الناظور عاصمةً لتامازغا وللأمازيغيين
بقلم: محمد بودهان
يعد انعقاد الملتقى الرابع للكنكريس العالمي الأمازيغي بالناظور (أيام 5، 6، 7 غشت 2005) انتصارا كبيرا حقيقيا: انتصارا على ذواتنا، نحن الأمازيغيين، باستعادة الثقة في أنفسنا وتكسير حواجز الرقابة الذاتية المستبطنة لطول ما تعرضنا له من منع وقمع وإقصاء؛ انتصارا ثانيا على الطابوهات التي حطمناها بعقد المؤتمر الرابع لأول مرة فوق أرض أمازيغية، مؤكدين بذلك أننا لم نعد "ضيوفا" ولا "منفيين" ـ كما كان يتعامل معنا دائما من طرف السلطات العروبية في أوطاننا ـ يشترط عليهم ليمنح لهم حق الإقامة أن لا يعقدوا تجمعات عمومية ولا يقوموا بأنشطة سياسية. لقد أثبتنا أننا فعلا أحرار في بلادنا الأمازيغية نجتمع متى نريد وأينما نريد فوق أرض تامازغا الطيبة.
إن عقد مؤتمر الأمازيغيين فوق أرضهم الأمازيغية كان حلما ظل يراود الجميع منذ المؤتمر العالمي الأمازيغي الأول سنة 1995. وها هو الحلم يتحقق اليوم ويصبح واقعا حاصلا، كما قال لونيس بلقاسم، رئيس المؤتمر، في كلمة اختتام أشغال المؤتمر الرابع بالناظور. إن كثيرا من مطالبنا الأمازيغية، التي تبدو اليوم كمجرد حلم، ستعرف نفس المصير، أي ستتحول إلى واقع وحقيقة كما حدث مع "حلم" عقد المؤتمر الأمازيغي فوق الأرض الأمازيغية. لا يتطلب تحقيق هذه المطالب حربا ولا مواجهة مسلحة، بل فقط الإرادة. نعم، يكفي لتحقيق ذلك أن نريده، كما قال كذلك لونيس بلقاسم في كلمة الاختتام. فالإرادة هي التي تخلق القدرة، وليس العكس.
إن مجرد عقد هذا المؤتمر الرابع بالناظور هو في حد ذاته نجاح نهائي لهذا المؤتمر. فبالأحرى أن يكون هذا الأخير قد حقق كل أهدافه التي حددها بحضور أزيد من 500 مشارك من كل أقطار تامازغا والمهجر بالإضافة إلى الوفود الأجنبية التي تمثل مختلف المنظمات الدولية. لقد مر كل شيء كما كان مقررا ومسطرا، وفي ظروف حسنة وجيدة.
هناك من يقول بأن الكنكريس العالمي الأمازيغي لم يحقق شيئا: فالأمازيغية لا تزال على حالها سياسيا، أي لم يتم الاعتراف بها من طرف الحكومات العروبية بشمال إفريقيا، ولا تزال على حالها لغويا ولم يلعب الكنكريس أي دور في توحيد ومعيرة اللغة الأمازيغية. إذا كان هذا صحيحا فإنه ليس صحيحا أن من مهام الكنكريس العالمي الأمازيغي حمل السلاح لمواجهة الحكومات العروبية بشمال إفريقيا لفرض الاعتراف السياسي بالأمازيغية، ولا من مهامه كذلك فرض لغة أمازيغية معيارية، بل إن مهمته الرئيسية هي التعريف بالقضية الأمازيغية على الصعيد الدولي، وخصوصا أمام المنظمات الدولية مثل منظمة الأمم المتحدة، المجلس الأوروبي، الاتحاد الأوروبي، اليونيسكو، ومطالبة الحكومات بشمال إفريقيا بالاعتراف السياسي واللغوي والثقافي والهوياتي بالأمازيغية تفعيلا للمواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان. ومن مهامه كذلك التنسيق بين الجمعيات الأمازيغية لمختلف بلدان شمال إفريقيا والمهجر لتوحيد المواقف حول أي جانب يتصل بالأمازيغية، بما في ذلك الاعتراف السياسي بالهوية الأمازيغية ومشروع توحيد اللغة الأمازيغية.
