزب الحاكم فى تونس أو اجتثاث البعث فى العراق.
2- خطورة القوى المحافظة التقليدية من أحزاب ومؤسسات دينية وحتى فى بعض الأحيان مدنية أنها مارست المعارضة السياسية والمدنية على مدى ثلاثة عقود بمنهج وآليات النظام القديم، فافتقدت القدرة على الخروج من حالة التنميط والتدجين التى شكلها عليها النظام السابق، الأمر الذى جعلها تتصرف على الشكل التالى:
أ- رفض خروج الشباب ليوم الغضب 25 يناير الماضى (حزب الوفد صرح بأن خروج الشباب اختيارى وعلى مسئوليتهم الشخصية، حزب التجمع اختلف حول يوم 25 على أنه عيداً للشرطة ولا يليق التظاهر فى هذا اليوم، جماعة الإخوان المسلمين التزمت الصمت) وهكذا نجد أن كل القوى الأساسية فى المعارضة قد أمسكت العصا من المنتصف وانتظرت حتى انتصرت الثورة بعد جمعة الغضب 28 يناير ثم صرخت بأعلى صوتها أنها تؤازر الثورة.
ب- وبعد انتصار الثورة شعرت هذه القوة بأن البساط سوف يسحب من تحت أقدامها فأسرعت بوصف الشباب بالنبل والنقاء، ودعتهم للحوار، ولكنهم جميعا ألصقوا بالشباب الاتهامات المختلفة وحملوهم مسئولية تعطيل مصالح الوطن فى محاولة لتقليب الشعب المصرى عليهم.
جـ- ثم الإسراع فى انتهازية مفرطة إلى طلب التمثيل فى الحوار الدائر مع النظام
3- وبشكل خاص يساورنى القلق من القوى الدينية سواء المنظمة حركيا مثل جماعة الإخوان المسلمين التى تحاول فى حنكة ومهارة أن تجنى ثمار هذه الثورة اعتمادا على وزنها النسبى الكبير مقارنة بالأوزان النسبية التى لا تذكر بالقوى السياسية التقليدية القديمة، حيث نشهد الآن ارتفاعاًَ لصوتها فى التحرير أعلى من شباب الثورة، ونجحت حركة الإخوان مؤخراً فى الزج بشباب الإخوان من خلال عملية قيصرية إلى كتلة الشباب المدنى دفع من دماءه لنجاح الثورة.
4- المؤسسات الدينية، دعا فضيلة شيخ الأزهر الشباب للحوار فلم يستجب له أحد، حاولت بعض القوى السلفية أن تنال نصيبها من الكعكة مثال (فضيلة الشيخ محمد حسان)، ولم يستجب له الشباب، وينطبق الأمر كذلك على بعض الدعاة الجدد مثل عمرو خالد الذى أراد أن يمحو من ذاكرة الشباب ما فعله تأييداً للحزب الوطنى واللواء عبد السلام المحجوب فى الإسكندرية أثناء الانتخابات المزورة، ولكن لم تلق تمثيليته الأخيرة أى رد فعل من الشباب.
5- المؤسسات الدينية المسيحية: كلنا نذكر بيان أو تصريحات الأنبا يؤنس مسئول المقر البابوى بالكنيسة الأرثوذكسية، ومطران الجيزة الكاثوليكى أنطونيوس عزيز، ونائب رئيس الطائفة الإنجيلية الدكتور القس اندريه ذكى فى صحيفة المصرى اليوم 24/1/2011 والتى دعوا فيها الشباب القبطى لعدم الخروج فى المظاهرات يوم الغضب، ولكن قد فاتهم أن الشباب القبطى قد تحرر من الخوف منذ أن تظاهر ضد النظام السابق بعد أحداث كنيسة القديسين بالإسكندرية، فخرج الشباب القبطى خاصة أبناء المجتمع المدنى جنبا إلى جنب مع أشقائهم فى الوطن من المسلمين، فما كان من القيادات الكنسية إلا أن تحاول مرة أخرى بتكتيك جديد وهو استدعاء الحكمة والتوازن فى التصريحات ما بين تأييد الرئيس مبارك (انظر أهرام 3 فبراير حيث نجد تأيد للرئيس مبارك من قبل الأنبا شنودة الثالث، وبيان للبطريرك الكاثوليك انطونيوس نجيب، جنبا إلى جنب مع احترامهم لحركة الشباب)، وإن كان قداسة البابا شنودة قد رفض خروج الاكليروس فى مظاهرات الثورة، إلا أنه وافق على خروج بعضهم فى مظاهرات مصطفى محمود المؤيدة لما يسمى بالاستقرار، وبعد النجاح الحقيقى للثورة علت بعض الأصوات التى ترغب فى تمثيل الكنيسة فى الحوار (راجع صحف 6 فبراير وأحاديث البابا شنودة التى يرغب فيها ويؤيد مشاركة الإخوان المسلمين فى الحوار)، فى إشارة واضحة لا تحتاج إلى الذكاء فى أن الكنيسة إذ تؤيد حوار النظام مع الإخوان فإنها تود أن تكون المعاملة بالمثل وتمثل هى أيضا.
