مكشطين
المعطي قبال -
mkabbal@gmail.com
جرت العادة في الثورات الصاخبة
على أن ترش أجساد الطغاة بالرصاص الحي، أن تبقر بطونهم أو يشنقون في
الساحات العمومية. في حالة بن علي ومبارك، ردد المتظاهرون، كل بلهجته،
شعارات «كفاية يا طاغية»، «إرحل يا خنزير»، «ديكاج»، وهو ما يقابل ما نطلق
عليه نحن بالدارجة المغربية: «واسير فحالك يا هاذ الويل»! أي أن المتظاهرين
طالبوا ويطالبون بشيء واحد: أن يفرغ الطاغيتان الساحة. أليست تلك أمارة من
أمارات النضج السياسي التي تتعارض ورغبة إهراق الدم التي تتحلى بها شعوب
أخرى؟ وقد عمل زين العابدين بن علي على إنقاذ جلده بحكمة هذه الشعارات. ومن
المفترض، إن لم يبق أسيرا لألزايمار أو إن لم تنقذه المليشيات البلطجية،
أن يترك حسني مبارك أم الدنيا بدوره وبلا رجعة. غير أن الطغاة، وهي قاعدة
تاريخية معروفة، لا يفرون أو يغادرون بلدانهم حفاة-عراة، بل يحرصون وبكامل
العناية على نهب الخزينة وإفراغ صناديقهم الحديدية وصناديق الدولة من
الحلي، المجوهرات، ومن «الكاش»، الأوراق النقدية، قبل نقلها وتهريبها على
متن طائرات سرية خاصة إلى الخارج.. تأتي الخطب الخرافية الداعية إلى فتح
حوار مع المعارضة، عدم الترشح للانتخابات، الموافقة على تداول السلطة...
إلخ، كمراوغة لربح الوقت بغية تنشيف ثروات وخيرات البلاد بشكل منهجي ومنظم.
هكذا وفي الوقت الذي كان فيه الطاغية بن علي يسعى إلى فتح قنوات وجبهات
لإنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر خطب سريالية، كانت زوجته ترتب في حقائب، موقعة
بماركة «شانيل» و«لويس فويتون»، قراطيس الذهب وقلائد المجوهرات التي فاقت
قيمتها 5 مليارات دولار، لنقلها إلى الخارج. كان بن علي وعائلته وعائلة
زوجته على علم بأن العاصفة وشيكة الوقوع وبأنه لم يبق لهم سوى تجفيف خزائن
البلاد. وتبقى فرنسا، سويسرا والإمارات إحدى الوجهات التي سربت إليها هذه
الثروات، لكن عبر تدخل وسطاء شبحيين مقربين من النظام، عهد إليهم بمهمة
«تذويب» هذه الممتلكات داخل شركات أجنبية. لكن العصر الذهبي لهذه الممارسات
يعرف اليوم أيامه الأخيرة، وذلك على ضوء الاتفاق الذي أبرمته دول أوربا
27، والقاضي بتجميد ممتلكات الطغاة. فسويسرا، القلب النابض للمعاملات
التجارية ولتبييض الأموال والتي سبق لعالم الاجتماع السويسري جان زيغلير أن
لقبها بـ«الإمارة السويسرية»، هي قيد المصادقة على مشروع قانون يهدف إلى
إعادة رؤوس الأموال والثروات التي حصل عليها طغاة بكيفية لاشرعية وأودعوها
في بنوك سويسرية. وقد أعادت سويسرا، خلال الـ15 عاما الماضية، أكثر من 1,7
مليار فرنك سويسري تم إيداعها من طرف أشخاص يستعمل القانون في حقهم عبارة
«أفراد مستهدفون سياسيا». ويشكل هذا المبلغ نصف المبالغ المستعادة في
العالم. وقد أعادت سويسرا مبالغ خيالية أودعها طغاة في الأبناك السويسرية:
684 مليون دولار سبق أن هربها الرئيس السابق ماركوس، 700 مليون دولار
أودعها حاكم نيجيريا السابق الرئيس أباشا، أما رئيس البيرو سابقا مونتيسونس
فسبق أن أودع في أبناك سويسرا 92 مليون دولار، فيما استرجع المكسيك مبلغ
74 مليون دولار المهربة من طرف الرئيس السابق صاليناص. ولا زالت 5,7 ملايين
دولار المهربة من طرف جان-كلود دوفالييه، الرئيس السابق لهايتي، مجمدة في
البنوك السويسرية. وقد اقترح مشروع القانون الجديد بندا يقوم على مصادرة
الودائع فورا دون القيام بإجراءات إدارية. تحركت مؤخرا دول المجموعة
الأوربية لمراقبة أموال بن علي وأموال عائلته، وهي خطوة أولية ضرورية في
اتجاه خلق الشفافية من حول نهب أموال الشعب. لكن هذه الخطوة تبقى غير
كافية، إذ المطلوب إحداث وسن قوانين جديدة تـُجمد بموجبها فورا وقبل أن
تودع في الأبناك ممتلكات الطغاة، ممتلكات عائلاتهم وعملائهم. حينها، يمكنهم
مغادرة البلاد والخروج من الباب الواسع «مكشطين، بلا فرنك وبلا جوج».