ويكفي أن يكون المؤتمر فرصة للاتقاء بين الأمازيغيين من مختلف مناطق العالم وإقامة تعارف وتواصل فيما بينهم ليكون هذا المؤتمر مهما ومفيدا، بل ضروريا للأمازيغية والأمازيغيين.
هناك كذلك من يؤاخذ المنظمين أنهم أغفلوا هذا الجانب أو ذاك، أو تناسوا هذا الأمر أو ذاك. نعم، من السهل، عندما نغيب عن الأمازيغية طيلة ثلاث سنوات ثم تتاح لنا الفرصة لحضور المؤتمر أن تتبادر إلى ذهننا الملاحظات والانتقادات والمؤاخذات. إنه شيء سهل ولا يكلف شيئا. لكن هل فكر هؤلاء فقط في كم يكلّف إعداد ملصق واحد للمؤتمر من الوقت والجهد والمال؟ فبالأحرى الإعداد لحدث في حجم مؤتمر عالمي بإمكانيات تطوعية محدودة، علما أن المنظمين لا يتقاضون على مجهودهم وتضحياتهم أجرا ولا شكورا، بل يقومون بعمل تطوعي يضحون فيه براحتهم وعطلتهم ومالهم ووقتهم وحتى بأسرهم التي يهجرونها لمدة أسابيع أو حتى شهور. إذا عرفنا هذه الحقيقة سنعترف أن تنظيم مثل هذا المؤتمر، وبالنجاح الذي عرفه، هو معجزة حقيقية. ويكفي أن نستحضر ما تعرفه مؤتمرات الأحزاب المغربية من تأخير في الموعد القانوني لعقد جموعها العامة ومن تعثر وسوء تنظيم لمؤتمراتها رغم الإمكانات المالية والبشرية الهائلة التي ترصد لتك المؤتمرات الحزبية.
لا ننسى الدور الكبير والحاسم للسيد طارق يحيى، رئيس غرفة التجارة والصناعة التي احتضنت قاعتُها المؤتمر. فبدون مساعدته ومساندته ما كان لهذا المؤتمر الرابع أن يرى النور بالناظور، كما اعترف بذلك لونيس بلقاسم في كلمتي الافتتاح والاختتام.
وأخيرا ينبغي الاعتراف أن هذا المؤتمر الرابع كان مفيدا كذلك للسلطة بالمغرب، التي تعلمت منه الممارسة الديموقراطية واحترام القانون. فقد فرض عليها أن تكون سلطة لا لخرق القانون بل لاحترامه والتصرف طبقا لنصوصه ومقتضياته، وبذلك تحولت إلى سلطة الحق والقانون لا سلطة المنع والقمع. لقد عقد المؤتمر بعد مجرد إخبار ـ نعم مجرد إخبار ـ السلطة طبقا لما ينص عليه قانون الحريات العامة. وبناء على ذلك الإخبار أرسلت هذه السلطة رجال الأمن، لا لإغلاق القاعة وتفريق المجتمعين، كما عودنا على ذلك مخزننا العزيز مرات ومرات كثيرة، بل للسهر على أمن المؤتمرين وضبط وتنظيم حركة المرور الكثيفة بالشارع الذي تقع فيه غرفة التجارة والصناعة حيث تجري أعمال المؤتمر. ألم نقل دائما إن الأمازيغية هي مفتاح الديموقراطية بالمغرب؟
فهنيئا للأمازيغيين على تنظيم مؤتمرهم لأول مرة فوق أرضهم الأمازيغية، وهنيئا للمنظمين، وعلى رأسهم جمعية تانوكرا المنسقة العامة، على المجهود الكبير الذي بذلوه في التحضير للمؤتمر، وهنيئا لطارق يحيى الذي كانت مساعدته حاسمة لانعقاد المؤتمر بالناظور، وهنيئا للمكتب الفيديرالي الجديد والرئيس لونيس بلقاسم، وهنيئا للسلطة التي بدأت تتعلم السلوك الديموقراطي واحترام القانون بفضل الأمازيغية.
الأربعاء نوفمبر 11, 2009 10:29 am من طرف بن عبد الله