الديمقراطية ليست سيارة
نتان زاخ
2011-02-08
كُلي أمل أن يكون بعض القادة الامريكيين على الأقل
قد أدركوا ان الديمقراطية ليست مستهلكا يمكن تصديره كالسيارات أو الطائرات
أو السلاح أو الأدوية أو المنتوجات الغذائية.
من لم يتعلم بعد فسيضطر
الى ترديد هذه الحقيقة المؤلمة في المستقبل، لانه في عالمنا وفي عالم
الولايات المتحدة الشابة (عمرها نحو 250 سنة) كان لها موجهون ممتازون نطقوا
بهذه الحقيقة في كل مناسبة. أنظروا الى درس فيتنام والعراق وافغانستان
ومصر الآن ايضا. انه درس أصبح عدد يزداد من الامريكيين المتنبهين يجربونه
على جلودهم، وفي مواجهة طاحون نواياهم الخيّرة التي خيّبت الآمال على نحو
'مُنكر للمعروف' كثيرا اذا أمكن ان نستعمل لغة التهكم هنا.
كان يجب حتى على تلميذ تاريخ صغير ان يعلم ان الديمقراطية قد تنشأ في بلد دفع كامل الثمن لإحرازها فقط.
ومعرفة
هذا ايضا تحتاج الى زمن طويل وتأتي عقب اخفاق سلطة الفرد لهذا الطاغية أو
ذاك، أو هزيمة مخزية في حرب أو تخلي ديانة ما عن محاولة فرض نفسها بالقوة
على سكان دولة أو على أقلية ترفض الخضوع لها. لان غير قليل من الحروب في
التاريخ البشري كانت حروبا ذات أسباب دينية. ومن المؤكد انها لم تكن أقل من
الحروب التي نشبت عن شهوة احتلال اراض بقوة عسكرية متفوقة، لانه من منا
يتجرأ على ان يقول مع اليهودي العظيم سيغموند فرويد إن الدين قد لا يكون
أقل من 'نوع من الاختلال العصبي الوسواسي الذي يشمل كل شيء'؟ وأنا أقتبس من
كتاب 'مُبدع' التحليل النفسي في سيرته الذاتية.
فيما يتعلق بالمدة التي
تحتاجها أمة يسيطر عليها حكم استبدادي طاغ، لمعرفة المبدأ الديمقراطي
لحقوق المواطن وواجباته المتساوية لجميع مواطنيها مهما كانت اعتقاداتهم
وثقافتهم وتاريخهم وأصلهم العرقي نرى أمامنا المثال السوفييتي. هل حقا
أصبحت رابطة الشعوب في أيامنا دولة ديمقراطية تحت حكم فلاديمير بوتين؟
وماذا عن الشيشان والحقوق المتساوية لكل مواطن؟.
لا نسارع اذاً الى
الجزم فيما يتعلق بما يحدث في مصر وفي المنطقة كلها التي يحكمها طغاة أو
الاسلام. سيحتاج الاسلام الى عشرات السنين وربما أكثر الى أن يبلغ ما بلغته
انكلترا أولا بعد قطع رأس الملك وفي فترة انتقالية تحت حكم كرومويل،
وفرنسا بعد ثورة دموية وهزيمة نابليون الاخيرة فقط، والمانيا بعد حربين
عالميتين انتهتا الى موت نحو اربعين مليون مواطن وجندي الماني وضياع قطعة
لا يُستهان بها من بلادهم.
من الواضح أن الحل ليس بالزمن وحده. وهنا
يأتي الدور الأكبر والأصعب للثقافة التي ضاقت ذرعا بسلطة انسان على رفيقه،
مهما تكن ديانته ولغته ولون جلده وآراؤه السابقة. يُحتاج لذلك كما قلنا
آنفا الى زمان لكن يُحتاج ايضا الى التربية والتربية والتربية بقدر لا يقل
عنه. ويُحتاج ايضا الى التعلم من المثل الأفضل لا من الاسوأ.
هآرتس ـ 8/2/2011