6- ولكن جاء الرد سريعا على تلك القوى التقليدية جميعها وبالذات الحركات والمؤسسات الدينية، حيث رفع الشباب شعار (يدا واحدة)، وحما الشباب المسيحى الشباب المسلم أثناء الصلاة، وأقام الشباب المسيحى صلواتهم يوم الأحد 6/2 فى حماية أشقائهم المسلمين، وشاهدنا المئات من المواطنين المصرين الأقباط مدنين أو كهنة أو قساوسة بمختلف المذاهب المسيحية يوقعون على بيانات مؤيدة للثورة، أن أكبر نجاحات ثورة 25 يناير على الصعيد (الدينى) أنها قد أسقطت خرافة التدين الشكلى، أو تحكم المؤسسات الدينية فى المواطنين وتحويلهم إلى رعايا، الأمر الذى يفزع القادة الدينيين ويجعلهم يحاولون بكل السبل إعادة السيطرة على رعاياهم السابقين عبر التمثيل فى الحوار ثانيأ: ولكن القلق والخطورة الحقيقية تتجسد فى "الاوليجاركية" المالية المتمثلة بالقوى الخفية، قوى الثورة المضادة من جماعة الفاسدين من رجال الأعمال التى كانت تلتف حول السيد جمال مبارك والتى قامت بمعركة "الجمل" يوم الأربعاء الدامى هذه القوى معروفة وتمثل القوة الضاربة فى النظام القديم، وتستطيع أن تستغل أى ثغرة ممكنة ليس لضرب الثورة فحسب بل ولضرب مناصرى الإصلاح فى النظام. هذه القوى فى الثورات عادة تمارس الأعمال القذرة من اغتيالات أو أحداث فرقة بين الثوار ثالثا: القوى الخارجية : خاصة إسرائيل أو بعض من يتلفحون بأسماء دينية مثل تنظيم القاعدة أو العناصر الشبيهة لهم، هؤلاء يريدون إجهاض الثورة، أو على الأقل شغلها بمعارك جانية، وأخشى ما أخشاه أن تحاول إسرائيل أن تستغل ما يحدث فى سيناء وتتحرك على الأرض سواء باحتلال أجزاء من سيناء عبر جيشها أو عبر دفعها لبعض الحمساوين المختلفين مع القيادة المصرية للزحف على سيناء كما حدث من قبل. وأخيراً إن هذه الثورة المجيدة والنبيلة تذكرنى بثورة مايو للشباب الفرنسى 1968، تلك التى هزت العالم وكانت نقطة قوتها هى نقطة ضعفها، (مما أسماه الفلاسفة وعلماء النفس السياسى رغبة الثوار فى قتل الأب)، مما جعل كل الآباء بدءاً من مؤسسة الأسرة وحتى الأب الرئيس مروراً بآباء الكنيسة يتحالفون رغم كل خلافاتهم فى مواجهاتها، ويستخدمون ضدها أعنف أساليب القوه الناعمة حتى أفرغوها من مضمونها فى لحظة نشوة الانتصار، لم يستطع الأبناء قتل الآباء، بل قتل الآباء الأبناء بدم بارد وبكوا عليهم طويلاًً.