امريكا من دون اصدقاء
صحف عبرية
2011-02-08
عندما تم انتخاب باراك اوباما رئيسا للولايات المتحدة
قبل أكثر من سنتين عُدَّ في نظر كثيرين (وأنا منهم) بوصلة العالم
الاخلاقية. ظن كثيرون ان السياسة الامريكية الجديدة ستحركها المصالح غير
المكترثة بقدر أقل والمبادىء الاخلاقية وحقوق الانسان بقدر أكبر. وكان
الشعور ايضا بأن التغيير الذي يبشر به انتخاب اوباما سيُدوّي في العالم كله
للخير، وأن الديمقراطية والقوى الليبرالية ستقوى في مجابهة التطرف
والأصولية.
في هذا السياق من المثير للاهتمام أن نقارن المظاهرات
ومحاولات الثورة في ايران في حزيران ( يونيو) 2009 بما يحدث في مصر في
كانون الثاني ( يناير) 2011، والردود الامريكية على هذه الأحداث المهمة
التأسيسية. الحديث في الحالتين عن نظم حكم شمولية، وفساد وتزوير انتخابات،
وجمهور كبير ضاق ذرعا بكل ذلك ويثور بشجاعة وحق على القمع ومن اجل الحرية
والنماء ومستقبل أفضل.
لكن توجد فروق ايضا. فالنظام الايراني الحالي
يعارض على الدوام مسيرات السلام، ويتفوق على نظام حكم مبارك في الاخلال
بحقوق الانسان. إن مشاهد كرجم النساء أو إعدام المتظاهرين تتم في ايران لكن
لا في مصر حيث يكشف الجيش عن ضبط للنفس يثير الانطباع على الأقل. ومن جهة
ثانية، كانت المظاهرات على النظام في ايران غير عنيفة رغم العنف الوحشي
بها. لم تُسلب ممتلكات ولم يُحرق المتظاهرون مباني السلطة كما في مصر.
لهذا،
حتى لو تجاهلنا الجانب المصلحي (ايران تهديد للغرب ومصر حليفة) وتصرفنا
بحسب مبادىء العدل الطبيعي، كان من المناسب أن يؤيد الرئيس اوباما
المتظاهرين الايرانيين وطموحهم الى الحرية بقدر لا يقل بل ربما يزيد عمّـا
فعل للمتظاهرين المصريين. إن صمت اوباما المحرج في تلك الايام المصيرية من
حزيران (يونيو) 2009 ناقض مبادئه المعلنة، وجعله شريكا في القمع الوحشي
واضاعة احتمال نادر لتحول في ايران.
في مقابلة ذلك، سارع في مصر الى
تأييد المتظاهرين، وتخلى عن النظام الحالي الذي أيدته الولايات المتحدة
ومولته مدة سنين كثيرة، وكانت بذلك شريكة في افعاله. إن طلب انتخابات شفافة
وديمقراطية، الذي وُجه الى مصر الآن، لم يُوجه الى ايران في ظروف مشابهة.
ما
معنى ازدواج الوجه هذا؟ قد يكون معناه ان اوباما يعمل مع كل ذلك بحسب
مصالح، ويفضل أن يؤيد من تكون يده هي العليا بحسب تقديره. ولما كانت سلطة
احمدي نجاد تبدو له أكثر استقرارا من سلطة مبارك، فقد تنحى جانبا ولم يساعد
على تغيير نظام الحكم في ايران رغم أنه كارثة على الشعب الايراني والمنطقة
كلها.
هذه سياسة مجرورة، تبلغ حدود الانتهازية التي أساسها التخلي سلفا
عن المبادرة وعن العمل في التغيير في الاتجاه الصحيح رغم العوائق بهدي من
مقولة 'اجل نستطيع' في معركة انتخابات اوباما. يوجد في هذا التخلي الامريكي
(ويتجلى ايضا في تجاهل نقض حقوق الانسان في الصين والمظاهرات على حكم حزب
الله في بيروت) شيء محزن جدا، وينعكس على العالم كله الذي أخذ يتطرف.
إن
الاجراءات العفوية في تونس ومصر والشرق الاوسط كله تثير التقدير، سواء
أفضت الى قدر أكبر أو أقل من الحرية، وسواء كانت خيرا على اليهود أو شرا.
لكن لا يمكن تأييد الحرية وحقوق الانسان على نحو انتقائي. إن سياسة
الولايات المتحدة الخارجية الجديدة تُذكر احيانا بما قيل عن الملك داود في
قصة تمرد أبشالوم: 'محبة كارهيك وكُره مُحبيك'. اذا استمرت الامور على هذا
الحال فقد تبقى الولايات المتحدة في القريب بلا مُحبين، ومع كارهين فقط
وتُعد بلا أي قوة، وتفقد ما بقي لها من تأثير ومكانتها في العالم.
' أديب وأستاذ كرسي للرياضيات
هآرتس ـ 8/2/2011